محمد كشكار
الحوار المتمدن-العدد: 2941 - 2010 / 3 / 11 - 22:28
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
لم تضربني و لو مرة في حياتها. لم تنهرني و لم تصح يوما في وجهي. لم تلمني على ما فعلت في مراهقتي و لم تشكرني على ما أديت من واجب نحوها عندما كبرت. لم تقل لي يوما أحبك و لكني كنت على يقين, و ربما يكون اليقين الوحيد في حياتي, أنها تحبني حبا لا يوصف.
كنا أربعة في الدار عندما مات أبي سنة 1967, أخت كبرى و ثلاثة أولاد, اثنين في الثانوي و واحد في الابتدائي. عائلة دون عائل. لم تيأس و لم تمرّر لنا يوما بؤسها و معاناتها. واصلنا الثلاثة تعليمنا و كأن شيئا لم يحدث. كانت تقوم بشؤون البيت و الغابة و تشتغل في نسيج "الحولي".
لا أذكر يوما خاصمت أو شتمت جارا أو جارة من أجلنا. لم تعلمني أي شيء و علمتني كل شيء. أحببتها في حياتها إلى درجة العشق و تقاسمت معها منحتي الدراسية عندما كنت طالبا و تكفلت بها نهائيا عند التخرج. عند التعيين اصطحبتها معي إلى جزيرة جربة التونسية للعيش بجانبي. لم تطق الانبتات من قريتها فاحترمت رغبتها. بنيت لها حجرة محترمة في منزلنا و أدخلت الماء و الضوء من أجل عيونها.
لا تكتب حرفا و لا تقرأ كلمة و لكن من تربي أجيالا لا يليق أن يطلق عليها صفة أمية. لم تتأثر لا من بعيد و لا من قريب بالثقافة الأجنبية فهي إذا تعبير عميق عن ثقافة وطنية خالصة.
أمي لم تكن حالة شاذة في ذلك الوقت و مثيلاتها بالملايين في "جمنة" التونسية و في قرى الأرياف العربية.
"جمنة": قرية جميلة تقع في الجنوب الغربي التونسي.
"الحولي": نوع من الكساء الأبيض الرجالي الصوفي الخارجي, يصنع في الجنوب التونسي و يصدر إلى ليبيا. يؤدي وظيفة "البرنس" و يعوضه.
#محمد_كشكار (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟