زينب رشيد
الحوار المتمدن-العدد: 3240 - 2011 / 1 / 8 - 08:47
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
حتى اللحظة فان كل الاجراءات الأمنية التي اتخذت في العديد من دول العالم للحد من مخاطر الارهاب الاسلامي، لم تأت بنتيجة طيبة لسبب واحد ربما، حيث لا يمكن منع من يريد الموت من أن يموت حين يكون هذا الموت هو وسيلته وصراطه المستقيم للوصول الى حيث يحلم أن يصل المسلمين جميعا وفي مقدمتهم "الملتزمين حقا بأصول الدين" وهو الجنة الموعودة بما فيها من اغراءات خاطبت بطون ابناء الصحراء وأجهزتهم التناسلية قبل ألف وأربعمائة عام، واذ يخبو مفعول هذا الخطاب حينا ويثور احيانا، فانه ما زال هو المحرك الوحيد والرئيسي للكثير من هؤلاء الذين يخوضون في أعماق الدين فيصبحون أمام خياران لا ثالث لهما، إما الوقوف على حدوده استعدادا للخروج منه، وإما تجهيز الذات لتفخيخها في جمع من "الكفار" وقد يكون هؤلاء الكفار مسيحيون يحتفلون بعيد الميلاد أو شيعة مفجوعين بعاشوراء الحسين، أو غيرهم يحتفلون بالنيروز وشم النسيم، أو مسافرون أبرياء بالطائرات ووسائط النقل الأخرى لم يتخيلوا للحظة ان بينهم من يفخخ جسده ليصعد هو للجنة، بعد أن يسحق حق الاخرين في الحياة على الأرض.
قبل عقد من السنين لم يتخيل أحد أن خطوط الهاتف ستصبح مراقبة في اوروبا والولايات المتحدة وغيرها من الدول التي تجاوزت مهنة الرقابة على حياة الناس الخاصة واحصاء أصدقاءهم ومعارفهم وحتى دقات قلوبهم، وقبل عقد من السنين لم نكن لنتخيل أن نشهد هذا الاستنفار الأمني المكثف في المطارات والحدود ومحطات الباص والمترو والقطارات، كما لم نكن لنقبل أن يتم تفتيشنا بالطريقة المهينة والمذلة التي يتم تفتيش المغادرون بها قبل صعودهم وسائل النقل وبالأخص الطائرات، كما لم نكن نتصور ان يتم الاشتباه بنا بناء على سحنتنا العربية والاسيوية الملاصقة للعالم العربي قبل أن يضيف عمر الفاروق النيجيري أصحاب البشرة السوداء الى لائحة المشتبه بهم على الشكل الخارجي، وقبل عقد من السنين لم يخطر في كوابيسنا أن من يريد الانتقال من بلد الى بلد عليه أن يقدم سيرة تفصيلية لآخر عشر سنوات من عمره، قبل أن تذهب كل تلك التفاصيل الى وكالات استخبارية لتفحص وتدقق وتحلل وتبحث عما اذا كان صاحب هذه التفاصيل له علاقة من بعيد أو قريب بأي نوع من أنواع الارهاب حتى في جانبه الفكري والاعلامي.
بالتأكيد فان كل تلك الاحتياطات الأمنية مبررة تماما، ومن يتخذها له الحق في ذلك طالما أن أمنه وأمن مواطنيه ومؤسساته واقتصاده في خطر قد يتحقق في أي لحظة تسهو فيها عيون الأمن عن شخص يريد الوصول الى الجنة بدماء غيره، لكن السؤال هنا هو هل أفلحت كل تلك الاجراءات الأمنية في وقف الارهاب والقضاء عليه؟..
الاجابة لا كبيرة وكبيرة جدا، فعندما شددوا اجراءات الأمن في المطارات فجروا أجسادهم في القطارات، وعندما انتشرت فرق مكافحة الارهاب في القطارات فجروا أجسادهم في الباصات والساحات العامة وتجمعات الأبرياء والنوادي الليلية والبارات، وعندما تم وضع نظام أمني صارم لكل الأماكن السابقة فجروا أنفسهم في الكنائس والحسينيات ودور العبادة الاخرى، وعندما عملوا على الحد من قدومهم الى تلك البلاد أرسلوا لهم الطرود المفخخة، وقبل ذلك وبعده كان هناك من ولد في تلك البلاد وترعرع بها واستفاد من كل حقوق المواطنة فيها وهذا النوع تحديدا لا يجدي معه أي اجراء أمني الا بحدود معينة ربما، كما حصل مع محمد عثمان المواطن الأميركي من أصل صومالي الذي أراد أن يفجر ساحة احتفالات عيد الميلاد بوسط مدينة بورتلاند الأميركية، والمواطن الأميركي من أصل باكستاني فيصل شهزاد الذي ترك سيارة مفخخة في وسط "التايم سكوير" قبل أن يُبطل المختصون مفعولها ويُلقى القبض عليه وهو على كرسيه في الطائرة عائدا الى بلده الأصلى، وكذلك المواطن الأردني ماهر الصمادي المقيم بشكل غير شرعي في تكساس والذي أراد تفجير أعلى برج في مدينة دالاس، لكن قبل وبعد هؤلاء فقد تمكن بريطانيون من أصول باكستانية من تفجير محطات المترو في لندن، وقيام الضابط الطبيب الاميركي من أصل فلسطيني نضال حسن بقتل ثلاثة عشر من زملاءه وجرح العشرات في القاعدة العسكرية التي يعمل بها.
ما العمل اذن بعد استمرار حالة التهديد والهلع والخوف واصرار الارهابيين على المضي قدما في أفعالهم رغم كل الاجراءات الأمنية التي لم يكن الانسان يتخيل جزءا بسيطا منها؟
يبقى خيار واحد، وان كان العمل به مرفوضا ومستهجنا وغريبا ومخالفا لأبسط قواعد حقوق الانسان الان، فربما يكون مباحا بعد بضع سنين ولا يمكن حينها لأحد أن يلوم أي دولة ان كان هذا الحل هو آخر الحلول بالنسبة لها، وهو خيار الترحيل للجماعي "الترانسفير" لجاليات اسلامية بأكملها.
ليس مثل رجال الدين المسلمين من يحب اسقاط النص الديني على أحداث الحاضر السياسية والاجتماعية والاقتصادية والجغرافية والبيئية وكذلك منجزات الحضارة في الارض والفضاء، وقد استفاضوا في ذلك وفصلوا تفصيلا مملا، وحملوا النصوص ما لا تحتمل البتة، من خلال تقويلها ما لا تقول، ولي عنق الرواية الدينية وصولا الى تغيير معاني كلمات كثيرة حتى تناسب اسقاطاتهم، وقد أصبح لديهم فرع مختص بذلك أسموه "الاعجاز العلمي في القرآن والحديث".
باب الاعجاز العلمي في القرآن والسنة مفتوح بلا نهاية ولا حدود طالما كان هناك علما يفتح آفاقا رحبة وكبيرة لمنجزات على كل الأصعدة ينجزها الاخرين ويتبناها المسلمين على انها ورد ذكرها في القرآن والسنة قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام، وكذلك ستبقى صفحاته مفتوحة طالما أن العالم يموج بالمتغيرات السالفة الذكر.
ومع قناعتي الكاملة بأن النص الديني كان قاصرا حتى في التعامل مع قضايا وأحداث عصره الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، إلا انني اعتبر ان بعضا من النصوص ربما كانت تحمل توقعات مستقبلية لا تحتاج إلا قليلا من الفراسة حتى يتوقعها أي أحد. ان دورة القوة التي مر بها المسلمون الأوائل كان لا بد لها من نهاية قصر عمر تلك الدورة أم طال، وان الأسلوب الدموي الذي تعامل به المسلمون مع الاخرين في يثرب وما حولها، وبعد ذلك في كل البلاد التي استطاعوا غزوها كان لا بد من أن يرتد عليهم حين تخور قواهم، وقد رأينا كيف تم دحرهم وطردهم من اسبانيا بمجرد أن امتلك أهل اسبانيا من القوة ما يكفي لطردهم.
من تلك النصوص الحديث الذي رواه عبدالله بن عمر في صحيح مسلم ونصه "إن الاسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية الى جحرها" وفي رواية عمرو بن عوف في سنن الترمذي " إن الدين ليأرز الى الحجاز كما تأرز الحية الى جحرها وليعقلن الدين من الحجاز معقل الأروبة من الجبل إن الدين بدأ غريبا ويرجع غريبا فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي" وفي حديث آخر عن أنس بن مالك أن رسول الاسلام قال "يأتي على الناس زمان القابض على دينه كالقابض على الجمر".
لا أريد أن استعمل مثال الأفعى في عودتها الى جحرها هنا أبدا حتى لا يساء فهمي، وأكتفي بذكرها كما وردت على لسان الرسول محمد، إلا أن الجلي والواضح هنا تماما أن الدين الذي سيعود الى موطنه الأول هو دين الاسلام، والغرباء هم المسلمون الذين ما زالوا يصرون ان تلك النصوص صالحة لكل زمان ومكان ولا بد من العمل بها والامتثال لما تفرضه عليهم وتطلبه منهم، وهم ذاتهم القابضون على الجمر في زمان لا يمكن أن يفسح مجالا لمن ما زال مصرا على قتل الاخرين واقصاءهم واستئصالهم استجابة لاوامر سماوية مقدسة، فهل يكون هذا الخيار الذي ذكرته النصوص الدينية ذاتها هو آخر خيارات العالم للحد من الارهاب الاسلامي. با عتقادي لن ننتظر طويلا لنرى!!
الى اللقاء
#زينب_رشيد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.