|
شكرا للميتافيزيقا و لوزير الاتصال!
عبد الرحيم الوالي
الحوار المتمدن-العدد: 3016 - 2010 / 5 / 27 - 08:44
المحور:
حقوق الانسان
"السماء التي كانت مليئة بالآلهة أصبحت اليوم مليئة بالأقمار الاصطناعية الدقيقة و لم يعد هناك مكان لأي دكتاتورية في العالم". هذا القول ليس لي و إنما هو للدكتور توفيق رشد، أستاذ الفلسفة بجامعة الحسن الثاني ـ المحمدية، و الذي أوجز فيه و هو يدرسنا مادة "نقد العقل" كيف تحولت الميتافيزيقا إلى تقنية، و كيف أنها بذلك تجسد ما عبر عنه ب"القبضة الهيجيلية" على العالم. استحضرت هذا القول و أنا أرى على موقع يوتوب الشهير كيف جاء وزير الاتصال المغربي، خالد الناصري، إلى شارع محمد الخامس بالرباط، و تحديدا إلى أمام البرلمان، لكي يخلص ابن معاليه من أصفاد الشرطة. تقول الرواية التي نشرتها الصحف المغربية إن ابن معالي الوزير كان يقود سيارته و حدث سوء تفاهم بينه و بين مواطن آخر كان بدوره على متن سيارته. و تطور الأمر إلى ملاسنة ثم نزل بعدها ابن الوزير و في يده آلة حادة لكي يصيب المواطن بجرح في رأسه. بعد ذلك تدخلت الشرطة و ألقت القبض على ابن الوزير و قامت بتصفيده إلى السياج الحديدي الذي يحيط بمبنى المؤسسة التشريعية. فما كان من ابن الوزير إلا أن اتصل بأبيه لكي يحضر هذا الأخير و يرغم الشرطة على إطلاق سراح ابنه و يلوذ بمعيته بالفرار بينما هتافات المواطنين الغاضبين تشيعهما معاً و الشرطة تتدخل لحماية الوزير و ابنه. و طبعا، فالناصري نفى لاحقا أن يكون ابنه حائزا لأي سلاح أبيض أو أن تكون الشرطة قد قامت بوضع الأصفاد في يديه. لكنه على كل حال ـ وسيدنا يوتوب خير شاهد ـ كان هناك بقده و قامته. و لا دخان بدون نار! بالنسبة لي شخصيا ليس خالد الناصري مجرد وزير في حكومة. فقد عرفت الرجل و أنا في بداية الشباب. كان آنذاك رئيسا للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، و محامياً، و أستاذا جامعيا بكلية الحقوق، و عضوا قياديا في "حزب التقدم و الاشتراكية". و كنت بدوري مناضلا بسيطا في نفس الحزب. ثم عرفت الناصري فيما بعد متعاونا بجريدة الحزب الناطقة بالفرنسية حينما كنت صحافيا بصنوتها الناطقة بالعربية و كان يجمعني مع الناصري مقر الجريدتين بشارع لاجيروند بالدار البيضاء أيام كان زعيم الحزب، الراحل علي يعته، مديرا لليوميتين. لم أكن أشك لحظة واحدة في أن المقالات التي كان يدبجها الناصري، بفرنسية بليغة جدا، عن حقوق الإنسان كانت مجرد حبر على ورق. و لم أكن أشك لحظة بأن مرافعات الناصري أمام المحاكم، في عدة قضايا تتعلق بالشطط في استعمال السلطة، كانت مجرد كلام في الهواء. و لم أكن أشك لحظة واحدة في أن الخطب العصماء التي كان الناصري يلقيها في مؤتمرات الحزب كانت محض مزاعم و ادعاءات. بل ما كنت لأصدق أن الناصري يمكن أن يقف ـ و هو وزيرـ إلى جانب الغطرسة و الظلم، بل و أن يمارس بنفسه الشطط في استعمال السلطة الذي طالما أبدع الخطب، و المرافعات، و المقالات، في فضحه و التنديد به و إدانته. نعم، ما كنت لأصدق ذلك لولا هذه الميتافيزيقا التي تحولت إلى تقنية و التي بواسطتها تمكن المواطنون من تصوير معالي الوزير و هو يعطي أسوأ مثال يمكن أن يعطى عن الشطط و احتقار الحقوق و الدوس على القانون و المؤسسات. و أين؟ أمام المؤسسة التشريعية. ليست لي أية مشاكل شخصية مع خالد الناصري، و لا أحمل تجاهه أي حقد أو ضغينة أو حسد، لكني أشعر الآن بإحباط كبير لم أشعر به حتى حينما كنت شخصيا عرضة للظلم و الاضطهاد من طرف أشخاص بعينهم في حزب وزير الاتصال. بل أشعر أنني أضعت زهرة عمري في الكذب على الناس حينما ظللت لسنوات أكتب ركنا يوميا في جريدة حزب وزير الاتصال، و أشعر أنني مارست الكذب على نفسي أيضا حينما صدقت أن الناصري كان مناضلا من أجل حقوق الإنسان و العدالة الاجتماعية، و أشعر ـ أكثر من ذلك ـ أنني أمام كذبة كبرى اسمها دولة الحق و القانون انطلت علي و ساهمتُ في تمريرها على الناس من خلال كل ما كتبت طيلة ستة عشر عاما من العمل الإعلامي منها ثمان سنوات في جريدة حزب وزير الاتصال. بل إني أصبحت أشعر بالخوف على أبنائي من هذا المغرب الذي يمكن أن يأتي فيه غدا أو بعد غد ابن وزير، أو أي "مسؤول" كبير في الدولة المغربية، ليشج رأس إبني أو ابنتي بآلة حادة و يغادر المكان تحت حماية الشرطة فوق ذلك رفقة أبيه الوزير أو "المسؤول". عندما تورط أخ وزيرة العدل الفرنسية رشيدة داتي في قضية مخدرات بفرنسا اعتبرت العدالة الفرنسية قرابته مع وزيرة العدل ظرف تشديد و أصدرت في حقه عقوبة مشددة. أما في مغرب "مولاي الحق و القانون" فالقرابة مع وزير تسمح لك بأن تعنف الناس و أن تذهب حرا طليقا و متغطرسا على متن سيارة وزارية اقتنيت من المال العام و يحترق في جوفها بنزين من المال العام و تحرسها شرطة تتقاضى أجورها من المال العام و يفترض فيها أنها تسهر على تطبيق القانون و احترام النظام العام. صحيح أنني لست معنيا بما حصل أكثر من باقي المغاربة، لكن شعوري بالإحباط و الخيبة و الغبن لا يمكن أن يزيحه إلا أمران: أولهما ـ و هو رهان ضعيف ـ أن يخجل خالد الناصري من نفسه و من يوتوب و يقدم استقالته من الحكومة و من الحياة العامة برمتها كما يفعل كل مسؤول يحترم نفسه في البلدان الديموقراطية، و ثانيهما أن يقوم الملك، باعتباره ضامن حقوق الأفراد و الجماعات بقوة الدستور، بإقالة الناصري. و إذا لم يحصل هذا و لا ذاك فسيكون من الأليق إجراء تعديل دستوري يلغى بموجبه ذلك الفصل الذي ينص على أن "جميع المغاربة سواسية أمام القانون" و تعدل بموجبه أيضا ديباجة الدستور التي تنص على أن المملكة المغربية تتشبث باحترام حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا. و في انتظار حصول واحد من هذه الأمور الثلاثة أقول شكرا للميتافيزيقا التي مكنتني من رؤيتك يا خالد تقف، مستغلا منصبك الرسمي و سلطتك، لتحول دون تطبيق القانون؛ و شكرا لك أيضا لأنك جعلتني أفيق من حلم القانون كي أدرك ـ متأخرا بعض الشيء ـ أن المغرب الذي أعيش فيه لا يختلف عن مغرب القائد العيادي و الباشا الكلاوي الذي عاش فيه جدي. بربكم أيهما أكثر دكتاتورية من الآخر: صدام حسين الذي سجن ابنه عدي و كاد يرسله إلى حبل المشنقة بسبب الاعتداء على الناس لولا تدخل الملك حسين؟ أم صاحبنا خالد الذي ينقل ابنه على سيارة وزارية و تحت حماية الشرطة بعد أن اعتدى على مواطن؟
#عبد_الرحيم_الوالي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحملة من أجل مقاومة الرداءة و حماية الحق في الإبداع الجيد د
...
-
إلى كل من يهمه أمر الجامعة المغربية: هل هذه مؤسسة عمومية أم
...
-
ما الذي يربط المغرب بالمشرق؟
-
دولة الإسلام أم دولة بني ساعدة؟ (1)
-
دولة الإسلام أم دولة بني ساعدة؟ (2)
-
نحو بناء ثقافة تنويرية تشاركية
-
رسالة مفتوحة من صحافي مغربي إلى السفير الأميركي بالرباط: رجا
...
-
دفاعاً عن الإسلام و الحرية
-
سيناريو اختطاف لم يتم
-
نحن و إسرائيل: حرب دائمة؟
-
جولة بوش في الشرق الأوسط و الخليج: مزيد من الأخطاء و الدماء
-
أسئلة ما بعد 7 شتنبر بالمغرب: بؤس السياسة و سياسة البؤس
-
نضال نعيسة: مشروعية السؤال و سؤال المشروعية
-
هَل تُصلِحُ الأمم المتحدة ما أفسده جورج بوش؟
-
تموز العراقي أمريكياً: قتلى أقل، نيرانٌ معاديةٌ أكثر!
-
ما قبل جورج بوش و ما بعده: عالمٌ يوشك أن ينهار
-
من الحزام الكبير إلى الأحزمة الناسفة
-
انخراط شعبي تلقائي يفشل المخطط الإرهابي بالمغرب
-
انتخابات 2007 أو معركة الأسلحة الصدئة: المغرب بين المراهنة ع
...
-
أميركا والإسلام والعرب: من أجل العودة إلى الأصول
المزيد.....
-
الأونروا: النظام المدني في غزة دمر تماما
-
عاصفة انتقادات إسرائيلية أمريكية للجنائية الدولية بعد مذكرتي
...
-
غوتيريش يعلن احترام استقلالية المحكمة الجنائية الدولية
-
سلامي: قرار المحكمة الجنائية اعتبار قادة الاحتلال مجرمي حرب
...
-
أزمة المياه تعمق معاناة النازحين بمدينة خان يونس
-
جوتيريش يعلن احترام استقلالية المحكمة الجنائية الدولية
-
العفو الدولية: نتنياهو بات ملاحقا بشكل رسمي
-
مقرر أممي: قرار الجنائية الدولية اعتقال نتنياهو وغالانت تاري
...
-
جنوب السودان: سماع دوي إطلاق نار في جوبا وسط أنباء عن محاولة
...
-
الأمم المتحدة تحذر من توقف إمدادات الغذاء في غزة
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|