أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نورس محمد قدور - فنجان القهوة














المزيد.....

فنجان القهوة


نورس محمد قدور

الحوار المتمدن-العدد: 3002 - 2010 / 5 / 12 - 08:53
المحور: الادب والفن
    


فنجان القهوة


كانت ليلى هناك مستلقاة على اريكتها، وسط أفكار تأخذها يمنة وترجعها يسرة، بين أمواج تلاطم سفينتها الصغيرة، في شط ماضيها العظيم، تحت شجرة اللوز التي زرعتها عندما كانت طفلة عمرها ثلاث سنوات وقد أمسك أبيها بيديها الناعمتين وغرسا تلك الغرسة التي أصبحت الآن مظلة لها ومتكأ وصديقةً وفيةً أيضاً تشتكي اليها ما أهمها. التفكير في الماضي عندها كان صعباً جدا لأنه يستمر لساعات ويمتد معها الى أين ما ذهبت أما التفكير بالحاضر فسيكون لبضع لحظات، وسرعان ما يضُاف الحاضر الى رصيد الماضي فتزداد ثروتها الفكرية المتعبة، انها أيام مؤلمة جمعت عليها المرض والحرمان والفقر وكل ما يخطر على البال من انشغال البال، أفكار تزاحم أفكار حتى كادت فكرة تخرج من رأسها كما تخرج الرصاصة ثاقبة الطرف الاخر، حتى اتعبتها وجعلتها هامدة ساكنة.
واذا برائحة زكية تخترق المكان والزمان والأفكار التي تجول بخاطرها، انها رائحة فنجان القهوة، يأتيها على طبق مزركش جميل لم ترى مثله قط وبيد شخصِ أشبه بالملاك ، أحبت فنجان القهوة وحامله رغم انه لأول مرة تراه وانه لم يتلفظ بأي بحرف، فرمت بتلك الافكار ورائها بعيدا وارتشفت رشفة من تلك الفنجان جعلتها تعيش في عالمٍ آخر وتحلق في جو من أجواء المستقبل الماطر بالأمنيات الذي لا تعرف عنه سوى انه الغد، فتعيش تلك اللحظات مع قهوتها بسعادة لم تشعر بها من قبل وتسعد وتفرح وتضحك وتقهقه، وفجأة سمعت إحدى جاراتها صوت ضحكتها يناطح النجمات فأصابتها الدهشة وسرعان ما أتت عندها وسألتها ليلى ما بك؟ لماذا تضحكين؟ ليس من عادتك! قالت ليلى: ببراءة الاطفال انني اشرب القهوة، فقالت تلك الجارة أم كريم: إن كانت القهوة قد أسعدتك هكذا اسمحي لي أن ارتشف رشفة عل السعادة تسكب في أيامي قطرات منها، فأخذت أم كريم تلك الفنجان ووضعته على شفتيها وأخذت رشفة صغيرة فانهالت عليها الأفكار وانتابتها نوبة من البكاء حتى بدأت تجهش، فقالت ليلى مابك؟ قالت لقد تذكرت آخر مرة شربت فيها القهوة كان مع زوجي المرحوم يوم وفاته صباحاً، ونحن نشرب القهوة ورائحتها الفواحة عطرت أرجاء الغرفة وكنت ابث له ببعض همومي ومشاكلي المادية عله يلقى له عملاً إضافياً بعد وظيفته ودكانه، وقبل ان أنهي حديثي لم أراه إلا و بدأ يغرغر لافظاً أنفاسه الأخيرة ومودعاً الحياة وقتها أصابني الذهول ولم أدري ما أفعله الى أن أتى الطبيب وأخبرني بأنه توفي، وقبل أن تنتهي رائحة القهوة من الغرفة ملئت رائحة البخور المكان وبدأت الاصوات ترتفع على وفاته المفاجأة الذي لا يعرف أحد سببها. و خرجت أم كريم مسرعة من عند ليلى وهي تمتم ربما كنت انا سبب في وفاته.وأكملت ليلى شربها لتلك الفنجان وتلك الضحكة التي لطالما افتقدها كثيراً، وفي آخر رشفة في فنجان قهوتها الأولى قد سقطت على فمها ثمرة لوز فايقظتها من غفوتها تلك، فامسكت بتلك اللوزة وكسرتها واذا بها فارغة فجعلتها تعود لماضيها والتفكير به لولا أنها تذكرت فنجان القهوة ووعدت نفسها أنها ستعيش صباحاً جديدا يحمل الصمت الصادق من التفكير والكلام وتبدأ كل يوم بفنجان قهوة من يديها يحمل فجراً مشرقاً.


"القهوة هي مفتاح النهار
هي أن تصنعها بيديك لا أن تأتيك على طبق لأن حامل الطبق هو حامل الكلام
والقهوة الأولى يفسدها الكلام ‏الأول لأنها عذراء الصباح الصامت، الفجر نقيض الكلام ورائحة القهوة تتشرب الأصوات ولو كانت تحية رقيقة ‏مثل صباح الخير وتفسد....‏"*

***********************************************
*: محمود درويش



#نورس_محمد_قدور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معالم بيتنا!
- الغزال الشارد
- ساعات الأمل
- عودة الكلمات
- المغتصبة
- وردتي الجميلة
- الفرحة الناقصة
- طفولة أجمل لمستقبل أفضل
- مستقبل أفضل لطفولة أجمل
- ليتني
- مولد الشمس
- فن التعايش: فن الممكن أم المستحيل؟
- (ألستروميريا)
- جعلتني أحب الحياة(قصة قصيرة)
- أيها الآتي من بعيد
- كنوز الدنيا أمك
- ميلاد حبك
- ****لاتغتر****
- امبراطورية الثروة:التاريخ الملحمي للقوة للاقتصادية الامريكية ...
- *** الحب للجميع***(قصة قصيرة)


المزيد.....




- قبل إيطاليا بقرون.. الفوكاتشا تقليد خبز قديم يعود لبلاد الهل ...
- ميركل: بوتين يجيد اللغة الألمانية أكثر مما أجيد أنا الروسية ...
- حفل توقيع جماعي لكتاب بصريين
- عبجي : ألبوم -كارنيه دي فوياج- رحلة موسيقية مستوحاة من أسفار ...
- قصص البطولة والمقاومة: شعراء ومحاربون من برقة في مواجهة الاح ...
- الخبز في كشمير.. إرث طهوي يُعيد صياغة هوية منطقة متنازع عليه ...
- تعرف على مصطلحات السينما المختلفة في -مراجعات ريتا-
- مكتبة متنقلة تجوب شوارع الموصل العراقية للتشجيع على القراءة ...
- دونيتسك تحتضن مسابقة -جمال دونباس-2024- (صور)
- وفاة الروائية البريطانية باربرا تايلور برادفورد عن 91 عاما


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نورس محمد قدور - فنجان القهوة