عماد مسعد محمد السبع
الحوار المتمدن-العدد: 3363 - 2011 / 5 / 12 - 22:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من شاهدالملك (عبد الله ) وهويسيرمتكئا على عصاه فى الإجتماع الإستثنائى لدول مجلس التعاون الخليجى يدرك أن ( الهم السياسى والثورى العربى الجديد) ساهم فى أنحناء وتقوس ظهرهذا الشيخ التسعينى !. إلأ أن تلك الرمزية لا تقارن بأثر الإعلان عن تنازل خليجى غير مسبوق بدعوة كل من ( الأردن والمغرب) للإنضمام لعضوية مجلس التعاون !.
هذه الخطوة المفاجأة بررها أمين عام المجلس - الذى أتسم كتنظيم بالعزلة والتقوقع على الذات والتعالى على باقى بلدان العرب - بوجود " سمات مشتركة وعلاقات خاصة وأنظمةمتشابهة أساسها العقيدة الإسلامية تجمع الأردن والمغرب بباقى دول مجلس التعاون " .
هذا المبرر لم يصادف قبولآعند الراصدين للحالة الخليجية والعربية , فالمنطق الخليجى ظل رافضآ لعضوية "اليمن والعراق "على مدارسنوات طويلة ولم يراع أواصرووشائج العلاقات الجغرافيةوالتاريخيةوالشعبية الجامعة له مع هاتين الدولتين .
واقع الأمرأن هذا التحول الخليجى نحو توسيع عضوية مجلس التعاون سيشكل - فى حالة نجاحه - متغيرآ هامآ فى المشهد السياسى العربى , كما أنه يعكس فى تلك المرحلة عدة دلالات يتعين الإنتباه اليها - وتخلص فى الآتى :
أولآ : أنه يعكس مرونة وتفاعل خليجى مع معطيات الحالة العربية الجديدة . فهذه البلدان قبلت أخيرآ بالإنفتاح على غيرها من الدول العربية وعلى أثر التطورات التى تشهدها الساحة السياسية . ولكنها تصرفت بصراحة ووضوح كمنظومة تسعى للوحدة وبهدف مواجهة مشهد أقليمى بات معاديآ لها ويعلى من أهمية التغييروضرورة الإصلاح . فهى تعلمت جيدآ من درس أن الدفاع عن البقاء يجب أن يبدأ بادارة وتوجيه مسارات الإحتجاجات والتأثيرفى المحيط الإقليمى الواسع .وأن الإكتفاء بأجراء تحصين وترتيبات داخلية - كما حدث بمصر و تونس - لا يكون كافيآ لتحقيق الهدف المنشود والنتيجة المطلوبة .
ثانيآ :هذه البلدان تختزن يقينآ بأن تحولات جيوسياسيةوأستراتيجية كبيرة ستطال الأقليم فى ضوء المتغيرات السياسية المتلاحقة . فقد تختفى بعض الكيانات الموحدة وقد يصيب الإنقسام دولآ قائمة ,وقد تولد أنظمة جديدة من رحم تطعات و مطالب جماعات عرقية ومذهبية ودينية . ومن هنا رأت أن التضحية ب( الهوية الخليجية المغلقة ) سيساهم فى تغزيروجودها ككيان جغرافى وسياسى . فهذه البلدان لم تبلور تقاليد للإدارة ولمؤسسات الحكم كما لا تتمتع بتماسك أجتماعى وهوية وطنية خالصة تحفظهاعن الصراعات العائليةوالعشائرية والقبلية .ومن ثمة فأن هذا التحول فى هوية المجلس يعكس قلقلآعلى الحالة الوجودية الجغرافية-السياسية التى ظلت هذه البلدان على قناعة بثباتها وأستقرارها خلال عقود طويلة .
ثالثآ : أن الفوائض الدولارية/النفطية أصبحت تتمتع بهامش للمناورة وبمعزل عن التوجهات السياسية لأمريكا والغرب .فمنذ واقعة سقوط مبارك أستشعرت بلدان الخليج أن أوباماعلى أستعداد للتضحية بحلفائه التقليدين بالمنطقة . ثم تعززهذا الهاجس بالإنتقادات الأمريكية لسلوك البحرين عند قمع التظاهرات الإحتجاجية فى ميدان اللؤلؤة . وحيث عمدالمسئولون الامريكيون للتأكيد على ضرورة تقديم تنازلات سياسية للمعارضة الشيعية وأن يمضى"آل خليفة "نحوالتفاوض معها -كما نصح بذلك وزير الدفاع الأمريكى .فضلآ عن أن أمريكا وأوروبا تحررتا من الخوف المتزايد من الإسلام السياسى وامكانيات صعوده للحكم لاسيمابعد مقتل أبن لادن وتزايد المطالب الديموقراطية لشعوب الشرق الأوسط . بلدان الخليج لم تكن راضية عن هذا المنحى الأمريكى الجديد الداعم للتغيير والذى يشكل تحولآ هامآ فى السياسية الخارجية الأمريكية تجاه المنطقة . و باختصار فأن التزام أمريكا بالحفاظ على الوضع الراهن لم يعد قائمآ,وهوالأمرالذى حذى بالخليجيين نحو سلوك طريق خاص والتفكير فى أستغلال نفوذهم وعوائدهم المالية لأجل أستمراروبقاء أنظمتها الحاكمة . خطوة ضم الأردن والمغرب تدخل فى أطارهذا الهامش ,ووفق خطة لتوظيف المال والثراء الخليجى فى ضوء المعطى الخاص بغياب الدعم السياسى الأمريكى وتآكل الحماية الأمنية التقليدية الرافدة له.
رابعآ : أن تلك الخطوة تؤشرلإرهصات وجود أستراتيجية خليجية موحدة بشأن التعاطى مع التهديدات الخارجية .فالحكومات الخليجية لم يعرف عنها نمط المواجهة المتسقة ( للتهديدات مشتركة ) - أذ تنفرد كل دولة فى العادة بتقريرما تراه مناسبآ لأولويات سياستها الخارجية.وممالاشك فيه أن خطوة ضم الأردن والمغرب مازالت غيرواضحة الملامح ولكن ستعقبها خطوات آخرى تالية. فالحاجة لمزيد من الجهود متعددة الأطراف ستنتظمها خريطةعمل خليجى مشتركة عند نهاية الطريق .
تلك هى الدلالات التى حملتها دعوة ضم الأردن والمغرب لعضوية مجلس التعاون الخليجى .أما الدوافع وراءهذا القرار المفاجىء فهى وأن كانت مفهومةمن جانب ( الأردن والمغرب ) ومحصورة فى رغبة الحصول على مساعدات وحوافزمالية خليجية لتنمية أقتصادياتها ,فأنهاتبقى محل تساؤل خاصة بالنسبة ( للمغرب) التى لا تجمعها مع دول مجلس التعاون ثمةأواصرجغرافية أوتاريخية أوثقافية .
واللافت أن البعض سارع للقول بأن قادة المجلس يحاولون " تعزيز الأنظمة الملكية بالمنطقة", وأن أحدآ منهم لايريد رؤية سقوط قطعة الدومينوالملكية الأولى فى ظل قناعة بأن الثورات العربية ستستهدف الأنظمة الملكية ,وأن منظمة التعاون الخليجى يجب أن تكون " نادى حمائى للملوك العرب ".
وتبدوهذه الرؤيةغير دقيقة - فانضمام المغرب لمجلس التعاون الخليجى ليس له علاقة بالمداالشيعى بالمنطقة ولابطبيعة الملكية المخزنية ,ولكنه ينتمى بالآحرى لما يمكن أن نطلق عليه( الحرب العربية الباردة )وترتيبات الإصطفاف السياسى والواقعى فى أطارها .
فثمة صراع محتدم بين أنظمة تدعم التغييروأنتفاضات الجمهوروحركة التاريخ الصاعد , وبين آخرى تروم الحفاظ على الإستقرارالهش والمصالح الثابتة مع أوروبا وأمريكا.ووفق الرؤية الخليجية فأن موقع المغرب يتحدد بخانة هذه الأنظمة الأخيرة , وكمؤيد ومساند لإستمرارالاوضاع القائمة بالمنطقة.
كماتريد دول الخليج أن يكون المغرب - وبما تمتلكه من رصيد سياسى وتاريخى مع أسرائيل - مدخلآ لتوطيد العلاقة معها في مرحلة مابعد الثورة العربية.فضلآ عن أنه يحتفظ لنفسه بالإشراف على( لجنة القدس ) كراعي ومسئول عنها .ومن البين أن ملف القدس والمقدسات ستزداد أهميته خلال مرحلة التسوية النهائية. ومن هنا تظل المغرب قاطرة عبورجيدة للخليجيين نحومفردات الشأن الفلسطينى,لاسيما بعد الصعود المصرى الأخيرلصدارة المشهد وسيطرته على أوراق اللعب المؤثرة .
ويبدوتعقب "حركة رأس المال الخاص الخليجى "مفيدآ فى لفهم هذا التوجه الخليجى الجديد . فهناك تدفق متواصل من جانب الإستثمارات الخليجية نحوالمغرب ومشاريعها السياحية قبل مرحلة الأزمة المالية العالمية الأخيرة .كما تمثل قواعد ( الإتجار بالمخدرات المغربية )أغراءآ مستمرآ لرأس المال الخليجى الناشط بمجال الإقتصاد الأسود . ويضغط هذا الرأسمال على الحكومات الخليجية لتوثيق أواصرالشراكة السياسية والإقتصادية مع المملكة المغربية وبهدف جنى أرباحآ طائلةعندأتحاد منطقة نشاطه .
وأياماكانت المزاياالإقتصادية التى سيحصدها المغرب من تلك الشراكة فستكون خطأ تاريخيآكبيرآ ,فتواجده داخل هذا الحلف الخليجى يتعارض مع الجغرافيا ومنطق التاريخ والفكر الإستراتيجى الرشيد . فالمغرب يختلف جذريآعن دول الخليج فى درجة الإدارة السياسية ومؤسسات الحكم ,وفى مستويات التماسك الإجتماعى والهوية الوطنية والتكامل القومى.
كماتمتلك المملكة المغربية برلمانآ منتخبآ ومجلس مستشاريين و أحزاب سياسية وحراك للمجتمع المدنى و ثقافة فرانكوفونية مميزة .وهى لم تكن يومآ جزءآ من الإمبراطورية العثمانية ,ورغم تواجد أقلية أمازيغية الإ أنها أندمجت مع النسيج والكيان الوطنى والسياسى المغاربى .كمايتمتع جهازالإدارة المغربى بثبات واستقرارعتيد وتبدوالملكية نتاجآلواقع تاريخى ودولتى ممتد منذ قرون .
كما أن المغرب سيضطرلتقديم" تنازلات سياسية " فى أطارتلك العضوية الخليجية ,وسيطلق رصاصة الرحمةعلى أمل الوحدة مع نظرائها المغاربيين .وقبل ذلك كله فأنه سيبقى محسوبآ على خانة " الثورة العربية المضادة "وبما يؤثرسلبيآعلى مستقبل الإصلاحات السياسيةوالإجتماعية المنشودة فيه.
ويظل الرهان معقودآ على دورالقوى والفعاليات السياسية والحزبية والمدنية المغربية فى الوقوف بحسم ضد هذا التوجه الخليجى الرجعى– غير النزيه وغيرالمبرىء – تجاه المغرب , وضد أشواق جمهوره العارمة فى مجتمع العدالة والحرية والديموقراطية .
عماد مسعد محمد السبع .
#عماد_مسعد_محمد_السبع (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟