|
برافو قناة الجزيرة
خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال
(Khaled Juma)
الحوار المتمدن-العدد: 3259 - 2011 / 1 / 27 - 20:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
سأبدأ بحكاية شخصية صغيرة، لئلا يقول لي أحد أنها إشاعات مغرضة، فقد حدثت هذه الحكاية معي شخصياً، حيث كنت موجوداً في سوبر ماركت في غزة تواجد فيه في نفس اللحظة مراسل لقناة الجزيرة من إحدى البلدان ـ ليست غزة ـ وحدث هذا في عز أزمة الحصار على غزة، ووقف هذا المراسل وسط السوبر ماركت مذهولاً من كمية البضائع واضعاً يديه على خاصرتيه قائلاً: "يلعن... غزة، كل هذه بضائع؟ حتى في بلادِنا لا يوجد بضائع مثل هذه وبهذا الكم"، هذا ليس مهما بالطبع فالكلام حتى هذه اللحظة طبيعي وعادي، المشكلة أن هذا المراسل حين عاد إلى بلادِهِ وأعدَّ تقريره، قال في التقرير بالحرف الواحد: غزة تموت من الجوع.
كنت أعمل في مؤسسة إعلامية مع بداية الانتفاضة الثانية، وقررنا حينها تشكيل ما أسميناه [لجنة المتابعة الإعلامية]، وكان الغرض منها ساذجاً وبسيطاً، هو معرفة ترتيب الخبر الفلسطيني في الإعلام العربي، وبالتالي تمت مراقبة جميع القنوات العربية في التلفزيون لمدة ستة أشهر، ليلاً ونهاراً، يعمل الشباب عليها بشكل ورديات حتى حين يذهبون إلى منازلهم، وعند الانتهاء من هذه التقارير بعد ستة أشهر، فاجأتني النتيجة، فقد خرجنا باستنتاج أن 68% من برامج قناة الجزيرة وإعلاناتها تصب في الإتجاه الإسلامي الذي يحمل طابعاً محدداً، ولكن بسبب أن الإتجاه الإعلامي الذي كانت تتخذه الجزيرة كان منصباً باتجاه معاداة إسرائيل، فلم يكن مهما وقتها توجه القائمين على القناة على اعتبار أن أي جهد يوجه لفضح الممارسات الإسرائيلية كان جهداً مشكوراً لا يمكن الحديث عنه إلا بكل إيجابية.
مع بداية الخلافات الفلسطينية، كان لا بد للجزيرة من أن تتخذ موقفاً مع أحد الطرفين، وهنا كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، وحدث ما حدث، وكان هناك حدثان هامان كنت في وسطهما دون أن أضطر لسماع روايات من هنا وهناك، أولهما هو ما حدث بين فتح وحماس سواء ذلك الذي أدى إلى سيطرة حركة حماس على غزة أو الأحداث التي حدثت قبلها، والحدث الثاني هو الحرب، وفي هذين الحدثين، قامت قناة الجزيرة بالتغطية المنهجية للأحداث على أساس تبني وجهة نظر طرف على طرف، وحين أقول ذلك، أقوله كإعلامي لا علاقة له بفتح ولا بحماس، وكان ذلك جلياً من خلال استضافة سين وتجاهل صاد، وإعطاء سين المساحة الزمنية التي تتجاوز قوانين الجزيرة نفسها، وحرمان صاد من هذه المساحة وجعل سين يتحدث بعد صاد كي يفند ما يريد قوله، وأدى ذلك إلى كشف ما كانت تقوم به الجزيرة بوضوح.
في أحداث لاحقة، اشترت الجزيرة أفلاماً بمبالغ طائلة، كنت شاهد عيان على بعض الأحداث التي صورتها تلك الأفلام، لأفاجأ باختفاء هذا الفيلم إعلامياً وعدم ظهوره، وفي النهاية تصبح الحقيقة ومعياريتها الضيقة هي ما تسميه الجزيرة "مهنية"، المهنية التي تجعل باكستان وأفغانستان والعراق وأحمدي نجاد وجنوب لبنان وغزة هي الأماكن الوحيدة في العالم التي تجري فيها الأحداث، متبوعة بتفاصيل السودان وغيرها من البلدان المشابهة كالصومال، لتستقر الفكرة في النهاية في رأس حتى من لا رأس له.
في الواقع أنا لم أفهم حتى هذه اللحظة ما تعنيه كلمة مهنية التي تبثها الجزيرة بين لحظة وأخرى، ولكن إن كان هناك اعتباراً مهنيا يمتد ليشمل الأخلاق الصحفية التي هي في رأيي روح الفكرة الإعلامية، فإن هذا يضع قناة الجزيرة في موضع تساؤل قد لا تخرج منه القناة إلا ممزقة وغير قادرة على الإجابة على الأسئلة، حتى لو استعملت مهنيتين أخريين فوق مهنيتها الحالية.
وآتي إلى جزئيتي الأخيرة في هذه المقالة السريعة، وهي تخص الحملة التي أطلقتها الجزيرة منذ أيام، لتخوين القيادة الفلسطينية وإعدام أبو مازن سياسيا، واتهام بعض هذه القيادات بقتل مناضلين فلسطينيين، أقولُها بوضوح، إن مقالتي الصغيرة هذه لا تستهدف موقفاً سياسياً يؤيد أو يرفض موقفاً هنا أو هناك، لكن من خلال ما تعلمته من أبي الذي مات وهو يحلم بالرجوع إلى فلسطين، أن الكلمة التي تصلحُ واقعاً هي أفضل من الكلمة التي تهدمه، فالمشكلة لم تكن فقط في الوثائق التي تقول الجزيرة إنها حقيقية، وإنما تعدى ذلك إلى طريقة عرض هذه الوثائق، والاستنتاجات التي يخرج بها المحاورون، فهل من المعقول أن توجد منظومة إعلامية كاملة من العامل الذي يعد الشاي، إلى قمة الهرم، يتمتعون بنفس الرؤية ونفس الموقف من الأشياء؟ أظن أن الرسول والصحابة لم يكن لديهم إجماع مثل هذا على التفاصيل، ولكن الجزيرة تملك هذه الميزة في هذه التفاصيل، هذه التفاصيل التي تخوض فيها الجزيرة حتى العنق، وأتساءل، ألا تضع هذه الحملة قناة الجزيرة نفسها أمام التساؤل الأكثر أهمية، وهو الجهة التي تخدمها هذه الحملة، فإذا أجابتني الجزيرة أنها تخدم أحداً غير الإنقسام وإسرائيل، فلحظتها فقط سأفهم التعريف الحقيقي لكلمة مهنية.
#خالد_جمعة (هاشتاغ)
Khaled_Juma#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أمُّهُ قبل الفجر تماما
-
قلتُ: وحّد مزاجك
-
أيها الكافر محمد بوعزيز
-
أسيل وحيدا وحيدا
-
أما أنا فسأشاهد فيلما لجاك نيكلسون ولن أتذكر الحرب مطلقا
-
لأنَّكِ حبيبتي أنا من أنا
-
وسأدّعي أنه النوم
-
في الكتابة
-
البنت التي لم تعرف انها ماتت
-
عن المرأةِ والنايات
-
ظهرها لشرفتي ووجهها للبحر قصة قصيرة
-
]45[
-
يدان من خجل
-
نصائح غير مجدية
-
أدراجها الخفيفة كصوت النوم
-
جاءت، وما زلت في انتظارها
-
يُحكى أن
-
أيها القلب: أخرج من قلبي
-
أتْرُكُني خلفي
-
المدن في غيها
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|