|
يوم في حياة أمرأة من جبال النوبة ...
ايليا أرومي كوكو
الحوار المتمدن-العدد: 2936 - 2010 / 3 / 6 - 01:47
المحور:
الادب والفن
غداً هو يوم الخميس ، و الخميس هو يوم السوق الاسبوعي الشهير في بلدة هيبان ... ان يوم السوق في هذه البلدة هو يوم لتقسيم الارزاق بين الاهالي كسباً و ربحاً .. هو يعد يوم فرحة و عيد لأهلنا البسطاء .. فالكل يحرص كل الحرص كي لا يفوته هذا المحفل الاسبوعي الجامع .. فكل صاحب بغية سينال بغيته في هذا اليوم ، و الا فعليه الانتظار لسبعة ايام اخر ... كل الناس يعدون عدتهم و يجهزون اشيائهم و يهيئون انفسهم .. فالتجار المحليون هم اكثر البشر حرصاً في استقبال هذا اليوم ، فهم ينكبون علي مباشرة اعمالهم التحضيرية منصبيحة يوم الاربعاء ... فتجدهم مجدين في وزن السلع الاستهلاكية في اكياس مختلفة الاحجام بحسب الاوزان و المكاييل .. واحياناً يعمد بعضهم في انقاص الوزن او الكيل طمعاً في الربح والكسب و الغني السريع .. يتوافد التجار الذين يجولون الاسواق الاسبوعية بعرباتهم ( تجار ام دور ور ) بالاخص القادمين من مناطق ابو جبيهه و الفيض عبدالله و أم كرشولا و أم برمبيطه و خور الدليب ، يتوافدون الي منطقة هيبان مبكرين .. أنهم يدخلون المنطقة بالثلاثاء لحضور سوق الازرق بالاربعاء و سوق كاوده بالجمعة ... و في هذه الاسواق الثلاثة ( الازرق ، هيبان و كاوده ) كسب كبير جداً لهؤلاء التجار .. فقد حدثتني أمرأة ست شاي في سوق كرشولا بأن ما تربحه في اسبوع واحد بأسواق منطقة هيبان أفضل لها كثيراً جداً من كسب شهر كامل تقضيه في سوق كرشولا .. أما الست كجي بطلة قصتنا فهي امرأة من منطقة هيبان نزحت شمالاً في فترة الحرب بجبال النوبة ، تلك الحرب التي امتدت لاكثر من ثلاثة عشر عاماً .عادت كجي وزوجها الي منطقتهما هيبان فور وقف اطلاق النار ... زوجها رجل كبير في السن و هي في عقدها السادس او يزيد قليلاً .. تعلمت كجي في مقر نزوحهها بعض الاعمال التجارية البسيطة التي تعينها وزوجها علي كسب العيش الكريم .. فهي صانعة و بائعة للمدمس و الدكوة و التسالي و قد استطاعت في هيبان من اضافة النعناع و الشطة الي تجارتها ... تمارس كجي تجارتها بكد و اجتهاد ... فهي في نشاطها كما النمل في وقت الحصاد و في همتها تشبه نحلة الربيع وسط الورد و الزهور .. و النحل في الربيع لا يعرف الفتور ابداً ذهاباً و اياباً بين الخلية و الحقول ... تعكف كجي في اعداد المدمس و التسالي منذ صبيحة الاربعاء بجانب عمل وجبة الفطور لزوجها و ابنها كومي ، و الاخرين من الذيم يقيمون معهم في البيت ... هؤلاء الذين حضروا من مختلف مدن السودان لقضاء اجازاتهم الصيفية في هيبان ... قدمت كجي الفطور لاسرتها و ضيوفهم و سقتهم الشاي و القهوة ايضاً .. تذكرت بأن الماء الموجود بالدار غير كافي لاعمالها و لاستهلاك افراد الاسرة .. فالماء الموجود غير كافي لأهل البيت من البشر و الحيوانات الاليفة و الطيور الداجنة التي يربونها بالبيت .. فلأبنها كومي حمار و فنطاس لجلب الماء من الدونكي الا ان الحمار و صاحبه عاطلان عن العمل لكنهما يستهلكان الكثير من الماء التي تجلبه كجي علي رأسعا من المضخة .. و المضخة قريبة من الدار الا ان رواده كثيرين بالاخص في اشهر الصيف الحارة حيث يزداد أغراض استهلاك المياه .. خطفت كجي جرتها مسرعة الي المضخة .. كان صف الجراري طويل و اصوات النسوة و الفتيات الواردات تعلو و تضج لترفع من حرارة الجو درجتان .. و الانتظار في صف المضخة ممل جداً يبعث علي الضجر و نفاذ الصبر .. كما يدعو الي الغضب و السباب و اللعن و في بعض الاحيان تدفع ازدحام المضخة الواردين الي العراك و الشجار لاقل الاسباب و اتفهها .. لقد تمكنت كجي اخيراً من ملئ جرتها بصعوبة و عادت الي البيت بالماء السلسبيل ... سقت الحمار و البط و اعدت لزوجها ماء الاستحمام و من ثم هرعت الي المطبخ لأعداد طعام العشاء .. الناس هنا يكتفون بالفطور و العشاء كوجبات رسمية و ما بينهما يتسلون ببعض الاكلات الخفيفة التي تجود بها المنطقة من الفواكه و الثمار و الحبوب . كما ان كرم الناس هناك لا تدع للجوع مجال فأنت مرحبك بك في كل وقت بالاكل و الشراب . عند الثامنة مساءاً كان العشاء جاهزاً عصيدة حارة بملاح الشرموط الابيض اكلها الجميع بنهم وشهية كأن الحار هو فراقها .. و كانت التحلية بليه بالسمسم المظلوط الكل اكل حتي الشبع و ما تبقي من البلية هو لفطور يوم الغد يوم السوق ... فالليلة هو ليلة الاربعاء و كجي لكثرة اشغالها لم تعد بضاعتها بعد فقد تبقي لها تعبئة المدمس و التسالي في الاكياس .. كما تبقي لها ايضاً سحن الدكوه و تعبئته.. القمر ليس بدراً و لكن سحره و تلألؤ لنجوم المرصعة ا حوله يشع في النفوس بهجة الانس و السمر .. و بعد العشاء ظلوا في مكانهم يتسامرون و يضحكون كالوارثين.. انتهزت كجي الفرصة فدخلت الي مصنعها حيث يتم سحن الفول السوداني ( الدكو ).. الة السحن هي مفرمه متوسطة الحجم يشغل عادة بالكهرباء و في حالة انعدام الكهرباء يتم تشغيلها يدوياً و مع صعوبة العمل بها يدوياً تقول كجي : انها افضل كثيراً من استخدام المرحاكة ، و المرحاكة للذين لا يعرفونها هي عباره صخرتين احدهما كبيرة مثبتة علي بناء من الطين بارتفاع معين يريح المستخدم .. و الصخرة الاخري صغيرة و هي الرحي التي تسحن بها الغلال و السمسم او الفول السوداني في حالة كجي ... انتصف الليل فأوي كل أهل البيت الواحد تلو الاخر الي فراشه . و بعد قليل سمع بين جنبات الدار تباري في الشخير و علي موسيقي و انغام هذا الشخير ظلت كجي تسحن الفول السوداني بلا كلل و لا ملل .. فرغم من الاعياء الشديد الذي اصابها جراء العمل المتواصل منذ الصباح الباكر فهي تلزم نفسها لان بينها السوق بضع ساعات ... اليوم هو يوم الخميس يوم السوق في بلدة هيبان ... اليوم هو يوم الفرحة لكل القري المحيطة بهيبان ، فقد بات بعضهم في الطريق حتي يدركوا السوق باكراً ... في الصباح عند الفجر سبقت كجي الجميع لتعد لهم الشاي و القهوة فلا وقت لديها اليوم لعمل الفطور و عليهم ان شاءوا ان يشربوا الشاي بباقي بليلة عشاء الامس .. وضعت كجي كل بضاعتها بترتيب في قفتها الكبير .. همت بالخروج و الذهاب الي السوق لكنها ادركت بأنها نسيت احضار النعناع و الشطة من زريبتها القريبة من المضخة .. فبضاعة كجي هي بضاعة لا محال بائرة بدون رائحة النعناع و طعم الشطة .. أرجعت كجي القفة و ذهبت بسرعة الي حقلها الصغير و بخفة قطعت النعناع و جمعت الشطة و عادت الي لتلحق السوق ... خرجت كجي من بيتها الي سوق هيبان و هي تحمل علي رأسها قفة المدمس و التسالي و الدكوة .. و كانت تمسك بيمينها سبت النعناع الذي سيتعطر بشذاه كل الطريق من البيت الي السوق... عند المساء ستعود كجي الي بيتها ستعود الي زوجها و الي ابنها كومي و الضيوف .. ستعود الي بيتها و هي محملة بأكياس الدقيق و الخبز ، الزيت ، الحليب و السكر و كل مصروف البيت الاسبوعي ... ستعود الي البيت و هي فرحة و سعيدة وراضية رغم كل مظاهر التعب و الارهاق و الاعياء ... ستعود الي اسرتها وهي راضية بتعب محبتها ...
#ايليا_أرومي_كوكو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل ينجح المال القطري في صنع السلام في السودان
-
سلفاكير ميارديت : مزيداً من الصبر لأجل الوطن ...
-
صديقي المصاب بمرض الايدز سيظل صديقي
-
الفوز الجرائري سوداني الهوي مئه بالمئه
-
في ذكراه الخامسة ياسر عرفات يتململ من الفلسطيينين
-
( حلايب ) نقطة الضعف في العلاقات السودانية المصرية ( 2 )
-
صورة من الدكتاتوريات الصغيرة
-
جوبا : الحقيقة و المصالحة السودانية علي نهج جنوب افريقيا ..
-
مؤتمرجوبا : الامال العراض و التوقعات .. !!
-
باقان أموم :رئيساً لجمهورية السودان الديمقراطية المتحدة .
-
وتفرقت مشكلة دارفور أيدي سبأ ..
-
الطيب مصطفى يوقظ الفتن من سباتها
-
خارطة طريق للسلام في جنوب كردفان ...
-
في ذكراه الرابعة ياسر عرفات يتململ من الفلسطيينين
-
كيف يديرون أزماتهم
المزيد.....
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
-
الكاتبة ريم مراد تطرح رواية -إليك أنتمي- في معرض الكتاب الدو
...
-
-ما هنالك-.. الأديب إبراهيم المويلحي راويا لآخر أيام العثمان
...
-
تخطى 120 مليون جنيه.. -الحريفة 2- يدخل قائمة أعلى الأفلام ال
...
-
جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي تكرِّم المؤسسات الإع
...
-
نقل الموناليزا لمكان آخر.. متحف اللوفر في حالة حرجة
-
الموسم السادس: قيامة عثمان الحلقة 178 باللغة العربية على ترد
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|