|
اوراق سياسية لقاء مع هاني الفكيكي
محمد سعيد الصگار
الحوار المتمدن-العدد: 3316 - 2011 / 3 / 25 - 08:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مع هاني الفكيكي پاريس - لندن
پاريس في 1984/5/29::
في أول أسبوع من هذا الشهر، زارني هاني الفكيكي في بيتي بباريس، وامتدّت سهرتنا إلى الثانية فجراً؛ تشعّب فيها حديثنا إلى عدّة فروع كان أصلها الحديث عن انقلاب 8 شباط 1963 في العراق. وكنت شديد الإهتمام برأيه، فهو أحد أعضاء القيادة القطرية لحزب البعث آنذاك، ولديه آراء ومواقف رافضة لمجموع سياسة الحزب. منذ ذلك التاريخ إلى الآن .
وقد همّني أن أعرف منه ما إذا كان قتل رشيد مصلح - الحاكم العسكري العام للإنقلاب، وصاحب البيان رقم 13 المشهور بإبادة الشيوعيين في العراق - بعد استيلاء البعث على الحكم ثانية في 17 تموز 1968، مبنيّاً على أساس أن رشيد مصلح كان جاسوساً أمريكياً فعلاً، كما اعترف هو في ندوة تلفزيونية، ورأيته أنا بنفسي وهو يعترف، وأعدم على أساس ذلك، أم أن حقيقة الأمر هي صراع بين عوائل تكريت على السلطة، وأن إعدامه كان تصفية لعناصر تعارض خط (صدام - البكر)، كما حصل لحردان التكريتي الذي اغتيل في الكويت، وآخرين، أجاب هاني، بجزم:
« بل كان جاسوساً امريكيا فعلاً»،
وقال: « لئن كان علي صالح السعدي قد اعترف بقوله: «لقد جئنا - يعني البعثيين - إلى السلطة بقطار امريكي»، فقد كان على حق؛ ولكن لا علي صالح السعدي، ولا أنا نعرف التفاصيل.
وقال هاني:
« ولكنني سأذكر لك حكاية حصلت في أول أيام الإنقلاب، تتلخص في أن أحد الضباط البعثيين في الإنقلاب، ويُدعى عدنان عبد الجليل، جاء إليّ وأفصح لي عن تذمره من وجود ذياب العلگاوي ورشيد مصلح في (قيادة الثورة) وهما جاسوسان امريكيان؛ وطلب أن يُراجع الموقف منهما. فما كان مني إلا أن ذهبت إلى احمد حسن البكر ونقلت إليه ما قاله عدنان عبد الجليل محذراً. فأطرق البكر قليلاً، وقال:
«إحنه ندري بيه وبعلاقاته». وقد اكتفيت يومها بهذا الرد على اعتبار أن كبار المسؤولين على علم بتحركات المشبوهين. ولكنني منذ ذلك اليوم، وإلى ما قبل شهرين أو ثلاثة، لم أكن أعرف مَن الذي كان على علاقة بالأمريكان؛ وحتى علي صالح السعدي الذي قال قولته الشهيرة، لم يعرف ذلك؛ ولكنني، بعد واحد وعشرين عاماً عرفت من مصدر وثيق (لم يذكر هاني إسمه) أن رجل الأمريكان كان احمد حسن البكر نفسه، ومعه صالح مهدي عماش.
ثم دار بنا الحديث عن (قطار الموت)، فقال: «لقد اتخذ رشيد مصلح قراراً بإعدام 450 شيوعياً كانوا معتقلين في السجون، دفعةً واحدة. والذي جهّز قطار الموت الشهير هو أنا، إنقاذاً للشيوعيين من هذه المذبحة الجماعية الرهيبة، فاتصلت فوراً بمصطفى الفكيكي، وكان يومها مديراً للسكك وطلبت منه تجهيز قطار على وجه السرعة لنقل المعتقلين، فردّ مصطفى بأن ذلك مستحيل لعدم توفر قاطرات لهذا العدد وبهذه السرعة، فقلت له: جهّز أي قطار حتّي لو كان شاحنات حديد؛ وهذا ما حصل. فقطار الموت لم يكن قطاراً للموت، بل قطار إنقاذ من مذبحة جماعية».
وقال: «عندما تقرر تسفيرنا إلى سورية للتخلص منا في اجتماع حزبي، قام رشيد مصلح وهتف بحياة الحزب، قائلاً: إن قيادة الثورة قد تخلصت من خونة الحزب».
وعندما قلت له إن حازم جواد قال لي شخصياً بأنه كان في نية البعثيين، قبل انقلاب شباط منح الحزب الشيوعي امتيازاً لجريدته (اتحاد الشعب)، وأنه لم يكن في نية البعثيين إبادة الشيوعيين، ولكن مقاومتهم الإنقلاب أدّت إلى المواقف المعروفة. قال: «يكذب حازم جواد» فالإنقلاب كان ضد الشيوعيين أصلاً؛ وهو منسجم مع موقف حزب البعث من الشيوعيين؛ ألا يذكر حازم جواد أن المادة 11 من دستور الحزب كانت تنص حرفياً على ما يلي: «يُجلى عن الوطن العربي كل من دعا أو انضم إلى تكتل عنصري ضد العرب». وقد ألغيت هذه المادة من دستور الحزب في ايلول 1963.
* لقاء آخر بهاني الفكيكي في بيته بمقاطعة سَري في انگلترا
ا لتقيت ثانية بأبي حيدر (الفكيكي) في الثلث الأخير من تموز 1984، في بيته بمقاطعة (سَري) بإنگلترا، ودار الحديث مفصلاً عن بعض أحداث اقلاب شباط 1963 في العراق، فقال: «مرّ بلندن قبل حوالي تسعة أشهر، طالب شبيب، واتصل بي طالباً أن نلتقي على عجل لأنه على نية السفر ظهر اليوم التالي، ولكونه مرتبطاً بموعد سابق مساء ذلك اليوم، تمّ اللقاء صباح اليوم التالي، وبادرني طالب بالدعوة إلى عمل سياسي مشترك، فقلت له: وماذا عسى أن يكون ذلك العمل؟ وما جدواه؟ لقد عملنا فيما سبق معاً، وانتهينا إلى أن كل حركتنا وما فعلناه كان ذبح الشيوعيين، لا أكثر ولا أقل».
وقد سألت هاني أن يعود بي إلى نقطة كان قد حدثني عنها في لقاء سابق في بيتنا بپاريس، فقال:
«على إثر ما ذكره لي طالب شبيب عن العمل السياسي الجديد، وإشارتي إلى مذبحة الشيوعيين، قلت له: إنني إلى الآن لا أعرف أي خيط وصل البعثيين بالأمريكان، على الرغم من مرور أكثر من عشرين عاماً على الإنقلاب؛ فقال طالب « أنا أعرف مَن !« والقصة بدأت منذ أن كُلف صالح مهدي عماش بالإتصال بالقنصل الأمريكي ببغداد لحل قضايا الطلاب العراقيين في الولايات المتحدة، والتي هبّ القنصل إلى تصفيتها بسرعة ليكسب ودّ عماش، وفعلاً كسب ودّه، وكان يزوره في مقر وزارة الداخلية كل يوم سبت، ولمدة طويلة جعلت عماش يتذمر ويطرح الموضوع أمام مجلس قيادة الثورة، متضايقاً من كون هذه الزيارة المستمرّة والمنتظمة تحرج موقفه بين بقية الضباط، وطلب فيها حينها أن يوكل شخص آخر بالإتصال بالقنصل، وفعلاً تمّ الإتفاق على أن يتصل به مدير الأمن العام (...) الذي اتصل به مرة واحدة ثم تنصّل ».
أما موضوع رشيد مصلح فذكر هاني أن وليد محمود سيرت أخبره أن واحداً من ضباطه أبلغه أن رشيد مصلح دعاه للعمل معه للإطاحة بنظام 8 شباط، فطلب وليد من ذلك الضابط أن يستمر في الإتصال يرشيد ويوافق على عرضه ويعمل معه، ويسجّل كل ما يدور في الإجتماعات على أشرطة. وفعلاً تمّ تسجيل سبعة عشر شريطاً تضمنت خططاً وحوارات بين رشيد مصلح وعلي الشعلان وكاظم العطية ومحمود السهيل وآخرين. وجاء هاني بكل تلك الأشرطة وأدارها على مسمع من احمد حسن البكر الذي كان رئيساً للوزراء آنذاك. وسأل: مَن هم؟ فعرّفته عليهم (والكلام للفكيكي)، ويستمرّ): وقال ما الحل؟ قلت نعتقلهم كلهم فوراً ونحقق معهم، فقال نعتقلهم كلهم ما عدا رشيد مصلح، قلت: إما أن نعتقل الجميع وبضمنهم رشيد، وإما لا، فالكل ضالعون بنفس المؤامرة، فقال إن رشيد هو الحاكم العسكري للثورة، وذلك يضعف الثورة في نظر الناس، فلنعتقل هؤلاء، ونعالج موضوع رشيد على حدة. فقمنا باعتقال المجموعة ما عدا رشيد، وألفنا لجنة تحقيق معهم حصلت على اعترافات من علي الشعلان وآخرين.
ثم صادف انعقاد مؤتمر الحزب في دمشق، فسافرت لحضوره، وبقيت 18 يوماً هناك عدت بعدها لأجد أن لجنة التحقيق قد ألغيت، وتألفت بدلها لجنة أخرى من بين أعضائها (علي عريم)، وأطلقت سراح محمود السهيل وكاظم العطية وآخرين، وأبقت على علي الشعلان، بعد أن ألغت شهادته الاولى، وأعدّت له شهادة أخرى.
ويقول هاني إنه أصرّ على أن يُعيد علي الشعلان شهادته السابقة، ولكن الأمور كلها أخذت مجرى آخر ».
وقال إنه حين عاد إلى المعتقل شاهد فائق السامرائي ببجامته هناك، وكان قد اعتقل بمناسبة انتخابات المحامين التي كان من المؤكد فوز فائق فيها، في حين أن السلطة كانت تريد شخصاً آخر (أظنه قال : فيصل حبيب الخيزران - الشك مني - الكاتب).
#محمد_سعيد_الصگار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
منظمة العالم الإسلامي وما يجري ف
...
-
حكومة لا تعرف الملل متابعة لوثبة الجماهير
-
قراءة لواقع الحرية
-
استباقا لتظاهرات ٢٥ شباط في العراق
-
بين جابر عصفور وأرباب الفكر والفداء
-
إلى خالد السلطاني - سعيد بما أقرأ لك
-
تونس تعلمنا
-
نصف النصر تحية لشباب تونس
-
في مدار الحب والأمل. تحية للأصدق
...
-
تمنيات مكررة في العام الجديد
-
جروا الصلاة على النبي فقد تألفت الوزارة
-
غلق (المدى) أإلى هذا الحد؟!
-
االخطاطون العراقيون في فرنسا يعرضون في العراق
-
صليب النجاة
-
ردود للقراء الكرام
-
سبعة ملائكة وشاهدان .. ملامح من أفراح العيد
-
نقد البرنامج الوطني للمرأة العراقية
-
سيناريو الرجل وقطته
-
شعار الجمهورية ما شكله وأبعاده؟
-
إلى قرائي الأعزاء
المزيد.....
-
الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص
...
-
ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
-
مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
-
إيران متهمة بنشاط نووي سري
-
ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟
...
-
هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟
-
عاجل | مراسل الجزيرة: 17 شهيدا في قصف إسرائيلي متواصل على قط
...
-
روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة.
...
-
مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
-
مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|