أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - الطيب آيت حمودة - المنسي والمستور من جهاد طارق بن زياد .















المزيد.....


المنسي والمستور من جهاد طارق بن زياد .


الطيب آيت حمودة

الحوار المتمدن-العدد: 3090 - 2010 / 8 / 10 - 20:08
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


من لا يعرف طارق بن زياد الذي دوخ القوط وأوربا كلها ، فهو إسم على علم في عالمنا الإسلامي مشرقه ومغربه ، وغزوه للأندلس مفخرة ومجدا لهم جميعا ، ونجاحاته دلائل عبقرية أصيلة غذتها العقيدة الراسخة ، وما وددت هنا ذكر شمائل الرجل وعبقرياته القتالية الفذة وحسن قيادته لجيشه الباسل لأنها مدركة ومعروفة ، وإنما سأحاول الوقوف على جوانب غامضة من أفعاله وعلاقته بقائده موسى بن نصير ، معرجا على حقيقة خطبته العصماء ، وإحراق سفنه لبعث الإقدام في النفوس ، موضحا جوانب من حب الدنيا في جمع الغنائم ونقلها في موكب مهيب صوب دمشق الوليد .
وما وددت في ذلك كله بعث فتنة ، أوالإنتقاص من عقيدة ، وإنما سعيت إلى تبيان الحقيقة كما وقعت ، لا كما نريدها أن تقع ، بعيدا عن التهويل ومقص الرقيب ، مع محاولة إبداء الرأي والترجيح كلما لزم الأمر .

**عن نسب طارق بن زياد يتجادلون :

أبدع المؤرخ العربي الإسلامي في نسب طارق وانتسابه ، فمنهم من يرى بأنه عربي قح من صدف [1] ، ومنهم من يرى بأنه ( فارسي همذاني) [2] ، وذكره ابن خلدون بالليثي دون تحديد لسبب الكنية [3] وكثيرون منهم رجحوا نسبه الأمازيغي ، وقالوا أنه من قبيلة نفزة الأمازيغية [4] ، وترجيح الإنتساب لنفزة والأمازيغ هو أقرب للصواب ، وهو ما يؤكده ابن عذارى في بيانه و يرجحه مؤرخون أخذوا عنه مثل الحميري والأدريسي ، وابن خلدون والمقري التلمساني وحتى المتأخرين أمثال عبدالله عنان، وحسين مؤنس [5]، وفي موضع انتساب عظماء الإسلام يقع الإشكال ، وتتعدد الاراء دائما ، وهو ما يظهر الحاجة للإستقواء بهم والتمجد بهم على حساب غيرهم، وأكثر العظماء المغاربة كانوا عرضة لسلب نسبهم الأمازيغي ، بدأ بطارق مرورا بيوسف بن تاشفين ، وابن تومرت المهدي ، ، ولم ينتهي الأمر بسلب نسب الأشخاص بل تحولت كل أرومة الشمال الإفريقي للسلب ، تماهيا مع مركز العروبة ومصدر إشعاع نور إسلامها ، إما رغبة أو رهبة ، فأصبح نسب (مازيغ) معروضا للبيع في بورصة القيم ، يتزايدون عليه جهارا نهارا في ظل صمت مدقع لأهاليه ، فننسب للغرب حينا ، وللمشرق كثيرا ، دون أن يعلموا بأننا الأصل وهم الفرع ، وما يفعلونه سوى طمس لحقيقة وتجن على التاريخ .

** * طارق بن زياد والإسلام:

إنه (طارق بن زياد بن عبد الله)، أسلم أبوه أيام عقبة بن نافع الفهري ، وحسن إسلامه ، فدخل ابنه طارق في خدمة ولاة العرب المسلمين [6]،وتبدوا التسمية ذات علاقة وطيدة بالعقيدة الجديدة، وانخرط في الجيش محاربا باسم الإسلام ، وترقى حتى بلغ منصب ( أمير برقة) بعد استشهاد الوالي زهير بن قيس البلوي سنة 76 للهجرة )[7]، وهذا يعني أن طارقا اكتسب حنكة ومراسا في الغزو والجهاد ، ونبغ فيهما ،وكثيرا ما يوصف بأنه كان طويل القامة، ضخم الهامة، أشقر اللون، و ذاك قبل وصول موسى بن نصير لولاية المغرب ، وبتوليته وجد أمامه ذراعا قوية اتكأ عليها لتحقيق مزيد من الإنتصارات على الأمازيغ و بالأمازيغ أنفسهم ، بحيث عهد له بتكوين كتائب جيش قوي قوامه اثني عشرة ألفا من قبائل زناته وكتامة وهوارة وغيرهما ،أدمج فيها سبعة عشر رجلا من العرب يعلمونهم الإسلام [8]، تمكنت من السيطرة على حصون المغرب الأقصى حتى الأطلسي ،ولا غرو أن موسى بن نصير أصاب فيما رمى إليه في الإختيار ، فقد أدرك ووعى مقدرة طارق ، ووزن براعته وشجاعته وبعد نظره ، وفضّله على كثير من القواد العرب ، وعينه على حامية تلمسان ، ثم بديلا لابنه مروان على إمارة طنجة ( بحامية إجمالية قوامها 29 ألفا ، وضع على رأسها طارق ) [9] ، التي كانت قاعدة متقدمة للقيروان مركز الولاية ،ويذكر مؤنس في فجر الأندلس أن موسى بن نصير (اختار طارقا لمؤمونيته وثقته الكبيرة فيه ، ولأنه لا يطمع في الغنائم [10] في حين يذهب عبدالله عنان أبعد من ذلك بقوله: ( أن موسى بن نصير قصد بغزوه الأندلس المجد والغنيمة التي سيحصل عليها طارق ) [11].

*** طارق بن زياد يفتح الأندلس عام 92 للهجرة :

في عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك ، وواليه على المغرب موسى بن نصير، صدر الأمر لطارق بن زياد بعبور الزقاق لغزو بلاد ايبيريا القوطية ، بعد تحضير محكم سُبق بحملة طريف الإستطلاعية ، واستعان طارق بسفن يوليان الأمازيغي في نقل جيشه المكون من سبعة آلاف ، دعم بعدها بخمسة آلاف منهم ، ليغدو التعداد إثني عشر ألفا إلا قليلا ، ويجمع المؤرخون أنهم جميعا من الأمازيغ ، يذكر ابن القوطية أن طارقا ( أمر أصحابه بتقطيع من قتلوه من الأسراء، وطبخ لحومهم بالقدور ، وعهد بإطلاق من بقي من الأسراء ، فأخبر المنطلقون بذلك كل ما لقوه، فملأ الله قلوبهم رعبا [12] ، وبعد ثلاث وثمانين يوما من نزولهم ، خاضوا معركة كبيرة ضد القوط على ( وادي لكة ، أو بكة )، تسميات لموقع واحد قرب وادي الطين ، الذي فرق بين الجيشين لثلاثة أيام ، كانت فيها مناوشات ، التحم الجيشان في معركة كبيرة غير متكافئة عددا ، (جيش طارق 12 ألفا ، وجيش القوط بقيادة لذريق يقارب المائة الف من الخيالة والمشاة )، دامت المعركة ثمانية أيام ،انتهت بهزيمة القوط وسقوط ملكهم صريعا على يد طارق نفسه ، وتشير المصادر أن جيش القوط كان مختل النظام ، محبط العزيمة ، لعبت التفرقة والخيانة دورها في تشتته ، ولعب يوليان والأسقف أوباس دورهما في استمالة جنود القوط لصالح جند الإسلام نكاية في لوذريق ، (وأذرع المسلمون في فلولهم بالقتل ، ولم يرفعوا عنهم السيف ثلاثة ايام) [14] ، وكسبوا مغنما كبيرا ،(ولم يبق منهم أحد دون فرس ، فأصبح الجيش كله خيالة)[15] ، وأحدث انتصار طارق فرحة عارمة في بلاد المغرب ودويا مجلجلا في بقاع البلاد الإسلامية ، ترجمه المؤرخ المقري مظهرا مبلغ تأثر المغاربة بالنصر بقوله ( .. وخرقوا البحر على كل ما قدروا عليه من مركب ، وقشر ، فلحقوا بطارق ) [16] ، هذا التهافت زاد من قدرات طارق القتالية خاصة بعد تنظيمها في فرق وسرايا وكتائب ، ارسلت في مهام لخنق العدو،وتمكن طارق بجنده من اكتساح ايبيريا كلها، فدخل شذونة ، ومورر ، وقرمونة ، ثم أشبيليا التي استسلمت بعد شهر من الحصار ، وتحقق نصر مهم في اسيجة ، وغدا طموح طارق منصبا لغزو طليطلة المنيعة ، ففرق جيشة إلى أفواج منتظمة ، وجهها الى أطراف البلاد لاستكمال السيطرة عليها ،وزحف على طليطلة التي استسلمت له بيسر ، فأنصف أهلها اليهود بعد أن فر علوجها ، ونصب المطران ( أوباس ) حاكما عليها ومعه فرقة من جند الإسلام ، واستكمل هو غزوه لجهات الشمال ، لكنه عاد بحلول الشتاء نحو طليطلة ، وغنم في جهاتها ( مائدة سليمان ) التي وصفها المقري التلمساني وصفا دقيقا بقوله أنها (كانت مصنوعة من خالص الذهب ، مرصعة بفاخر الدر والياقوت والزمرد ، لم ترى الأعين مثلها ، وبولغ في تفخيمها من أجل دار المملكة )[17] ،ورغم الخلاف مع قائده الأعلى موسى الذي سجنه وأهانه ، فقد واصل جهاده في سبيل الله في مناطق كثيرة من ايبيريا ، حتى جاءه الأمر بالإلتحا ق بدار الخلافة بدمشق صحبة موسى بن نصير .

**طارق ، وموسى ، زعامة أم غنيمة أم عقيدة ؟؟ .

العلاقة بين القائدين موسى وطارق وإن كانت في الأول مرضية ، فإنها تحولت إلى كابوس خانق ومقلق بينهما ، بدأ سببه بتأخر الإمداد لمجابهة جيش القوط الكثيف ، واستمر بغزو موسى للأندلس من جديد لاستكمال السيطرة عليها بعد عام من غزو طارق لها ، وهو ما يظهر رغبة موسى بن نصير الإستئثار بالفعل وأنه هو فاتح الأندلس ، وهي إشارات وتلميحات وردت على لسان الكثير من المؤرخين ، لكنها لم تفصح عن جوهره بما فيه الكفاية ،وقد أُشير أن الخلاف الجوهري يعود إلى ( رغبة موسى بن نصير الإستئثار بحصة الأسد من الغنائم التي حصلها طارق بعد دفع نصيب إلى بيت المال ، أما طارق فكان يريد العكس ، دفع الخمس لبيت مال المسلمين أولا ، ويوزع الباقي من الغنيمة على الجند ، وقد بلغ النزاع بين الرجلين مبلغه حتى وصل خبره للخليفة الوليد ، الذي استدعاهما للحضور إلى دمشق ) [18 ]، يقول المؤرخ ابن حيان وغيره ( لما بلغ خبر ما صنعه طارق من الفتوح حسده ، وتهيأ للعبور بجيش قوامه ثمانية عشر ألف من العرب والأمازيغ )،وقد وصف لقاءه بطارق قائلا ( أظهر موسى ما بنفسه من حقد ، ...فقنعه موسى بالسوط ، ووبخه على استبداده.... فطالبه بأداء ماعنده من مال الفيء وذخائر الملوك ، واستعجله بالمائدة ، فأتاه بها ، وقد خلع من أرجلها رجلا ، وخبأه عنده ، فسأله موسى عنه فقال لا أعلم به ) [ 19].
من خلال ما قيل يمكن الوصول إلى قناعة راسخة هي أن كل ما قيل ليس كما وقع ، وأن الأهواء لعبت دورها في التدوين والتفسير ، وهو لوحظ في عدد الجند عند القوط الذ ي بلغ 600 ألف عسكري بين خيالة ومشاه ، وأنزله مؤرخون عرب آخرين إلى 100ألف ، ثم تسعين ألفا ، وبعدها سبعين ألفا عن حبيب وعبدالله عنان ، ثم يجعلها ابن خلدون أربعين ألف فقط [20].
صحيح أن أخطاء وقعت ، لكن ليس بالضرورة بنفس القول الذي قيل ، فقد يكون الحجب والزيادة قد لعبا دورهما في تلوين الحقائق وتفسيرها ، فالقائدان موسى بن نصير وطارق بن زياد عظيمان من الوجهة الدينية الإسلامية ، غير أن الكثيرين يرون أن تغيب الحقائق وحجبها يعمل قصدا على تقديس وتعظيم من لا يجب تعظيمهم ، وذم وقدح من هم في عظيم السؤدد والإستقامة عند رب العالمين .

***إحراق السفن .... وخطبة طارق .... حقيقة أم خيال ؟

من لا يعرف القصة .. عرفناها وتغنينا بمجدها اقتناعا بمن علَّمها لنا ، لأننا لا نملكُ آليات الدفاع والشك ، وهل يجرأ أحدُنا أن يقول للمعلم ( أظن.. أو أشك ، أو أرى رأيا ) نتلقى دون اعتراض ، ونؤمن بلا فحص وتدقيق ، فأصبحنا منتمين لمدرسة أهل النقل أكثر مما هو لأهل العقل وبامتياز .
وعندما عرضت علينا فيما بعد و مرة أخرى ، حاولنا ايجاد الحقيقة عند المؤرخين ، فوجدنا أن حرق السفن لم يرد في أخبار المؤرخين الأوائل حتى حدود منتصف القرن السادس الهجري ، عند الأدريسي الذي قال : لما جاز طارق ومن معه من البرابر ، وتحصنوا بهذا الجبل ، أحس في نفسه أن العرب لا تثق به ، فأراد أن يزيح ذلك عنه ، فأمر بإحراق السفن التي جاز عليها ، فتبرأ بذلك على ما اتهم به .)والحميري في المعطار وهو من مؤرخي النصف الثاني من القرن الثامن الهجري ، ( إنما سمي بجبل طارق ، لأن طارق بن عبد الله لما جاز بالبربر الذين معه تحصن بالجبل وقدر أن العرب لا ينزلونه ، فأراد أن ينفي عن نفسه التهمة ، فأمر بإحراق المراكب التي جاز فيها ، فتبرأ بذلك مما اتهم به ..).
ولا أدري ما هوالسر في تواتر الخبر ، وهو لا يعني شيئا سوى الخوف من عدم اذعان بعض العرب من السير مع طارق باستغفاله والرجوع على متن السفن التي أجازوا عليها ، ويمكن أن الأدريسي يريد أن يشعرنا بأن الأمور لم تكن تماما بينه وبين العرب المرافقين لحملته؟ ومهما يكن فإن عملية الإحراق ليست صحيحة وهي خليط بين الوهم والحقيقة لأسباب وجيهة هي :
** أنها لا تستند لمصادر عايشت الحدث ، فلا ذكر للحادثة إلا بعد مرور أزيد من أربعة قرون ونصف، فلو وقعت لكان هناك مؤيد ومعارض ، ولكان تباين المواقف واضحا في عهد المؤرخين القريبين من الواقعة .
** قد يكون لمؤرخي أوروبا دور في إشاعة الأمر للتقليل من وقع الهزيمة ، فكيف لإثني عشر ألف غالبيتهم مشاة ، الإنتصار على على جيش عرمرم أغلبه خيالة وصل تعداده المائة ألف ، فهو خبر يدخل في إطار ما يعرف بتبرير إخفاق جند المسيحيين .
** لا يعقل التصرف في أملاك الغيربالحرق ( سفن يوليان) ، ولا يعقل ترك المسلمين بلا خط للرجعة للتصرف به عند حالة الإخفاق ، والتكهن بمستقبل الهجوم لا يعلمه نتائجه إلا الله .
** فمن باب الحرص على حياة المسلمين عدم حرقها ، و بأي سفن ينقل الجند تباعا فيما بعد ؟ القول الأرجح هو أن القصة مدسوسة غرضها تمجيد لأحداث ملأت النفوس مرحا وحبورا بانتصارات طارق ، فأرادوا تخليدها بحادثة حرق السفن تنزع إلى تبيان شجاعة المسلمين و مقدار ـاهبهم لنشر الإسلام .
*** وما قيل عن حرق السفن يقال عن ( خطبة طارق ) هذه الخطبة العصماء التي عدها البعض من عيون الأدب العربي ، وخُطب الملاحم الحربية ، لم يرد خبرها إلا في أوائل القرن الثالث الهجري ،على يد المؤرخ عبد الملك بن حبيب ، وابن قتيبة ، ثم بعدها الطرطوشي ، وأعطى لها ابن خلكان زخما كبيرا ، فعنه نُقل الخبر ، ومما يلاحظ فيها أنها تعرضت للتغيير في بنائها وتركيبها اللغوي حتى وصلت إلى ما صلت إليه ، ومما يرجح وضعها أسلوبها ولغتها القوية ، واستبعاد قولها من لدن قائد اختصاصه حربي وليس أدبي ، وهل قالها مرتجلا أم أنها أعدت مسبقا ؟ ، وهل روعي فيها مستوى المتلقي ؟ ، كثيرون منهم لا يفقه اللغة العربية البسيطة فما بالك هذا المستوى الرفيع منها، وبالرغم من ذلك فهناك من رجح خبر حرق السفن ، وإلقاء الخطبة[21]. وهي أحكام انبنت في غالبها على حجج عاطفية أكثر منها عقلية .
وصفوة القول في الأمر في تقديرنا ، هو أن حادثتي الحرق وإلقاء الخطبة يغلب عليهما طابع البروبوغاندا ، وهما إلى الخرافة أقرب ، للأنهما لا يستندان إلى محك صادق في بدايته ، ولم يتنولهما مؤرخوا ذلك الزمان إلا في أوقات متأخرة ، وقد يكون الخيال قد لعب دوره في تصور ما قيل
رغبة في تخليد روعة الغزو وسلاسة انتصاراته .
.
*** وللغنائم وقع في حياة الغزاة :

لا شك في أن غزو بلاد الأندلس أساسه نشر الإسلام ، غير أن تحفيزات الغنيمة لعبت دورها في تحقيق مكاسب عسكرية مشروعة ، ويروي المؤرخ الإسلامي الكثير من الحقائق الدالة على ذلك ، ولعل ما ذكره المقدسي وكرره عبد الله عنان وحسين مؤنس كفيل بترسيخ القناعة ، والتي عززها خالص جلبي قائلا :كانت الحروب قديمًا تؤدي دورًا من الغنائم والأسلاب والرقيق[22] ، ولا غرو أن خلاف موسى مع طارق جوهره غنيمة وليس عقيدة ، ويتضح ذلك برهانا فيما يقوله ابن الرقيق ، أن موسى بن نصير لما فتح سقوما كتب إلى الوليد بن عبد الملك أنه( صار لك من السبي مائة ألف رأس، فكتب إليه الوليد: ويحك إني أظنها من بعض كذباتك، فإن كنت صادقا فهذا محشر الأمة )، يعني خمس الغنيمة ، فإ ن صح ذلك يمكن تسمية بسلطان السبي ،وقيل: إنه بعث ابنه مروان على جيش فأصاب من السبي مائة ألف رأس، وبعث ابن أخيه في جيش فأصاب من السبي مائة ألف رأس أيضا من البربر، فلما جاء كتابه إلى الوليد وذكر فيه أن خمس الغنائم أربعون ألف رأس قال الناس: إن هذا أحمق، من أين له أربعون ألف رأس خمس الغنائم؟ فبلغه ذلك فأرسل أربعين ألف رأس وهي خمس ما غنم، ولم يسمع في الإسلام بمثل سبايا موسى بن نصير أمير المغرب[23] . وزد لها دخوله دمشق يسير الهوينى ، وهو يجر الدنيا وراءه جرا ، من الأسرى ، والأطفال ، والملوك ،والسبايا المنعمات ، وكانت غنائمه محملة على مائة وست وثلاثون عربة ، عدا الإبل والبغال التي تحمل الجواهر وقضبان الذهب ، المنقوم بالؤلؤ والزمرد والياقوت .[24]. فلما جلس الوليد يوم جمعةٍ على المنبر أتى موسى وقد ألبس ثلاثين رجلاً التيجان، على كل واحدٍ تاج الملك وثيابه، ودخل بهم المسجد في هيئة الملوك، فلما رآهم الوليد، بهت ثم حمد الله وشكر، وهم وقوف تحت المنبر [25]. ويشير ابن عبد الحكم عن كيفيه محاولة موسى نسب دخول طليطلة والإستيلاء على مائدة سليمان ، وكيف استظهر طارق بن زياد رجل المائدة التي أخفاها لهذا الغرض ، وهو ما يفسر أن الأمور لم تكن على ما يرام بين الرجلين .
إن ما ذكرناه على لسان مؤرخين ورواة ، وليس من صنعنا ، والحقائق المذكورة لا تحتاج في تقديري لأي توضيح و تفسير ، فالقاريء وحده هو المؤهل لتصور حجم الحقيقة كما وقعت ، لا كما نريد أن تقع .

*** النهاية التراجيدية لقائدي فتح الأندلس .

لم أكن أتوقع النهاية المأساوية للبطلين طارق بن زياد وموسى بن نصير ، وعند الخليفة سليمان ( ظل الله في الأرض) ، الذي تولى الخلافة الأموية بعد أربعين يوما من وصول قافلة موسى بن نصير ، الذي لم يستجب من وازع ديني لإشارات ولي العهد سليمان بالإنتظار في ( طبريا) أياما ريثما يموت الوليد ، لتسجيل فضل فتوح الأندلس باسمه ، غير أن ذلك لم يتم ، وهو ما حاول فعله موسى مع مولاه طارق بن زياد ؟
من جمله ما فعله الخليفة هو الأمر باغتيال أمير الأندلس عبد العزيز بن موسى ، والإتيان برأسه ووضعه بين أيدي أبيه موسى ، وتجريده من كل ممتلكاته وشن حرب نفسية ضده ، وإن حاول التخفيف عنه في الأخير باصطحابه للحج ، غير أن ذلك لن يمحو شنآنا قائما بينهما ، أما بطلنا طارق فهو منسي ومسكوت عنه في تاريخ العربان ، كالسكوت عن فضائل الأمازيغ جميعهم ، كل ما في الأمر أنه عاش معدما فقيرا متسولا في شواع دمشق حتى وفته المنية قرب أحد مساجدها ، وهذا جزاء من يجاهد تحت رايه أموية ، لا تحاسب الناس على ما يقدمونه للإسلام ، وإنما تحاسبهم على قدر ما يقدمونه لجيوب خلفاء بني أمية ، فطارق حارب وجاهد في سبيل دينه وليس لدنيا ينال منها .


خلاصة :

المتتبع لحقائق التاريخ المدونة في الطروس يستنتج الهوة بين ما هو تعاليم الإسلام ، وما هو فعل بشر ، وكثيرا ما تزيع أوامر السلطان لتتحول إلى نقمة و إلى طاغوت بمباركة من بعض المطبلين في السر والعلن ، وما وقفنا عنه في هذه الإطلالة أنبأنا أن ما قيل لنا ونحن على مقاعد الدراسة ليس بالتمام ، وإنما هي أوهام وأساطير مورس فيها أسلوب الإنتقاء والحجب ، واتضح جليا أن الكثير من التجاوزات أنجزت بسبب حب ملذات الدنيا ونعيمها، واتضح جليا أن من يعرفون بمادة الإسلام ماهم إلا بشر مثلنا ، علمونا الدين ثم سرعان ما انقلبوا عليه وجعلوه تابعا لا متبوعا ، فكانت إرادة الحكام فوق إرادة الله ، في مجالات الحفاظ على الملك والإستفادة من الريوع ، وبفعلهم ذلك غرسوا أسفينا في جسد الأمة تغذى بفعل تناغم الفقهاء مع ذوي السلطان ، فرخت في إنتاج علماء مدجنين يمكن تسميتهم بمثقفي الإخصاء ، ينشرون ثقافة الخنوع والخضوع ، رافعين شعارات القدرية بوجهها السلبي ، الذي يبقي الحال على حاله ولو بلغ الفساد والتردي مبلغه ، وتلك موروثات انغرست في الوجدان ، لا يستطع العلم والعقل نزعها إلا بمرور التواريخ والأزمان .

الهوامش/************************
[1] اي من العرب القحطانية ، محمد أمين السويدي ، سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب ص 17.
[2]المكقري التلمساني ، نفح الطيب ... ج1 ص 159.
[3] عبد الرحمن بن خلدون ، كتاب العبر .... ج4 ص 181.
[4]ابن عذارى المراكشي ، البيان المغرب .... ج2 ص 5.
[5[عبد الله عنان ، دولةالإسلام في الأندلس ،ص 59 ، وحسين مؤنس ، فجر الأندلس ص67
[6]حسين مؤنس ، فجر الأندلس ص67.
[7] عبد العزيز سالم ، كتاب طارق بن زياد ، مجلد 20 ص 237.
[8]نص لعيبد الله بن صالح ، نشره حسين مؤنس ، في مجلةالدراسات الإسلامية ، ج2 ص 244
[9] ابن عذارى المراكشي ، البيان المغرب ... ج1 ص 43
[10]حسين مؤنس فجر ألأندلس ص 68.
[11].عبد الله عنان ، دولة الإسلام في الأندلس ص 40.
[12] ابن القوطية ، تاريخ الأندلس ص 35.
[14] ابن عبد الحكم ، فتوح افريقية والأندلس ، ص 16.
[15]المقري ، نفح الطيب ج1 ص 261 .
[16]المقري ، نفح الطيب ج1 ص 243 .
[17]المقري ، نفح الطيب ج1 ص272 .
[18 ] جوزيف رينو ، الفتوحات الإسلامية ، ص 43.
[ 19]المقري التلمساني ، نفح الطيب.. ص 271 .
[20] ابن خلدون ... العبر ج 4 ص 117.
[21] د/ سعد بوفالقة ، خطبة طارق بن زياد بين الشك واليقين ، جامعة عنابة .
[22] حسن جلبي ، سيكولوجية العنف ص143.
[23] ابن كثير ، البداية والنهاية ج6.
[24] عن محاضرة للأستاذ عبد القادر المغربي حول تاريخ بوبات دمشق .( باب الجابية.)
[25] الذهبي ، تاريخ الإسلام ، ص 779.



#الطيب_آيت_حمودة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أي عروبة لابن باديس في الجزائر ؟؟؟
- حرملك الحاج أحمد باي بقسنطينة .
- و بنوأمية ..هم عرابوا الفكر الشعوبي .
- من الخصي البيولوجي ، إلى الخصي المعنوي .
- الأمازيغي آكسل الشهيد ( كسيلة ) جهاد وطن ؟ أم جهاد دين ؟ ( 2 ...
- الأمازيغي إكسل الشهيد ( كسيلة ) جهاد لوطن ؟ أم جهاد لدين ؟ ( ...
- الأمة الأمازيغية ... بين الاستحواذ والإستقلال ؟!
- كلام .... في الوطن والوطنية ..؟؟!
- من أفعال بني أمية في الأندلس ( عصر الإمارة).
- الفركوفونية والعروبية ، صراع افتراضي لوأد الأمازيغية .
- أحمد عصيد و العلوي ، أو صراع العقل والعاطفة
- فرنسا....و( الخارجون عن القانون )
- حول شعوبية الأمس واليوم .
- الآثار بين كارثتي النهب والإهمال .
- محنة الأمازيغ في الأندلس ( عصر الولاة ).
- هوية الأمازيغ بين الأصالة والإغتراب .
- الأمازيغ والجبروت الأموي .
- التسونامي الإلكتروني .. بين المطاوعة والتطويع.
- الأمازيغ الذين تربعوا على عرش الفراعنة ؟، وقهروا اليهود ؟.
- الإديولوجية القاتلة في شمال افريقيا.


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - الطيب آيت حمودة - المنسي والمستور من جهاد طارق بن زياد .