جورج موسى
الحوار المتمدن-العدد: 932 - 2004 / 8 / 21 - 09:03
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
تخرج جينا من منزلها كل صباح, تتجه إلى عملها بنشاط وطمأنينة, فهي تعرف أنهم لا يستطيعون العمل من دونها... تتوق إلى الوصول إلى مكتبها للتحدث صباحاً إلى صديقتها, لتقلب صفحات الإنترنت وتحاول أن تستقصي أخباراً لتعود مساء وتناقش زوجها بمواضيع الساعة, تحلم كيف ستستقبل أولادها لتخبرهم عن اشتياقها إليهم, وماذا حضرت من مشاريع لعطلة نهاية الأسبوع...
شكل خروج المرأة إلى العمل ظاهرة استرعت الاهتمام, خصوصاً بعد إحاطة موضوع مساهمتها في النشاط العام للمجتمع بالاعتراف التام بكفايتها والتقدير والتشجيع, وبعد ان تجندت وسائل الإعلام والمؤسسات الاجتماعية لحثها على العمل خارج منزلها.
فالمرأة التي يقع على عاتقها في الأساس مهمة تربية النشء, ظلت بعيدة ولفترة طويلة عن ميدان العمل والإنتاج, تقنع بتربية أولادها والإشراف على مجتمعها الصغير. لذا شكل خروجها الى العمل تغيراً جذرياً قلب مفاهيم اجتماعية, سياسية واقتصادية عدة, وفتح ابواب نقاشات وصدامات كثيرة.
** دوافع عمل المرأة
إلا ان التحديات التي تواجه المرأة, والصعوبات التي يفرضها المجتمع, والجدل المثار حول قضية عملها, تطرح سؤالاً أساسياً: هل عمل المرأة يتعارض مع طبيعتها وتكوينها النفسي, وهل الإنتاج باعتباره سمة رجولة يتعارض مع طبيعة المرأة الأنثوية؟
في كتابها "سيكولوجية المرأة العاملة" تشير الكاتبة المصريّة كاميليا عبدالفتاح إلى أن "الرجل هو الذي خطط للمرأة الأدوار التي لعبتها على مر التاريخ, فهو الذي جعلها أحياناً كثيرة سيدة حاكمة, وهو الذي جعلها أيضاً تستوي مع العبيد, وهو الذي حدد لها القيم التي تحدد سلوكها". فمنذ القدم لعبت المرأة أدواراً مختلفة فرضتها عليها ظروف المجتمع الذي سيطر عليه الرجل... حينما طلب منها العمل في المصنع أو الحقل قامت بعملها متحدية كل الصعاب, وحينما طلب منها ان تبقى في المنزل استجابت لطلبه ونجحت في مهمتها. لذا, تؤكد عبدالفتاح أن "العمل خارج المنزل لا يتعارض مع طبيعة المرأة الأنثوية, وهو نوع من النشاط الإيجابي الذي تقوم به كلما طالبها المجتمع بذلك". في فرنسا مثلاً حقق دخول المرأة معترك العمل مكاسب عدة: أثناء الحرب العالمية الأولى, اضطرت النساء الى تولي مسألة إعالة الأسرة وعملن في المجالات كافة بعد توجه الرجال إلى ساحة القتال, خصوصاً بعد أن فقدت الغالبية منهن الأمل في الزواج, بسبب فقدان ما لا يقل عن مليوني رجل. وفي إنكلترا, تميزت المرأة الإنكليزية بعملها في الإصلاحات الاجتماعية.
وفي وقت يرى فيه بعض علماء الاجتماع ان مسألة خروج المرأة للعمل مرتبطة بشكل جذري بالحاجة الاقتصادية - وهو أمر يصعب تقبله في مجتمعنا العربي, إذ إن مهمة كسب الرزق على عاتق الرجل - يؤكد بعضهم الآخر ان المسألة الاقتصادية ليست الدافع الأساس, وإنما ثمة دوافع أخرى. وأظهرت استطلاعات الرأي أن النساء يتوجهن إلى العمل بغية الاستمتاع بالعمل كقيمة لتأكيد الذات والطموح لمستقبل عملي أكبر, فضلاً عن الوصول إلى مستوى أرقى من التحصيل الثقافي والى مكانة اجتماعية أرقى, ورغبة في تحقيق بعض الكماليات. كما ان الحاجة الاجتماعية والرغبة في صحبة الآخرين تلعبان دوراً كبيراً: بعض النساء يشعرن بالملل والضجر لدى بقائهن في المنزل والقيام بالأعمال المنزلية المتعبة والروتينية. لذا كان مبرراً مثلاً أن تقف نساء أحد المصانع - بعد إحالتهن على المعاش في سن الخامسة والخمسين - أمام أبواب المصنع كل مساء في انتظار صديقاتهن عند الخروج والمواظبة على حضور أي أحداث اجتماعية تجري في المصنع, الذي شكل بالنسبة إليهن مركزاً اجتماعياً.
** عمل المرأة يزيدها ذكاء!
ويعتقد بعضهم ان سيئات عمل المرأة تكمن في شكل أساس في تقصيرها تجاه زوجها وأولادها وعدم قدرتها على تأدية واجباتها المنزلية, إلا ان الدراسات أثبتت عكس ما يشاع. فعمل المرأة يزيد من ذكائها الاجتماعي ويجعلها تتغلب على العقبات الناجمة عن الجمع بين عملها ومنـزلها, كما يجعلها أكثر سعادة وأقل عرضة للاكتئاب من المرأة التي لا تعمل والتي تشعر دائماً بالملل وفقدان الأمان.
كما أكدت دراسة "ديناميكية شخصية المرأة العاملة", أعدتها الطبيبة المصرية هناء إبراهيم, أن المرأة العاملة تشبع حاجتها للأمن النفسي والأمن المادي بخروجها للعمل, بينما تحاول المرأة غير العاملة تحقيق الأمن النفسي بالإنجاب, أو إرهاق زوجها مادياً حتى تقلل من فرص تفكيره في زواج ثانٍ. وعلى رغم معاناة المرأة العاملة الكامنة في تعدد الأدوار وصراع الوقت, إلا أنها استطاعت التغلب على هذه المشكلة لأنها اعتادت الاعتماد على النفس, وتنظيم وقتها. كما ان مشاعر الذنب التي تسيطر عليها بسبب تغيبها عن أولادها, تجعلها تضاعف من مجهودها لتعويضهم ومنحهم مزيداً من الرعاية حتى لو كان ذلك على حساب نفسها, بعكس المرأة غير العاملة التي تقع فريسة للاكتئاب والقلق.
وأظهرت دراسات اجتماعية قارنت بين طرق التربية المستخدمة لدى الأمهات العامـلات وغير العاملات, ان للعاملات طرقاً افضل للتربية, إذ ان اكثر الأمهات غير العاملات يعشن في أوساط تغلب عليها الطـــــرق البدائية في التربية بينما الوقت الذي تقضيه الأم العاملة مع أطفالها يكون مفعماً بالحنان والمعاملة الحسنة لأنها تستفيد من جو ومحيط عملها لتحسين وعيها وإدراكها, فينعكس ذلك بدوره على طبيعة تعاملها مع أطفالها. وأظهرت ايضاً ان المرأة العاملة تتمتع بدرجة عالية من التنظيم وتعيش حياة اجتماعية افضل ولديها القدرة على رعاية أبنائها والقدرة على تنشيط العلاقة الزوجية.
ويقول كارل ماركس إن التقدم الاجتماعي يمكن أن يقاس بالوضع الاجتماعي للجنس النسائي. إلا ان الوضع الاجتماعي للمرأة ونجاح دخولها معترك العمل يرتبطان بشكل أساس بحاجتها النفسية والاقتصادية والاجتماعية الى العمل, وقدرة المجتمع على تقديم الفرص المناسبة
#جورج_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟