|
الغضب
حميد طولست
الحوار المتمدن-العدد: 3059 - 2010 / 7 / 10 - 09:20
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يقولون: كلنا كالقمر لنا جانب مظلم لا يراه غيرنا الغضب من الأحاسيس السلبية التي تؤثر فيزيائياً على النفوس والأجساد وتدخل الإنسان ضمن الكثير من العادات السلبية ودوامات من الأمراض الخطيرة المستعصية العلاج. وهو كالبركان ينفجر في أي لحظة، خاصة عند الإنسان الضعيف الذي اعتاد الغضب من كل شيء لا يرضيه حتى أضحى لا يستطيع السيطرة على انفعالاته، وقد قيل فيمن يغضب "أنه إنسان ضعيف، وأن القوي، هو من لا يغضب، ويقدر على التحكم في مشاعره وأحاسيسه"، فيسهل عليه بذلك الوصول إلى تحقيق أمانيه ورغباته، ولذلك نجد أن معظم الساسة قلما يغضبون، بخلاف الأشخاص العاديين الذين ينفجر الغضب بداخلهم بسرعة وتلقائية، في أي وقت، ومن أي وضع، وأي موقف. وليس منا من لا يتعرض يومياً لضغوطات الحياة وأحداثها التي تفرض عليه مواقف تجاه الآخرين. ومن أخطر هذه المواقف حالة الغضب التي تعصف بأشد الناس حلما وتسامحا وإيثارا، وتدفع بهم إلى حد الثورة والهياج وكراهية الغير. والتحول إلى حالات نفسية يصبح معها الإنسان غير قادر على التحكم في أعصابه ومشاعره تجاه من اخترقوا خصوصياته، أو مارسوا عليه ظلماً إدارياً أو اجتماعياً أو عائليا، وهو في موقف لا يسمح له بالدفاع عن نفسه، فيخفي قلقه، ويكتم حنقه، ويسكت الهياج والثورة في أعماقه، ويقوم عندها بتوليف جيوش من الكراهية داخل ذاته ضد هؤلاء الظالمين الذين كانوا وراء استثارة عاطفة الغضب عنده، سواء أتى ذلك من أصدقاء جائرين تسببوا له في مشاكل هو في عنى عنها، أو أعداء ظالمين جاروا عليه وأوقعوا به، لأن ذواتهم نشأت على روح الكراهية والعبث بحياة الآخرين؛ خصوصاً إن كان هو من الناجحين أو من الموهوبين أكثر منهم. فيمر الغاضب بمشاعر عديدة، كالضيق، والاستياء، والكدر، والاستثارة، والإحباط، والعبوس، والسخط، والنقمة، والإساءة، وغيرها من الصفات التي تعكس عدم رضاه عما تعرض له من مواقف عدم الإحساس بالعدل، والتعدي على الكرامة، والإهمال، والإذلال، والخيانة، وغيرها كثير من المؤثرات المتنوعة التي تحدث تغيرات فسيولوجية وبيولوجية تتسبب في انقباض القلب، ورفع ضغط الدم به، فيصاب الإنسان بالثورة العارمة، والهياج الحاد قولاً أو عملا. هذه الحالة النفسية، وذلك الشعور الإنساني، الذي يعتري الإنسان، مثله مثل باقي العواطف الإنسانية الأخرى، قد يكون منشؤها انحرافاً صحياً، بسبب اعتلال الصحة العامة، أو ضعفا في الجهاز العصبي، الذي يسبب سرعة التهيج، أو اضطرابات نفسية مسببة للاكتئاب ثنائي القطب. وقد يكون المنشأ نفسياً، منبعثاً عن الإجهاد العقلي، أو المغالاة في الأنانية، أو الشعور بالإهانة و الاستنقاص، و نحوها من الحالات النفسية والعاطفية التي سرعان ما تستفز الإنسان، و تستثير غضبه. وقد يكون المنشأ أخلاقيا يلهب في الإنسان روح الحمية والإباء ويبعث على التضحية والفداء، في سبيل الأهداف الرفيعة، والمثل العليا، كالذود عن العقيدة، وصيانة الأرواح والأموال والكرامة. وهذا النوع من الغضب، هو غضب منطقي ومحمود، وقد يتحول إلى غضب مذموم، إذا أفرط فيه، وخرج عن الضوابط، أو تحكمت فيه العلاقات الإنسانية، ومنغصات الحياة العامة، أو مشاكل العمل. ويختلف الغضب بين الرجل والمرأه، فالرجل يكون عادة سريع الانفعال والغضب، يعبر عن غضبه بطريقة سريعة تجعل مشاعر الغضب عنده تزول بنفس السرعة التي حدثت بها، فتهدأ فورته بعد الصراخ الهائج، وتخف حدته بعد كسر بعض الأواني أو بعض الأغراض. أما المرأه ففي الغالب الأعم ما تكتم الغضبها ليظل، ولزمن طويل، كامناً بداخلها لا يظهر، ما يجعله سيئ التأثير، خاصة حينما تستبطن المرأة العداء تجاه الآخرين، وتبقى أسيرة ذاك الظلم أو العسف، فتعيش سلبية تؤذى نفسها ومن حولنا من دون أن تدري،. أما إذا أظهرت الغضب، وطفا على سطح أحاسيسها في صورة تعبير طبيعي ومنطقي، فلا يشكل خطورة داهمة، ويكون تأثيره إيجابيا. ويبقى الغفران أقوى رسالة يمكن أن يرسلها الإنسان لمن ظلموه ونغصوا عليه حياته. إذ لا توجد وسيلة أقوى ولا أفضل منه لمعاقبة الذين أساءوا إليه، لأن تعويد الذات على ممارسة الغفران ومسح الصور السلبية، يجعل الإنسان يعيش في راحة داخلية، توجه جهوده نحو الإيجابية وفعل الخير والسمو بالذات، التي لن يتحقق إلا بتطهير النفس من مشاعر الغضب، والتخلص من جور الكراهية وصوره السلبية، ما لم تكن (النفس) مغلقة وحاقدة، فلن تفيدها الابتسامة المُختلقة - مهما كانت عريضة - في كسب ود الناس والفوز بثقتهم. حميد طولست [email protected]
#حميد_طولست (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا يبكي الآباء عند تزويج بناتهم؟؟؟
-
مشاهد حياتية مستفزة(الحلقة3)
-
مشاهد حياتية مستفزة الحلقة 2
-
مشاهد حياتية مستفزة, الحلقة الأولى,
-
عيد العمال بنكهة جديدة
-
اليوم العالمي للصحافة
-
احتفالات عيد العمال
-
على هامش المصادقة على مدونة السير الجديجة
-
قصار القامة عظماء الهامة
-
المعارض ليست سيئة كلها
-
الاعتذار(1)
-
فوضى الأعياد
-
محاسبة الرؤساء بداية الإصلاح
-
لغو أطفال
-
من شب على شيء شاب عليه
-
الرياضة والسياسة
-
قراءة في الانتخابات المغربية الأخيرة
-
الهوية، أمازيغي قح
-
مغازلة الطارئين
-
مغامرة الكتابة ؟؟
المزيد.....
-
ياسمين عبدالعزيز بمسلسل -وتقابل حبيب- في رمضان
-
ياسين أقطاي: تركيا والنظام السوري الجديد أكثر دراية بمحاربة
...
-
السويد- الإفراج عن مشتبه بهم فى حادث مقتل حارق القرآن
-
عمّان.. لا لتهجير الفلسطينيين
-
ترمب: بلادنا ليست منخرطة في أحداث سوريا
-
لماذا يصر ترمب على تهجير الفلسطينيين من غزة لمصر والأردن؟
-
كشف جرائم جنود أوكران بحق مدنيين بكورسك
-
مئات اليمنيين يصلون على رئيس الجناح العسكري لحركة -حماس- بعد
...
-
البيت الأبيض: واشنطن ستفرض رسوما جمركية إضافية على كندا والم
...
-
مصر.. أسد يفترس حارسه بحديقة الحيوان
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|