|
تفكيك الرابطة العربية ومخاطره
عبدالله تركماني
الحوار المتمدن-العدد: 3196 - 2010 / 11 / 25 - 10:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
خلّفت الحقبة الاستعمارية وراءها عدة قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أية لحظة، مزروعة حول وداخل حدود العالم العربي. فلم تألُ القوى الاستعمارية جهداً في زرع بذور فتن طائفية أو مذهبية أو قومية تكاد لا تخلو منها دولة عربية، بل أنّ الأطماع الخارجية لا تعدم وسيلة لخلق هذه الفتن خلقاً وابتداعها إذا لم تكن قائمة، على النحو الذي يحقق مصالحها في استمرار سيطرتها على المنطقة وعرقلة أية فرصة لتكوين تكتل فاعل لها، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الأمني. غير أنّ المشاريع الخارجية ما كان لها أن تنجح لولا أنها وجدت عوامل داخلية تحقق لها هذه الأطماع، سواء كانت هذه العوامل سياسات خاطئة تكرس الأوضاع ما قبل الوطنية وتغذيها، أو صراعات داخلية تقتات على هذه الأوضاع وتستغلها. إنّ مشكلة العرب الأولى عدم إنشائهم حيّزاً للسياسة خارج روابط القرابة والدين والمذهب، لذلك بدت أغلب الأقطار والمجتمعات العربية عصية على التوحد القومي أو الوطني، ملغّمة بكل عوامل الانفجار الداخلي والتشرذم القبلي والطائفي والمذهبي والعشائري والقومي. وما انزلاق الصراع إلى مستويات قبل وطنية وقبل مدنية، على ما برهنت وتبرهن حالات لبنان والسودان والعراق والصومال واليمن وغيرها من الأقطار العربية، سوى دلالة على جدية المخاوف، ليس على الوحدة القومية العربية فحسب بل كذلك على الوحدة الوطنية في أغلب الأقطار العربية، مما يطرح في مقدمة القضايا والإشكاليات التي تواجه العرب في المرحلة الراهنة، مسألة الاندماج الوطني والقومي والمدني الهش في العالم العربي. ومن المؤكد أنه ليس لانعدام الاستقرار المزمن في المنطقة العربية مصدر واحد، فمصادره متعددة ومختلفة، وأول ما ينبغي الإشارة إليه في تحليل هذه المصادر الموقع الجيو – سياسي الطاقوي المميز الذي تحتله المنطقة العربية. إذ أنها شكلت ولا تزال تشكل مركز جذب وميدان تنافس دائم، وبالتالي ساحة صراع وتنازع دولي، تتجدد أسبابه وتتبدل ولكنها مستمرة بلا انقطاع. ولعل من أهم الدراسات التي ظهرت بعد 11 سبتمبر/أيلول 2001، والتي نرى أنها الرافد الأساسي لكل المبادرات الأمريكية لتعميم " الفوضى البناءة "، التقرير الذي وضعه المحلل في مؤسسة " راند كوربوريشن " للدراسات لوران مورافيتش، وقدمته المؤسسة في 10 يوليو/تموز 2002 إلى هيئة السياسة الدفاعية في وزارة الدفاع الأمريكية " البنتاغون "، أحد أهم المصادر للتعرف على ما تضمره الإدارة الأمريكية تجاه المنطقة العربية. فما ينتهي إليه التقرير، في مجال " الاستراتيجية الكبرى للشرق الأوسط "، يقول بالحرف ما يأتي: العراق هو المحور التكتيكي، السعودية هي المحور الاستراتيجي، مصر هي الجائزة. وتجدر الإشارة إلى أنّ مشروع إعادة تشكيل المنطقة يتلازم عضوياً مع خطة " الفوضى البناءة " التي باتت من أساسيات السياسة الأمريكية. إذ ما تمارسه هذه السياسة في الشرق الأوسط هو عملية هدم، متبوعة أو مقترنة بعملية بناء شرق أوسط موالٍ، تفشل عمليات استقطابه إلى القوى الدولية الأخرى، كما تفشل إمكانية قيامه بملامح عربية – إسلامية، بربط هذا الإقليم سياسياً واقتصادياً بالولايات المتحدة. وتشمل عملية الهدم: تغيير نظم، واختراق ثقافات، ومنع تشكيل محاور إقليمية معادية، كما تشمل تفكيك دول وفقاً لخريطة إثنية للإجهاز تماماً على الرابطة العربية، وإحداث ضمور كبير في كل الأحزاب والأشكال التنظيمية التي تعتنق الفكر القومي العربي وتعمل على إحيائه وتجديده. ومن جهة أخرى، لم يواجه هذا الفكر، خاصة عندما وصل حاملوه إلى السلطة، مسألة الأقليات الدينية والمذهبية والقومية ومخاوفها الأقلوية، من أجل فهمها واستيعابها، وبالتالي إبداع قيم جاذبة يمكن أن تتجاوز معها أقلويتها والانشداد إلى الأفق الوطني الجامع، فظلت دمّلاً ينزف كلما تعرض الجسم العربي لأزمة جدية. ولم يواجه مسألة العلاقة بين العروبة والديمقراطية، بل طرح قومية مفرغة من الديمقراطية لم تأخذ في الحسبان حريات الأفراد وحقوقهم الإنسانية الأساسية. ونظر إلى الشعوب بوصفها " جماهير " و " رعايا " مطلوب منها أن تضحي دائماً وتتنازل عن حقوقها من أجل " طوبى قومي ". ولم يواجه مسألة الفصل بين المجالين السياسي والديني، فلم يتصدَ لتعيين حدود الدين في الحياة السياسية والاجتماعية من منظور عقلاني، فكان أن اكتسح الديني السياسي، والأصالة الحداثة، والماضوية العصرنة. في ظل هذا الالتباس والقصور والتردد والتراجع كان من الطبيعي أن تنتكس المجتمعات العربية وتتذرر إلى تكويناتها ما قبل القومية وما قبل الوطنية وما قبل المدنية، وأن يرتكس أغلب الفكر العربي إلى الغيبي والسلفي والتقليدي، وأن تثار من جديد المخاوف على الوحدة الوطنية وتطرح الفيدرالية والكونفيدرالية حلاً لأزمة الاندماج القومي أو الوطني العاثرين. وهكذا، دخلنا مرحلة دقيقة جداً، مرحلة إعادة ترتيب الأوراق دولياً وإقليمياً، وربما إعادة ترتيب الأنظمة والدول والحدود. فقد أتت مشاريع " الشرق الأوسط " منذ خمسينيات القرن الماضي، الذي أصبح " جديداً " بعد مؤتمر مدريد في العام 1991، و" موسّعاً " بعد غزو العراق واحتلاله، وعاد " جديداً " بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان في صيف العام 2006، تحاول استكمال ما دشنته اتفاقيات " سايكس – بيكو" في أوائل القرن العشرين، ولكن من خلال الانتقال به من حدود الدولة الوطنية إلى حدود عصبية القبيلة والطائفة والمذهب.
#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سبل الحل التوافقي الممكن في الصحراء الغربية
-
عن تعثر الإصلاح في العالم العربي
-
قراءة في منظومة المفكر السياسي السوري ياسين الحافظ
-
أدوات التنشئة السياسية
-
أي مستقبل للشراكة الاقتصادية العربية ؟
-
هل يستجيب النظام الإقليمي العربي للتحديات ؟
-
هنيئاً لموقعنا الأغر
-
البعد الثقافي للمحنة العربية الراهنة
-
عندما تقدم النخب الحاكمة مصالحها الشخصية على الحقوق الوطنية
-
مقدمات في مسألة الدولة
-
نهاية نظام وصاية العسكريتاريا على الحياة السياسية التركية
-
في نقد الماركسية السائدة .. عبد الحسين شعبان يحطم مراياه
-
حوار الثقافات أم صراع الحضارات ؟
-
واقع العرب الراهن .. مصالحة تاريخية بين أطراف السياسة والمجت
...
-
الأنظمة الاستبدادية .. العروبة ليست بخير
-
الأمن القومي العربي يبدأ من علاقة الدولة بمواطنيها
-
كلفة تعثر التنمية في العالم العربي
-
فقر الثقافة السياسية العربية
-
الدول العربية الفاشلة وشرعية الأمر الواقع
-
حين تصبح المؤامرة مشجباً تعلق عليه الأزمات
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|