|
ما بين السخرية والمرارة في بيبسي للقاصة بان الخيالي
كاظم الشويلي
الحوار المتمدن-العدد: 3249 - 2011 / 1 / 17 - 17:08
المحور:
الادب والفن
كاظم الشويلي ما بين السخرية والمرارة في بيبسي للقاصة بان الخيالي
لفتت نظري القصة القصيرة الساخرة من واقع مرير والموسومة بأسم طريف ( بيبسي ) للقاصة المبدعة بان ضياء حبيب الخيالي ، تتداخل فكرة القصة في عدة محاور ، منها شخصية امرأة مغلوب على امرها ، تعاني من قيود زوجها المبتلى بالغيرة حتى اعتقدت بطلة القصة لو أن الهواء بيد زوجها ( لقنن حتى أنفاسها كي لا تصطدم بأنفاس غريبة... ) لقد ضيق عليها زوجها الحياة ورافقها كظلها ، أغلق عليها الأبواب ، ووضعها في ( جامخانة ) كما جاء في التعبير المجازي بمتن القصة ، يا له من جحيم ، ويا لروعة القاصة وهي ترسم لنا ابتلاءات هذه المرأة ، واستقبلت هذه المرأة قيود زوجها برضا إجباري لامناص منه : ( لكنها كانت أكثر مسالمة من أن تجادل بقوة فآثرت السكوت بعد مدة دون رضى... كأمها ، كجدتها .... كقافلة طويلة من نساء ساكتات....! ) . لكن الصبر اثمر ، وهاهو زوج بطلة القصة يسمح لزوجة بالذهاب الى السوق بعد سنوات طويلة من الحرمان ، فتنام فرحة مسرورة لتشاهد من جديد سوق المحلة : ( لتغفو أخيرا قبيل الفجر وهي تملك كنوز سليمان مسرة ... السوق الشعبي قرب دار أهلها كان أشبه بجنة افتقدتها طويلا ...لم تكن بحاجة لشيء فعلا...فقد كان يحمل إليها كل طلباتها من أجود الماركات،لكنها بالفعل كانت تتمنى أن تختبر من جديد إحساس فرح خبرته قبلا ... ) . لقد كانت القاصة بان الخيالي بارعة في تصوير البيئة التي تتناولها ، بعد ان أبدعت في تصوير الحالة السيكولوجية للشخصيات الأولية ، نلحظ هنا القدرة الفائقة في تصوير السوق والباعة : (...أصوات الباعة الموسيقية تشنف أسماعها المتدثرة في صمم موسيقى الخواء بين أربع جدران...مناظر البشر الرائعة تمنحها إحساس جديد بالحياة .. بائع الداطلي....وخوانه المنضّد بأصابع الحلوى الذهبية المسكرة،والتي ترقى عندها بقلاوة ابو عفيف حلاوة ... آخر ينادي كل شي ب(250) ...تقتنص عينيها الأشياء المرتبة على عربة صغيرة بمهرجان ألوانها وبساطتها البديعة .... ) . وتحكي القاصة جولة بطلة القصة في السوق وفرحتها الشديدة في التبضع ، ولم تنس ان تشرب قنينة بيبسي من عربانه ابن حجي فرج ، وهنا تبدع القاصة مرة اخرى في وصف ارتشاف البطلة لقنينة البيبسي ، نطالع : ( ارتشفت ببطء وتلذذ رحيق الشراب الأسود البارد متلقية تكتكة رذاذه المتفجر المحببة لوجنتيها بانتعاش...أتت على القدح حتى الثمالة واشترت آخرا أتبعته بصاحبه دفعة واحدة واستشرت في عروقها طراوة وبرودة رائعين منحتها انتشاءا ساحرا ....كادت تطلب قدحا ثالثا لولا الخجل من نظرات المتحلقين حول العربة ...! ) ... واستمرت هذه المرأة على تناول قناني البيبسي كلما مرت الى هذا السوق ولعدة شهور ، لكن المفاجأة كانت كبيرة عليها عندما علمت ان الولد ابن الحاج فرج كان يغش البيبسي فقبضت الشرطة عليه ، لقد ساهم الحوار السلس والذي تناول الكثير من اللهجة العامية في إيصال أسرار القصة في شكل بديع : نقرأ جواب احد الشخصيات الثانوية المساعدة في تشظي خفايا القصة : ( ـ خاله يكولون البيبسي مالته مغشوش ، يخلي صبغ عبي ومطيبات وشويه صودا والجيران تشرب بالعافية....! يمه أطفال المنطقة كلهم تمرضوا ومحد أفتهم القصة إلى أن راد يموت خطيه علاوي ابن حجي فاضل جيرانه وسووله ناظور للأمعاء وطلع التقرير قبل يومين وعرفوا القصة وأهل الحلال تدخلوا وسكتوا أهل المريض بس المستشفى مقبل وحالوا القضية للشرطة واخذوا اليتيم ... يمه خطيه الوليد ميدري هاي تاليته،وولد الحرام علموه...وماكو مدرسة وتعليم يوعيه... ) . ورغم ان القصة مريرة جدا لكن القاصة بان الخيالي ، أضافت عليها لغة ساخرة مريرة ، فبعد ان علمت ان كثير من الناس مرضوا بسبب هذا الولد الذي يحصل على التعليم او التربية الصحيحة ولم تتكفله مؤسسة خيرية لتجعل منه عنصرا يفيد المجتمع ، رغم كل هذا نقرأ اللهجة الساخرة في حوار بطلة القصة : ( صبغ عبي ... معقولة ...؟ يعني آني شبعت صبغ عبي ...؟ ) ولم يفارق طعم البيبسي المغشوش مذاقها رغم مرور سنوات عديدة ، فكلما تتذوق طعم أي بيبسي تقول بلهجة ساخرة ( مو طيب...مو مثل ذاك .... صدك صبغ عبي ...بس جان طعمه أطيب...! ) لقد أبدعت القاصة بان الخيالي بتسليط الضوء على شريحة بائسة من شرائح المجتمع العراقي وقد تناولتها بطريقة جميلة جدا قريبة من النفس الروائي ، والملفت للنظر ان القاصة قد مزجت ثلاث من المحاور في هذه القصة . فتحية للقاصة المبدعة بان الخيالي وهي تكتب عن الفقراء والمحرومين والقضايا الاجتماعية . ونبقى ننتظر بشغف إبداعاتها القصصية الرائعة .
#كاظم_الشويلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بقعة ضوء على الرؤوس المتطايرة للقاص حمودي الكناني
-
الزيلفون
-
الخيالات الصادقة للقاص أنمار رحمة الله
-
نظرة سريعة لإبداعات القاص جعفر المكصوصي
-
الوجوه البيضاء للقاص خزعل المفرجي
-
أحلام القاص عبد الفتاح المطّلبي
-
لمحة نقدية لقصص المبدعة سنية عبد عون رشو
-
القاص جيكور ... عندما يتحفنا بروائعه
-
الشاعرة رغد صدام ...وعلى الدنيا السلام
-
قُتل الإنسان ما أكفره ....
-
تايتانيك عراقية ...
-
شتاء جهنم ..... قصة قصيرة
-
اقراط سوسن ..... قصة قصيرة
-
أين أنت ...... يا نجمة الصباح
المزيد.....
-
أسلوب الحكيم.. دراسة في بلاغة القدماء والمحدثين
-
الممثل السعودي إبراهيم الحجاج بمسلسل -يوميات رجل عانس- في رم
...
-
التشدد في ليبيا.. قمع موسيقى الراب والمهرجانات والرقص!
-
التلاعب بالرأي العام - مسرحية ترامبية كلاسيكية
-
بيت المدى يؤبن شيخ المخرجين السينمائيين العراقيين محمد شكري
...
-
مصر.. الحكم بحبس مخرج شهير شهرين
-
مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي بتهم -الاعتداء والسب-
-
مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي شهرين لهذا السبب
-
الكويت توزع جوائز الدولة وتحتفي باختيارها عاصمة للثقافة العر
...
-
حتى المواطنون يفشلون فيها.. اختبارات اللغة الفرنسية تهدد 60
...
المزيد.....
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
المزيد.....
|