خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال
(Khaled Juma)
الحوار المتمدن-العدد: 3248 - 2011 / 1 / 16 - 17:02
المحور:
الادب والفن
أيها الكافر محمد بوعزيز
طوال عمري، أنأى بنفسي عن المجادلات التي لا معنى لها، ولكن حين رأيت بعض التعليقات التي تصف محمد بوعزيز بالكافر لأنه مات منتحراً، حينها فاض بي الكيل.
نعم يا بوعزيز، يا عزيزي المحترقْ، أنت كافر، كافر لأنك انتحرت بسبب الضجر، ضجرك من الوقت الذي يمضي متشابها مثلَ فيلمٍ هوليوديٍّ معاد، لأنك انتحرتَ فقط كي ترى أثر النار في جلدك، إذ لم تصدق أن النارَ مؤلمةٌ إلى هذا الحد، وأراهن أنك كنت سعيداً ومبتسماً والنار تأكلُ خلاياكَ وتجعل الشحمَ في جسدكَ يتقاطرُ قطرةً قطرةً، وأراهنُ أنك كنت تتسلى بعدد القطراتْ، لأنك أصلا فعلتَ كلَّ ذلك للتسلية، لماذا تتسلى بنا يا محمد بوعزيز، هذه ليست أخلاق المسلمين يا عزيزي، المسلمون لا يتسلون بمشاعر الناس، ولا يتنحرون إلا لسبب كبير يخدم الله والإسلام، فأين أنت من ذلك؟
أريدُ من أي متبجحٍ في قضية بوعزيز، والذي سيكون بالضرورة مع من يفجرون أنفسهم داخل أسواق [الأعداء] المسلمين وغير المسلمين، أن يقول لي الفرق بين أن يفجر أحدهم نفسه في قافلة جنود أمريكية في أفغانستان وما شابهها، وبين أن يحرق محمد بوعزيز نفسه كي يوقظ تونس من غفوتها، وكي يطيِّرَ نظاماً عربياً كاملاً إلى النسيان؟
أظنُّ أنه من التفاهةِ المطلقة، مناقشة قضية محمد بوعزيز على أساس أخلاقي، بعيداً عن الظرف الموضوعي الذي جرت فيه والنتائج التي حققتها، وأتساءل، والسؤال موجه إلى المناضلين الإسلاميين وغيرهم، من منكم سيقف متردداً إذا عرف أن إحراقه لنفسه سيسقط نظاماً دكتاتورياً فاسداً، ومن سيقول إن مصير من يفعل هذا هو النار؟ فمن وضع نفسه مكان الله ليطلق الأحكام على البشر فليأت ويحاسب الأنظمة التي تفسخ شعوبها قبل أن يطلق حكماً على بوعزيز الذي احترق قلبه قبل أن يحترق جسده بسنوات طويلة.
ليتني أسمع فتوى من أي شيخ مسلم، وأقول أي شيخ، حتى لو كان مبتدئاً، يخرج على الشاشات ويفتي بأن ما يفعله الحكام بشعوبهم، حرام حرام، وأن الحكام مصيرهم النار لما يفعلوه، أروني الشجاعة التي حكمتم بها على بوعزيز.
أتركوا بوعزيز مع ربه، فهو الوحيد الذي يستطيع أن يتفهم ما فعله، مع أخذ النتائج بعين الاعتبار، فيومياً كان آلاف التونسيين يُحر قونَ وينتحرون ويموتون في فراشهم قهراً دون أن نسمع فتوى واحدة.
عزيزي بوعزيز، أتمنى أن أراك في جنةٍ وحدك، لا يشاركك فيها أحد من الشهداء.
#خالد_جمعة (هاشتاغ)
Khaled_Juma#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟