فيصل البيطار
الحوار المتمدن-العدد: 3006 - 2010 / 5 / 16 - 20:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هي الزنزانه التي صارت بيتي منذ إثنان وستون عاما، وأنا ضمن سبعمائة وخمسون ألفا من أصحاب الزنازنين المهجرين قسرا عن بلادهم وممتلكاتهم، الذين تكاثروا في المنافي لِيعدوا الآن بالملايين .
المشروع الصهيوني الإستيطاني واحد من أقسى المشاريع الإستعمارية في العصر الحديث وأكثرها عنصريه، بدأ منذ ستة عقود ومازال قائما على إستلاب أرض وتهجير شعب بأسره له مقومات تكوينه الكامله، وثقافته غنيه ومتنوعة وتضرب جذورها التراثيه في أزمان بعيده، سياسة الإستيطان الإسرائيليه قائمه على حجج تاريخيه وتوراتيه لم يثبت منها إلا القليل مما يدعيه أصحابه، ولا تصمد إدعائاته أمام وقائع التاريخ نفسه وإلا لكانت فلسطين من حق من سبق دولتي اليهود من شعوب سكنت المنطقه وأسست دولها فيها، وضمن كافة المقاييس فإن هذا المشروع يتنافى مع مبادئ حقوق الإنسان والشريعه الدوليه وأهمها حق الشعوب بتقرير مصيرها، وتلك المتعلقه بحق الفلسطينيين بالعوده وفقا للقرار 194 لسنة 1949 الصادر عن الجمعية العامه للأمم المتحده .
بعد مايزيد على ستة عقود من تلك المأسآه أصبحت إسرائيل واحده من دول الجوار العربي، حقيقة قائمه على الأرض لايمكن تجاهلها سياسيا ولا عسكريا ولا إقتصاديا، وما تلك الدعوات الآتيه من طهران من على بعد الف وخمسمائة كيلو متر والمبشرة لنا بقرب زوال دولة إسرائيل، وهي التي يروج لها حزبها الديني اللبناني أيضا، سوى دعوات مضللة لا يقصد أصحابها منها سوى خداع الشارع الفلسطيني والعربي والإيراني، أولا بهدف حشد تعاطف هذا الشارع حول البرنامج الإيراني التوسعي في المنطقه، وثانيا للتغطيه على أزمات النظام الإيراني الإقتصاديه والإجتماعيه والسياسيه وخداع الشعوب الإيرانيه وليّ أنظارها بعيدا عن واقعها المتسارع نحو التدهور الإقتصادي بشكل خاص، الإيرانيون الذين تظاهروا محتجين على سرقة أصواتهم، خرجوا يهتفون ضد نجاد وحزب الله وحركة حماس في لحظة وعي جماهيري لحقيقة وجوهر تلك السياسه التضليليه البعيده كل البعد عن مصالح الشعوب الإيرانيه والتي يجب أن تكون على رأس جدول أعمال حكومة نجاد . عبد الناصر قبل نجاد بنصف قرن زف البشرى للشعوب العربيه بقرب رمي إسرائيل في البحر وعودة الحق لإصحابه الذين أحتلت باقي أراضيهم عام 1967 بدلا من رمي دولة إسرائيل في البحر، وما زال هذا الشعب بقواه المنظمه يعمل على إنهاء نتائج سياسة عبد الناصر في إستعادة تلك الأراضي دون جدوى تذكر رغم كم التضحيات الهائل التي قدمها على مدار أربعة عقود ونيف، صدام حسين بدوره زف بشائره للشعوب العربيه بمحو نصف إسرائيل بسلاح " المزدوج " ولم يخبرنا أحد لماذا ليس كل إسرائيل، ولم يتمكن إلا من إطلاق عدة صواريخ ليست ذات أثر كان لها دواع وأهداف سياسيه خاصة بموقعه وصورته التي تم رسمها على أيدي مؤيديه من جماعة كوبونات النفط ، بالطبع كانت تلك سياسه تضليليه أخرى، الهدف منها كسب الشارع الفلسطيني والعربي المتعاطف مع أي دعوى مناهضه للإحتلال الإسرائيلي والسياسة الأمريكيه في المنطقه، مصحوبه بتبديد ثروات الشعب العراقي على وسائل إعلام صفراء وأقلام مأجوره بينما يرزح شعبه تحت طائلة الفقر الشديد كما تفعل حكومة نجاد الآن تماما .
هدف النضال الوطني الفلسطيني الواقعي الآن، هو، إستعادة الأراضي الفلسطينية المحتله عام 1967 بما فيها مدينة القدس الشرقيه لإقامة دولة مستقله عليها، وإيجاد حل عادل لمهجري عام 1948 ، وخصوصا هؤلاء المهجرين في مخيمات اللجوء في الأردن ولبنان وسوريا والعراق، مازال هذا الهدف هو الذي تسعى إليه الحركة الوطنيه الفلسطينية منذ أن أُقر في المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الثانية عشرة المنعقده في القاهره حزيران 1974 وتم إقراره لاحقا في مؤتمر القمه المنعقد في مدينة الرباط اكتوبر 1974 بعنوان البرنامج الوطني المرحلي، وما زال حتى الآن بعيدا عن التحقيق ضمن حجم الفعل الفلسطيني المحدود والذي عزز من تراجعه ذلك الإنقسام الذي أحدثته حركة حماس في جسد الحركة الوطنيه الفلسطينيه ومازالت منذ حزيران 2007، وإرتهان قرارها بدول ذات أجنده سياسيه بعيده عن الهم الفلسطيني . لايبدو تحقيق هدف الإستقلال الوطني في ظل الإنقسام الفلسطيني والتعنت الإسرائيلي سهل المنال، والخطوة الأولى على هذا الطريق تكمن في توحيد الصف الوطني وعلى قاعدة برنامج نضالي واضح المعالم بآلياته وأهدافه في شأن الأراضي المحتله ومستقبلها وإيجاد حل عادل للاجئي 1948، كما وإصلاح البيت الداخلي، منظمة التحرير الفلسطينيه، بمجموعة من الإجراءات تدفعها لأن تحتل موقعا مستقلا ومتوازيا مع حكومات الدول العربيه التي ليس لها سوى الدعم والتضامن مع المشروع الفلسطيني كما يقره أصحابه وتوفير الإمكانات السياسيه والإقتصاديه لدفع المجتمع الدولي نحو تبنيه وهو ما يمهد إلى إرغام إسرائيل على الإقرار بحق الفلسطينيين بالإستقلال وإقامة دولتهم بعاصمتها القدس .
مايهدد مستقبل النضال الوطني الفلسطيني الذي يهدف لإسترجاع أراضيه وتأسيس ودولته المستقله هو إستمرار الإستيطان الإسرائيلي وتحت حجج متنوعه في الضفة الغربيه والقدس الشرقيه، والمشروع الإسرائيلي وخصوصا مع الحكومة اليمينيه برئاسة نتنياهو يسير بإتجاه تقليص مساحة الأرض المتفاوض عليها إلى حدود يصعب إقامة دولة مستقله عليها قابله للحياة ومن دون القدس، ومن ثم دفع الفلسطينيين للقبول بالذوبان مع دول محيطه، قطاع غزه كجزء من مصر وما تبقى من الضفة الغربيه كجزء من الأردن، حزام المستوطنات الآن يسكنه أكثر من نصف مليون إسرائلي يحيطون بحوالي مليونين ونصف من الفلسطينيين بما فيهم سكان القدس الشرقيه، ومازالت عمليات الإستيطان مستمره إن في الضفه أو في القدس رغم التعهدات الأمريكيه ورغم ذهاب الفلسطينيين لمفاوضات غير مباشره وهو ما تؤاخذ عليه القياده الفلسطينيه بشده وإن كان هناك ضغوضات شديده مورست عليها، ومنها التهديد بقطع المعونات الإقتصاديه عن السلطه . خيار الذهاب لمفاوضات غير مباشره مع إسرائيل دون إيقاف عمليات الإستيطان وسياسة إبعاد الفلسطينيين عن الضفه الغربيه لم يكن موفقا، كان يجب على القيادة الفلسطينية التمسك لما روجت له خلال الشهور الماضيه ومعها الجامعه العربيه من أن لا مفاوضات مباشره أو غير مباشره مع إستمرار إسرائيل في بناء وحدات الإسكان والخدمات في الضفه الغربيه، ولا يفيد هنا بشيئ ربط تلك المفاوضات بسقف زمني أمده أربعة أشهر وكان يجب ربطها بإيقاف الإستيطان أولا .
إنسحاب إسرائيل من الأراضي المحتله عام 1967 وإقامة دوله فلسطينيه عليها كاملة السياده بعاصمتها القدس وإيجاد حل عادل لمهجري عام 1948 بضمان تنفيذ قرار الشرعيه الدوليه بحق العوده ، هو ما يستذكره الفلسطينيون في ذكرى تشتيتهم وسجنهم في الزنزانه 62 .
وإلى اللقاء في زنزانه تحمل رقم 63 .
#فيصل_البيطار (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟