|
تأملات - ليس بالبرلمان وحده !
رضا الظاهر
الحوار المتمدن-العدد: 3008 - 2010 / 5 / 18 - 21:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أولئك المتربصون الشامتون، ممن يتبجحون بأنهم أهل يقظة وهم في نوم أبدي حتى ليحسبهم الرائي من أهل الكهف، يغيظهم نهوض الشيوعيين ونشاطهم المعافي، فيحاولون، في سياق تفكير رغائبي مريض، تشويه الحقيقة وإشاعة الوهم بأن هزيمة ماحقة لحقت بالحزب الشيوعي جراء عدم حصوله على مقعد في البرلمان. ويعرف المنصفون، كلهم، أن مثل هذه الانتكاسة، أو الكبوة إن شئتم الدقة، يمكن أن تحدث في كل حين. ثم أننا لسنا في خشية من مواجهة الواقع وحقائقه، والاعتراف بخسارتنا التي كانت لها أسباب موضوعية فضلاً عن قصورنا الذاتي بالطبع. وحتى لو ارتقت هذه الكبوة الى مستوى هزيمة فلن يكون حرماننا من كرسي في البرلمان المحطة الأخيرة ونهاية المطاف، ذلك أن مسيرنا لن يتوقف مادمنا قادرين على نقد الذات ومراجعة أنفسنا والتقييم الموضوعي المتوازن لتجاربنا واستخلاص الدروس للانطلاق في شوط جديد، وجديد دائماً. ومن نافل القول إنه إذا ما أُغلِقت أمامنا أبواب البرلمان أو الحكومة، فلا ينبغي لخسران "الكراسي" أن يعوقنا عن خوض التحدي وسط الناس في الشوارع ومواقع العمل والسكن والدراسة وسواها، وهي مواقع تظل مفتوحة أمام مستثمري السخط الطليعيين والساعين الى تبني حقوق ومطامح وآمال الكادحين. ومن المؤكد أن غيابنا عن البرلمان لا يعني خروجنا من العملية السياسية ولجوءنا الى جزيرة منعزلة وقبولنا بالتهميش السياسي، ذلك أن الكفاح من أجل أهدافنا لا يتوقف عند حدود البرلمان، ولا يشترط أن يكون من داخله، بل إنه أرحب، إذ يجد تعبيره الأعظم في فضاء الناس ووسطهم. وإذا كانت الأيام غائمة، الآن، فان هذه الغيوم ليست أبدية، إذ ستنقشع يوماً ولن يكون هذا اليوم ببعيد. غير أن هذه الغيوم لن تنقشع من تلقاء نفسها، وإنما عبر عملنا الدؤوب وأملنا الوطيد بالغد الذي لابد أن تشرق فيه شمس عدالة حقيقية. ويعلم كل ذي ضمير حي أننا لو كنا نلهث وراء مقاعد برلمانية لسرنا في طريق كان بالنسبة لنا سالكاً، لكننا تمسكنا بخيار مستقل، وخضنا التحدي وسنواصل خوضه لا يعوقنا أننا خرجنا من تجربة الانتخابات المريرة دون أن نحرز ما نستحق، والأسباب، ذاتيةً وموضوعيةً، باتت واضحة، والتجربة، بأسرها، موضع تقييم من المؤمل أن ينجز خلال فترة قريبة قادمة. ومادام الوجود في البرلمان أو الغياب عنه يعد مسألة هامة وحساسة، فلابد من الاشارة الى أننا بحاجة متجددة الى إضاءة جوانب من مفهوم العمل داخل البرلمان وخارجه، ورؤية الالتباس المحيط بهذا المفهوم. فنحن لا نبرر خسارتنا بالقول إن العمل من داخل البرلمان ليس ذا شأن، ولكننا لا نرى في وجودنا خارج البرلمان خاتمة لكفاحنا السياسي. أن رؤيتنا لهذه المسألة ليست رؤية ثنائية أو تبسيطية. وعلى أية حال فانه من المفيد، في هذا السياق، أن نضيء، بايجاز، وبما يتوافق مع واقعنا الملموس، موضوعة عملنا من داخل وخارج البرلمان، ارتباطاً بإرث نعود اليه وينابيع ننهل منها. ويتعين علينا القول، ابتداءً، أن هناك رؤيتين في ما يتعلق بهذه الموضوعة: الرؤية الاصلاحية التي كان بيرنشتاين وكاوتسكي أبرز ممثليها، والرؤية الثورية التي طرحها ماركس وانجلز وبلورها لينين وروزا لوكسمبورغ. ويتعين علينا، من بين وثائق أخرى، العودة الى تلك الرسالة النقدية التي كتبها ماركس وانجلز عام 1879الى قيادات الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، وقد تساءلا فيها عما إذا كان الحزب قد "أصيب بالأمراض البرلمانية". وفي المقدمة التي كتبها انجلز عام 1895 لكتاب ماركس (الصراع الطبقي في فرنسا) رأى أنه "في الدعاية الانتخابية تتاح لنا وسيلة فريدة في الارتباط بالجماهير في المناطق التي مازالوا فيها بعيدين عنا، فضلاً عن اضطرار الأحزاب الأخرى أن تدافع عن مواقفها في مواجهة هجومنا أمام الجماهير". لكن انجلز رأى، أيضاً، أن النجاحات الانتخابية ولدت لدى قيادات الحزب ميلاً للتخلي عن الأهداف البعيدة والاكتفاء بالأهداف المباشرة، وهو ما يعزز الاتجاه الاصلاحي خاصة في حالة الشرائح العليا من النقابيين وبيروقراطيي الحزب وممثلي البرلمان الذي يبدون حرصاً على الدولة أكثر من حزبهم. وفي ألمانيا انتقدت روزا لوكسمبورغ الاتجاه الانتهازي في الحزب الألماني، وكانت واضحة في فهمها لحدود البرلمانية. وفي غضون ثورة 1905 الروسية كان موقف البلاشفة المقاطعة النشطة للدوما الأولى. ولكن عندما بدأت الموجة الثورية بالتراجع غيّر لينين موقفه. وكان على لينين خوض معارك ضارية ضد من رأوا أنه "وفقا للماركسية" يجب مقاطعة الدوما بشكل مطلق. وطرح لينين أنه في ظروف متغيرة وغير ثورية تكون المقاطعة بلا معنى. وكان لينين يرى أن المشاركة في البرلمان جزء يسير من نشاط الحزب الثوري، وأنه أقل أهمية من النضال في الشوارع وأماكن العمل. * * * عدم حصولنا على "كرسي" لا يبطل صواب سياستنا وصحة توجهاتنا، بل يضعنا أمام حقيقة جديدة من حقائق الواقع، جديرة بالإضاءة وتمثل الدروس والانطلاق صوب أفق جديد. ليس بالبرلمان وحده يحيا الشيوعي، و"كرسي" البرلمان ليس مصباح علاء الدين ! طريق الشعب 18/5/ 2010
#رضا_الظاهر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تأملات - بِمَ نبدأ ؟
-
تأملات - جوهر الصراع لم يتغير
-
تأملات - ننهض وسط الناس بانطلاق جديد
-
تأملات - سخط نستثمره وضفاف نسعى إليها
-
تأملات - في إضاءة الواقع الموضوعي
-
تأملات - في مديح نقد الذات
-
تأملات - تزييف الوعي
-
تأملات - توازن التقييم
-
تأملات - التباس المحاصصة مرة أخرى !
-
تأملات - لا يريدون للأجراس أن تقرع !
-
تأملات - غياب المصداقية .. إخفاق الوعود
-
تأملات - في نفق التنافس الانتخابي
-
تأملات - منعطف سياسي حاسم
-
تأملات - ذاكرة لا تشفى وعدالة مشبوهة !
-
تأملات - تحت خط الفقر . . ما بين النهرين !
-
تأملات - مرتجاهنّ الحرية في حدائق النور !
-
تأملات - ننحت في حجر .. هذا هو مجدنا !
-
تأملات -ثقافات جديدة- بينها الترقيع !
-
تأملات أأضحى الصمت أصدق أنباءً ... !؟
-
تأملات - هوس الاستحواذ !
المزيد.....
-
معالجات Qualcomm القادمة تحدث نقلة نوعية في عالم الحواسب
-
ألمانيا تصنع سفن استطلاع عسكرية من جيل جديد
-
المبادئ الغذائية الأساسية للمصابين بأمراض القلب والأوعية الد
...
-
-كلنا أموات بعد 72 دقيقة-.. ضابط متقاعد ينصح بايدن بعدم التر
...
-
نتنياهو يعطل اتفاقا مع حماس إرضاء لبن غفير وسموتريتش
-
التحقيقات بمقتل الحاخام بالإمارات تستبعد تورط إيران
-
كيف يرى الأميركيون ترشيحات ترامب للمناصب الحكومية؟
-
-نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح
...
-
الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف
...
-
حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|