أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود المصلح - صلاة الفجر














المزيد.....

صلاة الفجر


محمود المصلح

الحوار المتمدن-العدد: 2943 - 2010 / 3 / 13 - 11:00
المحور: الادب والفن
    


صلاة الفجر
في لحظة السكون المهيبة التي تخيم على الكون والأشياء الكامدة الساكنة ، وفي لحظة الدفء تحت الدثار الوثير ، يصدح صوت المؤذن بالآذان لصلاة الفجر ، لعى المؤذن لا يدرك أن هناك من ينتظر إعلان الآذان ، ولعه يدرك أن هناك الكثير من يسمع لنداء ولا يلبي .

صوت شجي وقد نامت الدنيا ، ونسيت أتعاب يوم الأمس ، أو تناست ، وخلدت إلى راحة النوم ، وهدأت الليل ، وقت الفجر وقت توشوش فيه الدنيا الصباح وتعانقه ، وتوزع فيه الأرزاق ، وقت تودع فيه السماء النجوم والقمر ، وتحتفي بالضياء ، والفجرملفعا بالضوء يهل من غيهب سري شفيف ، وقت أرخى فيه القمر ضوء سراجه ، وراح في رحلته السرمدية ليطل على قوم آخرين .

لعلى البعض هب من غفوته مأخوذا بنشوة الصباح ولذة النداء ، ويفاخر بمدى استدراكه على ما فاته من لذة ذهبت في سحيق العمر المنهزم ، وبات من المستحيل إدراكها . لعله غازل الصباح ونجماته ، ولعله نفض حلما جميلا كان في بدايته ، لعله امتطى صهوة الصباح بلذة النداء ، مستلذا بنشوة عصية على الإدراك والفهم ، نشوة عذرية الأشياء الطازجة والكامن فيها من الأسرار . والشمس تعلن بزوغ يوم جديد ، لا تترحم على الأمس ، ولا تتطلع إلى الغد ، يشغلها حاضرها عن أمسها وغدها ، محملة بالأسرار الكونية وإرادة الإله الأبدية .

قلة من تدرك أسرار البوح التي تبوح بها السماء وقت الفجر ، قلة من تدرك مدى الطهر الذي يكتفه الصباح البكر المحمل بالإسرار وهي تهمس للنهار مغازلة ، وقلة حتما من تدرك روعة صباحات تفتح الياسمين وهو يتضوع عطرا ، في غفلة الدنيا النائمة ، وفي لحظة السكون الكامدة ، وفي لحظة تباشير الأمل الطال من الفجر ، وعلى صوت ( الصلاة خير من النوم ) أتطلع بشوق المحب الهائم إلى لحظة عناق النهار من أوله ، فلطالما عشقت العذرية وبواكير الأشياء ، وأنا اقطف الندى عن ثمار في صحراء ما عرفت رائحة الثمر ، وأتذكر في لحظة بهية عشق الرجل الكبير طويل القامة لعناق الفجر والندى والثمر ، وهو ينفض عنا رداء النوم ، ودفء الشتاء اللذيذ ، أو لذة نوم الصيف والشمس تشرق في رحلتها الكونية الأبدية .. تلك صور اجترتها رائحة الصباح ، وصوت النداء ، وهدأت الليل .

أهم بالوقوف رافعا يدي إلى خلف أذني ، مكبرا ، وضوء كأنه خيوط من نور تتسلل من طاقات في قبة مستديرة فوقنا ، ورائحة المكان تطغى بالبخور ، والضباب يتشكل على النوافذ راسما خيالات ورؤى غريبة ، والمدفأة تشع بنورها أمام المؤذن بجانب الإمام ، وقد عبرت عتبات الكسل ، بعد مغالبة لحظات الحلم ، وصوت المؤذن ينادي ( الصلاة خير من النوم ) أنست روحي إلى المقام ، وربما انس المقام روحي ، تهت بين دهاليز النداء وصوت القارئ يجود منغما( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه ...من سورة عمران ) هي لحظة الذوبان في النداء والصوت ، هي لحظة اللذة المتناهية في الصعوبة على الإدراك ، هي حالة من الهيام لو عرف الناس ما فيها ما تركوها .
تلك حالة تأخذنا من ماض سحيق تمر بنا في دروب الذكرى وتفضي الى دوائر من البوح الشفيف الرقيق ، نفهم العبارة وندرك الإشارة ، تسري بنا مع السحر ، لنغوص في تاريخ يطل علينا من طاقة النور ، وتعرج بنا اللحظة الرقيقة الى معارج سامقة ، نتمنى ألا نهبط من تلك الذرى ، ونحن نكتشف ذواتنا وكأننا نلتقي أنفسا لأول مرة .
نتمنى أن تطول لحظة القراءة ، والصوت الشجي يتلو ، نتمنى أن تطول لحظة السجود ، جباهنا تعانق ذرى الكرامة الإنسانية ، ومعنى العبودية ، وحالة الاسترخاء الذهني والعاطفي تطغى على المكان والشخوص ، وكأنننا نتحد في ذات واحدة ، سجدة واحدة وحركة واحدة .. هو الاتساق والانسجام مع الكون والذات .
هي لحظة السكينة التي نخلد فيها بحق إلى ذواتنا قبل أن تطحننا تروس النهار الدوارة ، قبل أن تسفعنا حرارة الشمس الملتهبة ، قبل أن تداهمنا حاجاتنا اليومية الموغلة بالإلحاح ، قبل أن تأخذنا ثرثرة النهار إلى تخوم نجهلها ونجهل مسالكها فنضيع في مساربها ، ونبقى نقضي النهار بحثا عن مخرج ولا مخرج . وكأننا ندور في حلقة مفرغة ، أو متاهة صنعناها بأيدينا ولكننا أضعنا الطريق الخروج ، أو توهمن الضياع ، وكأننا استمرينا هذا التيه وهذا اللاشيء .
كم هو بهي هذا السكون وهذا الهدوء ، ربما تتيح الدنيا لحظتها للعارفين معرفة أكثر ، وربما تتفتح مسالك أكثر ،
ليشع في النفس ضوء جوا نيا داخليا كامنا ، يضيء جانب أو جوانب كانت على الدوام معتمة ، فيظهر للنفس هوانها وهنتها ، أو يشتعل فيها لهيبا دافعا طاردا ، فتغزل الروح حبال أمل كان فيما مضى باهتا هينا واهنا ، تمكنها من التحليق في ملكوت ما كانت حتى لتحلم ان تفكر به أو تتصوره ، وإذ به حقيقة قابلة للتطبيق ، ففي لحظتها تتكشف للنفس ما حباها الملك من ملكات وهبات وأعطيات كانت على الدوام مدفونة تحت ركام زحام الواجبات التي غلبت الأوقات في أكثر الأحيان .

لحظتها تتبين النفس قيمتها ، وتنتظر إلى قمتها من سحيق هاويتها ، فترى إنها في الذرى عالية ، فيكون صاحبها على بعده قريب من الملك ، يمده بمدد من عنده ، وينصره بنصره ، ويقف معه بقوته التي لا تقهر أو تضعف ، فيتبين عظمة عند الملك على ما فيه من ضعف ، فيشعر بقوة فوق قوته ، ونصر على نصره ، وربما يطلب فيعطى ، يستطعم فيطعم ، يستنصر فينصر .. ( ولو اقسم على الله لأبره ) .

ربما تهب له مكرمة الصالحين البررة ، فينكشف عنه ستار هو على الخلق كثيف عميق ، يمد يده بما أكرمه ربه إلى الخلق فيسعد ويسعد ، ويهدى ويهدي ، فيكون من أهل الفضل في الدارين الأولى والآخرة .



#محمود_المصلح (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القدس بوصلة الخير في الدنيا
- الضيف .. ضيف الله
- طقوس الكتابة2
- طقوس الكتابة 1
- طقوس الكتابة
- الفرجة....
- الانحيازالى السينما
- القدس
- عندما تنحاز السينما لنا .. ننحاز لها ..
- همسات في شارع السينما
- ماوراء الصورة
- منح الجنسية .. سحب الجنسية
- الاتحاد الاوروبي ... تركيا
- سلمدوغ مليونير
- في مقامات المديح للجلاد..
- الى عذاباتي...
- السائق الغريب
- جرائم الشرف
- عرب يا رسول الله ...
- فيصل القاسم والاتجاه المعاكس


المزيد.....




- من السعودية إلى غزة.. قصة ’فنانة غزية’ تروي معاناة شعبها بري ...
- سفير روسيا في واشنطن: الثقافة يجب أن تصبح جسرا بين الدول
- شطب سلاف فواخرجي من نقابة الفنانين السوريين -لإنكارها الجرائ ...
- -لإنكار الجرائم الأسدية-.. نقابة الفنانين تشطب سلاف فواخرجي ...
- شطب قيد سلاف فواخرجي من نقابة الفنانين في سوريا لـ-إصرارها ع ...
- بمناسبة مرور 50 عامًا على رحيلها.. بدء التحضيرات لمسرحية موس ...
- “بيان إلى سكان هذه الصحراء”جديد الكاتب الموريتاني المختار ال ...
- فيديو جديد من داخل منزل الممثل جين هاكمان بعد العثور على جثت ...
- نقابة الفنانين السورية تشطب قيد الفنانة سلاف فواخرجي
- قلعة القشلة.. معلم أثري يمني أصابته الغارات الأميركية


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود المصلح - صلاة الفجر