|
صفعة ُ جماهيرَ تونس : ردها إن استطعت يا بيت اميركا الابيض
وليد مهدي
الحوار المتمدن-العدد: 3247 - 2011 / 1 / 15 - 17:45
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
-1-
لا اعتقــد بانني ساوفق ُ في وصفي لما يحدث ، فهــي رائعــة ٌ من روائع التأريخ الحقيقية التي أقلُ ما يمكننــا أن نمثلهُ بهــا من كلماتٍ .. إنهــا ليســت تقال .. لوحــة ٌٌ تحكي لنـا أقصوصة من أساطير النار والدم رائعــة ُ الجمــال .. كأننـا أمام ملحمــة ٍ فينيقيــة ستبقى على شفاه الاجيال آلاف القرون ، أمام معجزة للجماهيـر الإسلاميــة التي ظننــا بهــا سوءاً يوم حسبناها لا تكرر بركانهــا الذي اطاح بعرش الشاه الأمريكي في إيــران عام 1979 .. صورة ٌموحيــة تستنطق التأريخ مطلع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ، أشعلتها نار ُ محمـد بوعزيزي الذي احرق نفسـه في سيدي بوزيد .... كاننـي اتحدث عن فيلم من افلام الاكشن الهوليودية ، رغم إنهـا واقعيــة ، وجرت متسلسلة امام اعيننـا ونحن نتابعهـا يوماً تلو آخر ، لكن ، وحينما نستجمعُ مسارهـا من جديد .. تبدو وكأن يداً ما ورائية جبارة كتبتهــا ودفعت بهــا لتؤول إلى ما آلت إليــه من حيث لا ندري .. ! ابتدأت بصفعـة " شرطي " تونســي يمثلُ النظــام والدولـــة التي يحكمهــا بن علي دمية الغرب ، صفعــة تلقاهــا خدُ بو عزيزي ، الاكاديمي الذي مــُنع من ابسط حقوقه في ان يبيع على الرصيف .. الشرطي كان يمثلُ اختزالاً للنظــام الذي يعتدُ بصورته الشكلية النمطية على حساب حقوق وكرامة الجماهيــر التي مثلهــا بوعزيزي ... بوعزيزي يثــأرُ لكرامتــه من هذا النظــام , يُحرقُ نفســه على رؤوس الاشهــاد ، معلنــاً للتأريخ والقدر التفاعل المتسلسل للثورة ، موحياً للامـة بنشيدِ إرادتهــا الخالـد " إذا الشعبُ يوماً أراد الحياة .." .. المواجهة تتحول ، لهيبُ الثورة يتسلق نحـو شاهق الحوادث ، المعادلــة ُ تستقر ُ بين رموز الاختزال " الشرطي " الممثل لبن علي ونظامه في مقابل " بوعزيزي " الذي اختصـر إعلان الثورة بتكبيرة الكرامة ، أن يحرق نفسه حياً مغيضاً أعداء الأمة والإنسانيــة .. ليمتـد هذا الإعلان إلى مواجهــة كبرى بين دلالاته في المنظومــة الاجتماعيـة : النظــام في مقابل الجماهيــر .. هذه التي نزلت للشارع ثورة ً ، إعصاراً عاصفاً يحرقُ كل شيء ..
" الثورة ُ " التي وصفهـا جيفارا بانهــا حمراء كجمرة , زاكية ٌ كزهرة ، باقية كالسنديان ... ظن زين العابدين بن علي بأنه فهمها متأخراً ... " لقد فهمتكم ... لقد فهمتكــم " يآه .. ابعد كل هذه السنين يا بن علي تخرجُ مصفر الوجه مهتــز الجنان تتلعثم بكلماتك أمام شعبــك ؟ رددهــا بن علي ، بعد أن اقال من اقاله من رموز حكمه العميل الفاسد ، ليوصل رسالته لجماهيـرَ حمراءَ في تونسٍ خضراء : بــن علـي هــذا لم يفهــم .. ولن يفهــم من هم على شاكلته الشعب يوماً ..! زين العابدين هذا في قرارة نفسـه اليوم يقرُ بانه لم يفهمهـا دائماً ولن يفهمها يوماً ، فهـو ابنُ الإمبرياليـة عدوة الجماهيــر ، الامبريالية التي ادخلته ، شانه شان الكثير من الحكام العرب ، في " دورات " امنية و " استراتيجية " مكثفة ايام بورقيبة حتى يكون حاكماً ابدياً لتونس الخضراء خدمـة للمصالح الراسماليــة العليــا للحضارة الغربيــة ... الامبريالية التي اغرقته ورموز نظامه ، مثل بقية رموز الحكم العربي والإسلامي ، في ضباب الثقافة الارستقراطية ، البروج العاجية الهرمية التي تقسم الانظمة إلى اسياد وبورجوازيين و " رعاع " من خدمٍ تابعين .. هذه المنظومة التي ظن الغرب بانها ستجعل من هؤلاء كلاباً يحكمون جماهيرنــا إلى الأبــد ، هذه الجماهيـر التي ستؤمن بقدر " السيادة " والطبقية والسلالات المقدسـة حتى نهايــة التاريخ كمـا كانوا يحلمون .. انظروا باعينكم .. إسمعــوا بملئ آذانكم : من ربوه على استغفال الجماهيـر وترويعهـا بنباح كلابهم العالي و من احتظنوه طيلة عقود طويلة من الزمن ، هاهم اؤلاء يلفظونـه ، يبصقونــه كمــا القيح في صحراء جزيــرة العــرب ، فاعتبروا ايهــا الحكام " الخُـنّث " العبيد الكنــس ، و اتقـوا بأس صبح الجماهيــر إذا تنفــس ..
-2-
قبل يومٍ من فراره ، اطلـت علينــا اُم النور والتنوير "هيلاري كلينتون " بشفاه مرتجفــة , وعيونٍ غائرة متجاهلة الحرية والإنسان في تونس .. الحريــة Freedom .. هذه المومس الامريكية " المقدسة " التي طالما زايدت عليهـا في العراق ولبنان ، طالما نظمت فيها هيلري وكونداليزا قصيدة الإنعتاق لشعوب إيران ..! هاهي اصالــة ولادة الثورة الجماهيرية في تونـس ترعبهـا لتنسى " تمثيل " دورهـا الحامي للحرية والديمقراطية .. انستهــا الهبــة التاريخية لجماهيـر تونس ان ترتدي القناع الذي طالما غشت " تنويريينا العرب " بــه .. هلت علينــا باكية ً نادبــة فجأة .. من أن " تهتــز " عروش المنطقــة العربيــة ... ! الشعــبُ اكبـــر ... كانت مدويــة ً كبـّر بهــا التأريخُ في كل أركانــه .. هاهــي دمية البيت الابيض تطيح بهــا جماهيرُ امتنــا التونسية الثائرة ، هاهو ضرام الثورة يشتدُ ويشتعل غير آبهٍ بالوعيــد والتهديد والوعد بالآمال الفارغــة .. لم يستطع بو عزيزي رد صفعة الشرطي ، لكن جماهيــر تونــس ردتهــا على وجــه البيــت الابيض .. هاهي الجماهير التي روعت اُذن التاريخ بهديرها المدوي ، وها هي الاقدارُ تطلُ على هيلاري كلينتون بعلامةِ نحسٍ ربما جعلتهــا تتطيــر خوفاً قبل تصريحها هذا ... عندمــا " وقعت " في مدخل طائرتها .. قبل أن تغادرنـا هيلري وقَــَعـَت ، قبل يومٍ واحدٍ فقط من وقوع ِ كلبهــا بن علــي .. ! شاهدتها وقتها ، وهي تسقط في داخل طائرتها الرسمية الخاصــة ، وقد رنّ في أذني حينهــا صوتُ التوراة وهي تقول : سقطــت .. سقطــت .. بابـــل ضحكتُ من قلبي واخبرتُ زوجتي التي كانت بجواري وقتهــا : اتدرين .. في الباراسايكولوجي نعتدُ بمثل هذه " التزامنية synchronism " كــإشارة ٍ من العقل الكونــي Universal Mind لو حدثت لرئيس او شخصية عالمية .. فردت علي مازحــة : وما إشارةُ هذا يا " نبي تالي وكت " .. ؟ ( نبي آخر الزمن حسب العاميـة العراقية ) قلتُ لهـا إنهــا علامــة على " سقوط " السياســة الخارجيــة الامريكية ! لم يدر في خلدي حينهــا أن هيلاري كلينتون كانت ترتب في جولتهـا العربية ، و التي حضرت فيها برنامج كلام نواعم في إم بي سي ، لإنقاذ الوضع في المغرب العربي والشرق الاوسط من ان يتأزم خارجاً عن السيطرة ، لم أكن أتصور إن " دلالة " السقطة اكبــر من أن تسعنــا بهــا فرحــة .. ! لم أثق ربمــا كفاية بإرادة جماهيرنا التونسية لتجترح هذا المنجــز التاريخي الكبير في سجل الإنسانية .. نعم ، لقــد امتطت جماهير تونس صهوة تاريخها التي احتكرتها السياسة الغربية ، الصفعة التي تلقاها بوعزيزي من النظــام ردت بصفعــة " تاريخية " اسقطت السياسة الخارجية الامريكية وهي محمولــة على طائراتها التي ليس لها مثيلٌ في العالم .. رديهــا إن استطعــت ِ يا اميركــا ، لا بل ردي سواها التي ستشتعل في كل مكان .. إنهــا " حركة التاريخ " التي تشعلها الازمات الاقتصادية ، الاقتصاد هو الذي يحرك الجماهير وليس الدين ونصوص الدين كما تظن الاصولية الامبريالية الغربية ، وكمــا يقول اعظــم من أنجبتـه الامــة " محمد بن عبد الله " :
لـــولا الخبــزُ مـــا عبــدَ الله ..
مــا دامت المنظومــة الراسماليــة في اضطرابٍ مستمــر بفعل الازمــة الماليــة العالمية الكبرى ، نقولُ للولايات المتحدة الامريكية بكل ثقـة :
لم تجلسكم جماهير امتنــا المستضعفة المرتهنة على صفيحٍ ساخن بعــد ..
ستشتعل المغاربُ والمشارق عليكم ، فكدوا كيدكم وناصبوا جهدكم ..واطلقوا في الشوارع كلابكم ، ستقولُ في النهايةِ جماهيرنا كلمة َ الحق والحق َ تقول :
عالمنــا لــن يعود ملكاً لكم ...
********
#وليد_مهدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كامل النجار : ملحدٌ تحت مجهر التفكيك -3-
-
كامل النجار : ملحدٌ تحت مجهر التفكيك -2-
-
كامل النجار : ملحدٌ تحت مجهر التفكيك -1-
-
الجنسُ والتنوير : رؤية ٌماركسية -4-
-
الجنسُ والتنوير : رؤية ٌماركسية -3-
-
الجنسُ والتنوير : رؤية ٌماركسية -2-
-
الجنسُ والتنوير : رؤية ٌماركسية -1-
-
الماركسية ُ والتنويرُ المزيفُ
-
أتنويرٌ هذا أم تبشير يا سيدة وفاء سلطان ؟
-
تعالوا نتعلم التنوير
-
الماركسية وأسطورة عدوانية الإسلام
-
تنويريون تحت الطلب
-
الاصولية الغربية المتسترة بالتنوير , كوابيسٌ وأوهام
-
الديالكتيك و- التنوير - الانتهازي
-
الاتجار بالعلمانية : تعليقات وردود
-
الاتجار بالعلمانية : كامل النجار انموذجاً
-
هوليود .. وعالم ما بعد الموت
-
الصين و حضارة - التسويق - الجديدة
-
الكِتابة والمسؤولية : مراجعات في ثقافة الإنترنت ( 1 )
-
العِلموية والإسلام (5)
المزيد.....
-
وفاة الملحن المصري محمد رحيم عن عمر يناهز 45 عامًا
-
مراسلتنا في الأردن: تواجد أمني كثيف في محيط السفارة الإسرائي
...
-
ماذا وراء الغارات الإسرائيلية العنيفة بالضاحية الجنوبية؟
-
-تدمير دبابات واشتباكات وإيقاع قتلى وجرحى-.. حزب الله ينفذ 3
...
-
ميركل: سيتعين على أوكرانيا والغرب التحاور مع روسيا
-
السودان.. الجهود الدولية متعثرة ولا أفق لوقف الحرب
-
واشنطن -تشعر بقلق عميق- من تشغيل إيران أجهزة طرد مركزي
-
انهيار أرضي يودي بحياة 9 أشخاص في الكونغو بينهم 7 أطفال
-
العاصفة -بيرت- تتسبب في انقطاع الكهرباء وتعطل السفر في الممل
...
-
300 مليار دولار سنويًا: هل تُنقذ خطة كوب29 العالم من أزمة ال
...
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|