داليا علي
الحوار المتمدن-العدد: 2954 - 2010 / 3 / 25 - 00:47
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
]دعوني اشارككم القراءة في كتاب "Hugh Kennedy ( The Great Arab Conquests, How the Spread of Islam Changed the World We Live IN) " وهو كتاب أمريكي حديث 2007
والكتاب في مجملة يتحدث عن المائة عام الأولي بعد وفاة الرسول وهي الفترة التي تمت فيها كل الفتوحات الإسلامية الفترة التي تحوله فيها كل المستعمرات البيزنطية والفارسية لدولة إسلامية واحدة من الشرق للغر وحتى اسبانيا مائة عام غيرت مجري التاريخ كله
ويستهل كتابة بمقدمة يعرض فيها مقولة الراهب جون بار بنكايا الذي قرر في العام 680 ان يكتب عن الأحداث الدائرة حوله وكان اكبر ما يميزها هو ذاك الامتداد الإسلامي, ولذلك كتب متعجبا كيف لرجال عرايا يركبون الخيل حتى بدون سرج كيف لمن لا يملك القوة ان يكون له الغلبة والقدرة علي القضاء علي الإمبراطورية الفارسية بكل قوتها وعظمتها وجيوشها وتوغلها لسنوات في بلاد وبلاد؟؟؟؟؟؟؟ وهو سؤال مازال الغرب محاولا البحث فيه حتى يومنا هذا, ليس فقط كيف تغلبت علي الإمبراطورية الفارسية ولكن كيف ما مضي اقل من مائة عام وكان كل العالم تحت راية هؤلاء القلة الضعيفة كيف تغلب هؤلاء علي اقوي إمبراطورية امتدت ازرعها مسيطرة علي البلاد لأكثر من 900 عام الا وهي الإمبراطورية البيزنطية... بالنسبة للقس الراهب جون بار كان الجواب واضح وجلي "انه الرب" فما كان لتلك القوي ان تسقط بكل عتادها وتسلحها ودرايتها القتالية وأموالها وقوتها لهؤلاء القلة المعدمة الفقيرة الغير مسلحة والغير مدربة علي أساليب القتال ما كان من الممكن ان يتم الغلبة مع خلل موازين القوة بغير وجود قدرة وقوة اكبر الا وهي قوة الإيمان
فالعبرة هنا ما كانت بقوة التسليح والعداد والمنطق ولكن لقوة خفية الا وهي قوة الإيمان ودعم الله لهؤلاء فلا شيء غيرها قادر علي قلب الموازين المنطقية للغلبة والقوة الا وجود الله. فما كان من الممكن لجيوش لا يتعدى قوامها 20000 رجل علي أحسن تقدير واكبر عداد ان تجتاح تلك الساحات الشاسعة ويخضع لها كل تلك البلاد في ذاك الزمن القصير... وكيف استطاع القلة القليلة من العرب ان يحافظوا علي تكوينهم ولغتهم في خضم كل هذه المساحة واللغات والنزعات التي تفوقهم عدد وقوة وامتداد ... فمع كل ما مر من إمبراطوريات وقوي من المغول للاسكندر للدولة البيزنطية والفارسية التي امتدت في الاحتلال لقرون ما امتد اثر ولغة وفكر اي منهم بعد قرون من السيطرة علي أي جزء من العالم واندثر أثرهم وذهب بذهابهم بينما امتد المد العربي لغة ودين حتى تاريخنا هذا. فمن المعروف ان سوريا كانت تتكلم اليونانية والآرامية, والعراق الفارسية مع الآرامية ومصر اليونانية والقبطية, وشمال أفريقيا اليونانية والبربرية, وكانت سرعة التحول ومساحة البلاد التي تحولت مهولة ليس فقط مساحة البلاد العربية الحالية ولكن اسبانيا والبرتغال وازباكيستان وتركيا والسند وأفغانستان امتد فيهم الإسلام في اقل من 100 عام من وفاة رسول الإسلام, مساحات شاسعة وسرعة كبيرة تكاد تشابه اجتياح الاسكندر وجنكيز خان وان كان الوضع يختلف في ثبات واستدامة الإسلام بينما انتهي وتراجعت الفتوحات الأخرى بالعكس فمصر تمثل الان اكبر قوة عربية وإيران من اقوي القوة الإسلامية تراجعت اللغة في إيران وبقي الإسلام بينما مصر استبدلت اللغات الدخيلة اليونانية التي كانت تحكمها بالعربية مثلها سوريا والعراق وشمال أفريقيا البلاد التي كانت تحكم وتدار بغير لغتها الأصلية وإنما بلغة المحتل تخلصت منها مع تخلصها من الاحتلال
ولكي نتأكد من مرجعية وتوثيق الكاتب فهو قد اعتمد علي التاريخ القديم لكمبريدج وهي الموسوعة التي امتدت مجلداتها حتى مقتل الإمبراطور البيزنطي موريس سنة 602 وموسوعة كامبريدج للتاريخ الإسلامي بدأ من رسالة محمد
وان كان من المؤكد ان التاريخ الإسلامي وكل ما هو مكتوب يحمل الكثير من الشكوك لأنه ما كتب الا بعد علي الأقل 200 عام من وقوعه, وبذلك من غير المؤكد في اي تتبع تاريخي واي تاريخ مذكور بأي من الموسوعات المعتمدة من غير المؤكد تاريخ بعض المعارك والتسلسل الخاص بالأحداث, ولم يكتف بالاعتماد علي موسوعة كمبريدج ولكن استعان ب
Fred Donner’s The Early Islamic Conquests, Mike Morony’s Irak after the Muslim Conquest, Walter Kaegi’s work on military history, Dick Bulliet on conversion to Islam, Robert Hoylad on non-Muslim views of early Islam and Larry Conrad and Chase Robinson on historiography, Hamilton Gibb on the Arab conquests in central Asia, Vasili Vladimirovich Barthold on Turkistan, Alfred Butler on the Arab conquest of Egypt
والمهم في كل ما قراء لهم وكل ما أخذه هو المحاولة في الثبات علي الحيادية والبعد عن الأخذ المسلم به بكل ما جاء بدون بحث وتمحيص ومقارنة بين الكتابات المختلفة وما أعجبني في الكتابة هو الرؤية التي دخل بها والأسلوب العلمي والتحليلي المستخدم الذي يمنحنا حد معقول من المصداقية فيما يقال
دعونا نخوض قليلا فيما كتبه السيد كيندي في كتابه.
لقد استهله بتعريف كيف تزاحمت اللغات والديانات وتعايشت علي هذه البقعة التي يطلق عليها اليوم البلاد العربية وان كل هذه البقعة كانت مقتسمة بين 2 من القوي العظمي تحتل المساحة بأكملها وتفرض فكرها ودينها ولغتها عليها, القوي الفارسية بلغتها علي العراق والبيزنطية بلغتها اليونانية علي مصر وسوريا وشمال أفريقيا بينما اللغة اللاتينية في اسبانيا والبرتغال حيث كانت لغة الدواوين والأعمال وظلت البلاد بعد الاجتياح العربي, حتى صدور مرسوم الخليفة الأموي في عام 700 باستخدام اللغة العربية في الدواوين موحد لغة بين كل البلاد التي تستخدم لغات غريبة عليها من الأساس بعد ان تم رحيل تلك القوي الفارضة لها
وبداية التاريخ لتلك الحقبة كان بالقرن الثمن وكان مجرد تاريخ محفوظ الغرض منه نقل كيف نشأ المجتمع الإسلامي والبطولات والفتوحات وتمجيد وتخليد الأبطال والمعارك وذلك كان بسبب هام إلا وهو ان الشهداء ومن خاضوا المعارك في ذاك الوقت كانت تصرف لهم أموال من بيت المال فكان من المهم تخليد الأسماء والحفاظ عليها بالنسبة لأبنائهم من اجل التحقق من صرف المستحقات ومن المؤكد عدم قوة المصداقية لأنها أيضا تاريخ للحدث بعد علي الأقل 150 ل 250 سنة بعد وقوعه, وما كان يميز ذاك التاريخ كونه مكون من ملاحم مثل أشعار الشعر الجاهلي والمدونات تسرد مناقب الشخص وما تحلل الحدس تسرد البطولات والأسماء وتحس بروح متوحدة من شعارات مشابهة للشعر الجاهلي المطول إما في ما يخص المعارك والبلدان فكانت تعريف مهم يعرف البلدان التي تم دخولها في حكم العرب سلميا والتي قامت بالمقاومة ومرة أخري كان بهدف تحديد نسبة الضرائب, فقد كانت المقاومة تفرض بها ضرائب ونزع ملكية للأرض بينما السلمي يعف من كل هذا,,, وان كان حتى هذا الوصف غير مدرك تماما ففي فتح دمشق حين دخل خالد من الشرق وأبو عبيدة من الغرب ومن ناحية تمت المقاومة والأخرى بلا مقاومة فما عرفنا وما وضح في التاريخ هل تم عليها ضرائب ام لا هل اعتبرت مقاومة ام لا. مرة أخري الواقعة تعتبر مثال بين علي قصور القدرة علي استخلاص الحقيقة تماما... اختصارا كان مجرد حفظ الأسماء للأبطال وتحديد المعارك من اجل الحقوق المالية وليس بهدف التاريخ في حد ذاته
إما المرحلة الثانية وهي بداية الكتابة للأحداث, فقد كانت عبارة عن سرد لأخبار منقولة عن وعن وان كان كاتبيها كانوا دائما في محاولة حريصة لتحري صدق من ينقل عنه لكنها كانت عبارة عن أخبار غير متتابعة تاريخيا وتتضارب في بعضها بين التواريخ والأسماء لنفس المعركة ونفس الوقت مما يضعفها وكانت مكونة من أخبار ونقاط مباشرة لا تصف الحدث وإنما تلخصه
وكانت تسرد الأحداث علي تناقضاتها وما تتدخل في تعريف او تغليب اي خبر عن الأخر وكان ذلك في القرن التاسع لتاريخ وتعريف حكام مصر والعراق وقد ساعد علي التاريخ كتابتا بداية صناعة الورق والتحول من الكتابة علي جلود الحيوان للكتابة علي الورق مما ساعد علي الانتشار والتوسع بل وتجارة الكتب وتداولها... وهنا ظهر الطبري وكتابتاه التي كانت مقولات تجميع التاريخ بقدر الإمكان ممن يتذكره مجرد سماعي غير متصلة لم تجمع علي أساس تاريخي بل علي أساس مجموعات متجانسة لنفس النوع مثال أخبار حروب أخبار ملوك الخ وكما قلت تجنبوا التحقق وإبداء الرأي حتى في التكرار ما يتدخلوا ويغلبوا رأي لتأكيد الحدث لشخص بعينه... والغريب ان التفاصيل ظلت تتزايد مع كل تعديل وتجديد ... ولا داعي هنا للقول ان التفاصيل هي تحليل وتحليل لمن يكتب غير مرتبط بالحدث فعلا.. التفاصيل تتضاعف جيل بعد جيل
وفي معرض أخر من الكتاب أعجبني بشدة كيف يتعرض للبلاد المفتوحة من حيث الضرائب والجزية وما يتداول الكثيرين هنا حيث شرح ان كل هذا عار تماما من الصحة لعدم القدرة علي إثباته فكما قلنا في فتح دمشق ما تحقق من شيء مكتوب عن الفتح سلمي ام غير سلمي, ومثلها مدن كثيرة خاصة إنها فتحت سلميا وغير سلمي مثل الإسكندرية التي سلمها أهلها سلمي ترحيبا بالمسلمين بينما عاد الجيش البيزنطي مقاوما حتى استسلمت ومرة أخري لا تاريخ مؤكد عن نوع الجزية او الضرائب والعامل مع الأراضي وهل صودرت ام لا
الجميل والجميل جدا هنا الحيادية والتحري في السرد والبعد عن إلصاق التهم لمجرد الاختلاف في العقيدة,, هو قد يختلف في رأيه ونزعته عن الأخر ولكن ذالك ما يمنعه من الحكم بحيادية عند الحكم علي الأخر الحيادية التي قد تصل بالإعجاب بالأخر, ولا ينكر هذا الإعجاب حتى وان لم يتبع الأخر ولكنه قادر علي تمييز الجمال والصواب والحق وما في الأخر الذي قد يختلف معه ... ويحضرني هنا دهماء كرة القدم وكل متعصب من الذين قد يتمنوا ان يغلب الفريق المنافس لهم من اشد أعدائهم فقط لأنه المنافس يكرهوا الفريق المنافس لدرجة التحريم ويفقدوا القدرة علي الاستمتاع بانجازه مع الآخرين فقط لمجرد انه الفريق المنافس له شخصيا... بينما يتمتع صاحبنا هنا بجمال ما يراه في تلك الحقبة من قوة ويدرك أبعادها لأنه يتميز بالقدرة علي الخروج من ذاته عندما ينصب نفسه ناقدا وباحثا متحريا الأمانة الملقاة علي كاهله كباحث عليه ان يتجرد من أهوائه ليصدق في أقواله... وهذا للأسف ما ينقص الكثيرين ممن ينصبوا نفسهم علماء ويخوضوا في تاريخ وعقيدة الآخرين منصبين من أنفسهم الحكم فيما لا يخصهم وان كان من الممكن منحهم الحق لان الحرية في النقد مكفولة للجميع فهل من ينقد بقادر ان يكون علي مستوي هؤلاء الذين يستحقوا فعلا أمانة حمل الكلمة لصدقهم وأمانتهم في البحث وبالتالي العرض... حيث ان مخالفة هذا يعد نفاق وكذب وللأسف عدم إدراك القائم به لمعني كلمة النفاق والكذب لاختلال القيم الخاصة به لن ينف عنه هذه الصفة.. ولن يرحمه من لاحقيه ممن يبحثوا حقا مثل صديقنا كيندي فيعرفوا ما هو كذب وادعاء ويوصموا صاحبه وكل ما يحيط به من أقوال حتى ما بعد عنها عن الكذب لان الخلاق لا تجزءا ولا يبرر التعدي عليها لأي هدف مهما عظم فما يبرر حتى غاية تحقيق المعرفة وحتى خير البشرية ان كان الوصول لها يكون بالغش والتدليس والخداع... ومن لا يقدر ان يدرك ان الحقيقة دائما ما تجد طريقها مزيلة كل الأكاذيب مهما تعمقت وتزينت لان الإنسان في تقدمه وازدياد معارفه يزيد معه القدرة علي التفرقة بين الحقيقة والكذب والمخادع ومن يتعمد التلاعب بعقله فيزداد تحقيره له ويزداد نبذه له ... والعلم سلاح الحقيقة وناصرها
ولنا عودة مع ذاك العالم الذي لابد وان يخطف إعجاب القراء لنزاهته وقدرته الفائقة علي رؤية الحقيقة والكتابة عنها والإعجاب حتى بمخالفيه... ذاك الإنسان الذي يستحق ان يحترم لنزاهته وصدقة وما تضفيه تلك النزاهة من مصداقية علي كلماته
#داليا_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟