|
حول المحتوى العلمي للقرآن
محمد باسل الطائي
الحوار المتمدن-العدد: 3160 - 2010 / 10 / 20 - 23:34
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
شهدت العقود القليلة الماضية نشاطاً في جانب الاهتمام بالمضامين العلمية للقرآن الكريم وكانت بواكير العمل في هذا الاتجاه تتمثل بتأملات عقلية وموازنات لمسائل علمية أو ظواهر طبيعية ذكرها القرآن الكريم. وقد حرص الكتاب الذين اهتموا بهذا التوجه ببيان عظمة الله سبحانه وتعالى ومن بواكير تلك الأعمال كتاب (مع الله في السماء) للدكتور أحمد زكي، وكتاب (التفسير العلمي للآيات الكونية) لحنفي أحمد وكتيبات الدكتور مصطفى محمود وأحاديثه الاذاعية والتلفزيونية. وكان هذا حسناً، إذ تنبه الكثير من عامة الناس إلى ذلك الجانب العظيم من وجوه البيان العلمي المعرفي للقرآن، مما عزز ايمان بعضهم وزاده وعظّم شأن القرآن في نفوسهم، وقرب البعض إلى الايمان بوجود خالق لهذا العالم. لكن هذا النشاط وللأسف أتخذ توجهاً غير سليم عندما أصبح نشاطاً تجارياً وتلفيقياً أحياناً. فصار بعض المشتغلين ببيان الاعجاز العلمي للقرآن يقدمون الإشارات العلمية القرآنية وكأنها نظريات علمية كاملة تتطابق تماماً، بحسب ادعاءاتهم، مع اكتشافات العلوم الحديثة والمعاصرة. ومما يؤسف له أن أكثر المشتغلين في نشاطات الاعجاز العلمي للقرآن اليوم هم من غير المختصين، أو هم من أنصاف المختصين الذين جمعوا معلوماتهم العلمية عن طريق مطالعة الكتب المبسطة المكتوبة للعامة، وبعضهم يأخذ عن كتابات صحفية غير دقيقة، أو مبالغ فيها أو خاطئة أحياناً. فهاهنا تقرأ كتاباً يتحدث لك عن الاعجاز العلمي في الفلك والوصف الدقيق لنشأة النجوم وتطور المجرات وكاتبه طبيب نفساني لا علاقة له بعلم الفلك لا من قريب ولا من بعيد إلا من باب الهواية ومعلوماته جمعها أثناء وقت الفراغ الكبير في عيادته النفسية. وهنالك ترى كتاباً يتحدث عن جيولوجية الأرض وتكوين المحيطات وهايدروديناميكية حركة المياه فيها وكاتبه طبيب باطني، كان الأحرى به أن يهتم باختصاصه أو أن يبحث في أمور تتعلق باختصاصه. وهكذا صار يكتب في مسائل الإعجاز العلمي في القرآن كل من هب ودب. وحتى أن بعض المختصين (ظاهرياً) يكتبون أحياناً ترهات لا علاقة لها بالعلم الصحيح والدقيق لأنهم في الحقيقة ليسوا مختصين بالمسائل التي يعالجونها. وخلال السنوات القليلة الماضية ظهرت إلى السطح الصحفي والاعلامي ومن خلال الفضائيات شخصيات جديدة من الناس المهتمين بالاعجاز العلمي للقرآن روجت لها صحف عربية كبيرة وقنوات فضائية عديدة. وقد وجدنا بعد التدقيق العلمي في بعض ما يقوله هؤلاء وما يقدمونه من معلومات للمشاهدين والقراء الكثير من عدم الدقة العلمية والتعسف في تفسير الوقائع العلمية وهنا أُشير إلى المسائل التالية: 1. الادعاء بأن رواد الفضاء الأمريكان الذين زاروا القمر قد أكدوا حقيقة انشقاقه نصفين وأنهم وجدوا صدعاً فيه يدل على ذلك الانشقاق الذي ذكرته بعض الآثار. وهذا غير صحيح أبداً ولا توجد أية وثيقة علمية تورد مثل هذا الخبر أو الاكتشاف. وقد طلبت من الداعي بهذا وهو الدكتور زغلول النجار تزويدي بالمصدر العلمي الموثق الذي يدعم إدعائه فلم يفعل. فضلاً عن ذلك فإن الانشقاق الذي يفترض حصوله قبل حوالي 1400 سنة لا يكاد ينكشف للدراسات الجيولوجية في مثل هذه الحالة بل أن مثل تلك الفترة الزمنية قد تقع في حيز نسبة الخطأ العملي والنظري. 2. الإدعاء بأن الحديد الذي في باطن الأرض قد نزل من السماء على الأرض بعد تكوينها وما يتم تقديمه من شرح خاطيء لمراحل تكوين الأرض.والادعاء أن الحديد الذي في باطن الأرض هو من السماء. والحق أن هذا خلط وتشويه للحقائق العلمية التي تفيد بأن الحديد الذي في باطن الأرض (لب الأرض) هو بغالبيته العظمى من حديد السحابة الدخانية التي تكونت منها الأرض وبقية الكواكب السيارة، على حين أن الحديد الذي في قشرة الأرض هو ما نزل من السماء عبر النيازك التي سقطت على الأرض بكميات كبيرة في سالف الأزمان بعد تكون الأرض. 3. الادعاء بأن الأرض هي مركز الكون من خلال ملاحظة أن المجرات تبتعد جميعاً عن مجرتنا. وهذا سوء فهم وقع فيه البعض لعدم معرفته أن الكون هو سطح ثلاثي الأبعاد في فضاء رباعي الأبعاد وهذه مسألة تخصصية يجري تقريبها للأذهان والتصور عادة بالمقارنة مع النقاط التي على سطح بالون مطاطي ينتفخ إذ نلاحظها تتباعد عن بعضها البعض جميعا دون أن نتمكن من تعيين أي منها مركزاً للتمدد. فجميع النقاط على البالون المتمدد هي مراكز، ولا فرق بينها. 4. الادعاء بأن السماوات السبع هي طبقات الغلاف الجوي وأن الأرضين السبع هي طبقات الأرض الداخلية. وهذه مغالطة لا علمية لأن تقسيم الغلاف الجوي إلى سبع طبقات ليس أمراً قطعيا بل هو اصطلاحي فالبعض يقسم الغلاف الجوي إلى خمس مناطق وبعضهم يقسمها إلى ستة أو سبعة وربما ثمانية أيضاً. وكذلك الأمر بالنسبة إلى طبقات الأرض فمن قال أنها سبعة؟؟ هذه مغالطات لا يليق بالداعية الإسلامي أن يدّعيها لأن عواقبها على الاسلام نفسه كبيرة. 5. تكرار القول أن الثقوب السود هي أجرام كثيفة جداً. ولو كان المدعي من أهل الاختصاص لعرف أن الثقوب السود العظيمة جداً كتلك التي تبلغ كتلتها مليون مرة قدر كتلة الشمس مثلاً لا تكون كثيفة جداً، بل يمكن أن يتوفر ثقب أسود بكثافة أقل من كثافة الهواء أيضاً. 6. الادعاء بأن نظرية الانفجار العظيم مطابقة تماماً للقرآن وهذا غير صحيح إذ يعلم أهل الاختصاص أن التوافق بين العلم والقرآن في هذه النظرية هو توافق جزئي وليس كلي وتام كما يدعي كتّاب الإعجاز العلمي من غير المختصين.
كما يُلاحَظ أن أغلب محرري الصحف والمجلات، وهم من غير المختصين على الأغلب، يفضلون دائما تلك المقالات التي تتوافر على أكبر قدر من الادعاءات بتوافق القرآن مع حقائق العلم ولا يعجبهم أبداً أن تقول لهم أن العلم يتفق مع القرآن في هذا الجزء من المسألة ويختلف في ذلك الجزء. ولو أُرسلت إليهم مقالة تبسُط الحقائق بين ما هو في العلم وما هو في القرآن كما هي عليه بالفعل فإنهم يرمون بها عرض الحائط ويعتبرونها أمرا غير مرغوب فيه حتى لو كانت تكشف عن جوانب أصيلة في تلك المسائل، بل حتى لو كان كاتب تلك المقالة أعظم المختصين. ما يهمهم على الأغلب هو الإدعاء بأن هذه المعلومة وتلك التي اكتشفها العلم اليوم هي موجودة في القرآن منذ 1400 سنة!! والمشكل أن هذه المقالات تتوجه إلى القاريء العام الذي لا يمتلك المعرفة اللازمة لتمييز الصحيح عن الخاطيء. فيتم بهذه الوسيلة صرف الناس عن التأمل والتفكير الحر، فضلاً عن ما تتركه مثل هذه المقالات من أثر سلبي في نفوس العاملين في المجال العلمي التخصصي إذ يرون أن هنالك تلفيقاً كبيراً في تفاصيل تخصصاتهم العلمية يقدم بطرق ساذجة وتسطيحية. القرآن أساساً كتاب هداية وليس كتاب نظريات علمية في أي صنف من صنوف المعرفة. لكنه عرض دون شك لمسائل تخص العالم وتكوينة وربما خص في بعض المواضع المسائل بشئ من التفصيل لكنه يبقى محتفظاً بقدر من الغموض في مثل هذه المواضع. ومن جانب آخر فإن لغته التي هي العربية بالنص الذي جاءت بها الآيات يجعل أغلبها قابلاً للتفسير بوجوه متعددة وقد أدرك الأوائل هذه الحقيقة فقالوا إن القران حمال وجوه. لا مانع بالتأكيد من تفسير الآيات التي تصف أحولاً فلكية أو كونية أو طبية أو غيرها ولا مانع من مقارنة ما جاء في القرآن مع معطيات العلوم المضبوطة لكن المفسر أو الباحث يجب أن يكون من أهل الإختصاص العلمي في المسائل التي يطرقها. إن من المطلوب وقف التهريج بالعلم ووقف التهريج بالقرآن تحت عنوان (الاعجاز العلمي للقرآن) لأن هذا النوع من الأنشطة غير الحكيمة ستؤدي ربما إلى مردود عكسي حينما ينبري مختصون لكشف التزييف المقصود أو اللامقصود لوقائع المعرفة العلمية. وعلى من يعمل في حقول البيان العلمي للقرآن أن يكون من أهل الاختصاص العلمي الدقيق في الحقل الذي يشتغل فيه أو فليصمت لأن عمله سوف لن يؤدي إلا إلى تشويه العلم أو تشويه إعجاز القرآن أو كليهما معاً.
#محمد_باسل_الطائي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل يتعارض القرآن مع النشأة التطورية للإنسان؟
-
آفاقنا في النهضة والمساهمة الحضارية: عودة الى العقل
-
المأزق الإبستمولوجي للمعرفة العلمية المعاصرة
-
الحتمية الكلاسيكية واللاحتم الكوانتي
-
ستيفن هوكنج وخلق العالم؟
-
من الضروري مراجعة كتب الحديث التي لا تتوافق مع صريح القرآن و
...
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف تجمعا للاحتلال في مستوطنة
...
-
“فرحة أطفالنا مضمونة” ثبت الآن أحدث تردد لقناة الأطفال طيور
...
-
المقاومة الإسلامية تواصل ضرب تجمعات العدو ومستوطناته
-
القائد العام لحرس الثورة الاسلامية: قطعا سننتقم من -إسرائيل-
...
-
مقتل 42 شخصا في أحد أعنف الاعتداءات الطائفية في باكستان
-
ماما جابت بيبي..استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي وتابعو
...
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح
...
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|