|
مسيرة المليون / شهود على ما حدث في أثينا
سيمون خوري
الحوار المتمدن-العدد: 2997 - 2010 / 5 / 6 - 12:07
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
صباح الأربعاء الخامس من أيار / مايو 2010 كان الشارع اليوناني على موعد مع الشارع ، دفاعاً عن الديمقراطية ، وحقوق العمال والمتقاعدين وكافة الفئات الشعبية ومتوسطي الدخل والعاطلين عن العمل. بل كان على موعد للدفاع عن مستقبل الأجيال الجديدة من التوحش الرأسمالي ، وما إطلق عليه " حزمة الإجراءات التقشفية " الإقتصادية الجديدة للتغلب على الديون اليونانية المتراكمة . منذ الصباح الباكر ، بدأت فئات شعبية عديدة بالتجمع في ثلاث مراكز ، الأول يمثل الحزب الشيوعي اليوناني وأنصاره في ميدان " أومونيا " وسط العاصمة ، والثاني يمثل إتحادات النقابات العمالية ، في ساحة ميدان " مصر " . والثالث يمثل إئتلاف اليسار اليوناني "سيريزا " قرب مبنى كلية الهندسة الشهير الذي إنطلقت منه شرارة القضاء على الحكم العسكري في العام 1974 إنطلقت مسيرة الحزب الشيوعي وأصدقاءة ،في الساعة الحادية عشر والنصف . وبمشاركة العديد من المواطنين العاديين غير الحزبيين أي ليسوا من الإطار الحزبي . تتقدمهم السيدة " باباريكا " الأمين العام للحزب وعدد من قيادات المنظمات الجماهيرية . تميزت المسيرة بالإنضباط والهدوء وتجاوزت شارع البنوك دون أن تسجل أي حادث إخلال بالأمن العام ، أو بممتلكات المواطنين . الى جانب عائلتي وأصدقائي ، رافقنا مراسل إحدى محطات التلفزة البريطانية . وعلى الطريق دار حوار واسع مع مراسل المحطة حول سبل الخروج من الأزمة الإقتصادية في أوربا ، وكان حواراً مسجلاً . عندما وصلنا الى ميدان " السيندغما " أو ساحة الدستور التي تضم مبنى البرلمان ، إنضمت الينا مراسلة وكالة الأنباء الدانمركية السيدة " أن نورنتوف " والزميل الصحافي الفلسطيني " محمود خزام " وكنا في مواجهة مبنى البرلمان مباشرة .نشاهد بالعين المجردة ما يحصل الى جانب عدد كبير من مراسلي الصحافة العالمية . عناصر الشبيبة الشيوعية ، أقامت سياجاً بشرياً لمنع أية حوادث أو وصول البعض الى الحرس الجمهوري أو الى النصب التذكاري لضريح الجندي المجهول . الهتافات كانت تطالب بمحاكمة المسؤلين عن الفساد من حكومة اليمين السابقة ، وتدعوا الى إجراء إستفتاء شعبي على قرارات التقشف الجديدة قبل إقرارها من قبل البرلمان ، لأن حزب " الباسوك " له أغلبية مريحة تمكنه من التصويت على أية قرارات حكومية . حتى رغم معارضة كافة القوى السياسية الأخرى . ولم تسجل أية حادثة مخلة بنظام الأمن العام ، أو خارج نطاق مبدأ الإجتجاج الديمقراطي .أو إعتداء على ممتلكات المواطنين أو حتى مجرد تعبيرات غير لائقة أوشعارات تدعو للعنف ، حسب ما جاء في إدعاءات أقصى اليمين المتطرف المعادي للإجانب . إنتهت مسيرة الحزب الشيوعي في الساعة الواحدة والنصف ، ضمت المسيرة نحو نصف مليون شخص ، وليس كما صورته بعض وسائل الإعلام الأخرى . فإذا كان تقرير الشرطة اليونانية يشير الى نحو مائة ألف ، فما هو الهدف من إعتبار أن عدد المشاركين لا يتجاوز الخمسين ألف متظاهر كما ورد في بعض المحطات التلفزيونية " العربية " ..؟ ثم تلتها مسيرة إتحادات النقابات العمالية ، يتقدمهم القادة النقابيون ، وأيضاً بصورة منظمة . ثم الثالثة مسيرة اليسار اليوناني " سيريزا " . خلال مسيرة الإتحادات النقابية .حدثت بعض أعمال شغب ، حيث ألقى شابان وفتاة زجاجة مولوتوف على مبني بنك " مارفن " الواقع في شارع البنوك . حسب ما جاء في تقرير الأمن اليوناني . مما أدى الى إشتعال حريق كبير . ولم تتمكن فرق الإطفاء من الوصول في الوقت المحدد بسبب كثافة الحشد البشري . مما أدى الى وفاة ثلاث موظفين لم يتمكنوا من مغادرة مبنى البنك . وهم موظف وسيدتان إحداهن " حامل " هذه الحادثة هي التي أدت الى حدوث إحتكاك بين المتظاهرين ورجال الأمن . السيدة " باباريكا " أمينة الحزب الشيوعي في الجلسة المسائية للبرلمان اليوناني ، إعتبرتها حادثة مفتعلة الهدف منها تشوية صورة اليسار اليوناني عموماً ، بل أكثر من ذلك وجهت أصابع الإتهام الى أحدى المنظمات اليمينية المتطرفة المعادية لليسار واللإجانب . وعملياً عند وقوع الحادثة المؤلمة كانت مسيرة الحزب الشيوعي قد أنتهت والمسافة الفاصلة بين مكان إنتهاء مسرة الحزب ومكان الحادثة بعيد جداً . كذلك في ذاك الوقت لم تبدأ فيه بعد مسيرة اليسار اليوناني " سيريزا" التي كانت بإنتظار إنتهاء مسيرة النقابات العمالية . من الناحية العملية فإن هدف إشاعة الفوضى في مسيرة الإحتجاج هو حرف الإنظار عن الهدف السياسي للمسيرة وتحولها الى قضية أمنية وفوضى أدت اى مصرع المواطنين الثلاث . وبالتالي يصبح هنا مصرع هؤلاء هو الخبر الأول في الصحافة العالمية والمحلية ، وليس معارضة الأجراءات الحكومية . بل وتحميل اليسار مسؤلية ما حدث ، في الوقت الذي لم يسجل فيه أي سلوك غير إنضباطي في مسيرة سواء الحزب الشيوعي اليوناني أو اليسار اليوناني عموماً . الهدف هو تشوية صور اليسار ، ومحاولة التقليل من صورة حجم المعارضة الشعبية لإجراءات الحكومة ، وللسياسيات الإقتصادية الفاشلة لصندوق النقد الدولي والأوربي معاً . ربما من المبكر جداَ الحديث عن النتائج المتوقعة لتحرك الشارع اليوناني ، لأنها لازالت في بداياتها الأولى . حيث على ما يبدو أن الشرارة تقترب من حدود البرتغال واسبانيا . وترى هل الشعار الذي رفع على مبني الأكربوليس التاريخي " ياشعوب أوربا أنهضي وتوحدي " قد يصبح شعاراً موازياًً لشعار ياعمال العالم إتحدوا ..؟ ونحن في شهر أيار / مايو . أسئلة عديدة تطرحها مسيرة المليون، هل إنتقلت أوربا من حالة الإحتلال العسكري الألماني الى الخضوع للإحتلال الإقتصادي الألماني – الصيني ، والى أي خراب عالمي سيؤدي تغير تحالفات الرأسمال العالمي في صورته الجديدة . ثم السؤال الأكبر ما هو مستقبل الإتحاد الأوربي .. هنا جوهر القضية . وللحقيقة فإن الأزمة الإقتصادية اليونانية هي جزء من أزمة النظام الإقتصادي العالمي القائم على أساس نظام نقدي جشع يبقي البلدان الفقيرة ، فقيرة ، بل ويحولها الى دائن دائم . أو بالأحرى يحول الشعب الى خادم للراسمال العالمي وبورصاته . وسوقاً لتصريف منتجات الشركات الكبرى ، التي إستثمرت ولا زالت رأسمالها في إنتاج بضائع ذات تكلفة متدنية في بلدان جنوب شرق اسيا والصين ، حيث تتوفر العمالة الرخيصة وعامل إستغلال الزمن لتحقيق معدلات إنتاج مرتفعة قياساً بالأسواق الوطنية . وكلما زاد الإنتاج أنخفضت التكاليف . المهم أن الأزمة اليونانية ليست هي الشاهد الوحيد على عمق أزمة النظام الإقتصادي العالمي ووصول برنامجه الى أفق مسدود ، بل هناك بلدان أخرى على الطريق مثل أسبانيا والبرتغال وإيرلندا وبريطانيا . هناك ازمة بطالة عامة متزايدة ، وإنخفاض في معدلات الأنتاج المحلية ، مقابل تضخم البنية الإدارية الحكومية . التي تستهلك ما يفترض أن يشكل تراكماً إقتصادياً في الميزان التجاري للبلد . السؤال يبقى قائماً هل نحن أمام ولادة عصر جديد لأوربا جديدة . أو موديل جديد يجمع بين إيجابيات النظام الإشتراكي ، والرأسمالي في توليفة جدية تراعي تطور العصر والتكنولوجيا ..؟ نقطة أخيرة : في منطقتنا " العربية " لو خرج الى الشارع فقط عشرة ألاف متظاهر .. لما بقي " حاكم " واحد في موقعه الأبدي لساعة واحدة فقط .. إنها ثقافة النضال المطلبي ، ثقافة المطالبة بالحقوق السياسية والإجتماعية ، وليس الخنوع والخضوع والخصي ، وأطيعوا أولي الأمر منكم .
#سيمون_خوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مارغريتا .. آه ..يا مارغريتا
-
مشاعية - الجنة الفردوسية - / حرية جنسية - مساواة إجتماعية -
...
-
من هي - المومس - المجتمع .. أم بائعة الهوى ..؟
-
عندما - يتغوط - العقل / تصاب - المؤخرة - بالصداع ..؟
-
إذا كان ( الإله) ليس وهماً.. / فهو ملحد ؟
-
قبيلة - الماساي - الأفريقية/ ومعابد - الإلهه- في مالاوي
-
عندما يتحول الدين الى / فلكلور للفرح والمحبة
-
لماذا إختفى مفهوم الرجعية / من أدبيات اليسار ..؟
-
من إسراطين ..الى نيجيريا / حوار هادئ مع الأخ العقيد القذافي
-
ما بين أحفاد السيدة - ماكبث -/ وبقايا ماري إنطوانيت ..؟
-
مؤتمر - قمة - العائلات الحاكمة / في العالم العربي
-
ببغاء - السيدة مرتا - / وأبونا الخوري..؟
-
برج - الأسد -
-
إعلان- الجهاد - النووي ..؟
-
هل - الملائكة - سعاة بريد / لتوزيع النصائح ..؟
-
تلميذ في الإبتدائية .. مدير جمعية تعاونية ..؟
-
أنت ... كافر ونص ..؟
-
رقص - هز - البدن ..؟
-
البحر ... يلد النساء ...
-
ثقافة - صباح الورد -
المزيد.....
-
السعودية.. فيديو يشعل تفاعلا لشخص وما فعله بمكان عام والأمن
...
-
-بلومبيرغ-: شركات العملات المشفرة تبرعت بملايين الدولارات لح
...
-
من هنأ الشرع من القادة العرب بتنصيبه رئيسا لسوريا للمرحلة ال
...
-
-هذه هي المرة الأولى التي ألمس فيها أبي-، شابة فلسطينية تلتق
...
-
حماس تفرج عن المجندة الإسرائيلية آغام بيرغر وسط مشاهد مؤثرة
...
-
تحذيرات من تسرب فيروسات خطيرة من مختبر أبحاث في الكونغو بسبب
...
-
فيروس زيكا يتلاعب بالبيولوجيا البشرية لضمان بقائه!.. كيف يفع
...
-
-متلازمة الجلد المحمّص-.. عواقب التعرض الزائد لمصادر التدفئة
...
-
علماء يعثرون على قيء متحجر من عصر الديناصورات في الدنمارك
-
القمر ليس ميتا! .. دراسة تكشف عن نشاط جيولوجي حديث
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|