سيمون خوري
الحوار المتمدن-العدد: 2950 - 2010 / 3 / 20 - 14:52
المحور:
كتابات ساخرة
هناك دعابة يونانية طريفة وذات مغزى نقدي تقول :
أن إحدى دور البغاء، إقتنت ببغاءاً جميلاً ، ونظراً لسوء الأحوال الإقتصادية ، وقلة الزبائن ، فقد قررت صاحبة الدار السيدة " مرتا " المحترمة بيع ببغائها . الذي ساهم أحياناً كثيرة بسبب طول لسانه ، بتطفيش بعض الزبائن . وبالمصادفة ، إشترى أحد رجال الدين ، الببغاء المشار اليه من متجر لبيع الحيوانات الأليفة .
البائع ، نصح ( أبونا ) رجل الدين ، أن هذا الببغاء ( لسانه وسخ ) هكذا تعلم في دار حضانته الأولى . بيد أن ( أبونا ) لم يصغي الى نصيحة البائع ، ورد عليه قائلاً أنه سيعيد تربيته مرة أخرى وسيعلمه مقاطع وتراتيل من الكتاب ( ... ). . ؟
في اليوم الأول لإنتقال الببغاء الى بيت أبونا ، لاذ الببغاء بالصمت ، أو بالأحرى أصيب بالصدمة التي تحتاج الى زمن للتعافي منها . فقد إختلف عليه الجو أو المناخ . ألوان الجدران ، والموسيقى ، والملابس السوداء ، وتلك الصور المعلقة على الجدران ..
في اليوم التالي نطق الببغاء بأول كلمة قائلاً : ما هذا اليوم ( ... ) ولا زبون ..؟
نهره أبونا ، لكن الببغاء أضاف : إخعلي فستانك ..؟ مرة أخرى نهره أبونا مهدداً بحرمانه من طعامه . ثم قام أبونا بوضع غطاء أسود فوق القفص . وصمت الببغاء .
في اليوم الثاني ، صدف وأن حضرت مجموعة من النسوة لزيارة أبونا ونيل بركاته ، وقامت إحداهن برفع الغطاء عن القفص . عندها صاح الببغاء ، أبونا .. أبونا ، شو القصة اليوم .. ال ( .... ) أكثر من الزبائن ...؟
دائماً كانت الدعابة أو ( النكته ) هي أحد أدوات النقد الشعبي لممارسات أي نظام . وهي نوع من الكوميديا السوداء التي تعبر عن طبيعة المزاج الشعبي . وتكشف الى درجة كبيرة الرؤية الإبداعية في النقد الشعبي بعيداً عن جوقة التنظير للكلام المتعالي على الجماهير الذي يحتاج الى شرح متون المتون .
النظرة النقدية الشعبية هي صفة عامة ، الزعيم الراحل " ماوتس تونغ " غالباً ما كان يشدد على أهمية التعلم من الجماهير قبل ممارسة تعليمها الفوقي . لأن الجماهير عادة تمتلك تجربتها الخاصة المرتبطة مع بيئتها وحياتها وكفاحها اليومي من أجل لقمة الخبز ، ومستقبل أبناءها . وفي أحيان كثيرة بعض ( الدعابات ) تحمل في روحها النقد الرمزي أو الباطني الموجه حيال أزمة ما ، وتعبر عن موقفها السياسي ببساطة شديدة . لكنها تتضمن رؤيا ثقافية متميزة وجمالية عالية من خلال صورها التعبيرية . وربما هي إشارات للقوى التي يمكن لها أن توظف" النكتة " وتحولها الى وسيلة تحريض ومعارضة حقيقية . لكن لشديد الأسف ففي غياب قوة معارضة جذرية في الشارع ، فإن النقد الشعبي لا يتجاوز حالة الإضحاك ، أو الضحك الأسود وينتهي عند هذا الحد .
الشارع المصري ، تاريخياً يعتبر رائد النقد الشعبي ، يقال أن الراحل السادات ، كان يحرص على معرفة أخر ( النكات ) المتداولة في القاهرة ، بإعتبارها أحد مقاييس المزاج الشعبي وإتجاهاته . في عواصم أخرى كانت ( النكتة ) السياسية تتداول همساً وتنتشر كإنتشار الحريق في بيت من القش والكرتون من أحياء الصفيح والزبالة في العالم العربي أو مخيم برج البراجنة في بيروت . بل أن الأمن قد يطارد مطلق هذه النكتة بإعتبار أنها تمس الألهة المتربعة على رقبة شعوبها منذ عصر رحيل الإستعمار لوحدة ، وتعيينهم بالوكالة .كما هو حاصل في إتحاد بلدان الممانعة العالمية.
أحدث ( النكت ) المتداولة في مصر ، ربما وصلتني متأخرة ، أن الريس شعر بدوار ، وهو شئ طبيعي ، قال له مرافقه : خير يا ريس ..؟ أجاب الريس معلش دوار بسيط ، بس خلي بالك على جمال ، فقال المرافق وعلاء يابيه ..؟ أجاب الريس ، يمسك وزارة الإقتصاد والمالية والحربية ...؟
من الشارع اليمني ، يقال أن الريس هناك وجد طابوراً من البشر وبالتالي دفعه فضولة لمعرفة سبب الطابور ، إكتشف أن الناس تتزاحم للحصول على تأشيرة خروج من البلد . لكن عندما إكتشف الناس أن الريس في الطابور تفرقوا ، فقال الريس ألا ترغبون بالسفر ..؟ فقال الجمهور ، طالما أنك ستغادر البلد قررنا عدم السفر ؟ .
في عاصمة أخرى يقال أن أحدهم حضر الى قاعة المؤتمرات الشعبية ، مصطحباً ساعة كبيرة ، ( منبهاً ) من النوع التقليدي القديم . وفجأة ( رنت ) الساعة ، إنزعج القائد المحاضر ، بيد أن المواطن البسيط قال : ياسيدي هذه ساعة بدون عقارب ..؟
في مدينة أخرى ، يقال أن رجل دين كان يأم المصلين ، عندما رفع يديه سائلاً السماء ..؟ ( تغوط ) أثناءها - أصدر ريحاً - ، فقال ألا لعنة الله على الشيطان الذي دخل مسجدنا .. إلتفت خلفه ، فتلون وجه السلطان غضباً ..؟
الشيخ ( عبد الحميد كشك ) عندما يأم المصلين كان يقول : إستووا وإعتدلوا في صفوفكم ، فإن الله لاينظر الى الصف الثاني منكم ..؟ طبعاً في الصف الثاني للمصلين كانت تصطف مجموعة من رجال الأمن بإنتظار إنتهاء خطبة" كشك " لزيارة " التخشيبة " الأمنية .
المواطن في أية دولة هو موطن بسيط ، مهموم بلقمة عيشة ، وأسرته ومستقبل أبناءه . المشكلة هي في النخب المتعالية عليه . التي لا تستطيع تحويل النقد الشعبي الى آتون من الغضب . لماذا تخرج الجماهير في البلدان الآوربية إحتجاجاً على قرارات أنظمتها ، وفي بلداننا تنام هذه النخب كالخراف ولا يصدر عنها سوى النحيب في بيان مصاغ بلغة خشبية مسمارية منذ عصر الديناصورات . بل أن الأسوء أنها تدعي المعارضة وهي في حضن السلطان ..؟
عندما تتحول أجهزة الإعلام الرسمية الى طبل أجوف لا يصدر سوى صوتاً نشازاً خارج الهارموني الإجتماعي ، تصبح فيه وظيفة الصحافة ( المستأجرة ) حمالة أسفارٍ مهترئة . لا علاقة لها سواء بالصناعة الإعلامية الحديثة . ولا بهموم البشر، وعندما تنام النخب السياسية ( الثورجية ) في فنادق عشر نجوم .. ترى من الذي سيحدث التغيير ، أو يساهم على الأقل في إستثمار المزاج الشعبي وتحويلة الى غضب عارم ..؟ عندها سيتغلب عنصر الخوف والدين والأمن ، في ظل غياب عنصر المواجهة مع هذه الأدوات الكريهة . لذا ليس غريباً أن تتفشى ظاهرة الأحزاب الدينية العنصرية الطائفية . وكأن الله بحاجة الى حزب لدخول الإنتخابات ..؟ ما هذا الإله الطائفي ..؟ أليست فكرة الأحزاب الطائفية فكرة غبية وساذحة وعنصرية وهادمة لكل بنية المجتمع ..؟ فهل هو وطن المسلمين دون المسحيين أو العكس أو أي طائفة أخرى ..؟
أزمة المنطقة وفق كافة المقاييس هي بالدرجة الأولى ، أزمة ثقافة ، أزمة موروث خرافي وأسطوري وديني . أزمة شعوب لا تملك سوى قيادات من ورق . تلتهم ورقاً بنكوتياً ؟، وتنتج ورقاً مصحراً بالغبار ، يحمل ختم السلطان ووعاظ السلاطين .
إذا كان لهذا الموقع من قيمة إعتبارية فهو كونه يمارس ما عجزت عنه أحزاب المنطقة طيلة عقود من الزمن . ترى كم عدد البشر الذين ستمتد أصابعهم الى ( هرش ) شعرهم قبل حك رأسهم ، لو سمح لهذا الموقع بالمرور على حواجز الأنظمة وما هي النتيجة ..؟ سأترك للقارئ تخيل معنى إحداث إنقلاب في آلية التفكير ، وفي الذهنية الثقافية السائدة .. فعندما يرحل الخوف كما رحل من عاصمة الخلافة في بغداد ، تتطاول قامة المواطن وتعانق السماء .
#سيمون_خوري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟