|
سطوة الزمن
عبد السلام الزغيبي
الحوار المتمدن-العدد: 2934 - 2010 / 3 / 4 - 20:27
المحور:
الادب والفن
إذا أردت أن تعرف من أنت فانظرنحوالقبوركلما مررت بها هناك توجد عظام وتراب لاناس كانوا ملوكا وطغاة . ولحكماء .. ولآخرين كانوا فخورين بأصولهم وثروتهم وأمجادهم وجمال أجسامهم غيرأن شيئا من كل ذلك لم يحمهم من سطوة الزمن فانظر لتعلم ـ على وجه التحقيق- من أنت ..
مينانذروس (343-293 ق.م.)
لا بد أن نعترف بأن العمر ليس سريعاً فحسب بل هو في الحقيقية يمرُّ كلحظة ، لذلك يجب أن يعيشه الإنسان مفعماً بالحب و الحياة و الصدق، وحتى لا يجتاحنا الندم بشكل دائم .فلا بد أن يكون مرورنا في ذاكرة من تأخروا عنّا في الرحيل نقياً ورقيقاً ومفعماً بالعبق كما الياسمين .
وهذا لا يعني أن الحب وحده هو الذي يجعلنا ننتصرعلى الزمن، ويجعل التجربة البشرية تستحق الحياة.
اننا نتحدى الزمن والشيخوخة والموت من خلال الحب والمحبة والايمان بخالق الكون العظيم.
إن الخوف من تقدم العمر إنما هو إحساس المرء بأنه لم يعد قادراً على أن يحيا حياة منتجة، ما يجعله يشعر بأنه أصبح فاشلاً في تحقيق ذاته وإنجاز حياته وأداء رسالته.* إنه اعتراف الإنسان بأنه أضاع حياته سدى أما الاعتراف الأشد مرارة فهو إحساسه بأنه سيموت دون أن يكون قد عاش حقاً، بل وكأنه لم يولد أصلاً.* فإذا كان هذا الشعور ينتاب الإنسان العادي، فيا ترى كيف هو الأمر بالنسبة لرجال الأدب والفن والعلم، هل تقدُّم العمر بهم يدفعهم للصراخ: لقد ضعفت الذاكرة ووهنت قوانا الذهنية ولم يعد لدينا رغبة في مواصلة البحث والحياة؟.* فقد كتب الفيلسوف الألماني المشهور (كانط) أجمل كتبه (نقد مملكة الحكم) وهو في سن السادسة والستين وقدم لنا المفكر الفرنسي (برجسون) درته الثمينة (منبع الأخلاق والدين) في سن الثالثة والسبعين. وبدأ المفكر الإنكليزي (ألفرد نورث) حياته الفلسفية بعد بلوغه سن التقاعد في الواحدة والستين. وأمضى الفيلسوف الفرنسي (هنري بيرجسون) أوقاته في القراءة إلى أن تقدم به العمر وتجاوز عامه الثمانين فضعف بصره دون أن تضعف بصيرته ما جعله يرد على من طلبوا منه أن يستريح، صارخاً: «كأنكم تريدون لي الموت. لقد أصبحت سجيناً في بيتي فلا تحبسوا عقلي. فقد يشيخ الجسد ويضعف البصر، أما العقل فيبقى حياً متّقداً، باحثاً عن المعرفة. فلا تحرموني من لذة البحث. اقرؤوا أنتم عليّ حتى أشعر أنني ما زلت أعيش شبابكم بفكري وقلبي». فإذا كان هذا الفيلسوف قد أراد شباب عقله الدائم فإن الفيلسوف الإنكليزي الساخر (برتراند رَسل) قد صارع الموت بالحياة ليستمر حتى آخر لحظات حياته شاباً متوثباً يتمتع بكامل قواه الجسمية والعقلية وهذا ما دفع إحدى الصحف الإنكليزية لأن تكتب حين وفاته: مات بالأمس شاب إنكليزي شارف على الثامنة والتسعين من عمره. وكتب (فيكتور هيجو) أجمل قصائده في مرحلة متأخرة من حياته. وكذلك (غوته) شاعر الألمان الشهير الذي قدمت لنا شيخوخته النهاية الرائعة للجزء الثاني من (فاوست). إضافة إلى أن الكاتب الإنكليزي (سومرست موم) قد وجد متعته في الشيخوخة ليكتب بعد أن تجاوز السبعين أحسن مؤلفاته وبرؤية جديدة جعلت عينيه الذابلتين ثاقبتي الحكمة. وكان الفنان (مايكل أنجلو) يحث الخطا إلى مرسمه في ختام حياته. رغم أن الثلوج كانت قد غطَّت شوارع المدينة، ليجيب عندما سُئل عن ذلك: «إنني ذاهب إلى المدرسة، لا بدَّ لي من أن أحاول تعلُم شيء قبل أن يفوت الأوان». ويروى عن سقراط أنه لما شعر بدنو أجله، استدعى أحد الشعراء وطلب منه أن يعلمه انشودة، فأستغرب الشاعر وسأله. لماذا تريد أن تتعلم هذه الانشودة في اخر لحظة من لحظات حياتك؟ فأجاب سقراط:" أني لا اريد أن أموت دون أن اتعلم انشودة واحدة، زيادة على ما اعرف". وقيل كذلك انه تعلم العزف على الجيتار عند الكبر فسأله رجل يوما : اما تستحي أن تتعلم على الكبر فقال :" حيائي من أن اكون جاهلا على الكبر أكثر من أكون جاهلا بذلك". والشاعر الايطالي دانتي مات بعد ساعات من إكمال ملحمته الخالدة" الكوميديا الالهية". وعباس العقاد مات وبالقرب منه مشروع تفسير جديد لسورة( النور).. اما الفيلسوف عبد الرحمن بدوي فقد كان يعمل قبل موته في إنجاز قاموس يوناني لاتيني الماني فرنسي.. العديد من العباقرة قدموا ابداعتهم للبشرية وهم في خريف العمر
وعلى رأي علماء النفس بأن من يمتنع عن الحياة والإبداع هو من فقد مبررات وجوده.
هوامش: 1ـ من الشعر الاغريقي .. ترجمة زكري العزابي * هفاف ميهوب – جريدة الثورة
#عبد_السلام_الزغيبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لاحكومة ديمقراطية،دون وسائل اعلام حرة
-
كيف تصبح ديتاتورا ناجحا؟!
المزيد.....
-
أسلوب الحكيم.. دراسة في بلاغة القدماء والمحدثين
-
الممثل السعودي إبراهيم الحجاج بمسلسل -يوميات رجل عانس- في رم
...
-
التشدد في ليبيا.. قمع موسيقى الراب والمهرجانات والرقص!
-
التلاعب بالرأي العام - مسرحية ترامبية كلاسيكية
-
بيت المدى يؤبن شيخ المخرجين السينمائيين العراقيين محمد شكري
...
-
مصر.. الحكم بحبس مخرج شهير شهرين
-
مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي بتهم -الاعتداء والسب-
-
مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي شهرين لهذا السبب
-
الكويت توزع جوائز الدولة وتحتفي باختيارها عاصمة للثقافة العر
...
-
حتى المواطنون يفشلون فيها.. اختبارات اللغة الفرنسية تهدد 60
...
المزيد.....
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
المزيد.....
|