جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 2934 - 2010 / 3 / 4 - 08:58
المحور:
كتابات ساخرة
أولاً يجب أن يفهم بعض الناس ما أقوله وهو أنني لا أقول بأن الشيوخ الإسلاميين –لاسمح الله وقدر- يتوجهون إلى المواقع المشبوهة ,لا, ولكنهم يراقبون المواقع التي يعتقد أنها مشبوهة , وهنا سأفسر سبب هذه الملاحظة.
إن غالبية الإسلاميين يراقبون كل تفاصيل الحياة العامة ويعرفون كل كبيرة وصغيرة وكل شاردةٍ وواردةٍ أكثر من الأجهزة الأمنية لذلك يُعتمد عليهم كمصدر رصد زلزالي فلكي لكل المخالفين للقوانين المرعية ,وأنا شخصياً يقولون لي أي شيء ويسألونني عنه قبل الأمن , وفي عام 2006م حين كتبت قصيدة (يا عمي يا طاغية) والتي وُزعت في الأردن بالمئات كانوا هم أول من قام بتوزيعها وكانوا هم أول من أبلغ المخابرات عنها قبل اعتقالي من قبل الأمن الوقائي الأردني والمخابرات واستجوابي لمدة 12 ساعة متواصلة مما عرضني للإرهاق وللتعب وتسببت لي تلك الحادثة بألم فضيع في المفاصل , وكان اعتراض الإسلاميين على بيت شعر في القصيدة قلتُ فيه :
يا يسوع خلصنا يا رب
هلولي ...هلوليه
أتأخرت علينا اكثير
إسلام ومسيحيه
مصلوبين ومقهورين
من الأوضاع العربيه
والمهم والأهم ليس هذه القصيدة وإنما سقتها مثالاً على أنهم يراقبون كل شيء وكأنهم مصدر رصد فلكي وإذا أي حدى يا شباب بده يعرف المواقع الجنسية يسأل عنها غالبية الشيوخ المسلمين المتدينين وليس جميعهم وإنما 90% منهم يعرفونها , وكذلك يعرفون المحطات الفضائية التناسلية عفواً أقصد الجنسية ,وأسماء الممثلات المغريات والكاتبات الناشطات الحقوقيات , حتى أنا لا أعرف منهن إلا ثلاثة أسماء فقط لاغير ولكنهم يعرفونهن جميعاً بأسمائهن وعناوينهن ومحل إقامة كل واحدةٍ منهن وإيميلاتهن , وإذا حدى بده يعرف المواقع اليسارية أيضاً يسأل الشيوخ , حتى أنا الذي أدعي الثقافة صدقوني لا أعرف إلا موقعاً واحداً أو موقعين علمانيين أو يساريين, أما بالنسبة لهم فهم 90% خبراء وكذلك يعرفون في اربد جميع الشوارع التي تقفُ فيها العاهرات وهذه أنا في حياتي ما سمعتُ فيها أبداً ويستطيعون أن يخبروك بموعد وقوفهن وذهابهن وأسماء الشهيرات منهن وذلك بهدف تحذير الناس على حسب قولهم.
وقبل سنة تقريباً كنتُ أمرُ بشارع (الحصن) في مدينة اربد في الأردن ولفت انتباهي وقوف الناس بكثرة على باب إحدى الكوفي شبّات (كوفي شوب) وكانت سيارات شرطة تقف في الطريق وسألت الناس شو في ؟ فقالوا : هذا كوفي شوب أجت عنه إخباريه إنه بسمح للشباب يبوسوا البنات في الطابق الثاني على أضواء خافتة , ومين بلغ عنهم ؟ قال أحد الناس : الشيوخ , فقلت : ليش تتهموهم حرام عليكوا , فقال واحد بعصبية جداً وكأنهم مقروص منهم : يا أستاذ هذول ما عندهمش شغله غير مراقبة الناس شو بدهم بالعالم اللي بحبوا وبعشقوا ؟ هو حرام الواحد يبوس حبيبته في مطعم , ليش حياتنا كلها نكد في نكد , وبصراحه احزنت عليه جدا جداً ولو كان عندي كوفي شوب غير أجيبه هو وحبيبته مش بس يبوسها وكمان (يبوسها) , وأنا هنا لا ألوم الأجهزة الأمنية الأردنية هم فقط من باب الاحتياط خشية وقوع أحداث مأساوية يقومون بتحذير أصحاب الكوفي شوبات.
وأذكرُ مرة سنة 1994م أنني تعرفت على فتاة خلفيتها الثقافية ليبرالية وذهبتُ معها إلى إحدى المطاعم وبعد أسبوع سمعت كل الناس تتحدث عن الموضوع مما أفزعني وأرعبني وخشيتُ أن يعلموا أهلها بالموضوع وكانت هذه أول وآخر مرة في حياتي أجلس ُ فيها في كوفي شوب بهدف الرومنسية , والتف الناس يومها حولنا وكانت البنت طبعاً جميلة جدا لدرجة أنها كانت تلفت نظر النساء قبل الرجال , ويا فضيحة الفضيحة وكل ما يمر واحد من جنبي كان يحكيله كلمه (إيش هذا؟) شو (شو نيالك يابو حطه من وين سارق هالبطه) وأذكرُ سنة 1993م حين كتبتُ دراسة عن (عبقرية محمد وغموض العقاد) خطب يومها خطيب الجمعة في مسجد حارتنا خطبة مطولة عن الذين يقولون بأن سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم كان عبقرياً لأن هذا يُنفي عنه صفة الرسالة النبوية وكأن الله لم يبعثه للناس , وقال أهل حارتنا : اليوم يا جهاد خطبة شيخ الجمعة كانت كلها عنك, فقلت : ما بعرف.
ولتجربوا يا شباب الجلوس مع أي شيخ أو جلسة المشايخ وحاولوا أن تفتحوا أي موضوع مثلاً عن (الجنس) أو (العاهرات) أو الكُتاب العلمانيين, إنهم فوراً يزودونكم بتفاصيل دقيقية عن كل شيء وسيقولون لكم: هذا الموقع لا مش كويس , هذاك الموقع حقير , تلك المحطة الفضائية خالعة وحقيرة , تلك الممثلة تتعرى عليها اللعنة , إن غالبيتهم يعرفون أخبار الممثلين والممثلات أكثر من الروتانا سينما أو الروتانا زمان أو الروتانا إكلب, أو موليدي أفلام .
والآن لنفسر الظاهرة :
قبل عام ٍ تقريباً لفت انتباهي أمراً مهماً وهو أن غالبية معارفي من الناس كانوا يستغربون مثلاً من عدم معرفتي للمواقع الإسلامية التي تكتب ضد العلمانيين أو الليبراليين أو أسماء الكتاب الذين يكتبون عني أو يلمّحون عني , وسمعتُ كثيراً من الناس قولهم : اليوم خطبة الشيخ في الجامع كلها تنطبق على جهاد أبو علي وكأن الشيخ يتحدث عنه , علماً أنني مثلاً لا أنتقدهم ولا أتدخل فيهم وبصراحة لم أكن لأقف على مثل تلك الأسباب إلا مؤخراً من ستة أشهر على أقل تقدير,وكانوا أيضاً يستغربون جداً من عدم معرفتي للمواقع الجنسية ويقولون لي : غريب ما هو أنت علماني بلا دين وكيف ما بتعرفش هذه المواقع فأقول : أنا لا أنسجم مع مثل تلك المواقع لذلك لا أدخلها ولكن أنسجم مع أفلام فيها مشاهد رومنسية وجنسية ولكن بأسلوب رومنسي رومنتيكي مغري وجذّاب مثل مناظر التقبيل والتحسس واللمس وتبادل النظرات والخشوع أثناء لمس اليدين والتطاير والتبعثر في الهواء أثناء ملامسة الأحبة لبعضهم البعض وتدمع عيوني لمشاهد اللقاء العنيف بين المشتاقين لبعضهم ولكن لا أنسجم مع أسلوب مصاصات الدماء وهنا اخترت هذا التعبير نظراً لاحترامي لنفسي خشية أن أقول شيئاً آخر, ومن جهة أخرى لفت انتباهي أن المتدينين المسلمين يعرفون كل المواقع العلمانية ويتابعونها بقوة وحذرٍ شديدين ولا يكاد يفوتهم أي مقالٍ لي أو لغيري , حتى أنني حتى اليوم في المناسبات وفي المناقشات العامة أجد أن المتدينين جميعهم يعرفونني ويتابعونني أكثر من نفسي وعدة مرات تلقيتُ منهم رسائل تشير لي بأنني مثلاً كتبتُ موضوعاً مكرراً وفعلاً أكون قد كتبته مكرراً بإضافات جديدة , ولاحظتُ أيضاً أنهم يعرفون كل المواقع الجنسية والإباحية ويحذرون منها وهي مواقع أنا طوال حياتي لم أدخلها إطلاقا ولم ولن أعرها اهتمامي نظراً لأنني لا أتفق مع تلك المواقع .
ومش هون المشكلة .
المشكلة هي أنني لا أدخل المواقع التي لا أنسجمُ معها تماماً كما لا أحبُ مجالسة أي كائن حي ليس بيني وبينه انسجامٌ فكري أو عملي نهائياً , وهنا تكمن المشكلة الحقيقية وهي أن الإسلاميين على خلافي أنا وعلى خلاف كل الناس , فهم يدخلون المواقع التي لا ينسجمون معها إطلاقا وهذا شيء غريب جداً , حتى أن أقربائي المتدينين مثلاً في (دبي) أو القادمون من هنالك أسمعهم يقولون : والعياذ بالله النساء عاريات على البحر , وهنا أقفُ متسائلاً : ليش بروحوا على البحر وعلى هيك مناظر طالما أنهم غير منسجمين معها ؟
من المؤكد أنهم يذهبون للاستطلاع ولإبداء الرأي أولاً وأخيراً وثانياً للرقابة .
لقد نتج عن مثل هذه السلوكيات أنماطاً رقابية صارمة واستطاعت كافة الأجهزة الأمنية في الوطن العربي رصد أقلامنا وكيبورداتنا وآي بياتنا والمواقع التي نكتبُ فيها عن طريق هؤلاء الإسلاميين , وكذلك اقتحام ايميلاتنا فأنا مثلاً فقدت في حياتي أكثر من 5 إيميلات (أدرسز) بسبب نشاطاتهم وعمليات القرصنة .
وأيضاً المشكلة ليست هنا .
فالمشكلة تطورت بأن يقتحموا ويخترقوا بعض المواقع مدعين أنهم علمانيون , وأيضاً اختراقهم لبعض حركات اليسار السياسي والاجتماعي والحزبي من أحزاب معارضة , وهذا السلوك يشبه سلوك ذهابهم للبحر لكي يخبروا عمّا يجري هناك , وتطور هذا السلوك فبدل الذهاب للبحر أو بعد الذهاب للبحر ذهبوا للأندية وللأحزاب ولمؤسسات المجتمع المدنية , وهذا يفسر لنا بجلاء سبب خراب مؤسسات المجتمع المدنية في كافة أرجاء الوطن العربي , فأي تجمع فيه مسلمون يكون عبارة عن كتلة خراب كبيرة , وأي نادي يدخلونه يكون عبارة عن كتلة فساد كبيرة , يفسدونه بحجة أنهم يراقبون الناس لأنهم حريصون على أن نكون مهتدين لكي نلقى يوم القيامة محمداً صلى الله عليه وسلم وأحبته وصحابته والتابعين وتابعي التابعين إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيرا.
إذاً هنالك جهتان في الوطن العربي تفرض رقابة صارمة على الإنترنت وعلى كافة مفاصل الحياة ونوافذ التنفس وأبواب العبور والدخول والخروج , أول تلك الجهات قوية وصاحبة قرار ولكنها ضعيفة من حيث العيون المراقبة وهذه هي الأجهزة الأمنية بكل تشكيلاتها وبكل كوادرها .
أما الجهة الثانية فهي المتدينون أو الإسلاميون الذين يراقبون على الإنتر نت كل كبيرة وصغيرة ويقومون بتزويد الأجهزة الأمنية بتقاريرهم التي لا تتوقف عن الصدور مثل : فلان لمّح وحكى عن الديمقراطية والحرية , والكاتب الفلاني يقصد بكلامه رأس النظام الحاكم , وفلان من الكتاب يتلفظ بألفاظ مسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام , وآخر من الكتاب ينتقد النظام الإسلامي الاجتماعي ويصفه بالطاغي ., وذلك يدخل مواقع مخلة بالشرف وبالآداب العامة .إلخ ..إلخ ..إلى آخره من تلك الاصطلاحات .
وهنالك ميزة تجعل الإسلاميين شديدي الرقابة على الإنترنت وهذه تعود أولاً وأخيراً إلى التعاليم الإسلامية السمحة جداً والتي ترى أن النظام الإسلامي صالح لكل زمانٍ ومكان , لذلك يعتقد المسلم أنه صالح لكل زمانٍ ومكان لذلك فهو مرة ثانية يحشر أنفه في كل شيء وفي كل المواقع .
أنا مثلاً كشخص عادي حين لا يعجبني أي موقع لا أدخل إليه على الإطلاق ولكن الإسلاميين يدخلون كل المواقع التي لا تعجبهم ويسبون أصحابها وجيرانها ومستضيفيها والسيرفرات التي تقع عليها , بمقابل ذلك لا يدخل العلمانيون إلى مواقعه ليسبوهم أو ليشتموهم , وأنا هنا أتحدث عن نفسي فأنا مثلاً لا أفتح إلا صحيفة الحوار المتمدن لأكتب فيها مقالي وهنالك مواقع وصحف لا تعجبني لا أذهب إليها بعكس الإسلاميين الذين يأتون ليسبونا في عقر دارنا .
عدى عن ذلك حين أكتب رأيي في الصلاة وأسباب ارتفاع منسوبها وأوقاتها فأنا أكتب من وجهة نظر علمية ولا أسبُ ولا أشتم وأقول وجهة نظري من خلال دراستي لعلم الاجتماع والتاريخ الكلاسيكي وملاحظاتي عن الناس ولا أكتب لأن قلمي مأجور أو مبيوع , بل أكتب وجهة نظري وأرحبُ بأي تعليق يخالفني شريطة أن يتكلم كلاماً علمياً وسبق وأن نشرت ووافقت على تعليقات تخالفني في الرأي ولا تتهدد على شخصي أما أولئك الذين قمتُ وأقوم بحذف تعليقاتهم فهم لا يلتزمون بشروط وقواعد التعليق ويسبون ويشتمون إلى آخره إلى آخره.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟