|
كيف نفهم الليبرالية ؟
راغب الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 3009 - 2010 / 5 / 19 - 04:14
المحور:
ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق
في هذه المقالة سأثير معكم وبشكل واضح ، كيف يمكننا فهم الليبرالية كحركة إجتماعية وكسلوك إنساني نبيل ؟ ، فنحن في هذه المرحلة من التاريخ نعيش عصر التحول الطبيعي في حياة الشعوب وفي حياة الأمم ، وفي هذه المناسبة من الضروري ان نفتخر بما حققه - الحزب الليبرالي الديمقراطي البريطاني - من نقلة نوعية في الإنتخابات الأخيرة ، وهذا إنجاز مهم في زمن مهم يجب النظر إليه بتمعن ومن زواية التحول الإجتماعي والسياسي الكلي الذي رافق التغير في خارطة العمل السياسي والإجتماعي البريطاني ، ومهمتنا هو تذكير قوى المجتمع العراقي بهذا التطور الرائع في الواقع السياسي الإجتماعي الجديد ، وكيف يجب ان النظر إليه وحسابه ؟ .
ونحن نسعى ونلح في الطلب دائماً بل وننبه لكي يصل مجتمعنا العراقي إلى درجة من الوعي والإدراك متقدمة لواقعه ولما يحيط به ، ونريد من ذلك جعل مجتمعنا و تحويله إلى مجتمع الحرية والإنفتاح ، بحيث يكون القبول والرفض عنده من بناة أفكاره وحده وليس وصاية أو توجيه من أحد فرداً كان أو جماعة ، لأننا نعتبر إنه من اللازم على كل فرد في مجتمعنا أن يعرف كل مايتعلق بقضاياه الحيوية والمصيرية ، وان يطلع عليها وان يهتم بها ، وعليه ان يعتبر نفسه جزء من كل ، وهذه الإرادة مسؤولية وطنية وليست مجرد عمل تطوعي ، فالليبرالية حين تحث الجميع على المشاركة في العمل السياسي إنما ترسخ فيهم قيم الديمقراطية ، وهي تعمل ذلك إيمانا منها بوحدة المصير للمجتمع وبان أي مكون منه هو جزء من كل شامل ، ولهذا فلا تحصر تطلعاتها وأهتماماتها الوطنية في المجالات الذاتية ، لأنها تريد من ذلك العمل خلق ضوابط يستطيع معها المجتمع النهوض والتقدم وتجاوز المشكلات السياسية والإجتماعية ذات الطابع المحلي أو الديني ، من خلال تأصيل المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان وجعلها ثقافة شعبية رائجة من خلال الإعلام العام اليومي .
فالليبرالية في ثقافتها المقروءة العامة لاتجعل من الحق والمطالبة به محصور بيد النخب ، كما إنها لاتسمح لكي يكون الحق مجالاً للطعن والتشهير كما تفعل في العادة ذلك قوى التخلف والإنقباض ، فهي تقوم بمعالجة الإختالات السياسية عبر التركيز على دور الجميع في خلق الواقع السياسي دون تهميش أو إضعاف لأحد ، من خلال التركيز على عناصر القوة والمحبة في الشخصية ، وهذه العناصر مجتمعة تساهم في ضبط حركة المجتمع وتمنع التسيب الأمني والإنفلات الذي يحصد أرواح المغلوبين من أبناء الشعب ، ذلك الشعب الذي تحمل الكثير لكي يكون موجوداً وفاعلاً في الساحة السياسية والإجتماعية .
صحيح إن في مجتمعنا افكار خاطئة كثيرة وخرافات عامية يتناقلها حتى المتعلمون لانهم لا يفكرون تفكيرا جدياً وواعياً ، و صحيح كذلك إننا سمعنا في الماضي ونسمع اليوم من يعجب بالثورة الإيرانية ومن يروج لها ، وقد سعى البعض عن جهل أو عن عمد لكي يكون مصير بلدنا بيد رجال من فئة المجموعة الإيرانية أو الشبيهة بالمجموعات الإرهابية للقاعدة ولطالبان ، وكلنا يعلم مدى التمزق الذي يعيشه الوضع الداخلي في إيران وحجم العنف وطبيعته الذي يستخدم ضد الإصلاحيين منهم ، كما لايفوتنا التذكير بإن مصير القاعدة أصبح الآن معلوماً وهي تعاني بل هي في النفس الأخير ، وهذا الواقع هو مايجب التنبيه والتحذير منه ومن خطره على عقول وتصرفات البعض من الكتل التي تحاول منع قيام حكومة قوية تساعد في تثبيت الوضع الأمني وخلق روح المنافسة البناءة ، نعم إن الأمة الإيرانية أمة راقية كان لها دور في التاريخ في نشأة الفكر الإسلامي والفقه الإسلامي ، كما انها ساهمت في تطوير البحوث والدراسات الفلسفية والكلامية ، وهذا ما يجعلنا نراهن على قدرتها في صنع مستقبلها فيما لو تمكنت من نفسها ونالت نصيبها من الحرية ، التي نامل ان تثمر فيها حركة الليبرالية الديمقراطية عن شيء مفيد تساعد الشعب الإيراني في حل مشكلاته القديمة الجديدة .
ولكن الذي نريد التأكيد عليه هنا إن على شعبنا مسؤولية مزدوجة في هذا الإتجاه فهو أول شعب نال حريته في الشرق الأوسط ، كما إنه الشعب الأول في المنطقة الذي يحمل فكراً ليبرالياً ساهم ذلك بشكل غير مباشر في دعم حركة التحرر الليبرالي الديمقراطي في إيران وبلدان الجوار ، وفي ذلك المسار نعول على إرادة شعبنا رغم ما يمر به من محن ومظالم بعض منها سببها المباشر إيران والبعض الأخر قوى الردة والتخلف من القوى الإرهابية في المنطقة .
إذن فالليبرالية تفتح لنا الأفاق والقدرة على التطلع نحو بناء الغد المشرق ، و تطمر كل ما من شأنه خلق التوتر الداخلي والتنازع المحلي ، وهي القادرة على غلق الأبواب امام من يستجدي أو يستقوي بالغير من الأغراب على أهل بيته ، وعلى هذا فنحن بحاجة لكي نفهم الليبرالية التي تخلق فينا عقلاً عراقياً حراً وواعياً ومسؤولاً ، فنحن بحاجة اليها لتصنع لنا انساناً عراقياً جديداً له نظرة إنسانية بعدما أنعدمت أو هكذا يُخيل إلينا كذلك ، لأن فلسفة الليبرالية تقوم على إنشاء مجتمع إنساني جديد تسوده الحرية وتنطلق فيه قوى الابداع ، والانسان الليبرالي حسب تلك الرؤية لا يربى على الكراهية أو إلغاء الأخر ، بل يربى لكي يخلق في المجتمع روح المحبة والسلام والقوة والمبادرة والخلاقية والصبر والكفاءة وسد العوز والنقص ، ومن البديهي الإستذكار والاستدراك بان ما قلناه هنا لا يتنافى أبداً مع واقع شعبنا وحاجاته الشديدة الخصوصية ، وعندما نقول ذلك فاننا نؤكد على أهمية المشاركة وأهمية الشعور بالمسؤولية والشعور بالإنتماء والهوية ، فبدون ذلك لانحقق التوازن داخل الشخصية التي نريد بنائها والتأسيس عليها ، ولا أظن أن واحداً من القراء المحترمين قد يفهم إننا في ذلك نمزج بين قضيتين أو بين شيئين ، بل نحن ندعوا لعدم الفصل بين الحاجات الخاصة والمسؤوليات العامة .
وهذا كله مرتبط بالوعي العام للمجتمع وحين يتشبع بقيم الحرية وبثقافة الديمقراطية يكون مجتمعاً حرا و مسؤولا ، وهنا نقول : إننا نفهم الليبرالية الديمقراطية ككونها المنقذ الذي يحمي المجتمع ويحمي الشعب ويحمي الدولة من التصدع ومن التقسيم ومن الذوبان ، وهي في ذلك ليست مرآة وحسب بل هي الدواء وهي العلاج لكل مرض إجتماعي وسياسي نشأ أو قد ينشئ .
#راغب_الركابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قول على قول
-
الليبرالية والحكومة القوية
-
واحد آيار عيد العمال العالمي
-
الحل في طهران لا في بغداد
-
إنتخابات الخارج ومشكل الوطنية
-
المثيولوجيا والدين 2
-
قول في الإجتثاث
-
قراءة في كتاب نقد العقل الإسلامي
-
بعض من الأخبار المزيفة في قضايا وقعة كربلاء
-
الوحدة الإسلامية كما يرآها الشيخ المنتظري
-
دراسة موجزة في الفكر السياسي للآستاذ المعظم آية الله الشيخ ا
...
-
العراق بين إحتلالين
-
الشخصية الليبرالية ج1
-
عيسى المسيح وأمه مريم
-
قصص من الكتاب المجيد
-
ضياع الهوية الوطنية
-
الليبرالية الديمقراطية والسلطة
-
العراق والمرحلة المقبلة
-
الليبرالية الديمقراطية و حاجات الأمة
-
إيران والإصلاح
المزيد.....
-
سقطت بعد ثوانِ من إقلاعها.. شاهد الفوضى بعد تحطم طائرة في في
...
-
تحليل بيانات يكشف ما فعله قائد طائرة الركاب -قبل ثانية- من ا
...
-
مدى الالتزام بتوجيه ولي العهد السعودي في المدارس بلبس الزي ا
...
-
السعودية.. فيديو احراق سيارة متوقفة بالطريق والداخلية ترد
-
-ديب سيك-: أسرار وراء روبوت الدردشة الصيني الجديد، فما هي؟
-
شرطة لوس أنجلوس تنقذ مسنة عمرها 100 عام من حريق في دار المسن
...
-
في دولة عربية.. أول عملية عسكرية للجيش الأمريكي ضد -داعش- في
...
-
صخب ترامب مؤشر على الحالة الأميركية
-
زوجة الضيف للجزيرة نت: لم يتنكر كما كان يشيع الاحتلال ولم يغ
...
-
قبل موتهم جميعا.. كشف آخر ما فعله مسافران قبل اصطدام طائرة ا
...
المزيد.....
المزيد.....
|