عبدالوهاب حميد رشيد
الحوار المتمدن-العدد: 3178 - 2010 / 11 / 7 - 18:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
(مع ملحق يُناقش: مفهوم الديمقراطية والتحول الديمقراطي)
لا يزال موضوع مناقشة الديمقراطية في الشرق الأوسط يحظى بمناقشة واسعة، ومحل إشادة مستمرة من لدُنّ الحكام والمعارضة على حد سواء.. المثققون وعامة الناس.. السجناء وحراسهم. لكنها كذلك تبقى ضرباً من الوهم/ الخيال illusionإن لم تكن هذه اللفظة وسيلة تُستخدم لضمان زوال أية إمكانية حقيقية لمشاركة الناس في صنع القرار.
كانت البحرين آخر بلد عربي أجرت انتخابات "حرّة ونزيهة". بلغت نسبة المقترعين مستوى معقولاً (67%)، وفازت المعارضة بنسبة 45% من المقاعد. ويمكن اعتبار البحرين، من حيث مدى نزاهة الانتخابات مثالاً ممتازاً على كيفية تغير الأمور في الشرق الأوسط. الأكثر من ذلك، إنها وفّرت فرصة للقادة الغربيين، مثل الرئيس الأمريكي اوباما للثناء على مساهمة التوجيه الأمريكي تحقيق "التقدم" في المنطقة (شرق أوسط كبير).
في الواقع لا شيء يتغير- ما عدا إصرار البعض على قولهم: هذا ما هو متاح/ ممكن.. (تريد أرنب أُخذ أرنب.. تريد غزالة أُخذ أرنب)..
ارتبطت بمحاولات الحكومات العربية منذ العقد الماضي اكتشافين/ مَسلمتين.. أولهما أن مصالح (أطماع) الولايات المتحدة لا يمكن أن تتعايش سلمياً مع الديمقراطية الحقيقية. ففي مصر حصلت مفاجأة غير متوقعة العام 2005 عندما فاز مرشحي الأخوان المسلين بخمس أصوات الناخبين إن لم يكن أكثر. أعقب ذلك ثورة ديمقراطية حقيقية في فلسطين لا مثيل لها عندما فازت حماس بأغلبية الأصوات. وكانت هذه الحصيلة كافية لإقناع كل من الحكام العرب والولايات المتحدة بحماقة مشروعهم المسمّى: الديمقراطية.
المسلمة الثانية تتجسد في عدم الحكم على العرب بمدى صدقية ديمقراطيتهم، بل كم تخدم وتحقق مصالح (أطماع) الولايات المتحدة. وطالما أن جهاز قياس الديمقراطية بيد واشنطن، فقد اعتبرت البلدان العربية تفتقر إلى الإصلاحات الديمقراطية (الإصلاحات التي لا تأتي بمفاجئات غير سارة لها من فوز حماس)، وكثيراً ما تصدر تقارير الكونغرس أو البيت الأبيض برفض الحركة الديمقراطية في الديمقراطيات الناشئة التي تعتبرها معادية لمصالحها الاقتصادية والسياسية وتتعامل معها بلا رحمة، وكأن تجارب الديمقراطية في هذه البلدان لا يمكن أن تحقق أية خطوة إيجابية.
قادت هاتان الحقيقتان إلى تغييرات سطحية بطبيعة الحال. يُشير أحد كُتاب السياسة الخارجية- شادي حامد- إلى أنها "حرة ولكن غير عادلة.. انتخابات بلا معنى."
من المعروف أن الانتخابات الحرّة تُشكل حجر الزاوية في مسيرة الديمقراطية الحقيقية. من هنا فبإعطاء الانطباع بحصول هذه الحرية، يميل المرء تلقائياً إلى القناعة بتحقق الإنصاف/ العدالة فيها. لكن العدالة لا يمكن العثور عليها في أي مكان (مفهوم معتقدي مطلق)، لأنه إذا كان موجوداً حقاً لأصبح من الممكن حصول التغيير (تلقائياً)، ويصبح التغيير متغيراً تابعاً لها (العدالة). هؤلاء ممن تابعوا تجارب الديمقراطية الحديثة في بعض البلدان العربية، لاحظوا كذلك بأنه تم تعريفها بأنها راكدة سياسياً، وذلك قبل سنوات من الحركة الديمقراطية.
كتب صحفي أمريكي- Sydney J. Harris- ذات مرّة: "الديمقراطية هي النظام الوحيد الذي يصرّ على السؤال من القوى فيما إذا كانت القوى هي تلك التي يجب أن تكون ought to be. إذا كان قول هاريس صحيحاً، عندئذ فما يجري في الشرق الأوسط يمكن أن يكون أي شيء عدا الديمقراطية. فرغم انتخاب برلمانيين جدد، وجوه جديدة تسطع على شاشات التلفزيونات، وعدد متزايد من النساء يصطفن مع زملائهن الرجال.. مع ذلك بقيت القوى دون تغيير حقيقي، ودون أن يتم إبعادها.
استطلاعات الرأي في معظمها، سواء تلك التي أجرتها جهات عربية أو غير عربية، تُشير إلى أن الغالبية العظمى من مواطني البلدان العربية ينظرون إلى الديمقراطية بدرجة عالية من الإيجابية، لكن السنوات الأخيرة شهدت المزيد من الفبركة تجاهها، رغم أنها أصبحت لفظة مألوفة في الشرق الأوسط، ولا يرى فيها الحكام فضيلة تُذكر (بالعلاقة مع مصالحهم).. وبالنتيجة لم تتحقق ديمقراطية حقيقة في الواقع بأية صورة أو بأي شكل.
هل أن النخب الحاكمة في الشرق الأوسط اكتشفوا خدعة الديمقراطية democracy trick؟ هل أدركوا أن الديمقراطية في الشرق الأوسط ليست سوى ما يقوله ويريده البيت الأبيض كيف يجب أن تكون؟..(بالطبع.. نعم.. والحصيلة شاهدة)..
تفننت إسرائيل جداً في إدارة هذه الخدعة منذ يوم إنشائها. هذا ما يقوله حسن عفيف الحسن Hasan Afif El-Hasan في كتابه الجديد المفيد جداً: هل مات حل الدولتين بالفعل؟ "في وثائقها الرسمية، يتم التعبير عن هوية الإسرائيليين في بطاقاتهم الشخصية وفق مجموعاتهم الدينية: يهودي، مسلم، مسيحي، بهائي، درزي.. وتُمنح كافة الامتيازات الحكومية لليهود بحكم كونهم يهوداً، مما يجعل من إسرائيل دينية عرقية بدلاً من ديمقراطية ليبرالية."
"ديمقراطية" إسرائيل فريدة من نوعها، بل وتزداد فرادةً، إذ يتعرض غير اليهود فيها إلى مستويات متزايدة من المضايقات، ويُطلب إليهم باستمرار تجاوز جميع الأطواق/ المعوقات السياسية لإثبات ولائهم للنظام اليهودي. ومع ذلك تمكنت إسرائيل، بذكائها ودهائها وباستمرار، تقديم نفسها إلى العالم بأسره على أنها نموذج للديمقراطية. (لأنها تُجسد مصالح الإمبريالية العالمية!)
كانت هذه الصورة "الديمقراطية" الإسرائيلية واستمرت لتشكل الخدعة الديمقراطية الأصيلة original democracy con في الشرق الأوسط. وهذا ما تطلب من الحكومات العربية عقوداً للحاق بالركب وتقديم نفسها أيضاً بأنها "ديمقراطية"، أياً كانت الحقيقة على أرض الواقع. هذه ليست مشروعك اليومي للديمقراطية. إنها، بخاصة، ملتوية devious، لأنها يمكن أن تتباهى كونها حرّة، نزيهة، وشفافة- ويمكن الاستشهاد عليها من خلال الإحصاءات- لكن البنية السياسية (القديمة) تبقى صلدة مؤثرة تُحرم على البرلمانات المنتخبة حرية إصدار تشريع فعال دون تأثير من القوى المهيمنة. وإذا سُمح بتمرير أي تشريع من خلال، مثلاً، النخب العليا غير المنتخبة أو خارج البرلمان، ووافق عليها الحاكم في نهاية المطاف، (كلاهما- النخب والحكام- ضمانات للنظام وتقييد حركة البرلمانات المنتخبة (على افتراض صحة وحرية انتخابها) عندئذ يميل مثل هذا التشريع أن يكون غير مهم وزخرفياً إلى حد كبير.
لأن الديمقراطية عملية تقدمية (لا نهائية)، فلا يمكن لأي بلد أن يدعي إنه ديمقراطي تماماً، وهذه الحقيقة توفر لحكومات الشرق الأوسط استخدامها لتبرير أوجه القصور الخاصة بها. ومن المتوقع أن تميل الولايات المتحدة قبولها بتوزيع الثناء والمديح للأنظمة السائرة في ركابها، والإدانة والرفض لتلك التي تعتبرها أعدائها من غير السائرة في ركابها، ووصف المجموعة الأولى بالشجاعة والناجحة، ونعت الثانية بالفشل.
هذه الخدعة الديمقراطية الكبيرة لن يُكتب لها النجاح لولا أن يتم استثمار ذلك من لاعبين متعددين (القوى الغربية)، بضمنهم الولايات المتحدة. بينما فيما يخص عامة الناس التواقين لأن يروا أن حقوقهم قد أحتُرمتْ، وحرياتهم قد كُرِّمَتْ، والآفاق السياسية قد توسعتْ، فبإمكانهم الاقتراع دائماً- حتى وإن انتهى تصويتهم إلى لا شيء، بل وحتى إذا كانت مشاركتهم تقود إلى إضفاء شيء من الشرعية على نظام يحاولون بشدة تغييره.
ممممممممممممممممـ
Conned by democracy: The Middle East’s stagnant ‘change’, By Ramzy Baroud,aljazeeramagazine.com, 05/11/2010.
-- Ramzy Baroud is an internationally-syndicated columnist and the editor of PalestineChronicle.com. His latest book is My Father Was a Freedom Fighter: Gaza s Untold Story (Pluto Press, London), now available on Amazon.com.
Source: AJP
مفهوم الديمقراطية والتحول الديمقراطي
تعبّر الديمقراطية عن مفهوم تاريخي اتخذ صورا وتطبيقات متعددة في سياق تطور المجتمعات والثقافات. وتقوم فكرتها الاساسية على حكم الشعب وممارسته الرقابة على الحكومة. ويتمثل جوهر الديمقراطية في توفير وسيلة منهجية حضارية لادارة المجتمع السياسي بغية تطوير فرص الحياة. وظهرت في صورتها المبكرة مع ازدهار الحضارة الاغريقية ونشوء دولة المدينة. اذ مورست مباشرة، واقتصرت المشاركة فيها على الاقلية من الاحرار دون العبيد والنساء، وفي ظروف عدم الفصل بين السلطات.(24) ففي عام600 قبل الميلاد اصبحت أثينا تحت قيادة بيركلس Percles- المناصر للحرية. يقول في احدى خطبه: ان حياتنا السياسية حرة... ونحن احرار ومتسامحون في حياتنا الخاصة... ثم يدعو بقوله: احزم امرك على ان السعادة تعتمد ان تكون حرا، وان الحرية تتطلب ان تكون شجاعا.(25)
استمرت التجربة الديمقراطية الاغريقية فترة قصيرة قبل زوالها. وبعد حوالي الفي عام ظهرت الديمقراطية المعاصرة. وفي ظروف صعوبة تطبيق الديمقراطية المباشرةdirect democracy في عصر الكثافة السكانية قبل ان يتوصل الانسان- المجتمع الى مستويات حضارية- تكنولوجية تمكنه من المشاركة المباشرة دون الحاجة الى الاجتماعات التقليدية، عندئذ اتخذت تطبيقاتها اشكال الديمقراطية غير المباشرة او النيابية indirect or representative democracy. ومع افضلية هذه الطريقة بتوفيرها التكاليف الزمنية والمالية، الا انها تقود الى تقليص القوة السياسية للناخبين مقارنة بالديمقراطية المباشرة.(26) وهذا يوضح احد مبررات تعزيز الرقابة المؤسسية على الحكومة المنتخبة.
تشكلت الديمقراطية الحديثة، والى حدود بعيدة، نتيجة الافكار التي انبثقت عن فترة النهضة الاوربية. ولم تظهر بالمعنى الليبرالي الا في القرن الثامن عشر عندما بشر المفكرون الغربيون بفكرة المساواة، وطالبوا بحق الشعب في اختيار حكومته والاشراف عليها. وكانت الدعوة منصبّة على حق الاقتراع العام بضمان دستور مكتوب صادر عن مجلس تأسيسي منتخب بأغلبية اصوات الناخبين. وربط روسو تحقيق المساواة بتوفر عاملين: اولهما الارادة (معنوي)، وثانيهما المقدرة (مادي)،وطالب بخلق التوازن بينهما.(27) وفي ظروف تمحور الديمقراطية الليبرالية حول المساواة السياسية والحرية الاقتصادية عندئذ فتحت الطريق امام الرأسمالية الغربية اقامة المشروعات الضخمة وفتح الاسواق العالمية واجتياح الشعوب الاخرى وانشاء الامبراطوريات الاستعمارية الحديثة. فظهرت الازمات الاقتصادية والاجتماعية، وتولدت النظريات الحديثة التي تناولت مشكلات المجتمع بالدراسة والنقد، وبدأ الفكر الاشتراكي في ابراز عيوب البرجوازية، ورأت ان الطبقة المسيطرة تعمل على اخضاع الديمقراطية لمصالحها. وارتباطا بهذه التطورات، ظهرت الحركة الديمقراطية الاجتماعية باتجاه بناء مجتمع اكثر عدلا بالمقارنة مع الديمقراطية الليبرالية.(28) كما تعددت التطبيقات الديمقراطية، وأخذت الانظمة السياسية المختلفة تدعي احقيتها بصفة الديمقراطية حتى تلك الاكثر اهدارا لحقوق الانسان. وربما وجدت هذه الظاهرة تفسيرها في العوامل الثلاثة التالية: اولها ان الديمقراطية ليست ارثا حضاريا لاية ثقافة محددة.. وثانيها عدم بلوغ الانظمة السياسية باشكالها المتنوعة مستوى من الموازنة بين الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاجتماعية بحيث يحظى بالقبول العام.. وثالثها عدم حصول اجماع عام على مفهوم الديمقراطية ومكوناتها في ظروف قيام عملية التحول الديمقراطي بجانبيه- السياسي والاجتماعي- على النسبية. اذ لا يوجد نظام حكم سياسي فقط او اجتماعي فقط.
تقوم الديمقراطية على مبادئ الحرية freedom. وهي تختلف عن "التحرير .liberty لان فكرة التحرير قامت على المفهوم السلبي للحرية بالدعوة اولا الى تحرير الانسان من العبودية بسلاسلها الحديدية، ولتتطور لاحقا الى المطالبة بتحرير الاقتصاد من ظروف الاقطاع وقوانين القرون الوسطى، بهدف توفير البيئة المواتية لانطلاق البرجوازية الصاعدة. بينما تقوم الحرية على مفهوم نوعي ايجابي يتضمن مبادئ حقوق الانسان.(29)
تجسّد الحرية قضية انسانية تتعدى قيمتها قيم الاشياء الاخرى، لأنها تعبّر عن ملكية الانسان لفكره وارادته، وتمنحه شعور المواطنة الكاملة في استجابته للحقوق والواجبات، وتعمل على تحرير عقله للانطلاق نحو المستقبل واكتشاف المجهول وتعزيز بديهته ونفاد بصيرته والمعيته، وبما يساعد على تحقيق نجاحه واكتشافاته في مختلف حقول المعرفة. كما انها تعمل على تعميق مشاعر الود والاحترام بين مختلف المجموعات البشرية- محليا وعالميا. من هنا قيل ان الحرية- الديمقراطية تشبه الاسبيرانتو Esperanto في توفيرها لغة تفاهم مشتركة بين الناس- الشعوب.(30) بينما توقع روسو انحسار احتمالات حدوث حروب بين الدول الديمقراطية لاهنمام شعوبها بتطوير حياتهم الحضارية. كذلك ربط الدكتور علي الوردي نشوء الديمقراطية بمرحلة متقدمة اخرى من مراحل تطور الحضارة البشرية "... ان ظهور الديمقراطية الحديثة لا يقل في اهميته الاجتماعية عن ظهور الدولة. فان الدولة قضت على التقاتل القبلي. بينما الديمقراطية قضت على التقاتل السياسي."(31) ومع ذلك تبقى الحرية- الديمقراطية بدون معنى حقيقي في غياب حرية الاختيار "ان تنصحني بعدم القيام بفعل ما، هو كلام اجوف، ما لم اقتنع اني قادر على صنع قراري بقبول او رفض النصيحة. ومن المؤكد اذا فقدت قدرتي على اتخاذ قراري بالخيارات المتاحة، واصبحت مجرد منفذ لصوت القدر الذي املاه ماض متصلب او بسبب شروط اجتماعية قاسية مفروضة، عندئذ من الصعب ان افهم لماذا اتحمل مسؤولية تصرفي."(32)
الا ان الحرية ليست مطلقة، بل محدودة ومحددة في اطار المسؤولية المشتركة لافراد المجتمع. وهذا يرتب مسألتين: اولاهما ليس لاحد الحق في رفض الحرية، لان ذلك يعني نكران آدميته والتهرب من مسؤولياته الاجتماعية. من هنا قيل "لا مهرب من الحرية ".(33) وثانيتهما تتطلب الحرية درجة من الانضباط discipline لضبط ممارسة الفرد لحريته بالعلاقة مع ممارسات وحريات الآخرين. وتتحقق هذه المسألة (الانضباط) ذاتيا وموضوعيا، اي من قبل الفرد نفسه، بالاضافة الى سلطة الحكومة فرض القوانين والنظام العام. اذ ان ممارسة الحرية مع استمرار التطور الاجتماعي- الثقافي يقود الى التحسن النوعي للانضباط الذاتي.
ان احدى العقبات التي تواجه الحرية والحركة الديمقراطية عموما هي النزعة الذاتية القوية نحو السلطة الحكومية. يحذر اللورد اكتون Lord Acton بقوله: السلطة تجسد الفساد... ان هؤلاء الذين يتمتعون ببعض السلطة حتى وان كانوا من اصحاب الضمائر الحية، عادة ما يرونها منقبة virtue في الحصول على المزيد منها.(34) وهذا مبرر آخر للرقابة على الحكومة حتى لا تتبنى سياسات وتشريعات قد تقود الى اضعاف او تشويه الحرية- الديمقراطية، لان ما يتخذ بطريقة ديمقراطية ليس بالضرورة ان يكون ديمقراطيا.(35)
تدعو الممارسة الديمقراطية الى رفض الايمان المطلق بالافكار والايديولوجيات السائدة لصالح القناعة النسبية بها، والتخلي عن همجية العنف في ظل سماع الرأي الاخر، ونبذ المواقف الحادة (العصبية) في اطار استعداد النخب السياسية العيش بسلام على اساس المنافسة الانتخابية والقبول بحكم الاغلبية ومراعاة حقوق الاقلية. "ان اعضاء المجتمع السياسي يسعون وراء اهداف متباينة، يتم التعامل معها- بين امور اخرى- من قبل حكومة النظام. ان الاختلاف والاتفاق جانبان مهمان من جوانب الانظمة السياسية. ان الناس الذين يعيشون معا لن يستطيعوا ابدا الاتفاق على كل شيء. ولكن اذا ارادوا الاستمرار في الحياة معا، فهم لن يستطيعوا الا ان يتفقوا على اهدافهم".(36)
كما تتطلب عملية التحول الديمقراطي بيئة اجتماعية من سياسية وثقافية واقتصادية ومؤسسية توفر لها امكانية الاستمرارية والنمو بطريقة نمطية متصاعدة بعيدا عن حالات الارتباك والتراجع والانقلاب. وهنا تلعب المواريث التاريخية- الاجتماعية دورا حيويا في هذه المسيرة. ففي الهند مثلا، طبقت الديمقراطية منذ اوائل الخمسينات من القرن العشرين وسط انتشار واسع للامية والفقر والانشقاقات اللغوية والاثنية والدينية، بحيث شكلت لغزا enigma للمفكرين الغربيين ولنظريات الديمقراطية الغربية.(37)
وفي محاولة لتفسير الديمقراطية في الهند، فقد نوقشت مجموعتين من العوامل من تاريخية ومؤسسية. وتقدمت الثقافة الهندية العوامل التاريخية. يذكر احد كبار كتاب الهند في قضايا التحضر وهو جاترفيدي بادرناث Badrinath Chaturvedi: ان احد مبادئ الفكر الهندي الذي ساد المجتمع هو ان كافة الافكار تقريبية (نسبية) بالعلاقة مع الحقيقة. عليه لا يوجد فكر يمثل الحقيقة كلها. وبالنتيجة استطاع الهنود تطوير موقف فكري تجاه الافكار الاخرى على نحو مقبول جدا.(38) برزت هذه الافكار الثقافية وممارساتها بصورة جلية في الفترة الكولونيالية، واحتل مركز القلب في مسيرة التحرر الهندية، اذ وفرت قدرة عظيمة على الاستيعاب assimilation والتكتل agglomeration، وفي اتباع طريقة تؤكد على التوفيقaccommodatio بدلا من الانتصار segregation. وهذه المواصفات شكلت قيما ديمقراطية عالية مقارنة بممارسات دول العالم الثالث بعامة.
بينما تجسّدت مجموعة العوامل المؤسسية في حزب المؤتمر الهندي ودوره في التطوير التدريجي الفعلي للمؤسسات الديمقراطية. فقد نشأ الحزب عام1885، ويعتبر من اقدم الاحزاب السياسية في العالم، ليس من حيث الزمن فحسب، بل كذلك من حيث سلوكه في تحقيق التوافق والاجماع. ساعدت هذه السلوكية على بناء ارضية مواتية لقيادة الديمقراطية بعد ان حققت الهند استقلالها (15-آب/اغسطس1947). وجرّب حزب المؤتمر ان يكون وعاء لكافة الافكار والايديولوجيات والطبقات والمصالح في المجتمع الهندي باتجاه تطويرها وليس بقصد احتوائها ووأدها. ورغم ان هذه السلوكية الشمولية ادت لاحقا الى مشكلات للحزب نفسه، خاصة في مجال اختيار وتطبيق سياساته، الا انها قادت الى خلق مشروع سياسي وطني وفّر ناد لمعالجة تناقضات الافكار والمصالح بطريقة سلمية، وساهم في تأهيل اعضائه وقياداته ممارسة قواعد التسامح الديمقراطية. ولا تقل اهمية دور حزب المؤتمر تشجيع التعددية الحزبية بحيث انتهت بعد فترة زمنية من المسيرة الديمقراطية الى نتيجة حاسمة.. الا وهي كسر احتكار حزب المؤتمر نفسه للسلطة (رغم انه كان احتكارا قائما على انتخابات ديمقراطية). ويرتبط بالعوامل التاريخية والمؤسسية كذلك بروز قيادة تاريخية حضارية مختلفة نوعيا عن مثيلاتها في معظم دول العالم الثالث، اذ قادت الى الاستقلال والديمقراطية على طريق النضال السلمي وبناء ارادة الجماهير، متمثلة في شخص زعيم الهند المهاتما غاندي الذي فتح بنضاله السلمي (ومغزله اليدوي) الطريق لاستقلال بلاده السياسي والاقتصادي.
ولما كانت الديمقراطية مفهوما تاريخيا وحصيلة تراكمية لعملية طويلة ممتدة وصعبة من التطبيق، لذلك فهي تتطلب نفسا طويلا من الممارسات السلمية بين النخب السياسية. وتشكل مملكة السويد مثالا آخر لامتداد عملية الصراع من اجل نقل السلطة من الملك الى ممثلي الشعب (البرلمان) لفترة امتدت منذ عام 1435م عندما تحققت ولادة البرلمان في صورته الاولى (اجتماع اربو) Arbogg ولغاية النصف الاول من سبعينات القرن العشرين عندما استكملت السويد نظام الملكية الدستورية. ولم تظهر التسمية الحالية للبرلمان Riksdag قبل عام 1500م. ولم تتطور قواعد صلبة لكيفية عمل البرلمان قبل عام 1600م عندما اخذت الفصول البرلمانية دورتها كل ثلاث سنوات في استوكهلم بدلا من مدينة اربو. وجاءت الخطوة المركزية التالية عام 1866م عندما تم احلال مجلسي البرلمان محل الشكل القديم. هذا رغم ان حق الاقتراع بقي محصورا بفئات معينة من اصحاب الثروة وذوي المنزلة الاجتماعية لغاية عام 1909 عندما شمل كافة الذكور المؤهلين. وبقيت المرأة محرومة من حق الانتخاب لغاية عام 1921. وحصلت النقلة الكبرى الاخيرة بالعلاقة مع سلطة البرلمان عام 1971 عندما اجتمع البرلمان ذو المجلس الواحد، وليشرع في دورة انعقاده خلال الفترة 1973-1974 قانونا جديدا للحكومة وآخر للبرلمان الذي افتتح دورته في صورته المعاصرة عام 1975 بعد تجريد الملك من سلطاته السياسة ليصبح رمزا للبلاد وشخصية غير سياسية.(39)
ليست الديمقراطية عسلا نقيا جاهزا، اي قاصرة على الايجابيات فقط، ولا تقدم حلولا سحرية للمعضلات المجتمعية، بل لها كذلك سلبياتها، سواء ما تعلق ببطئ صنع القرارات او انفتاح المجال لحصول المزيد من الانحرافات السياسية والادارية او الجرائم الاقتصادية والاجتماعية بما فيها نشاطات "المافيا" واعمال السوق السوداء، خاصة في الدول الاقل نموا. من هنا كانت مهمة التحول الديمقراطي نمطية تتسع وتتعمق مع انتشار الثقافة الوطنية الديمقراطية وتحسين الاوضاع الحياتية للمجتمع. هذا علاوة على اهمية تطوير الكفاءات والمهارات لادارة العملية السياسية المجتمعية ومواجهة مخاطر الانحرافات الاجتماعية من سياسية واقتصادية وادارية.
من جهة اخرى، قادت الدعوات الانفتاحية باسم الديمقراطية الى مزيد من التبعية وتهميش الاغلبية. وهذا ما يستوجب تأكيد شروط التحول الديمقراطي تتقدمها صيانة ودعم الاستقلال السياسي وحماية النشاط الوطني، ليس الاقتصادي فحسب، بل كذلك الثقافة الوطنية في مواجهة الثقافة الاستهلاكية الغربية المدمرة للبنية الانتاجية للمجتمعات النامية. وهكذا، فكما تتطلب الحرية انضباطا فرديا، كذلك تتطلب عملية التحول الديمقراطي انضباطا مجتمعيا في سياق تحقيق موازنات بين مهمة التحول هذه من جهة وبين تعظيم خطوات التنمية تتقدمها تنمية الانسان من جهة اخرى، وتعزيز الاستقلال الاقتصادي بتقوية البنية الاندماجية للقطاعات الاقتصادية من جهة ثالثة، بغية تقليص ظاهرة عدم التكافؤ (الاستغلال) في التعامل مع العالم الخارجي، خاصة البلاد الصناعية المتقدمة. وذلك لكي لا تتحول الديمقراطية الى مجرد ظاهرة شكلية سطحية، وممارسات غوغائية، وتراكمات للمديونية الخارجية، وانهاك لمعيشة الاغلبية، وتعميق للتبعية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لصالح الاقلية.
تعني لفظة "الديمقراطية"بمعناها الاغريقي حكم الشعب. اذ تتكون هذه اللفظة منdemos، اي الشعبpeople و kratos بمعنىحكمrule. واطلق عليها الرئيس الامريكي ابراهام لنكولن "حكم الشعب من الشعب والى الشعب". ورغم سهولة التفسير اللغوي للديمقراطية الا ان محاولات تحديد مفهومها واجهت اختلافات واسعة. ولعل ذلك بسبب ان الديمقراطية ليست مفهوما علميا يمكن بالتالي تعريفه بصورة منهجية، بل هي مجرد تعبير لغوي ينظر اليها كل فريق من زاوية مختلفة. ويرتبط بذلك ايضا تباين وجهات النظر حول ما اذا كانت الديمقراطية سياسية فقط ام كذلك اقتصادية. بكلمات اخرى، مسألة الربط بين الحريات السياسية والمساواة الاقتصادية، رغم الاتفاق على ان تحقيق التوازن بينهما يبقى مهمة مركزية لاستقرار النظام السياسي.(40)
نوقشت الديمقراطية من منطلقين متباينين: اولهما نظري، فاصحاب النظرية المعيارية Normative Theory يعتبرونها هدفا (وصف ما يجب ان تكون عليه). وثانيهما تطبيقي، حيث ان انصار النظرية التجريبية (الامبريقية) Empirical Theory يرونها وسيلة (وصف ما هي عليها الان). من هنا فالديمقراطية وفق المنطلق الاول هي سياسية بحتة، بينما هي سياسية واقتصادية (اجتماعية) حسب المنطلق الثاني. افرزت محاولات الفريقين فجوة واسعة wide gap بين نظرية الديمقراطية Democracy Theory وبين نظرية التحول الديمقراطي Theory of democratization. ويبرر اصحاب المفهوم السياسي للديمقراطية وجهة نظرهم بان ادخال المسائل الاقتصادية والاجتماعية سيجعل هذا المفهوم واسعا يصعب دراسته ولا يسمح بتحليل عوامل الربط بين متغيرات البعد السياسي ومتغيرات الابعاد الاخرى. بينما يفضل الفريق الثاني التعريف الواسع للديمقراطية كعملية تحول على اساس ان محاولة التعريف السياسي الضيق تستبعد اية منا قشة بشأن التوزيع الحقيقي للسلطة- الثروة في المجتمع، وتجعل من مشكلة عدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية مسألة منفصلة.(41) ويظهر ان هذا الخلاف التفسيري يقوم على اختلاف نظرة كل منهما لنفس الظاهرة (الديمقراطية) بين النظرية (اي سياسية) وبين التطبيق (سياسية واقتصا دية).
ربما تصبح هذه المناقشة اكثر سهولة وفهما فيما اذا قمنا بالفصل بين نظرية الديمقراطية وبين عملية التحول الديمقراطي. فالاولى تعبر عن نظرية بحتة غرضها تقديم صورة مثالية قصوى لما يجب ان تكون عليه. وهنا تشكل الديمقراطية كنظرية هدفا قائما بذاته. لذلك فهي ليست محل تطبيق. اذ ان اي نظام حكم لا يقتصر على السياسة، بل يتضمن كافة الجوانب الاجتماعية، كما سبقت الملاحظة في بداية المبحث الاول. اما الثانية فهي تعبر عن فكرة عملية، وتنظر الى الديمقراطية باعتبارها طريقة حضارية تستخدمها الانظمة السياسية المعنية لبلوغ غاياتها الايديولوجية. ذلك ان اي نظام سياسي يقوده نظام اجتماعي، اي ان عملية التحول الديمقراطي تقودها هيئة حكومية تضم عادة نخبة او نخب طبقية ترمي الى تحقيق غايات اجتماعية في سياق افكار آيديولوجية. هذا الحديث يرتب، على الاقل، ثلاث نتائج:
الاولى: القول بان الديمقراطية سياسية، اي هدف قائم بذاته يستند الى اعتبارات فكرية (نظرية) مثالية خارجة عن نطاق التطبيق العملي. اما الديمقراطية وفق اعتبارات التطبيق العملي، فتكون بطبيعتها وسيلة تتعامل مع كافة الجوانب الاجتماعية. وهذا يعني ان الديمقراطية كظاهرة اجتماعية تكون سياسية واقتصادية .
الثانية: ليست الديمقراطية حكرا على جماعة او ثقافة معينة، بل هي طريقة تنظيمية حضارية مجتمعية متاحة لكافة الافكار الايديولوجية والانظمة الاجتماعية. وان درجة النجاح او الفشل في مسألة الاقتراب او الابتعاد من التوازن بين الحرية السياسية والمساواة الاقتصادية او العدل الاجتماعي لا تخص الديمقراطية في حد ذاتها بل هي مسؤولية النظام الاجتماعي الذي يقود المسيرة الديمقراطية الحضارية لبلوغ غايات اجتماعية مرسومة.
الثالثة: ولان الديمقراطية وسيلة لادارة المجتمع السياسي، عليه فهي ليست حالة آنية تتحقق في لحظة زمنية معينة من خلال الدستور والقوانين الاوامرية فقط، بل هي عملية ممتدة لها شروطها الاجتماعية، تتأثر بها وتؤثر فيها. وتسير في سياق عملية التنمية الحضارية المجتمعية لتتوسع وتتعمق مع مسيرتها وتتراجع مع انقطاعها وتراجعها.
من المعروف ان قيما ومبادئ ديمقراطية عديدة تراكمت على المستوى الكوني منذ بدء الحضارات البشرية الاولى وحتى الحضارة الحديثة المعاصرة. ويمكن الوقوف عندها سواء في المعتقدات الدينية او الادبيات العلمانية. وهي قيم ومبادئ لا تستطيع ثقافة معينة الادعاء بملكيتها. بمعنى ان لكل مجتمع عناصر في مواريثه التاريخية وثقافته المعاصرة بحيث يمكن ان تستغل كموجودات ديمقراطية. ان مبادئ مثل العدل والحق والتعاون والاخاء والمساواة امام القانون وما اشبه هي قيم ذات سريان عالمي، وجدت في الكتب الدينية عامة والادبيات الدنيوية، وطبقت على نحو واسع في مجتمعات مختلفة وبدرجات متباينة، وهي سمات مهمة للديمقراطية، رغم انهالا ترتقي الى مستوى الديمقراطية الدستورية. واذا قبلنا بتواجد بعض القيم الديمقراطية السائدة عالميا وعدد من المعالجات الخاصة بالممارسة الديمقراطية، عندئذ علينا ان نتساءل عن الحدود الدنيا الواجب توفرها في نظام سياسي حتى يوصف بالديمقراطية. وبغض النظر عن الاشكال الرسمية للتطبيقات الديمقراطية، هناك درجة من الاتفاق على ان العناصر الثلاثة التالية تشكل الحد الادنى لمكونات الديمقراطية في اي نظام سياسي:(42)
الاول: حقوق الانسان- تتضمن مجموعة حقوق اساسية للمواطن مثل تقديس حقه في الحياة واحترام وجوده وكرامته وضمان امنه، وحرية التعبير عن الرأي، والانضمام الى التنظيمات السياسية وما اشبه. ومن المهم هنا التأكيد على ثلاثة جوانب لهذه الحقوق: اولها تحقيق المساواة الكاملة في الحقوق والواجبات بين افراد المجتمع. وثانيها ضمان الحقوق الاجتماعية للمواطنين، بما فيها حق العمل وضمانه اجتماعيا، وحق التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية. وثالثها الممارسة الايجابية لهذه الحقوق على نحو يقود الى مشاركة المواطنين بصورة فعالة في صنع قراراتهم الجماعية. ان تحديد هذه العناصر يعبّر عن اهمية الممارسة العملية لهذه الحقوق بغض النظر عما تحتويها الدساتير، ومهما كانت المبررات الايديولوجية.
الثاني: التعددية السياسية- تقوم الديمقراطية المعاصرة على التمثيل النيابي. وهذا يدعو الى ممارسة الناخبين حقهم في اختيار ممثليهم من خلال انتخابات حرة لادارة شؤون حكمهم لفترة زمنية محددة. ان الاختيار هنا وظيفي (سياسي) وليس شخصيا. عليه وجب تعدده، لان حصره بمرشح واحد يفقده الصفة الوظيفية السياسية لصالح الصفة الشخصية. وهذا لا يوفر انتخابا حرا. يضاف الى ذلك ان ظاهرة تعقد الحياة الاجتماعية تتطلب بطبيعتها تعددية فكرية توفر المناقشات وتبادل الآراء بين اكثر من طرف وصولا الى الرأي الافضل واكثرها ملائمة. لذلك فان سيطرة الرأي الواحد ستعبر عن العجز وغياب القدرة على الابداع بغض النظر عن مسألة نوايا وكفاءات الرأي الواحد. وحيث ان السلطة تحفز على الفساد، كما سبقت الملاحظة، خاصة عندما تقوم على الاحتكار، فهذا يمكن ان يؤدي الى زيادة مخاطر الوقوع في الاخطاء الفادحة. ومرة اخرى تشكل تعددية الاتجاهات السياسية حول قضايا العمل الوطني سـدا مانعا لحدوث مثل هذه الاخطاء وضمانة موثوقة نحو التجديد وحسن التعامل مع المتغيرات الداخلية والخارجية.
الثالث: التداول السلمي للسلطة- تفقد التعددية مضمونها وقيمتها في ظروف احتكار السلطة، لان التعددية تتطلب اعطاء فرص متماثلة لكافة الاحزاب المتواجدة في الساحة السياسية الدخول في منافسة متكافئة لكسب ثقة الناخبين وسماع حكمهم بشأن تولي السلطة نيابة عنهم وتنفيذ البرنامج الاكثر قبولا من وجهة نظر اغلبيتهم. وكما سبقت المناقشة، هناك اساليب عديدة لانتقال السلطة، الا ان الاسلوب الحضاري الوحيد المتاح هو في تداول السلطة بصورة شرعية وسلمية بعيدا عن العنف والانقلابات والتصفيات. وهذه الوسيلة توفرها الديمقراطية وبصفة مستقرة، لأنها تجعل من جماهير الناخبين حكما بين الاتجاهات السياسية المتعددة وتمنح فرصة الحكم دوريا لصالح هذا الاتجاه او ذاك حسب انجازاته ومواقفه. وهنا ايضا العبرة بالممارسة العملية وليس بمجرد النصوص الدستورية. ذلك ان الانتخابات التي تجري بين احزاب سياسية في ظروف احتكار السلطة تعبر عن تعددية زائفة. اذ ان العبرة ليست بمجرد السماح لهذه الاحزاب اسماع صوتها للجماهير، بل كذلك سماعها لحكم هذه الجماهير، اي ممارسة دورها كقوى سياسية فعالة وعدم الحجر عليها وحرمانها من فرصة المنافسة للوصول الى السلطة عندما تحقق الفوز في الانتخابات. وفي غير ذلك فان الوسائل الاخرى لانتقال السلطة لا تضمن الابتعاد عن العنف وسفك الدماء.
الهوامش
(24) The New Encyclopaedia Britannica USA,. , Vol.4, Macropaedia,15 th. ed. 1993,P.5.
(25) قارن:
1- Sherover, Charles M., Op.cit., P.55.
2- المنجد، قسم الاعلام، دارالمشرق،الطبعة22 بيروت1975،ص.17.
(26) Dunn, John, Op.cht., P.61.
(27) سيف الدولة، عصمت ( تعقيب)، ندوة ازمة الديمقراطية...، مرجع سابق،ص 59.
(28) الدجاني،احمد صدقي، "تطور مفاهيم الديمقراطية في الفكر العربي الحديث"، ندوة ازمة الديمقراطية...، مرجع سابق، ص118-120.
(29) Sherover, Charles M.,Op.cit., PP.75-76.
(30) اسبيرانتوEsperanto - لغة عالمية ترعاها منظمة اسبيرانتو العالمية Universal Esperanto Association بتسهيل تطبيقها وانتشارها. تضم الرابطة اكثر من(90) دولة. ومقرها هولندة.
* انظر، رشيد، عبدالوهاب حميد، معجم المؤسسات المشتركة- العربية والاقليمية والدولية، دار الشباب(قبرص) ومؤسسة الكميل(الكويت) الكويت1990،ص.(729).
(31) انظر:
1- Sherover, Charles M., Op.cit., P.241.
2- الوردي،علي، في الطبيعة البشرية، الاهلية للنشر
(32) Sherover, Charles M., Op.cit., P.68.
(33) Ibid. , P. 241.
(34) Ibid. , P.132.
(35) Uhlin, Andres, Democracy and Deffusion - Transational lesson , drawing among indonesian pro- democracy actors , Lund Political Studies 87, Lund University , Malmo, Sweden , 1995,P.10.
(36) Dahl, Robert A.,Op.cit., P.54.
(37) Sten, Blomkvist, Hans and Windmalm, Democracy in India -Report commission by
Development Authority-SIDA,Uppsala SIDA, Uppsala Univdrsity , Sweden1992,PP.1-6.
(38) Ibid., PP.5-6. (39) انظر:
1-Lindstorm, Eric, The Swedish Parliamenrary System, The Swedish Institute , Stockholm,1992. PP.5-6 .
2- Peterson, Olof, Hur Styrs Sverige?, Tryck- Kristianstad,Bocktryckari AB, Stockholm,1994,P.4.
(40) انظر:
1- Uhlin, Andres, Op.cit., P.9.
2- امين،سمير "حول منهج تحليل ازمة الديمقراطية في الوطن العربي"، ندوة ازمة الديمقراطية...، مرجع سابق،ص.(317).
(41) Uhlin, Andres,Op.cit., PP.8-9
(42) عبدالله،اسماعيل صبري، "الديمقراطية داخل الاحزاب الوطنية وفيما بينها"، ندوة ازمة الديمقراطية...، مرجع سابق،ص. 466-468.
المصدر: د. عبدالوهاب حميد رشيد، الديمقراطية، الديمقراطية والتحول الــديمقـراطي،(مناقشة فكرية وأمثلة لتجارب دولية)، السويد: 2005
ISBN: 91-630-9332-4
#عبدالوهاب_حميد_رشيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟