|
لن تحميكم أمريكا ولا إسرائيل، ولا ملياراتكم، بل حب شعوبكم
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 3280 - 2011 / 2 / 17 - 11:19
المحور:
كتابات ساخرة
لن تحميكم أمريكا ولا إسرائيل، ولا ملياراتكم، بل حب شعوبكم
حب الشعوب والناس، هو أكبر ثروة ورصيد يجنيه الإنسان
قدم مبارك في نهاية عهده عدة تنازلت ما كان أحد يتصورها لكنها قوبلت جميعها بالرفض المطلق مطالبة أياه بالرحيل الفوري، ولا شيء سوى الرحيل، فلم يعد أحد يحتمل بقاءه ثانية واحدة.
فقدأصبح من كان يسمى، ذات يوم غابر، مواطناً عربياً، ( في الحقيقة لا يتوفر اليوم في جداول الأمم المتحدة ولا لدى علماء وباحثي الإنثروبولوجيا، ودارسي علم الأجناس المنقرضة، أي تصنيف أو توصيف بشري وإنساني يمكن أن ينطبق على سكان المنطقة الموبوءة بالفجور والاستبداد والقهر والجوع والبرد والعبودية والفساد، وبعد أن وقعت هذه المجموعات البشرية في براثن هذه الأنظمة الديناصورية التسلطية القهرية المتغطرسة السادية الحاقدة على البشر النهبوية الإذلالية المافيوزية الاستئثارية، فحتى لفظة العبيد والأجراء والسبايا وأسرى الحرب والرقيق هي توصيفات متقدمة وراقية ويحظى أصحابها بحقوق واحترام أكبر مما يحظى به من يسمى مواطن عربي، وبالتالي فهذه التوصيفات كبيرة عليه، ولا يمكن أن يحظى حتى بهذا الشرف الرفيع أي عبد ورقيق ومملوك، وهي توصيفات خمس نجوم ومبالغ فيها عند مقارنة أحوال سكان المنطقة بالعبيد والأجراء والمماليك)، نقول أصبح هذا المواطن لا يطيق رؤية أي رمز من رموز أو حتى مجرد السماع بأسمائهم التي تثير الرعب والخوف والاشمئزاز وربما القرف وطفح به الكيل فانفجر على الطريقة التونسية والمصرية بوجه ناهبيه ومجوعيه وقامعيه و"مشلـّحيه" وسارقي لقمة عيشه وابتسامة أطفاله، ولم تقترب جموع الثائرين من السفارة الإسرائيلية أو الأمريكية ولم ترفع أية شعارات بهذا الخصوص، فكل تركيز الثائرين كان على من كانوا سبباً في شقائهم وبؤسهم وحالهم الإنساني الرث من رموز الفساد والاستبداد..
لقد تنكرت أنظمة الدمار الشامل لإنسان المنطقة، وهمشته، وقزمته، ومسخته، وسحقته بلا رحمة ووحشية منقطعة النظير، وجوعته وجارت عليه، وردته أسفل السافلين، ومرغت كرامته و"كرامة من خلـّف الذين خلفوه" بالوحل، فانهارت القيم والأخلاق وتقاليد الأسرة والعائلة وأدبياتها ومكارم الأخلاق أمام ضغوطات وثقل الحياة، كما جعلت منه إنساناً نكرة، وصفراً على الشمال لا قيمة إنسانية له، هضمت حقوقه وأنكرتها عليه وهو لا يجرؤ على المطالبة بها، فغاب الإبداع، وغابت الابتسامة عن الوجوه، ووئدت الأحلام، وماتت الآمال، وسدت الآفاق، وانعدم الرجاء والفرج والخلاص، وتوقف نبض الحياة فلم يجد البوعزيزي مخرجاً سوى في إحراق الذات. وتحولت جموع غفيرة من هذه الشعوب العظيمة بعد أن كانوا سادة العالم ذات يوم، يصدرون الحضارات العالم، إلى مهن وضيعة لا تليق بالمواطن الكرام كما تكذب وسائل الإعلام، إلى زبالين وبائعي بليلا وفول وخس فجل وبقدونس وقناني غاز وباتت قوافل عريضة وجحافل تسرح بعربات خضار كانت تجرها الحمير والبغال ذات يوم (حتى امتلاك بغل أو حمار صار حلماً من الماضي كحال البوعزيزي الذي استكثروا عليه القيام بتلك المهمة التي كانت تقوم بها الحيوانات "ومع كل الاحترام والتقديس ورفع القبعة لروح الشهيد البطل"، وإلى ماسحي أحذية، وبائعي يانصيب، وشوفيرية سوزوكي وسيارات، ومهربين، ونصابين، وبائعي قهوة وجرائد ومتسولين يستجدون على قارعة الطرقات، كي يحتالوا على الحياة ويعيشوا ويطعموا أطفالهم بعد أن استقرت ثرواتهم وحقوقهم الوطنية المنهوبة في جيوب النافذين والمقربين المافيوزيين والحيتان والغيلان والضباع ولصوص النهب العام، تصوروا أنهم لا يريدون للإنسان أن يلعب حتى دور حيوان يجر عربة خضار فلقد كانت هذه العربات والطنابر، وكما هو معلوم، تجرها، ذات يوم، الحمير والبغال، والعياذ بالله، فهو في نظرهم أقل من مستوى الحيوان، وأعزكم الله جميعاً، فهل علمتم لماذا لا تنطبق عليهم حتى لفظة العبيد والمماليك والأجراء؟)
وقد اعتمدت أنظمة الإذلال الشامل في قوتها وبقائها على دعم أمريكا وإسرائيل والتحالف مع قوى الفساد والنهب والمافيات الشريرة والشيطانية التي لا تحرّم ولا تحلّل. واعتقد بن علي ومبارك وقبلهم صدام، وفي ذروة غطرسة القوة والسلطة ووفرة الأموال أنهم بمنأى عن نواميس الطبيعة والحياة، وأن ملياراتهم التي كدسوها، ستقيهم وتحميهم من بطش و"غدرات الزمان"، وهي مع أمريكا وإسرائيل جنة الفردوس التي سيأوون إليها في حال مال بهم الزمان، غير أن ما ظهر ولاح من هذه التجارب القاسية والعبر البليغة، مختلف تماماً عما كان يتصورون ويتوهمون، بعودة هذا الثلاثي "على الحديدة"، بعد أن صودر وتبخر كل ما كانوا يملكون في ثوان، وعادوا "فقراء" كشعوبهم التي أفقروها وأذلوها واستعبدوها ذات يوم، وأنكروا عليها كافة حقوقها، وبعد أن نفضت أمريكا وإسرائيل يدها منهم، فلا أحد يضع يده بيد المكروهين، والمذمومين، والمطرودين، وقديماً قال نبي الإسلام محمد:" خيركم، خيركم لأهله"، فمن لم يكن فيه خير لأهله، فلن يكون فيه خير لأي كان.
هرب اللصوص، حلفاء الطغاة، برمشة عين وذابوا حين دقت ساعة الحقيقة (اللصوص كما هو معروف لا يجيدون أي شيء سوى صنعة النهب والسرقة والفرار والاختباء)، وتركوا فراعنتهم يواجهون مصيرهم لوحدهم، ويقلعون شوكهم بأظافرهم، وتنكر هؤلاء اللصوص والحيتان الكبار لكل الخدمات والتسهيلات التي قدمها لهم الفراعنة والدايات والبايات والجنرالات والعقداء ولم يستطيعوا أن يفعلوا ويقدموا شيئاً لأسيادهم السابقين سوى كراهية الناس وحقدهم الكبير عليهم.
راهنوا على حب الشعوب، والتحالف معها، وصداقتها، وتبادل العلاقات الدبلوماسية معها، وفتح كل الحدود معها، والاعتراف بها، وإرسال السفراء لها، والتفاوض معها على مستقبلها ومستقبل أوطانها، وتقديم التنازلات لها، وتكريمها، وترفيهها، ورعايتها، والاهتمام بها فهي حصنكم الأول والأخير.
"تنحى" مهاتير محمد (1925- ) طوعاً بعد حكم ماليزيا لمدة أثنين وعشرين عاماً (1981-2003)، معززاً مكرماً، وليس فراراً و"هريبة" كأصحابنا، ما غيرهم، محاطاً بكل الرعاية والتكريم وأسوار عالية من حب الناس لا يخترقها أي سلاح، جاعلاً من بلده وشعبه أنموذجاً يحتذي سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ونمراً آسيوياً اقتصادياً جارحاً، وكل ثروته ورصيده الأضخم، ليست مليارات بن على ومبارك، بل حب شعبه ووفاؤه واحترامه له، وهو حصنه الوحيد وضمانته الكبيرة في وجه "غدرات الزمان"، وليس الفلوس والقصور والمليارات، ولا مجال، بالطبع، لمقارنة خروجه، بخروج طغاة العرب كالجرذان المذعورة ومن الأبواب الخلفية والوداع بالأحذية والشتائم و"البصاق"، وأكرمكم الله على أية حال.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
باي باي: في رثاء معسكر الاعتدال العربي
-
هل تكفّر الجيوش العربية عن تاريخها القديم؟
-
طوبى للأغبياء: الغباء يصنع المعجزات
-
هل تتحرر مصر من حقبة مبارك الوهابية ؟
-
تنحوا، طال عمركم، قبل أن تُنحوا، فذلكم خير لكم لعلكم تفلحون!
...
-
اقبضوا فوراً على فيصل القاسم مفجر الثورات والشوارع!!!
-
سَيُصْلى ثورة ذات غضب
-
ما أغنى عنه ماله وما كسب
-
وامرأته حمّالة الذهب
-
أطعموا شعوبكم كي تحبكم ولا تثور عليكم
-
لا تفرحوا كثيراً في مصر فالإخوان قادمون
-
هل فجّر مبارك خط الغاز الذاهب لإسرائيل؟
-
زمن المهمشين: لا صوت يعلو على صوت الصامتين
-
يا شماتة إيران فيكم!!!
-
ماذا بعد انهيار معسكر الاعتدال لعربي؟
-
مبارك: ومكافأة نهاية الخدمة، دروس أصدقاء واشنطون القاسية
-
هل دخل العرب التاريخ أخيراً؟
-
لماذا لا تلغى وزارات الداخلية أو القمع العربية؟
-
هل سقط شعار جوّع كلبك يتبعك؟
-
زلازل المنطقة السياسية: هل يستفيد العرب من زلزال تونس؟
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|