|
من حقِّه أنْ يُخْلَع لا أنْ يَرْحَل!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 3263 - 2011 / 1 / 31 - 17:06
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من حقِّه أنْ يُخْلَع لا أنْ يَرْحَل!
جواد البشيتي
إذا عُرِف السبب بَطُلَ العجب؛ ولقد عُرِف.
"السابق"، أي "زينهم"، فَهِم؛ ولو بعد فَوْت الأوان؛ أمَّا "اللاحق"، أي "مباركهم"، فلم يفهم، أو لم يفهم بعد.
"ارْحَل"..
كتبوها له بالعربية، وبسائر اللغات العالمية، فَلَمْ يرحل؛ وربَّما لكونه لم يفهم؛ فَلْيَكتبوها له، هذه المرَّة، بالعبرية؛ فربَّما فَهِم، فَرَحَل!
وها هي إسرائيل تتكلَّم، وتتصرَّف، وتسعى، بما يؤكِّد أنَّ كثيراً من أمنها (الإستراتيجي) متأتٍّ من أمن نظام حكم حسني مبارك؛ فإذا فَهِم رأس الدولة الأمنية المصرية، ورَحَل، فإنَّ إسرائيل جديدة ستُوْلَد مع ولادة مصر الجديدة.
مَنْ هو "محمد حسني مبارك"؟
إنَّه، وعلى ما تَعْلَمون عِلْم اليقين، رئيس مصر، ورأس نظام الحكم فيها، مغتَصِبٌ لحكم "أُمِّ الدنيا"، وشعبها العظيم، اغتصاباً، مُؤمِنٌ بـ "أبدية" الرئاسة، وبـ "توريثها" لنجله جمال، وكأنَّ "الدولة"، أو "الجمهورية"، جزء من ممتلكاته الشخصية، يَرِثها الابن عن أبيه؛ وإنَّه الشخص (والعائلة) الذي تركَّزت بين يُمْناه ويُسْراه "السلطة (المُغْتَصَبَة)" و"الثروة (المُغْتَصَبَة)"، فَعَمَّ الفساد واستشرى؛ ولقد وعد (أو توعَّد) شعب النيل، من قبل، أي قبل قيامة مصر، بأنْ يبقى على حُكْمِه له، جاثِماً على صدره، ما بقي فيه قلب ينبض، فالرئاسة أتته منقادةً، إليه تجرجر أذيالها، فلم تَكُ تَصْلُح إلاَّ له، ولم يَكُ يَصْلُح إلاَّ لها!
أمَّا إذا سقط نظام حكم حسني مبارك (و"سقط" هي الآن، وفي "نحو" الثورة المصرية، فعل "مضارِع") فسوف نَعْلَم وتَعْلَمون أنَّ هذا الذي سقط لم يكن نظام الحكم في مصر فحسب؛ وإنَّما جُلَّ نظام الحكم العربي، فإنَّ الوزن (الحقيقي والموضوعي) للحاكم من وزن دولته (أي من وزن البلد الذي يَحْكُم).
إنَّ السماء السياسية لمصر لم تَعْرِف من السُّحُب المُجْهِشَة بالمطر إلاَّ تلك التي إنْ أمطرت عمَّ مطرها أرض العرب، طولاً وعَرْضاً.
الآن، وفي كلام جامعٍ مانعٍ، لا ينطق شعب مصر، وبلسان ثورتها العربي المبين، إلاَّ بجُمْلَةٍ واحدة هي "نريد إسقاط النظام".
وللذين يستغلق عليهم فهم لغة الشعوب، في زمن الثورة، نقول إنَّ الشعب يكفي أنْ يريد حتى يتحقَّق له ما يريد.
إنَّهم يريدون (أي نريد) إسقاط النظام؛ فما معنى هذا الذي يريدون؟
نظام حكم حسني مبارك يمكن أنْ ينتهي بموت حسني مبارك، أو بتنحيه عن الحكم لإصابته بمرضٍ يُعْجِزه عن الحكم؛ وينتهي أيضاً لو خلفه (أو "ولو خلفه") في الحكم نجله جمال.
إنَّ نظام حكم حسني مبارك ليس هو عينه نظام الحكم في مصر؛ فهو شكل من أشكاله؛ وذهاب "الشكل"، أو هذا الشكل، لا يعني، ويجب ألاَّ يعني لدى المعتصمين بالثورة في "ميدان التحرير"، ذهاب نظام الحكم نفسه؛ ولعلَّ هذا هو ما يُفسِّر دعوتهم حسني مبارك إلى المغادرة والرحيل، واستمساكهم، في الوقت نفسه، بمطلب، أو هدف، "إسقاط نظام الحكم نفسه"؛ فإنَّ رحيله يمكن ويجب أنْ يُفْهَم على أنَّه جزء لا يتجزَّأ من رحيل الكل، أي من رحيل نظام الحكم برمَّته.
"الرئيس" مبارك هو الآن، أي حتى الآن، رأس نظام الحكم في مصر؛ وينبغي لنا ألاَّ ننسى، أو نتناسى، أنَّ للرأس رقبة تُحَرِّكه كيفما تشاء. وهذا "الرئيس" أصبح له، في رُبْعِ الساعة الأخير من عُمْرِه السياسي، وبعدما أفْقَدَت صلابة إرادة الشعب إرادته كثيراً من صلابتها، نائباً هو الآن أقوى من "الرئيس" نفسه، وفي منزلة الرقبة التي تحرِّك رأس نظام الحكم.
هذا "الرئيس" قد يتنحى عن الحكم، طائعاً أو مُكْرَهاً، فتؤول سلطاته إلى نائبه عمر سليمان الذي أراه أسوأ من حسني مبارك، سياسةً ونهجاً، وأخطر منه على مصر وشعبها وثورتها، وإنْ كان، على ما يُزْعَم، أفضل منه في صفاته الشخصية والأخلاقية؛ فهذان أمْران مختلفان، ويجب أنْ يظلاَّ، في فهمنا لهما، مختلفين، وإلاَّ اضطَّربت الرؤية، وزاغت الأبصار، وفَسُد النظر والعمل.
إذا تنحَّى، أو نُحِّي، مبارك عن الرئاسة، وآلت سلطاته إلى نائبه الفاعِل سليمان، فعندئذٍ لن يصح إلاَّ قول واحد هو "لقد خَلَعَ نظام الحكم نفسه زيه القديم، أي مبارك، ليلبس زِيَّاً جديداً هو سليمان".
وهذا إنَّما يعني، بلغة الثورة المصرية، أنَّ رحيل مبارك لن ينطوي على شيء من المعنى الحقيقي لمطلب "إسقاط النظام" إلاَّ إذا رحل معه سليمان وسائر الشخوص الكبار في نظام حكمه.
ولو كان لي أنْ اُعرِّف "إسقاط نظام الحكم في مصر (أي معظم، أو أساس، "نظام الحكم العربي") لَقُلْت إنَّه الإتيان بنظام حكم يُنْهي، قولاً وفِعْلاً، حقبة "كامب ديفيد"؛ فهذا "الإنهاء" هو الميزان والمقياس والمحك؛ فإذا لم يتحقَّق فإنَّ "الجديد" يظل هو "القديم نفسه" وقد لبس لبوساً جديداً، ليس إلاَّ، لعلَّه يوفَّق في محاربة الجديد حقَّاً.
مصر الجديدة كل الجدة هي التي تبرعم الآن في "ميدان التحرير"، عاصمة الثورة الشعبية الديمقراطية القومية، مصرياً وعربياً.
إنَّها "ثورة" و"إصلاح" في آن؛ فهي "ثورة" لجهة موقفها من "نظام الحكم" في مصر. إنَّها، ولكونها "ثورة"، تستهدف إسقاطه والقضاء عليه، لا "إصلاحه"، لِتَعَذُّر الأمر، لا بل لاستحالته؛ وإنَّها "إصلاح" لجهة موقفها من النظام الرأسمالي في مصر، فهي إنَّما تسعى في "إصلاحه"، أي في خفض منسوب الوحشية فيه، وجعله أكثر عدالة بمعيار العدالة الرأسمالية نفسها، وأقل فساداً؛ فإنَّ الرأسمالية الخالصة من الفساد هي الوهم بعينه.
وإنِّي لأفهم الثورة المصرية الآن على أنَّها ضغطٌ شعبي يستمر، ويَعْظُم؛ يتَّسِع بالمعنى الجغرافي، وينمو بالمعنى الديمغرافي، ويتنوَّع بالمعنى الاجتماعي، أي بمعنى ضم واجتذاب كل فئات المجتمع إليها، وإلى مطلبها المركزي (إسقاط النظام).
وهذه الثورة أحسنت صُنْعاً إذ شرعت تنظِّم نفسها بنفسها، ولنفسها، فإنَّ "اللجان الشعبية" في الأحياء والمناطق هي أوَّلُ الغيث من هذا "التنظيم"، الذي ينبغي له أنْ يُتَوَّج، في "ميدان التحرير"، بقيام مجلسٍ يمثِّل الثورة، يُفاوِض من خلال من يُفوِّض، فالثورة يجب أنْ يَنْبُت لها رأس قبل، ومن اجل، قطع رأس نظام الحكم.
"العفوية (الشعبية)" و"التنظيم" ليسا بشيئين لا يجتمعان في الثورة، وبها، فالعفوية يجب أن تأتي بالتنظيم، الذي يجب أنْ يأتي بمزيدٍ من العفوية الشعبية.
وأحسب أنَّ الثورة المصرية (ومن قبلها الثورة التونسية) هي تجربة تؤسِّس، ويجب أنْ تؤسِّس، لفهم جديد للعلاقة بين "الأحزاب السياسية" و"الثورة"، وللعلاقة بين "القيادات التاريخية" و"الثورة".
لقد أطلقها، وأشعل فتيلها، الشباب الذي عَرَف كيف يستعمل أدوات "الثورة الإلكترونية" في صُنْع "الثورة السياسية"؛ وإنَّ على الأحزاب السياسية أنْ تعرف الآن وتتعلَّم كيف تؤثِّر في العفوية الشعبية للثورة، وكيف تتأثَّر فيها في الوقت نفسه، فالثورة المصرية تتحدَّى أحزاب المعارَضة جميعاً أنْ تتغيَّر الآن بما يسمح لها بالمساهمة في تنظيم العفوية الشعبية للثورة، وفي التأسيس لقيادة لها، ومن جنسها الأخلاقي، فمفهوم "القيادة" الآن، والذي تتوفَّر الثورتان التونسية والمصرية على إنشائه وتطويره، يختلف كل الاختلاف عن مفهومها القديم، والذي أفسدته كثيراً الحكومات، بعصيِّها وجَزَرِها.
"المفاوِض المفوَّض" هو الآن الهيئة التي ينبغي للثورة المصرية استحداثها وهي تتوفَّر على تنظيم نفسها بنفسها، ولنفسها.
وليس لهذا "المفاوِض المفوَّض" من مهمَّات ينبغي له إنجازها إلاَّ تلك التي من شأنها أنْ تمكِّن الشعب من اختيار "هيئة (جمعية تأسيسية)"، تَضَع دستوراً جديداً للبلاد، يستمدُّ شرعيته من الإرادة الشعبية، فتُجْرى وفقه، من ثمَّ، انتخابات نيابية حرَّة ديمقراطية شفَّافة، ينبثق منها برلمان، تنبثق منه حكومة، تَعْدِل كل السلطة التنفيذية تقريباً، فنظام الحكم الرئاسي حان له أنْ ينتهي؛ ولقد ثَبُت وتأكَّد أنَّه اللبوس الذي يلبسه الحكم الدكتاتوري الاستبدادي الأوتوقراطي الشمولي.
وإذا أراد الجيش المصري أنْ يُثْبِت للشعب (وثورته) أنّه جدير بثقته واحترامه وحبِّه فإنَّ عليه، على الأقل، أنْ يقف على "الحياد الإيجابي" في الصراع بين الشعب ونظام الحكم؛ وهذا "الحياد" هو كل عمل أو موقف (للجيش) يَحُول بين نظام الحكم وبين استعماله العنف (بكل صوره وأشكاله) ضدَّ الثورة الشعبية، فالدفاع عن الوطن (وحماية الحدود) ليس بالمهمَّة التي يمكن أنْ تتفرَّع منها مهمَّة حماية نظام الحكم من الشعب والديمقراطية.
العقل السوي إنَّما يُلْزِم صاحبه أنْ يَحْذَر عدوه مرَّة، وأنْ يَحْذَر صديقه ألف مرَّة؛ فربمَّا انقلب الصديق عدوَّاً، فأصبح، عندئذٍ أدرى بالمضرَّة.
إنَّ "الجمعية التأسيسية" هي وحدها الطريق إلى الخلاص الديمقراطي للشعب المصري (وللعرب أجمعين). وإنَّ تركيز السلطة التنفيذية بين يديِّ حكومة، منبثقة من برلمان، منبثق من انتخابات حُرَّة ديمقراطية شفَّافة، هو الطريق إلى تحرير الإرادة القومية لمصر من قيود "كامب ديفيد".
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نصفه فرعون ونصفه نيرون!
-
قصة موت غير مُعْلَن!
-
قنبلة -الوثائق-!
-
لا تسرقوا منها الأضواء!
-
هل يقرأ الحاكم العربي سورة -افْهَمْ-؟!
-
تلك هي -الطريق-.. وهذه هي -المحطَّة النهائية-!
-
الثورة التي كشفت المستور!
-
حتى لا تصبح -الثورة المغدورة-!
-
السقوط العظيم!
-
أُمَّة ينهشها الفقر والجوع والغلاء والبطالة!
-
ظاهرة -العنف المجتمعي- وظاهرة -إساءة فهمه-!
-
كيف يكون السفر في الفضاء سفر في الزمان؟
-
سياسة -الانتظار- و-أزمة الخيار-!
-
جريمة أكبر من تُواجَه بعبارات الإدانة والاستنكار!
-
فكرة -فناء المادة-.. كيف تحوَّلت من لاهوتية إلى -فيزيائية-؟!
-
عمرو موسى.. مُقَوِّماً للتجربة!
-
-الانهيار القومي- في -محطَّته السودانية-!
-
هل يتوقَّف الزمن؟
-
هذا الخلل التفاوضي الكبير!
-
هل ماتت الفلسفة حقَّاً؟
المزيد.....
-
شاهد.. محرك طائرة ركاب ينفث النار بعد اصطدامه بحيوان أثناء ا
...
-
السلطات الأمريكية تحدد هوية مطلق النار في جامعة فلوريدا.. وا
...
-
اسم جديد لقهوة -أمريكانو-.. شاهد كيف ردّت المقاهي المكسيكية
...
-
الجمهوريون بالكونغرس الأمريكي يطلقون تحقيقا حول هارفرد بعد ا
...
-
-أكثر الهجمات دموية-.. الحوثيون يعلنون حصيلة قتلى الغارات ال
...
-
كيشيناو تمنع ممثل مطرانية مولدوفا الأرثوذكسية من السفر إلى ا
...
-
الأصوات المعارضة للحرب تعلو داخل إسرائيل وخارجها
-
عشرات القتلى والجرحى في غارات أمريكية استهدفت ميناء وقود بال
...
-
-وول ستريت جورنال-: ويتكوف ناقش مع بوتين -قضية الأراضي-
-
-كيف سأعانقك بلا ذراعين؟-.. صورة طفل فلسطيني في غزة تفوز بجا
...
المزيد.....
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
-
الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف
/ هاشم نعمة
-
كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟
/ محمد علي مقلد
-
أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية
/ محمد علي مقلد
-
النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان
/ زياد الزبيدي
المزيد.....
|