|
انتفاضة الشباب في الجزائر من وجهة نظر لبرالية ويساري
عبد القادر أنيس
الحوار المتمدن-العدد: 3244 - 2011 / 1 / 12 - 17:07
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
وجهة النظر اللبرالية عبرت عنها السيدة زينب رشيد، (لاعتقادي أنها لبرالية علمانية، إن لم تخطّئني هي طبعا)، ووجهة النظر الاشتراكية اليسارية عبر عنها السيد شوقي صالحي الأمين العام لحزب العمال الاشتراكي، في الجزائر. أعبر في هذه المقالة عن اختلافي معهما، رغم أني أثمن عاليا ما تكتبه زينب رشيد وأتلقف بشوق مقالاتها في هذا الموقع، كما أحترم نضال السيد شوقي صالحي في الجزائر منذ عشرات السنين، ويشرفه أنه لم ينزلق مع الانتهازية والمغامرة وركوب موجة الشعبوية الإسلامية مثلما فعلت رفيقته في النضال السيد لويزة حنون، التي سأتعرض إلى موقفها من حركات الشباب الأخيرة في مقالة تالية. مقال السيدة زينب تجدونه في : http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=241231 ومقال السيد صالحي تجدونه في: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=241425 كتبت السيدة زينب رشيد: ((النظام الجزائري الذي لم يمتلك يوما أي نوع من الشرعية إلا الشرعية الثورية التي لم تقدم لشعوبها بعد دحر المستعمر ونيل الاستقلال إلا الحكم الشمولي وعبادة الفرد القائد وسيطرة الحزب الواحد بما يترتب على ذلك من استبداد وفساد ونهب للوطن والمواطن حتى يبقى القائد على عرشه يحيط به ثلة من اللصوص والآفاقين الذين لا هم لهم إلا التسبيح والشكر بحمد قائدهم الأوحد، بينما يعيش المجتمع كله في سجن كبير ونخبته المثقفة في زنازين الأقبية المتعفنة، من يدخل اليها على كثرتهم يعتبر مفقودا ومن يخرج منها على قلتهم يعتبر مولودا)). رأيي أن الكاتبة تقع هنا في مبالغات لا تعكسها حقائق التاريخ والواقع كما عشتهما أنا في الجزائر المستقلة. صحيح أن النظام الحاكم في الجزائر استغل الشرعية الثورية ليتربع على السلطة وليمنع أي منافسة أو مشاركة له فيها وبهذا المنظور فقد استقلت الجزائر لكنها فقدت القدر المتواضع من التعددية الحزبية وحريات التعبير التي كانت موجودة في العهد الاستعماري والتي ساهمت في بث الوعي الوطني والسياسي في أوساط الشعب. أما القول ((بينما يعيش المجتمع كله في سجن كبير ونخبته المثقفة في زنازين الأقبية المتعفنة، من يدخل اليها على كثرتهم يعتبر مفقودا ومن يخرج منها على قلتهم يعتبر مولودا)). فهو ما أشرت إليه بالمبالغة. النظام في الجزائر كان فعلا مستبدا بالسلطة ولكنه لم يكن يتعامل مع معارضيه، عموما، عدا بعض الحالات، بالقمع الذي عهدناه مع حكم البعث في العراق وسوريا مثلا أو الحكم الوهابي في السعودية. ورغم هذا الاستبداد لم يحدث أن زج بـ ((نخبته المثقفة في زنازين الأقبية المتعفنة، من يدخل اليها على كثرتهم يعتبر مفقودا ومن يخرج منها على قلتهم يعتبر مولودا)). كان كاتب ياسين وكان الطاهر وطار وكان آخرون يكتبون ما لا يرضي النظام، ولم يتعرضوا للحالة التي وصفتها الكاتبة. حتى التعامل مع الانقلابيين ضد بومدين لم يكن يتم بالقمع الوحشي الذي كان سائدا في العراق وسوريا مثلا. بومدين، لم يعدمهم وأطلق سراحهم في الأخير. طبعا تم سجنهم بدون محاكمات، وهذا في حد ذاته ليس هينا. ولكنه أبعد ما يكون عن وصف الكاتبة ((من يدخل إليها على كثرتهم يعتبر مفقودا ومن يخرج منها على قلتهم يعتبر مولودا)). العنف الدموي مطلق العنان عندنا بدأ مع الإسلاميين، إذا استثنينا طبعا، العنف الذي ساد حرب التحرير. من جهة أخرى سيدتي، فرأيي أنه ليست الثورة الجزائرية وحدها هي التي وصلت إلى هذا النفق المسدود. جميع الثورات في العصر الحديث انقلبت على عقبيها وتراجعت عن وعودها. لهذا أستغرب استماتة مثقفينا وخاصة اليساريين والإسلاميين منهم إلى الدعوة إلى الثورة مرة ومرة بلا كلل ولا ملل أو التهليل لكل انتفاضة شعبية بوصفها ثورة وتحميلها ما لا تطيق من الآمال والمقاصد والأهداف. ومن هنا أرى أن الكاتبة لم توفق أيضا في اختيار عنوان مقالتها ((هي أكثر من ثورة خبز فلا تهينوها)). فلا انتفاضات الشباب عندنا ثورة، بالمفهوم الذي كنا نفهم به الثورة باعتبارها أداة التغيير الجذري للأوضاع نحو الأحسن، ولا الثورات السابقة حققت هذا الهدف كونها سرعان ما انتهز الشطار فيها الفرصة وقفزوا إلى سدة الحكم وأقاموا أنظمة استبدادية لا تختلف عن غيرها. فكفانا ثورات. وحدها التحولات التي جاءت نتيجة حراك اجتماعي سلمي طويل النفس بمشروع مجتمعي ديمقراطي علماني، قد أعطت نتائج إيجابية. حدث هذا في التحولات التي تمت في بلدان المعسكر الاشتراكي سابقا، وخاصة النموذج البولوني في التغيير بقيادة النقابي ليش فاليسا وفي بلدان أمريكا اللاتينية، وأبلغ درس يقدمه لنا اليوم شعب ميانمار ضد الاستبداد العسكري هناك. أما حركات التغيير المسلح اليسارية في أمريكا اللاتينية أو تلك الإسلامية الإرهابية الرجعية عندنا فشرها مستطير. ومادامت شعوبنا لا تضع المطالب الديمقراطية ضمن أولوية الأولويات ومادامت لا تتحرك إلا عندما يتهدد خبزها اليومي ومادامت لم تتبن أساليب النضال العصرية الصبورة البعيدة النظر والبعيدة عن التدمير الذاتي فلا يجب أن ننتظر منها شيئا. وهذا هو واقع الحال عندنا. فنسبة الانخراط في الحياة الحزبية والنقابية والجمعوية ضعيف جدا بسبب اقتناع الناس بعدم جدواه. الجميع يتفرجون ويتذمرون وعندما يبادر الشباب بطريقتهم الفوضوية في إلقاء حجرة في البركة الآسنة ينتهز البعض الفرصة فيركب الموجة ويسميها ثورة بينما يتذمر البعض الآخر من انعكاسات تصرفات الشباب الهوجاء على حياتهم الرتيبة والبعض الآخر خوفا من تهديد الأموال التي جمعها بالغش والتهريب والفساد ولا ينتبه هؤلاء جميعا أن الرسالة الوحيدة التي يمكن أن نستخلصها من هذه الانتفاضات هي كالتالي: يقول لنا هؤلاء الشباب: أنتم مسئولون عنا وعما جنت أيادينا، أنجبتمونا بأعداد هائلة وأنتم غير قادرين على توفير العيش اللائق بنا وأسأتم تربيتنا وتعليمنا وعجزتم عن توفير التكوين والعمل لنا وألقيتم بنا في الشوارع، فماذا تتوقعون منا؟ يمكن أن تتوقعوا كل شيء عدا أن نترككم تهنئون بحياتهم في هذه البلاد؛ سنسرق، سنخطف، سنتعاطى المخدرات، سنرتكب الجرائم، سنؤيد كل المغامرين، سنرهبكم حتى تهتموا بمصيرنا الذي هو مصير البلاد. لا أعتقد أن "ثورة" الشباب وغيرهم من فئات الشعب، بهذه الطريقة يمكن أن تغير من الأوضاع شيئا. في ثمانينات القرن الماضي عرفت الجزائر انتفاضات كثيرة قام بها الشباب آخرها سنة 1988، واضطر النظام الحاكم تحت ضغط التحولات العالمية إلى الاعتراف بالتعددية السياسية. فماذا وقع؟ انحاز الشعب بأغلبيته نحو برامج وأحزاب رجعية عزفت على أوتار الهويات القاتلة، وخاصة الإسلاميين الذين كانوا يكفرون الديمقراطية ويقبّحون كل الحريات. وهنا مرة أخرى يتحمل النظام السياسي والمثقفين كامل المسئولية عن انحطاط مستوى الوعي عند الناس، ما جعلهم ينساقون كالأنعام وراء أعدائهم، أعداء الحرية والديمقراطية.
ثم تكتب زينب: ((لم يحد "ثوار" الجزائر عن هذه القاعدة، فكان نظام الحزب الواحد القائد "جبهة التحرير الوطني" الذي فرض القبضة الحديدية على شعب الجزائر منذ اللحظة الاولى للاستقلال، فقمع الحريات وجعل الاعلام بوقا يُصبح بحمد القائد ويُمسي بشكر القائد، وتم تشييد السجون بعد أن ارتفعت أعداد سجناء الرأي والحرية، وغاب تكافؤ الفرص تماما ليحل محله المحسوبية والرشوة فلا وظيفة إلا لمتنفذ أو ابنه أو أقاربه أو راش، وتم إغراق الوطن في نزاع جبهة البوليساريو مع المغرب، حيث لا ناقة ولا جمل للشعب الجزائري في مثل هذا الصراع سوى مليارات الدولارات التي تم تبذيرها على شكل دعم للبوليساريو وما يرافق هذا الدعم من عمليات فساد كان أبطالها الثوار الجنرالات، ولم يكن هدف النظام من ذلك سوى إشغال شعب الجزائر عما يجري داخل البلد من عمليات نهب منظم لبلد غني عائم على ثروة طائلة من النفط والغاز لم يظهر شيئا منها على أبناء الجزائر)). ولقد سبق لي أن علقت في مقالها حول قضية البوليزاريو. وأضيف هنا أن الجزائر، بهذا الوقوف إلى جانب شعب الصحراء الغربية، إنما ترد دينا على عاتقها مقابل ما تلقته من دعم سياسي ومساعدات كثيرة وكبيرة من بلدان كثيرة في العالم وعلى رأسها أغلب البلدان العربية وبلدان الكتلة الاشتراكية ومختلف منظمات حقوق الإنسان. وبعد الاستقلال واصلت التمسك بهذا الموقف مع حركات التحرر في العالم بما فيها حركة تحرير فلسطين، ومن المؤسف أن الجزائر اليوم تميل ميلا واضحا سياسيا وإعلاميا إلى حركة حماس وحزب الله وإيران بدل تأييد المساعي السلمية للحكومة الفلسطينية التي أراها المخرج الوحيد لأي حل. وتكتب زينب: ((اليوم ينتفض الشعب التونسي والجزائري على السواء وان كانت شرارة الانتفاضة قد ارتبطت مباشرة بسوء الحالة المعيشية والتضييق على الشعب في لقمة عيشه كما حصل في تونس، والغلاء الجنوني للبضائع الاستهلاكية الأساسية في الجزائر التي يحتكرها الجنرالات وان كان عبر أشخاص آخرين ليسوا أكثر من موزعي بضائع في خدمة هؤلاء الجنرالات، فان الأسباب الحقيقة لما يحدث اليوم في تونس والجزائر قد تجلت في الشعارات التي رفعها الشعب، وهي شعارات تدل على ان الهدف ليس مجرد رغيف خبز مجبول بالذل والقهر والهوان، وانما العمل على ازالة الاسباب الرئيسية التي أدت الى وصول الوضع المعيشي والاقتصادي الى ما وصل اليه في تونس والجزائر)). لا يجب، سيدتي، المبالغة في حكاية هؤلاء الجنرالات. صحيح العسكر لعبوا أدوارا كبيرة في بلدان العالم الثالث، الكثير منها سيئة وحتى رجعية، نظرا لغياب حراك اجتماعي حقيقي بل وضده أيضا، ولكن الجنرالات في الجزائر ليسوا بهذه القوة الخرافية كما أن النظام الر يعي البيروقراطي في الجزائر القائم على استغلال الثروات الطبيعية، استفادت منه شرائح واسعة من المجتمع وظهر آلاف الأثرياء لا علاقة لهم بالجنرالات. في الجزائر هناك لوبيات مؤثرة كثيرة أشهرها العسكر طبعا، ولكن هناك لوبي ما يسمى بالأسرة الثورية متمثلة في منظمة قدماء المجاهدين وأبناء الشهداء وأبناء الجاهدين واتحاد العمال والفلاحين والنساء والشبيبة وغيرهم. وهم جميعا يشاركون في امتصاص ضرع البقرة الحلوب واستغلال نفوذهم للإثراء الفاحش. أما أن تقولي: ((ان الأسباب الحقيقة لما يحدث اليوم في تونس والجزائر قد تجلت في الشعارات التي رفعها الشعب، وهي شعارات تدل على ان الهدف ليس مجرد رغيف خبز مجبول بالذل والقهر والهوان، وانما العمل على ازالة الاسباب الرئيسية التي أدت الى وصول الوضع المعيشي والاقتصادي الى ما وصل اليه في تونس والجزائر)). فما هذه الشعارات التي هي (أكثر من ثورة) والتي رفعها (المتظاهرون)؟ أضع كلمة "المتظاهرون" بين قوسين لأنني، على الأقل بالنسبة للجزائر، أتحفظ على تسمية هذه الهجمات التخريبية على كل ما يرمز إلى الدولة بالمظاهرات كأسلوب حديث في الاحتجاج والتعبير. شبابنا، وحتى الكثير من كبارنا، لا يفرقون بين الدولة والحكومة. طبعا، هذه الانتفاضات، هي في نهاية المطاف تعبير وحشي عن فشل ذريع في إدارة شؤون البلاد بطرق عصرية تحفظ للناس كرامتهم في العيش والتعبير والحرية، ولكن شعارات الشباب لم تكن بهذه الكيفية. لنلاحظ تصريح أحد الشباب الذي يتهجم على حقوق النساء ولعلي لا أخطئ إن قلت أن موقفه عام عندنا: http://www.youtube.com/watch?v=5-0tdNbqGrI فهل يجب حل مشاكل الشباب على حساب النساء، وهل فعلا كانت مشاكل بلداننا بخير عندما كانت أغلب نسائنا في البيوت؟ هل هذا (أكثر من ثورة). هذا هو الخطاب الذي كان يروجه الإسلاميون تجاه الشباب. ونسمع أيضا صيحات مشئومة من بعض (المتظاهرين): "دولة إسلامية"!!!.. تعود بنا إلى جنون تسعينات القرن الماضي. http://www.youtube.com/watch?v=AgSiWvtcpaQ أمام هذه الحقائق عن هذه (المظاهرات) لا أتفق مع قول الكاتبة: ((انتفاضة الشعب من جديد في الجزائر بعد انتفاضته الكبرى عام 1988 دليل قاطع على ان الاجراءات الاصلاحية الشكلية المتعلقة باصدار قانون الاحزاب وتخفيف سيطرة الحزب القائد على الاعلام ومنح هامش بسيط من حرية الرأي كانت ذرا للرماد في العيون ليس أكثر، حيث عادت الامور الى ماهو اسوأ من ذلك بعد انقلاب الجيش على نتائج الانتخابات التي فازت بها جبهة الانقاذ الاسلامية مع اختلافي الكلي مع افكار هذه الجبهة الاقصائية وبرامجها السماوية، وقد رأى العالم كيف أمعن الجنرالات والجيش وطيور الظلام من أتباع جبهة الإنقاذ بالشعب الجزائري نحرا وذبحا وقتلا، وإذ يعود اليوم الشعب الى الانتفاض فانه لن يقبل بأقل من نتائج انتفاضة 1988 ولكن هذه المرة بشكل حقيقي وليس شكليا كما حصل في المرة الاولى)). رأيي أن قانون الأحزاب لم يكن إجراء إصلاحيا شكليا كما تفضلت الكاتبة بالقول. كان قانونا حقيقيا للتعددية الحزبية والسياسية. لكن الانقلاب الحقيقي على هذا القانون تمثل في السماح بتكوين أحزاب دينية تكفر الديمقراطية بغرض الالتفاف على هذه الديمقراطية الفتية وتحريف مسارها. أقدم لك هنا موقفا لأكبر قائد إسلامي في الجبهة الإسلامية التي ترين أنه كان من الحكمة تسليمها السلطة: ((اعلموا إخوة الإسلام أننا نحن معشر المسلمين نرفض عقيدة الديمقراطية الكافرة رفضا جازما لا تردد فيه ولا تلعثم... لأنها تسوي بين الإيمان والكفر ولأن الديمقراطية تعني الحريات المطلقة والحرية من شعارات الماسونية لإفساد العالم... ولأن السيادة في الإسلام للشرع وفي الديمقراطية للشعب وللغوغاء وكل ناعق... ولأن الديمقراطية معناها حاكمية الجماهير ... ولأن الأغلبية خرافة ... بينما الديمقراطية هي حكم الأقلية لا الأغلبية كما يشاع ولأن مخالفة اليهود والنصارى من أصول ديننا كون الديمقراطية بدعة يهودية نصرانية- (مقتطفات من مقال مطول لعلي بلحاج صدر في كتيب بالمملكة العربية السعودية، نشر أول مرة بجريدة المنقذ للجبهة الإسلامية للإنقاذ بالجزائر بتاريخ 23/24/25/ 1990)). هل يعقل سيدتي أن تسلم السلطة إلى صاحب هذا الكلام الفاشي بناء على انتخابات سادتها كل أنواع الخداع والخروقات. هل هذا عندك ((أكثر من ثورة)). وعليه فلا أتفق معك أيضا في تعقيبك على تساؤل السيدة سناء، حين أجبت: ((عزيزتي سناء: علينا أن نتحمل نتائج واستحقاقات صندوق الانتخاب الحر والحقيقي كما هي، لأنها تعبر عن إرادة الشعب، وأخطاء الديمقراطية لا يمكن حلها إلا بمزيد من الديمقراطية وليس بالانقلاب على مستحقاتها، صحيح أن جبهة الإنقاذ كأي حزب إسلامي لا تعنيه الديمقراطية إلا كطريق باتجاه واحد يوصله إلى السلطة، لكن هذه هي نقطة انكشاف هذه الأحزاب على حقيقتها بعيدا عن شعاراتها الإيمانية والتقوية البراقة التي لا يملك مجتمع متدين من رأسه حتى قدميه إلا أن يصدقها حتى يثبت له العكس، باعتقادي المتواضع أنه لا يمكن لنا تجاوز حالتنا البائسة إلا بالانكشاف الكامل لهمجية التيار الإسلامي وهو الذي لن يتحقق إلا عندما يكون هؤلاء في السلطة مع ما يعني ذلك من دماء قد تسيل في طريق إعادة العمل بالحياة الديمقراطية بعد وصول الإسلاميين إلى السلطة وتشبثهم بها)). رأيي أنه إذا كان لا بد من أن تسيل الدماء فلتسل دماء الإسلاميين أولا، لأنهم البادئ بالشر، والبادئ أظلم. طبعا الذي يتحمل مسؤولية أكبر هم حكام الاستبداد عندنا ثم الطبقة السياسية والمثقفة التي سايرت هذه الأوهام وشاركت في لعبة الديمقراطية مع إسلاميين جعلوا الديمقراطية مطية للوصول إلى السلطة والاستفراد بها، وهي تعتقد أنها تخوض صراعا ديمقراطيا متحضرا. ولا يجب أن نلقي باللائمة كلها على الشعب عندما يسيء الاختيار ولكن هذه الحقيقة لا يجب أن تمنعنا من مواجهة الناس بما نراه حقيقة أثبتتها التجربة الإنسانية الحديثة. وقد أساءت الشعوب فعلا الاختيار طوال التاريخ. انتخبت موسوليني وهتلر وصفقت لستالين وبكت دما لموته ومازال حزينة لإعدام صدام (عندنا على الأقل) وانتخبت حماس وهي تكفر الاتفاقيات التي وافقت عليها السلطة الوطنية الفلسطينية مع إسرائيل وكان ما كان. ولكن ذاكرة الناس ضعيفة إذا لم تجد من مثقفيها من يعيد إحياءها بصورة مستمرة. عندنا أيضا كاتب كبير يساري صاحب فكرة ((التقهقر المخصب))، نادى أيضا بتسليم السلطة للإسلاميين وترك الشعب يتحمل مسؤوليته ليرفضهم بعد أن يرى فشل أفكارهم في الميدان وكأن هؤلاء لا علاقة لهم بالحكم الإسلامي المعروف أم أنهم سيخرجون لنا، مثلما يخرج الجاوي من جرابه، حلولا سحرية؟ فكيف يعمى المثقف اليوم عن رؤية فشلهم وينتظر من الشعب، الذي أغلبيته عامة دهماء، رؤية صحيحة بعد أن يكون قد استسلم نهائيا للإسلاميين وخضع لغسيل المخ مختلف المؤسسات التربوية التي سوف يحتكرون الإشراف عليها؟ المثال تقدمه لنا إيران الإسلامية التي تحالف معها اليسار الإيراني وكان أول المنكّل به بعد أنصار الشاه طبعا. شخصيا أيدت تدخل الجيش لمنع الإسلاميين من الوصول إلى السلطة، وحمى هذا الجيش البلاد من كارثة الدولة الإسلامية رغم أنه لم يجنبها حربا ضارية خطط لها الإسلاميون حتى قبل توقيف المسار الانتخابي سيء الصيت، ولكن الطبقة السياسية والشعب عموما لم يكونوا في مستوى هذا الإنجاز العسكري وأيد الكثير الإرهاب. أما صاحب مقولة ((التقهقر المخصب)) أو ((la régression féconde )) كما قالها بالفرنسية فقد انتقل بعدها إلى فرنسا ليدرس كجامعي في إحدى جامعاتنا وفعل مثله الآلاف من الكفاءات الجزائرية خسرتهم البلاد إلى الأبد. كذلك رأى الحسن الثاني نفس الرؤية عندما اقترح تمكين الإسلاميين في الجزائر من الحكم ليفشلوا وننتهي من شرهم. يتبع
#عبد_القادر_أنيس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة (2) في مقال ((الماركسية والتنوير المزيف)) لوليد مهدي
-
قراءة في مقال ((الماركسية ُ والتنويرُ المزيفُ)) لوليد مهدي
-
قراءة في مقال -الحزب الديمقراطي الاشتراكي الإسلامي هو الحل-
...
-
قراءة في مانيفستو المسلم المعاصر لجمال البنا (تابع)
-
قراءة في -مانيفستو المسلم المعاصر- لجمال البنا.
-
هل تصح المقارنة بين الشريعة الإسلامية وتجارب البشر؟
-
هل طبقت الشريعة الإسلامية في حياة المسلمين ماضيا وحاضرا؟
-
حول صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان
-
حوار الطرشان بين الفيلسوف ورجل الدين
-
تطبيق الشريعة يعني مزيدا من الاستبداد والتخلف؟
-
مفاضلة بين أخلاق العلمانية وأخلاق الإسلام
-
حوار مع القرضاوي 16: العلمانية والعبادة
-
حوار مع القرضاوي15: العلمانية والعقدية (تتمة)
-
حوار مع القرضاوي 15: العلمانية والعقيدة
-
حوار مع القرضاوي 14: العلمانية والإسلام: هل الرفض متبادل؟
-
حوار مع القرضاوي 13: العلمانية مبدأ مستورد !
-
حوار مع القرضاوي 12: هل العلمانية مضادة ومناقضة لمصلحة الوطن
...
-
حوار مع القرضاوي 11: هل العلمانية ضد إرادة الشعب؟
-
الطاهر وطار 2
-
الطاهر وطار: الوجه الآخر
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|