أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - محمد الرديني - اللطم الصامت في سردق البصرة الخافت















المزيد.....

اللطم الصامت في سردق البصرة الخافت


محمد الرديني

الحوار المتمدن-العدد: 3152 - 2010 / 10 / 12 - 10:22
المحور: كتابات ساخرة
    


شهدت جماهير البصرة امس البروفات النهائية لجماعة الانصار التابعة للتيار الظهري فرع تكتل البصرة لغرض الاستعداد للاحتفالات العزائية التي ستقام بعد اربعين يوما. وشهد البروفات نائب رئيس التيار خوجه علي المرشح القوي لاستلام منصب رئيس تنظيم الجنوب اثناء الانتخابات التي سيجريها التيار بين اعضائه الشهر المقبل.
وعقب انتهاء البروفات النهائية والتي اشار خوجه بيده على القوم مبديا عبر ابتسامة مشرقة ارتياحه لما وجد من حماس واقبال على تنفيذ فعاليات الاحتفال المرتقب جاء ساعيا بريد عضلاتهما بانت للعيان ليحملا نائب الرئيس الى كرسي مصنوع من خشب بخور العود ، وبعد ان عدّل النائب من جلسته وبحلق في القوم كعادته خاطبهم قائلا:
ايها الرجال الاماجد
واذا وجدت بينكم نسوان فلا بأس من تحية الماجدات
ان ما رأيته اليوم يبعث على الفخر والاعتزاز خصوصا وان حماسكم بلغ ذروته وانت تنفذون فقرة اللطم الصامت في هذا السردق الذي يشهد باكورة احتفالات تنظيمكم الجديد، وودت في هذه المناسبة ان ازف لكم بشريتين بعثتا الارتياح في نفوس الانصار وعلى رأسهم السيد حسون الداغستاني حفظه الله.
ان البشرى الاولى هي هدية من احد الاكاديميين شاء الا يذاع اسمه بين الحاضرين هي عبارة عن ترديدات بصراوية ترافق اللطم الصامت بما يتناسب والوضع الراهن.
اما البشارة الثانية فهي قرار السيد الرئيس حفظه الله بادخال فقرة جديدة في برنامج العمل اطلق عليها "اللطم الشفافي" تيمنا بمصطلح الشفافية التي كثر استعماله هذه الايام. وحول سؤال من احد الصحافيين عن فحوى ومحتويات الهدية الاولى قال خوجه: ان هذه الهدية هي مكرمة من الاكاديميين وهو مقال عن مدينة البصرة ماضيها القريب وحاضرها المغيب واستطعنا بعد جهد جهيد ان نقسم فقرات الهدية الى عناصر لطمية بنوعيها الصامتة والشفافه. وعملا بشفافيتنا في العمل الانصاري فقد ارتأينا ان نريكم بروفة عملية لتفتيت هذا الخطاب ،اقصد المقال، الى عناصره الاصلية في مجالي اللطم والنواح مع ادخال فقرات البكاء العالي بين كل فقرة واخرى.
لم تمض دقائق حتى جاء الانصار وهم يتلحفون بالسواد من نافوخ رأسهم حتى اخمص اقدامهم وأبتدأوا عرضهم اللطمي بمصاحبة صوت شجي قادم من مسجل صناعة صينية متطورة.
بدأ الانصار في احماء صدورهم فيما انبعث صوت القارىء صائحا نادبا (سنروي لكم ما حل بالزبير وأبي الخصيب والتنومة ومهبط آدم والفاو والسيبة والعشار والكورنيش وشط العرب وأسواقها الشعبية وسينماتها ومسارحها المنقرضة ونواديها المقفلة وشوارعها المتغيرة المنعطفات والأسماء وعن «الصبور» الشحيح والتمر المنفرد والحنـّة المنشقة من أرضها، مكتباتها المتئدة وساعاتها المزالة وساحاتها، مقابرها ومساجدها، تاريخها المجيد وحاضرها المجروح وناقلاتها المصادرة، قواربها وسفن البحارة اللاطمة شواطئها المستباحة).
تنافس الانصار في الاحماء وازداد لهيب الشباب منهم حتى ان بعضهم شوهد وهوعلى وشك الاغماء من فرط الحسرة.
أنبعث صوت القارىء مجددا: نبدأ بالكسله، لكونها أكبر وأمرح كرنفال شعبي ابتدعته البصرة أيام نوروز التي تتدفق خطانا فيه ضارعة اشجارها وفيئها المبعثر ولا ينافسها في هذا الفرح أي مدينة في العراق والإقاليم، ناهيك عن العالم برمته فالبصريون يخرجون لثلاثة أيام عن بكرة مدينتهم ليسكنوا على شواطئ شط العرب في الجهة المعروفة بكورنيش العشار حتى السرّاجي. هناك يفطرون ويتغدون ويتعشون، يرقصون ويغنون، ومن الصعب أن تجد مترا مربعا خالياً من البهجة وحركات الناس وكان بحارة البواخر والسفن التي أسعفها الحظ ان يكون دورها في التوجه الى ميناء المعقل في العشرة الأواخر من مارس لتفرغ حمولتها، من كل القوميات والأجناس والشركات العالمية، يساهمون في فتح أبواب جديدة للفرح وكل باخرة كانت تقدم لأهل البصرة أيام «الكسلة» ما تيسر لها من إبداعات: الألعاب النارية على اختلاف بهجتها، إنارة السماء بمختلف أنواعها وعزف الموسيقى، وحتى أبواقها المعروفة كانت أجمل معزوفة يسمعها البصريوالكثير جدا من الطواقم كانوا يستضيفون الناس بالآلاف على متن البواخر لينزهوهم في شط العرب ويفتحون لهم كل خزائنهم من أكل وشرب.
لا يعرف من يسكن البصرة الآن وعمره أقل من ثلاثين سنة مؤلمة عمّ نتحدث.
حلت الان فقرة البكاء والنواح فشمرت النسوة عن السواعد وغطين وجوههن وابتدأن العويل فيما تنابز الشباب فيما بينهم ليظهروا مدى مهارتهم التي تتغلب عادة على مهارات النسوة الماجدات في هذا المجال .
سمعوا القارىء يصيح باعلى صوته هذه المرة: (ما أن ينقضي العصر من مارس حتى بلوغ الشتاء، حتى يتدفق البصريون بكل ما أوتوا من وسائل نقل وخيول وحمير الى منطقة الأثل وهي منطقة صحراوية تكثر فيها الأشجار البرية بما تشبه الغابات في الصحراء يخيمون هناك لعدة ليال من «الأثل» حتى «جبل سنام» ووصولا الى البحر, كان منظر الخيام الملتوية كقنوات داكنة تصب في البحر ليس له مثيل في الإقليم كله وعلـّم البصريون الآخرين كيفية الابتهاج والرفقة الحسنة.

حاليا، المخيمات للمشردين ومن لا مأوى لهم وللطم والبكاء وتقبل العزاء تلو العزاء وهم يصيحون ليل نهار ياليتنا كنا معكم لكفانا الله شر هذه الحياة.
وهنا أخذ القارىء يبكي هو الاخر وهو يقول: (سينمات الصيف وما ادراك ماسينمات الصيف حسبناها بالذاكرة 17 سينما صيفية في البصرة. كانت الفتيات يرتدين فيها أجمل من ممثلات هوليود.
وهي مقسمة الى أربعة أقسام طبقية ، القريب من الشاشة كنا نتردد عليه بالطبع ويسمى «أبوالأربعين» (ترجمتها: قيمة تذكرته 40 فلسا لا غير ولا توجد فيه مقاعد بل يكتفون بالمصاطب الخشبية فرواده الفقراء كثيرون جدا ولا تكفيهم الكراسي وأحيانا تصل الجماهير الى الشاشة)
وما بعده هناك «أبوالثمانين» وفوقه قليلا «أبوالتسعين»، وفي المؤخرة تنتصب الألواج التي كان سعرها لا يتعدى ربع دينار!
ومثل هذا العدد كانت السينمات الشتوية، أي المغلقة. وبالرغم من هذا العدد الكبير للسينمات، إلا أنها لا تتنافس، فكل واحدة تخصصت بنوع معين من الأفلام، ولها أسلوبها الخاص في استقبال الزبائن وحتى طريقة جلوسهم. والشتويات تعمل صيفا، فكل شيء معد حسب التكييف المركزي، حيث الكهرباء لم تنقطع في تلك الأوقات إلا نادرا.
وكان «الأعور» وهو مشغل الفيلم كما يطلق البصريون عليه شخصي مهمة، فهو الذي يقرر عرض اللقطات الخاصة وله حظوة بين رواد السينما الذين يتوسلون إليه لكي يروي لهم تفاصيل اللقطات التي قام بقصها
وهناك «أبواللايت» الشخصية المهمة الثانية الذي يمكنه أن يدخلك بلا تذكرة لمشاهدة نصف الفيلم بعد التأكد التام من خلو بعض الكراسي، تماما يمكن لـ «أبوالبيبسي» لعب هذا الدور حتى لو بمساعدة «الدرنفيس» الذي يستخدمه لفتح القناني وحملة إعلانات الأفلام الجوالون في العشار يعتبرون أكثر شهرة من المحافظ أو أي فنان محلي أو أديب، فلا يوجد بصري أصيل وقديم لا يعرف «تومان» الذي كان يرفع الإعلان بيد ويعزف «الفيفرة» بأنفه ،لم يتحسر البصريون على أي فيلم ظهر في العالم، فكانوا يشاهدونها مع جمهور لندن ونيويورك والقاهرة في وقت واحد ولم يمنع عنهم أي فيلم مهما كان مضمونه
حاليا، السينمات ممنوعة في البصرة ومن يتفوه بهذه اللفظة يجلد.
هنا ردحت العجائز السمراوات بقوة وحسرة على افلام عبد الحليم حافظ وفريد الاطرش ومريم فخر الدين والشاب الوسيم احمد رمزي فيما تعالت اصوات الحاضرين بالمطالبة بالمزيد من الردح لتخليص الانفس من آثامها.
وجاء صوت القارىء هادئا على غير العادة:( على منصات قاعات الثقافة ألقى شعره الجواهري وأدونيس ومحمود درويش ونزار قباني وسعدي يوسف والبياتي وبلند الحيدري وكل العمالقة الآخرين. وتجرع عليها دريد لحام من «كأس الوطن» وأطرب الناس منها فؤاد سالم في اول اوبريت غنائي في تاريخ الفن العراقي. وساد الهرج بعد ذلك دقائق معدودات وكان على المنظمين ان يهتفوا طلبا للهدوء وجاءت تعليمات اللطم كالآتي:
قاعة الموانئ : حضور جلسة شعر .قاعة «مبرة البهجة»:أهدت العراق أكبر مطربيه وفنانيه التشكيليين والممثلين. قاعة التربية: التي كانت مرضعة للفنانين والشعراء . قاعة بهو الإدارة المحلية الذي وقف على خشبته تاريخ المدينة بأكمله.قاعة الهلال الأحمر: قاعة المخلوقات الجميلة وخيرة ما تفجرت به قريحة البصرة تبدلت وأصبح من الصعب التعرف عليها وبدت كأطلال باعثة للأسى.
وقف القوم دهشة حين ران الصمت على صوت القارىء وما هي الا دقائق حتى قام نائب الرئيس مخاطبا جمهور الانصار: حدث خطأ مطبعي في مسح هذه الفقرة التي تتحدث عن حي الطرب اذ لايسمح المقام بذكرها في هذا الجو العاصف مطالبا القارىء بالانتقال الى الفقرة التالية.
صاح المقرىء:
(لعبت المقاهي البصرية دور الجرس وأخذت على عاتقها الصيحة وتبادل الكتب المسموحة والممنوعة وتوديع من أوشك على الهروب من الوطن وكسب الصديق الجديد الى الحزب الثوري ومراجعة الدروس والمحاضرات ووضع السيناريو المحكم لمصارحة الحبيبة
وكانت الأحزاب ومثقفيها يركزون تواجدهم على مقهى بعينه، فكانت أشبه بالصالونات الثقافية والسياسية يجلس فيها أستاذ الجامعة مع القصاب والمراهق مع الشيخ
وتميزت مقاهي «أبومضر» و«الشناشيل» و«14 تموز» وكازينو البدر التي كانت تطل مباشرة على شط العرب وفيها قاعات للجلوس وممارسة الألعاب كالدومينو والطاولي وقاعة أخرى للمطالعة يرتادها طلاب الجامعة على الأغلب وفيها قسم مظلل بالأشجار يستقبل المحبين من عمر ورد الجوري.
سكت المذيع ونهض نائب الرئيس معلنا انتهاء البروفة الاولى ووعد بتكملتها في اقرب وقت ممكن مقدما شكره للحاضرين ومن بينهم الدكتور صاحب الهدية الرائعة.



#محمد_الرديني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التيار الظهري ليمتد
- ميوشه بين حانة ومانه
- يامحلى الفول بعون الله
- تقنيات جديدة في ضرب النساء بالجرة او بالماء
- خلاني الوكت بس اترس وابدي*
- ويل لكل همزة لمزة
- سؤال بدون خيارات رجاء؟؟
- مزرعة الديكتاتورية ذات المسوؤلية غير المحدودة
- برقية تهنئة بعيد الفطر المبارك للسيستاني
- الفرق بين القردة والسعادين عند اهل الكفر ورجال الدين
- عركة لابو موزة بالسماء السابعة
- اعدائي السبعة تبا لكم
- طويلة العمر ليلى (2)
- المفلسون اخوان الشياطون
- ياأهل قريش ها اني اعلن اسلامي بين ايديكم
- كيف يكبر الصوص في بيت اللصوص
- سعودية اسرائيلية في قمة عربية
- حجا والحمار وأنا
- اية مقاومة..اية ديمقراطية..اية تظاهرات؟؟
- انا عراقي والسيستاني عراقي!!


المزيد.....




- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - محمد الرديني - اللطم الصامت في سردق البصرة الخافت