حميد الحلاوي
الحوار المتمدن-العدد: 3300 - 2011 / 3 / 9 - 20:46
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
فما أضرها ولكن أوهى قرنه الوعل
يأبى البعض أن يتعظ من مجريات الأحداث التي تمر من أمام ناظريه في كل لحظة فتراه ما أن تصبح الأمور في يده سواء بالطرق الكلاسيكية ( دسيسة / سـم / إغتيال ) أو بالطرق المعاصرة ( إنقلاب عسكري / إنتخابات ديمقراطية / إنتخابات مزيفة ) حتى يحاول بشتى الطرق التمسك بما آل إليه من منافع هطل بها عليه موقعه , في تجسيد للمرض العربي الواضح المتمثل بحب السلطة والتمسك بالكرسي حتى لو كان على حساب إفقار الملايين أو ذبحها في حال فقدانها للتحمل تحت ظروف الفاقة والحرمان في وقت ترى فيه ذاك الذي وضعته هي في قمة السلطة والقرار يتنعم بكل خيرات البلد ولا يرمي حتى الفتات لها بل إنه قد يدفنه أو يلقيه للكلاب .
في عراقنا المبتلى بنموذج من هذه الحالة المرضية العربية طال أمده 35 من السنين ليتم قبره على أيدي القوات الغازية في 9 / 4 / 2003 ( بعد إنتهاء صلاحيته كعميل إستنفذ كل إمكاناته وطاقاته لخدمة أسياده ) وليس بهمة ( الغيارى ) من شذاذ الأفاق الذين نصبوا أنفسهم كقادة للمعارضة العراقية ... ههههه , وكان العراقي البسيط لا يسمع بهم ولا يعرف أسمائهم حتى إلا أولئك المصابين بهلوسة السياسية ومتابعة شؤون العراق سواء بالداخل أو الخارج .. قليل منا من سمع بأسماء البعض من هذا النفر الذين لم تقفز أسمائهم على سلم الشهرة إلا عندما عينت واشنطن منسقا ً لهم هو الصهيوني المعروف ( مارتن أنديك ) وأخذت مؤتمراتهم تتوالى بميزانية مفتوحة من قبل وكالة المخابرات المركزية .
ومن بين هؤلاء من رمى بنفسه على أحذية أعضاء الكونغرس من أجل إصدار قانون تحرير العراق عام 1998 بعد الفشل الذريع للقوات التي أستخدمها من بوابة كردستان عام 1996 ليقوم بعمليات قذرة أستهدف من خلالها كما أدعى في حينه التحرير الذي ساهم فيه بعد ذاك أثناء الغزو عندما تمكن من إقناع بعض المغرر بهم لينقلهم إلى هنغاريا ( 800 مسكين ) ويتدربوا تحت إشراف عناصر من المخابرات الأمريكية على أعمال الدلالة والتخريب وبث الإشاعات أثناء الحرب .
ومنهم من كانت إيران ( جار السوء ) ملاذا آمنا ً له ولقطعانه وهناك تدربوا على كل ما يحمله البشر من صفاقة ونذالة ... فضحها أحد الأخوة اللذين شاركوا في إنتفاضة آذار 1991 من أهالي النجف والذي أضطر للهرب بعد فشل الإنتفاضة إلى إيران حيث كتب في حينها يقول :
لقد كنا هناك تحت رحمة ثلاث أجهزة مخابرات .. أولها مخابرات صدام المقبور الذي تمكن من دس بعض عناصرها معنا على أساس كونهم من المشاركين في الإنتفاضة ليجمعوا المعلومات المطلوبة عنا .. ومخابرات نظام الملالي ( جهاز إطلاعات ) الذي كان لا يرحمنا لا بالمتابعة ولا بطلب المعلومات الدائم .. أما شر الثلاثة فقد كان متمثلا ً بجهاز حزب الدعوة الذي كان يجمع المعلومات بأستمرار وفق نماذج لا يشعر من ورائها إلا بأنه كان يعد قاعدة بيانات مستقبلية حول كل العراقيين الموجودين في إيران وكان الغرض منها حسب رأي ذاك الرجل إنه كان يعد العدة لوضع كالذي يعيشه العراق اليوم ليصفي من خلال قاعدة البيانات تلك كل العناصر اليسارية التي طلب منها تثبيت إتجاهها السياسي في الأستمارات المقدمة لأغراض قاعدة البيانات المشار إليها .
أما ما هو أسوء من جميع من ذكرنا , فقد كانت الأحزاب القومية الكردية في كردستان والتي رغم إن لها تاريخا ً مشهودا ً في مقارعة الدكتاتورية الصدامية , إلا إنها كانت كأي حزب قومي آخر متذبذبة في تلك المقارعة والنضال , فكثيرا ً ما كنا نشهد فترات شهور عسل بينها وبين صدام المقبور لطرف منها على حساب الآخر , أما لماذا هي الأسوأ .. فقبل أن يظهر ويصعد نجم ( مارتن أنديك ) وقبل أن تبتدئ مؤتمرات الخيانة ( لندن وفينا وبيروت ...إلخ ) بسنين طويلة وبالضبط في العام 1987 كان هناك لقاء نشر على صفحات أحدى أشهر الجرائد الفرنسية آنذاك للمقبور ( إبراهيم أحمد ) سأل فيه عن متى سينضج الظرف الذاتي والموضوعي لقيام دولة كردستان .. فأجاب إن ذلك مشروط أولا ً بتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات .. كردية وعربية سنية وعربية شيعية .. وما أضبط ذلك تطابقا ً مع ما يجري اليوم في العراق مع تصريحات ذاك المأفون .
وحيدا ً بين كل هذا السيل من القذارة كان الحزب الشيوعي العراقي وبقيادته الحالية التي لنا عليها من المآخذ الكثير اليوم .. رغم موقفها الجيد آنذاك .. كان يقف مناضلا ً بالسلاح في ساحة كردستان والنضال السري في الداخل من أجل إسقاط الديكتاتورية بدون تدخل خارجي .. وعندما لاحت حراب الغزو الذي هندس له أحد العملاء رفع الحزب شعار لا للحرب لا للدكتاتورية .. وهو شعار رغم كونه توفيقيا وبحاجة لوضوح أكثر إلا إنه كان أوضح الشعارات المرفوعة آنذاك من قبل كل الأحزاب والتنظيمات المنضوية تحت راية تلك المؤتمرات وعرابها ( أنديك ) .
وبعد الغزو أرتكبت تلك القيادة هفوة نضالية كبيرة عندما دخلت فيما سمي بالعملية السياسية أو لعبة بريمر والتي لم تقم إلا على أساس ما كان يحلم به ( إبراهيم أحمد ) ورهطه , وأخذت بالإفراط في التفاؤل بمجرياتها , وعندما كان البعض يقدم لها النصح مجانا ً بعدم الإغراق بالتفاؤل , أخذ بعض التصفويون المعششين في قيادته , يطلقون مختلف الألقاب على هؤلاء وعملوا على تهميشهم وأظهروا كل ما تربوا عليه طيلة سنين طويلة من عمليات الإقصاء والتخوين من أجل إبعادهم عن الطريق .
وكان من نتائج هذه العملية خروج الكثير من العناصر الجيدة من الحزب , الأمر الذي افقده أولا ً الكثير من خبرات ومقومات هؤلاء في العمل بين الجماهير , ولم يتبق في ضفوفه سوى المنتفعين والطارئين و ذاك النفر القادم من الغرب ودول اللجوء المتصور لنفسه بأنه أعلى مستوى في التفكير والتدبير من الرفاق الموجودين في الداخل , لكن التجربة العملية والأيام ومرورها بسرعة وتجربة الانتخابات التي دخلها الحزب كجزء من مشاركته في العملية السياسية وما أفرزته من نتائج كارثية , أظهرت وبوضوح مدى الغباء المتركز في أدمغة هؤلاء اللذين ساعدت ظروف الخروج الواسع للأعضاء والكوادر من الحزب على تبوؤهم لمناصب قيادية في المؤتمر الثامن للحزب هم في الواقع غير أهل لها , مما أثر سلبا ً على كل عمل الحزب وأنشطته , عندما أنتقلوا به إلى الحد الذي جعله حزبا ً نخبويا ً مكتبيا ً .
وبعد إنتخابات 2010 والفشل الذريع الذي مني به الحزب فيها والمتمثل بخسارته المقعدين اللذين حصل عليهما في الدورة الإنتخابية السابقة , وإثر الرياح القادمة من الغرب .. حيث آفاق ثورة شعب تونس ومصر التي لحقت بها وبقية الشعوب المنتفضة .. كان لا بد للشباب العراقي أن يأخذ نصيبه من تلك الروح الثورية ..فحصل ما حصل من مسيرات الإحتجاج على محاولة المالكي ورهطه لخنق الحريات الفردية والعامة والتي أبتداها الشباب إنطلاقا ً من شارع المتنبي وزحفا ً في الأيام التالية نحو نصب الحرية في ساحة التحرير .
تكررت التظاهرات وكان لشباب الحزب الشيوعي وحزب الأمة دورا ً ملحوظا ً في هذه التظاهرات التي لم تخرج في كل شعاراتها وأهازيجها عن الذوق العام ولم تتعرض لا للنظام ولا لشخص رأس حربة الفساد الإداري والمالي المتمثل في شخص دولة الحاكم بأمره .. وقد شهد لها الإعلام المحلي والأجنبي بحسن التنظيم والإدارة ... حتى جاءت جمعة الغضب في 25 من شباط 2011 والتي شارك فيها شبيبة الحزبين وبنفس النمط من الشعارات والتي كان مركزها ( الشعب يريد إصلاح النظام ) والذي كما يبدو إن حتى مفهوم الإصلاح صار يشكل نوع من الإستفزاز لدولته والذي أتخذ مختلف الإجراءات والتي تحدثنا عنها في مقالات سابقة من أجل الحيلولة دون المشاركة الواسعة .. لكن خيبة أمل الشعب في سياسة دولته جعلته يجتاز ويسخر من كل تلك المحاولات الهزيلة التي أسقطت القناع الديمقراطي الذي أعتمره حزب لا يؤمن إلا بالفاشية والقمع ديدنا ً لنضاله .
وهنا جاء رد الفعل العقابي البائس من لدن سيادته للحزبين المذكورين فأصدر أوامره وبرقياته بوصفه القائد العام لقوات العراق لقطعان قيادة عمليات بغداد بالشروع بالحركة لتحرير الأرض السليبة والآبار النفطية في حقل الفكة من رجس الفرس المجوس .. عفوا ً أين وليت أنا ؟ ... لقد عدت إلى عام 1980 وبالذات لشهر أيلول وفي الثاني والعشرين منه وكأني بصدام قد بعث للحياة وهو يصدر أوامره بتطهير ممتلكات وزارة الدفاع السليبة والمتمثلة بتلك البنايات والتي تجاوزت عليها مليشيات هذين الحزبين من رجسهما علما ً إن هناك بناية أخرى لوزارة الدفاع كان طابقها الأرضي يعرف لمن يتذكر فترة السبعينات والثمانينات بمطعم الإناء الذهبي تقطنها اليوم عشرات العوائل من الحواسم التابعين والموالين لأحزاب أسلامية شيعية أتحدى هذا الأهبل وقيادة عملياته لبغداد وكذابها الناطق بأسمها أن يحرك همر واحد عليها من أجل إخلائها .
لقد تناسى هذا الوعل قول الشاعر .. فما أضرهما ولكن أوهى قرنـه الوعل .. نعم سيوهيه بالتأكيد للحد الذي يجعله قابلا ً للتهشم والكسر .. وسيتكسر وتذروه الرياح لأنه كان ولم يزل شجرة بلا جذور .. غرست بالخطأ في تربة رافضة لها ولوجودها .
وكما يبدو فإنه لم يقرأ في القرآن أية آية من سورة الرعد ..
" فسالت أودية بقدرها * فأحتمل السيل زبداً رابيا ً * ومما يوقدون عليه في النار إبتغاء حلية أو متاع زبد ٌ مثله * كذلك يضرب الله الحق والباطل * فأما الزبد فيذهب جفاء * وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض * كذلك يضرب الله الأمثال " .
حتى يرعوي و لا يجرب حظه العاثر مع من ضرب الله بهم الأمثال حتى قبل شيوع أفكارهم بألف ٍ ومائتي عام , لأنهم فقط الحق وكل ما خلاهم باطل , لأنهم فقط من لا ينظرون لمصالحهم الشخصية في أي عمل ٍ يتمونه أو يكلفون به قبل مصالح غالبية الناس .. ولأنهم كما قال فيهم الشاعر الذي أرجو من كل من يتذكر بقية القصيدة إن يمن علي بنشرها كاملة أو إرسالها على بريدي الشخصي :
ما يركــه لذرانه الطيـر ومنه السيل يتحدر
والتي أجاد شاعرها في وصف حزب الشيوعيين الذي خرج من صفوفه بطل لا يزال على قيد الحياة أرعب الجلادين في أبي غريب وبحضور علية القوم من قيادات البعث الفاشي .. أعتلى المشنقة بعد إعدام إثنين من رفاقه وهو يزغرد ويرتل القول الكريم الذي هبط به شيطان الشعر عليه في نفس اللحظة :
السـجن إلي مرجلـة والقيد إلي خلخال
والمشنقة يا فهـد مرجوحة الأبطال
فما كان من البغاة إلا أن يرتعبوا كإرتعاب أخينا دولة رئيس الوزراء من تظاهرات أبناء الشعب .. ويتحدثوا بالهاتف إلى الحاكم بأمره المستبد ليصدر تخفيف بالحكم على السجن المؤبد تقديرا ً لتلك البطولة التي أنا متأكد إن القزم الآخر الذي يريد أن يجرب حظه العاثر اليوم معهم كما أسلفنا سوف لم ولن يفقه شيئا ً من معانيها وماذا تركت من وقع في نفس طاغية سبقه إلى مزبلة التاريخ .
#حميد_الحلاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟