سلام إبراهيم
روائي
(Salam Ibrahim)
الحوار المتمدن-العدد: 3078 - 2010 / 7 / 29 - 22:51
المحور:
الادب والفن
٠المســتقبل " مظــلم "
حوار حسن عبد الموجود
قال شاكر الأنباري لسلام إبراهيم في مقابلة جمعتهما: "لا تظهر في الواجهة".
الآن لا يخشي المثقفون العراقيون في المنفي من تعرضهم للاغتيال، فالمتطرفون لا يطالونهم في الخارج ويلجأون إلي الانتقام من خلال تصفية إخوانهم وأقربائهم في الداخل. يعلق سلام إبراهيم :"الوضع بالداخل أصبح مخيفاً"!
وقّع سلام مثل غيره وثيقة الإعدام التي صاغها حزب الديكتاتور السابق، وهي تنص بحكم الإعدام لكل من التحق بحزب البعث وانتمي في الوقت نفسه إلي حزب آخر، أو كل من تم طرده من البعث" وهرب من الجيش أثناء الحرب مع إيران، وذهب إلي كردستان ظناً منه أنها منطقة آمنة، غير أن جسده تعرض للحرق بالكيماوي. وجزء كبير من هذه الوقائع يتعرّض لها بطل روايته الجديدة "الإرسي" الصادرة مؤخراً في مصر عن "الدار" غير أنه لا يعتبر أن روايته تنتمي إلي السيرة الذاتية.
سلام يتحدث في الحوار التالي عن تجربته هو وبطله مع العسكرتارية، ووضع المثقفين العراقيين داخل الوطن وفي المنفي.
- نبدأ من روايتك "الإرسي"..ما رأيك في القول بأنها رواية عن الخوف؟
الخوف من أهم تيمات الرواية، أي شخص في زمن الديكتاتورية كان معرضاً للموت، بطل "الإرسي" هارب من الجيش أثناء الحرب مع إيران، ولهذا كان يعيش تحت التهديد طوال النص، وقد ذهب البطل العربي الذي ينتمي إلي الجنوب ولا يعرف شيئاً عن فنون القتال باتجاه كردستان ظناً منه أنها مكان آمن، غير أنه فوجئ بأن الحياة وسط المقاتلين تحتاج إلي نوع معين من البشر لا تتوافر صفاتهم فيه!
- ولماذا اخترت "الإرسي" عنواناً للرواية؟
الإرسي معناه المخبأ، كان يختفي فيه البطل من خطر العسكرتارية لأنه كما تعلم هارب من الجيش. وهو بهذا المعني يشكّل نصف النص، حينما يذهب إلي الجبل فإنه يتذكّر المكان، وأيضاً يسيطر عليه حينما يدخل الغيبوبة ويعيش عالماً بين الحياة والموت، أعتقد أن "الإرسي" يصبح بهذا المعني مرادفاً للعالم الآخر "البرزخ"، والبطل طوال النصف الثاني من الرواية يحاول أن يتذكر متي دخل هذا البرزخ، وهذه المدينة المظلمة.
- يبدو كما لو أن الرواية متحاملة علي شخصية الكردي وهو ما بدا في الشتائم التي كانت توجه إليه علي لسان أحد الشخصيات..ما رأيك؟!
علي العكس، أري أن الكردي كان أكثر إخلاصاً وإيجابية، فأثناء إصابة الزوج وتصعيده علي صهوة بغل نشأ حوار بين الكردي والعربي علي زوجته، وحاول الأول أن يبعد الثاني لأنه لا يثق فيه غير أن الثاني رفض وأصرّ علي المواصلة خوفاً ربما علي الزوجة نفسها، ولهذا أري أن الكردي كان أكثر نصاعة بالنص!
- استخدام العامية العراقية في الرواية..ألا يعطل قراءتها في وجهة نظرك؟!
يجب استخدام العامية بحرص شديد، وأنا أكره إغراق نصوصي بها وإن كنت أستخدمها في السرد أحياناً، غير أن الاختيار يكون بدقة كبيرة، ومع مرور الوقت صارت لديّ قدرة علي نحت لغتي الخاصة المطعّمة أحياناً بمفردات عامية، مفردات كثيرة تبدو أقرب إلي الفصحي ولا يمكنها أن تعوق القراءة إطلاقاً!
- هناك من يقول إن هذه الرواية تنتمي إلي أدب السيرة الذاتية..ما رأيك؟!
أنا هربت من الجيش، واحترق جسمي كله بالكيماوي في كردستان، ومع هذا لا أعتبر أن الرواية تشكّل سيرة ذاتية، فقط انتقيت محطات من السيرة تخدم النص، وكنت حريصاً علي صياغة الفصول بحيث يمكن قراءة كل فصل منفصلاً عن الآخر، ففي فصل "نافذة المساء" يشتاق البطل لزوجته ولعالمه القديم وابنه وأصدقائه، وكان مهدداً بأن يقع في يد العسكرتارية ويتم إعدامه، وفي فصل "فوهة الخلاص" تنتج الأحداث من التقابل بين الجبن والشجاعة، كان يمكن أن تصيبه طلقة في رأسه، وهو ما دعاه ليكون أكثر يقظة في النظر إلي من يتحرّكون حوله، غير أنه يبدأ في تذكر لحظات الجبن في حياته خصوصاً ما يتعلق بخوفه من العسكرتارية، ويتساءل بينما يده تندس أسفل الوسادة لتحتضن مسدسه: حينما تأتي لحظة المواجهة.. هل يجرؤ علي تصويب الفوهة الحالكة إلي القلب أو الصدغ؟ هل يجرؤ علي الضغط؟ وهناك فصول أخري تخدم التيمة الأساسية للعمل، تيمة الإنسان المذعور، الإنسان الذي لم يشتغل بالسياسة إطلاقاً ثم يجد نفسه في قلب الحرب، وحياته مهددة، كما أن هناك علاقة حب بدأت في الفتور، الزوجة بدأت تحتقره في الفراش، حينما أبدى هو امتعاضه من شدة التزامها بالشيوعية، فاعتقدت أنه ضعيف ويخاف ويتنكر لمبادئها!
- وما رأيك في المشهد العراقي الآن؟!
لا أستطيع الكلام في التفاصيل، ولكن العراق تعرض لقهر الديكتاتور، وتم تخريبه، ثم تعرض لحصار، وحروب، واحتلال وهو ما أدّي في النهاية إلي تخريب العراق، لقد أفقرت فترة الحصار العراقيين، وجعلتهم يقبلون الرشوة، كان الشيء الوحيد الذي لا يمكن أن يقبله العراقي مهما كان وفي أسوأ الأحوال الرشوة، والرشوة في تقديري عامل خراب الأوطان، بالإضافة إلي العنف الذي اكتسبوه، وأنا غير متفائل بمستقبل العراق!
- ولماذا لا يعود مثقفو المنفي للمساهمة في إعمار وطنهم؟!
هناك عملية تخريب متعمدة، تقوم بها استخبارات بعض الدول، حتي الموساد يتدخل، ومنذ 2004 وحتي الآن جرت عمليات منظمة لاغتيال أساتذة جامعيين وعلماء وطيارين وصحفيين، كان الهدف إفراغ العراق من كل الإمكانيات والطاقات العلمية التي يمكن أن تساهم في بنائه مستقبلاً، هذا هو ما جعلني أمكث مكاني، وهو أيضاً ما دفع أعداداً كبيرة من العلماء والمثقفين للهجرة خارج العراق بعد 2004 خاصة بعد ظهور ميليشيات طائفية لا تقبل التفاهم أو الحوار مع من أصحاب الآراء المخالفة لهم!
- كنتم تنددون بالاحتلال والآن انتهي الاحتلال من الوجهة النظرية..لماذا لا تعودون؟!
أنت تحتاج في الأغلب إلي ثلاثة عقود حتي يولد كاتب، وتصفية المثقفين الآن ستكون خسارة كبيرة بالنسبة للوطن الذي يحتاجهم، نحن نملك جيلاً كبيراً، وعندنا حركة تكتب عنها الصحافة العربية، وهناك مبدعون عراقيون بارزون يطبعون أعمالهم في دور نشر مهمة، والأفضل أن نحافظ عليهم، وكلنا نتذكر كامل شياع المثقف العلماني صاحب الأطروحة الذي عمل بوزارة الثقافة وكيف تم اغتياله بأيدي محترفين، الرصاصات التي حصدت روحه كانت خارجة من كاتم للصوت، وهذا يعني أن الوضع بالداخل خطير جداً!
وسأحكي لك موقفاً آخر.. هناك مجلة إلكترونية اسمها "نصوص" يتم نشرها علي الإنترنت من أمريكا، كنت رئيس تحريرها 12 عدداً، وقد كتبت مقالاً ذات مرة بعنوان "تأطير لمجتمع ديني يطابق تبعيث زمن الديكتاتور" تخيّل معي أن المجلة التي تصدر من أمريكا كتب القائمون عليها "هذا المقال يعبّر عن رأي الكاتب لا الموقع"، وقد نصحني إخواني بالعراق ألا أكتب أحياناً بشكل مباشر، فميليشيات جيش المهدي لا تطال المثقفين في الخارج غير أنهم ينتقمون منهم بطريقة جهنمية وهي قتل إخوانهم وأقربائهم!
المثقفون العراقيون في المنفي لا يتحدثون بشكل جيد عن بعضهم البعض..لماذا؟!
هذه ظاهرة عامة وغير دقيقة، والجو الأدبي به حسد وغيرة خصوصاً تجاه الأشخاص الذين يبرزون، لا أحد يساعد الكاتب، ومن المفترض أن يفرح الكاتب بنجاح زملائه، أنا أفرح حينما أجد رواية عراقية مكتملة فنياً، ولكن المشكلة أن لدينا أدبين، أدب المنفي، وأدب الداخل، نحن (يتحدث عن أدباء المنفي) جيل لديه موقف، ولكنّ كثيرين من الداخل كتبوا نصوصاً لتمجيد الحرب والموت لأن هذا ما كان يطلبه الديكتاتور وقتها، كان معظم هؤلاء يعمل بصحافة السلطة، وبعد الاحتلال يعمل هؤلاء بالصحافة الجديدة، تقريباً هناك الآن أكثر من 130 صحيفة لها شروطها الخاصة، أي أنهم تقريباً بلا موقف، ولكن هناك قلة لا بد من استثنائها، مثل محمد خضير، محمود جنداري الذي اعتقل ومات، وعموماً كان موقفنا السياسي مميزاً وأعتبر أن أعمالنا تنتمي إلي أدب المقاومة!
- وما الذي تقترحه للم شمل مثقفي المنفي؟!
لقد اقترحت علي وزارة الثقافة إنشاء سلسلة لأدب المنفي العراقي، لجمع شتاتهم، فمثلما تشظت العراق إلي سنة وشيعة وأكراد تشظي المثقفون العراقيون!
- وما مصير الأدب لو أن مساعي زرع الديمقراطية فشلت في العراق؟!
إذا سادت القوي الدينية، سنية أو شيعية، فسيكون مستقبل الأدب "أسود"!
#سلام_إبراهيم (هاشتاغ)
Salam_Ibrahim#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟