داليا علي
الحوار المتمدن-العدد: 2988 - 2010 / 4 / 27 - 23:08
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
من خلال المتابعة ورصد لغة الحوار لغة المتحاورين سواء في المقالات او التعليقات استطعت ان افهم الكثير عن الأشخاص وخاصة بعد القراءة المتأنية في ثنايا علم النفس والفلسفة والعلوم الإنسانية وهي احد هواياتي الأساسية.. فمن خلال المقالات والتداخلات يتكلم الأفراد عن أنفسهم وبعض التجارب التي مروا بها وهي كما نعلم أساس فكر الإنسان بخلاف البيئة التي يتربي فيها والمجتمع القريب والمحيط به.. ولذلك من خلال إفصاح البعض عن بيئتهم وبمقارنة البيئات المتشابهة نجد تجارب متشابهة وبالتالي تتكون لغة وألفاظ وقيم وأخلاق وقيم تكاد تكون متشابهه حتى مع اختلاف البلدان.. مما يؤكد علي ما تتركه ظلال البيئة علي الإنسان في أي مكان.... وتأثير البيئة القوي علي الأخلاق والقيم والتي تشمل الألفاظ الدلالات والحركات وما يقبل علي انه فعل مقبول مجتمعي او فعل شاذ مستهجن... ولذلك يسهل معرفة البيئة المشتركة التي تجمع مجموعات تشترك في مستوي وألفاظ واتجاه وشكل التعبير في تعليقاتها وبالتالي تستسيغ قيم وأخلاق وما يتم قبوله من ألفاظ أو أفعال تعكس المستوي الاجتماعي والبيئي المشترك لهم,, يكاد يكون التذوق واحد والأسلوب والأفعال حتى وان كانت تمثل قمة الشذوذ تكاد تكون مقبولة ومستحسنة وطرقة قبولها واحده بطريقة فعلا تدعوا للدهشة والعجب والتعجب خاصة عندما يلاحظ كيف تشد البيئة الواحدة أمثالها حتى ولو حاولوا الخروج منها بطريقة خفية تجدهم مشدودين للأسلوب والألفاظ والحركات والأفعال والسكنات وحتى الأماكن الخاصة بالطبقة والمستوي الاجتماعي
فعلا خلفية الإنسان ومحيطة ومعارفه وتجاربه التي يمر بها في حياته والتي يتشارك فيها مع محيطة بمن فيه هي التي تكون الإنسان وفكره وذوقه وما يقبله او يرفضه.. والغريب أيضا ان نفس جراحهم تكون واحدة وشروخ نفسهم وهي غالبا ناتج البيئة الخاصة بهم. .. وفي اغلب الأحيان يكون من الصعب علي كل مجوعة التعامل مع الأخرى.. فدائما ما يبق هذا الحاجز البيئي عائق بين خاصة علي الطبقة الأعلى... بينما في الطبقات الأقل في بعض الأحيان تكون حافز للصعود ولكن مما لا شك فيه ان كل طبقة تجد الراحة والألفة في تشارك لغة وتجربة مشتركة وكل دائما يحن ويميل لبيئته ودرجته الاجتماعية
ولكي اقرب الموضوع والإشكالية التي أحاول شرحها... لنحاول تخيل مجموعتين من البشر. في مصر عندنا نجد الزمالك يقابلها بولاق وشبرا يفصلهما نهر النيل بينما يفصلهما بيئيا ومجتمعيا أميال وأميال وهوة ثقافية واجتماعية عالية جدا... المعادي ودار السلام شارع بينهما يحمل في طيته فارق غير قابل للقياس
لنتخيل فتاتين كل واحدة تعيش في ناحية تمثل لبيئة المختلفة ولنحاول التعرف علي العالم المجتمعي والعائلي وعالم الأصدقاء والبيئة الكلية التي تعيش فيها كلاهما ويعيش وعاش فيها اغلب من يعرفوهم وخاصة ان كما يقولون الطيور علي أشكالها تقع ومن الصعب الخلط بين البيئات المختلفة كما قلنا ولنحاول فهم نوعية الاختلاف بينهما ولم يصعب ان يكون بينهم أي لغة مشتركة ولا تجارب ولا قاموس لغة يسهل فهمه بينهم بينما يسهل ويتشارك كل منهما مع مشابهين من نفس البيئة والثقافة والتربية,, لو قارنا فروق البيئة وتأثيرها علي كل منهم وعلي من حولهم
فالأولي هي وأهلها تربوا في حارة تري أمها خالتها وعماتها يلبسوا الملاءة اللف ويجلسوا علي الطشت تعايشت هي و أهلها من بيئة الحارات حيث الأماكن مزدحمة متداخلة ضيقة كئيبة يعم فيها الجهل والعادات التي تفتقر لأي نوع من التحضر. يتناول اهلها لغة تمتليء بألفاظ وسباب وألفاظ خادشه للحياء كنوع من الرجولة يعدونه نوع من الهزار وإظهار القوة والرجولة.. تردح فيه السيدات كنوع من أنواع الدلال وفي نفس الوقت السطوة والدفاع ولنحاول فهم كيف ان هذه الخلفية لابد وان تصبغ وجدان وفكر صاحبها بظلال الجهل والعادات السيئة واستساغة وقبول تلك الألفاظ المتداولة والتي تعتاد الإذن سماعها فتقبلها ولا تجد فيها اي غضاضة او شذوذ فتغيب مظاهر قبحها عند ارتدائها ثوب العادة والتكرار....ولنفهم كيف ان مظاهر الذل والقهر والحقد علي الآخرين التي تسود الكثيرين في هذه الأجواء علي من هم خارج تلك الأزقة الضيقة بروائحها وشخوصها الشاحبة تؤثر دون قصد علي هذه الفتاه في هذا الجزء من العالم وكيف تتعامل مع الرجل كمسيطر متحكم وتري الأب والخال والعم وقد يصل للأخ فتصبغ مجتمعهم بصبغتها الذكوريه التي تنبثق من وضاعة البيئة والمجتمع والتعليم والتي تعظم من سطوة الجهل علي الفكر متمثل دائما في سطوة الرجل علي المرأة واللجوء لاحتقارها لإثبات الرجولة التي تضيع منه تحت وطأة الجهل والحاجة والشعور بالهوة السحيقة بينه وبين ساكني الشوارع الكبيرة.. ... فلو رجعنا بالزمن 50 او 60 سنة لوجدنا هذه هي الصورة التي كانت فيها أمهاتهم وخالاتهم وعماتهم وأمهات صديقاتهم وهي التي كونت فكرهم وتجربتهم في الحياة وطريقة فهمهم لها وبالتالي تصبغ تفكيرهم ورؤيتهم للأمور وحكمهم علي الأمور ..... وكما قلت لو رجعنا بالزمن 50 او 60 سنة وعاينا كل هذه النزعات الذكورية وكل عوامل قهر المرأة التي سادة في هذه الفترة سنجدها كما شرحت ناتج البيئة والجهل والفقر وطريقة التربية والنظرة المتوارثة والمعتقدات الخاصة بالمرأة وهي ما تفرق كثير علي نفس النظرة حتي في البلاد الخارجية لنفس الطبقة.سنجد نفس الطبقة كانت المرأة في نفس الوقت تلاقي الهوان من الأب والأخ في هذا المجتمع المتخلف ذو السطوة الذكورية التي تنميها بجانب العادات والتقاليد مظاهر الجهل والقهر... ولو حاولنا ربطها بعوامل الدين كما يحاول رجال وسيدات اليوم بينما يسردوا قصصهم لا تختلف عما سردته هنا عندما يحاولوا ربط هذه النزعة الذكورية وعملية القهر للمرأة بالدين يكونوا في هذا محاولين صبغ الماضي يحاضرهم الذي يرفضوا به الدين اليوم... وهو واثقين ان كانوا فعلا علميين ان ما كان الدين في ذاك الوقت له اي تأثير علي فكر وتصرفات هذه الفترة التي يصروا علي ربط أسباب وذكريات قهرها ودونيتها بالدين بينما السبب الرئيسي هو الثقافة والبيئة والمناخ والتعليم, فلو حللنا أكثر لتذكر هؤلاء المغرضين كيف ان إبائهم وأجدادهم يكادوا يكونوا غير مصلين وغير مدركين او متابعين لأمور الدين التي انتشرت اليوم بحكم الوهابية والفضائيات والتعليم فلو نظرت نظره أي منهم موضوعيه لما وجدت الأب الذي سحقها سحقها لكونها عار ولكن لكونها امرأة ولكونها عليها في فكره ان تخدمه كرجل فحتي المرأة في هذه المجتمعات حتي لو كانت تعمل ولو كانت ذات دخل يفوق الرجل هذه المرأة عليها ان تنحني لولي نعمتها الذي سترها ... سترها ليست لأنها عار ولكنها عبء علي أهلها, وما كانت تلك التي تقهر بدون حجاب ولا يفرض عليها ولا يفكر حتي في ان تلبس الحجاب, فما طلب من الام او الخالة والعمة الحجاب ولكنها قهرت وسحقت لكونها امرأة بنظرة مجتمع وبيئة لها كما سبق وشرحت
ولننتقل للناحية الأخرى من النهر وفي نفس الزمان كان في الجانب الأخر مجتمع مختلف تماما... فبينما كانت هناك المرأة التي تقعد علي الطشت كان هناك من يمتلأ بيتها بالخدم.. بينما كان في المرأة التي تتلق التعليم في المدارس الحكومية بين طبقات مقهورة معوزة كان هناك من تتعلم في المدارس الأجنبية الداخلي نعم من 50 او 60 عام سبق تلعب التنس وتلبس الشورت وتركب الخيل وتتعلم اللعب علي البيانو تقرأ الشعر العربي والفرنسي وتحضر عروض الاوبرا وام كلثوم درة المجتمع ...بينما كان هناك من تلبس الملاءة اللف كان هناك من تحضر عروض الأزياء الحديثة وتحضر حفلات المسرح
فبينما تتربي الأولي كطفلة في حارة تلعب مع اقرأنها بالشوارع ويخالطوا مستويات مختلفة وتصل لأذانهم بحيث تمثل جملة معارفهم وقاموس كلماتهم المقبول تلك الألفاظ التي تعتبر في الطرق الأخر من الثانية قمة الشذوذ والوضاعة وسوء الخلق يصعب سماعها بينما يحلوا سماعها ويطرب الإذن للأولي بينما تنمو الأولي وهي تتطلع بشغف للخروج منها وينتظروا يوم الجمعة ليذهبوا لحديقة عامة هناك تكون الثانية تمارس أنواع الرياضة بالنوادي ويتعلموا علي يد الخواجات شتي المعارف العالمية,, تنموا الأولي في ظل تطلعاتها وتعوذ أسباب قهرها لكل ما حولها بينما لا تري الثانية أي مظاهر للقهر, او أسباب تقلل من شأن المرأة بينما تري الأولي كل أسباب هوان المرأة في كل تصرف وكل فعل وكل نتيجة للفعل لكن هل الدين هو السبب... هل الدين كان سبب هوان الأولي وأمها وخالتها وعماتها ام الفقر والجهل والبيئة, هل الدين هو الذي منع أمها او خالتها او عمتها من التعلم او العمل ام الثقافة والتعليم المرتبط بالبيئة
ولنعود مرة أخري لهن فبينما كانت الأولي تتلق العلم بعد صعوبة اقناع للاب ليس بسبب الدين ولكن العادة والموروث والثقافة تتلق العلم في مدارس بها أعداد يصعب معها الفهم والمعرفة فتشعر بالحقد والحنق والدونية كانت الثانية تتعلم في المدارس الأجنبية وعلي أيد معلمين أجانب يفتحوا العقول والفكر والوجدان والثقافة علي العالم كله فتفقد الأولي كل مشاعر الأمن والأمان والنظرة الموضوعية بينما تنموا الثقة في النفس وشتي المعارف في الثانية بينما تنموا داخل الأولي بحكم ساكن الحواري وتسلط المجتمع الذكوري والثقافة الذكورية في تلك المجتمعات فلا تنمي غير مشاعر الغضب وعدم الرضا والشعور الدائم بالقهر والدونية لكونها امرأة بينما تعتز الثانية بأنوثتها وتثق في عقلها وفكرها ومكانتها المجتمعية التي تنبثق من بين ثنايا بيئة مختلفة تماما. بينما كان هناك من كان عليها ان تخدم كل رجالات العائلة مع الأم وتحس بكل مشاعر الغضب والدونية من أب يسحقها فقط لكونها أنثي كما يسحق ويمتهن والدتها وكما تمتهن وتسحق العمة والخالة وأمهات الصديقات وكلهن صابرات راضيات مستورات كما قلت فقد قد يكن عبء بالأساس علي الأهل,, كان هناك في الناحية الأخرى من يخدمها الرجال بينما تري من تسحق روح الوالدة والعمة والخالة يوميا من الرجل بحكم البيئة والمعتقدات والتعليم كان هناك من تتربي في مجتمع تسود فيه المرأة وتغلب ولها الكلمة الأولي ترتاد المسارح والسينمات وحفلات ام كلثوم تسافر ويخدمها الرجال .. بينما كل فعل وحركة وتجربة تسحق روح طرف تكون كل حركة وتجربة وحركة تنمي روح وثقة طرف أخر
ولو حللنا وحاولنا معرفة دور الدين في الحالتين لما استطعنا رؤية اي دور جوهري له من 50 الي 60 عام مضي ويمكن حتي اليوم فلا هذه التي سحقت في بيئة متخلفة سحقها الدين ومنع تعلمها وخروجها وحريتها وثقتها فلم يكن الدين هو من قهرها ولكن من قهرت هنا قهرت بسيف الجهل والبيئة,, ومن حصلت علي كل الحرية والتعليم والثقافة ما كان الدين لا عائق ولا محفز
وعليه فاختلاف البيئة هو المكون الأساسي وللأسف الدين ما كان له اي ظل علي الطرفين .. ولذلك بينما تري من اتيح لها كل شيء الدنيا بمنظار جميل مقبول تري الأخرى كل قهر الدنيا في كل حركة وسكنة وفعل,, ولا تجد شماعة تعلق عليها قهرها كله غير الدين متناسية بيئتها متناسية بعد من قهرها عن اي مظاهر دينية متناسية انها تجرعت كل ما تجرعته فقط لأنها امرأة في بيئة متنية وللأسف ما يفلح العلم في إعادة ترتيب عقول من سحقت روحهم واستسلموا وما تحركوا ولكي يبرروا تخاذلهم واستسلامهم ونواحهم المستمر دون حراك او تغيير او فعل يبرروا هذا بعجز الدين ورهبة الدين فيزدادوا جهلا علي جهلهم ويزدادوا قهرا وقمعا وتعاسة عما كانوا
ولذلك عندما اسرح بخيالي واري التاريخ وأحاول تذكر الأم والعمة والخالة وحياة الأسرة لا أجد إلا السعادة والقوة والجمال لا أجد غير بيت أعطي حرية الاختيار في كل شيء من اللبس حتى الزواج والتعليم... بيئة كاملة أعطت كل من حولي الحرية والثقة تكرم المرأة وتعاملها ند بل تكرمها وتحترمها بحكم الثقافة والبيئة التي تدعوا لهذا... أجد الأم والخالة والعمة متعلمة متحررة تلقت العلم والثقافة تعلمت الفن وتذوقته أجد أب عطوف مقدر أب علمني الرقص الراقي وليس هز البطن الذي يمتهن المرأة أب كان فخره ان أكون بجانبه أخ مساند عطوف أصدقائه مازالوا هم العون لنا حتى اليوم زوج تعلم الشطرنج كشرط لقبول التحدث معه وعليه اعلم لم لا يظلل تفكيري تلك البؤر السوداء التي يصطبغ بها فكر من عاشت تلك البيئة وخطت بخطوطها السوداء في عقول الأخريات المدعيات ان أسباب قهرهم الدين بينما يعلموا علم اليقين انه البيئة والتربية والثقافة التي عاشوا بها وفيها هي التي صبغت وجدانها وقهرت وسحقت الآدمية بداخلهم .. وافهم لم يتكالب علي نفس التجربة ويستسيغها من عاشوا تلك البيئة وافهم لم يستخدموا تلك العبارات والألفاظ التي تعودوا سماعها واستساغوها ولم يلفظها من عاش بعيد عن تلك البيئة الغربية ولكن مرة أخري الشيء الذي لا افهمه هو لم الكذب وخداع النفس وربط قسوة حياتهم وضأله بيئتهم بالدين وليس المجتمع والجهل وكيف سيصلون لحلول لمشاكلهم ان كانوا ما يواجهوا أسبابها الحقيقية
#داليا_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟