عادل علي عبيد
الحوار المتمدن-العدد: 2934 - 2010 / 3 / 4 - 02:34
المحور:
الادب والفن
في عرض النفس تبحر الأحداث / ناشرة فضولها الجاني / ذلك الذي يغور في البعيد / وينتهك صور التأوه / تقاليد القرون وهي تبحث عن الجديد الذي يخترق اعتزازنا / ويمنحنا شيء من المغالاة / المعجونة مع وهمنا المتجدد/ عقيدتنا المتزعزعة مع نزعاتنا المزدحمة / او أهدافنا المصادرة / قبل أن نشرع بالكتابة عن ما نحب وما نكره / عن ذلك العالم المتجرد من حلله / وهو ينحني إلى جدة الأحداث التي تتكالب عليه تكالب النمل على بقايا البيادر / في تلك اللحظات يخوننا الاختيار / ونبقى نتأرجح بين الرفض والقبول / قبول الرفض ذاك ورفض القبول هو ما يحدد بقايا فطرتنا / او ناصع حقائقنا / هل نختار لون أيامنا ؟ .. او لحظة التألق التي نرقب ؟ / الأسئلة والأجوبة التي تمر علينا ، لطالما تتلبسنا / او أنها تصنع قناعات الصياغة للسؤال والجواب / في عرض النفس نحلق بعيدا عنا / لكننا نحيل التفاتاتنا لنتسمع قرع طبول القلب / دقاته المتلاحقة .. التي ننفر من سماعها دائما / او قل : نتجاهلها / إنها مثلما نخشى التحديق الطويل والجاد بوجوهنا المحدقة بنا / حتى أننا نستعرض ورعنا الخجل ، او نزيد في الخشوع المصطنع / اعتقد أن أصعب القناعات وأقربها تلك التي نراها قصية عن النفس والوجود / إن مرحلة الاختيار خارجة دائما عن قناعة الذات / هذا ما دلت عليه ألواح النفس قبل شطحات الفلاسفة / فالسبل المتعرجة التي تلف طوافاتنا هي الفيصل والحكم لوصولنا إلى المثابات التي ننشد / إذن فالعشق المحض هو ما نبحث عنه في آخر الطواف / إن اضطراب النفس يقلل من أثمها .. هذا لدى العقلاء منا .. او أصحاب الضمير المثقل بالخير / ولعل الاضطراب ذلك قد يقود غيرنا إلى تعاطي ما يشبه الجنون / او هو اقرب من أعتاب الثمالة / الدهشة او لحظة الدهشة الأولى هي التي تحدد معادننا / فالكل منا يحسب نفسه نبيا بين أبنائه وحتى إمام زوجه .. على الرغم من أن الزوجة هي خير من يخبر مواطن السقوط / ولكنها كالأرض التي تحتفظ بالجثث الجيف / إن الشعور بالاشمئزاز قد يسبق لمحات العيون أحيانا / او قل تحديقاتها الراصدة / وحتى ضربات الخيال الجامح / فكلمات الشاعر لا تحددها الأحداث / بل تنطلق صداحة بعد ارتطامها بعالمه الآخر / كذلك الصدى والرجع البعيد ، وهو يحلق سريعا فوق هاماتنا الخاوية / ويخترق أصوات نفوسنا بدرجات سوبرمانية تفوق المسافات / إذن ، فعالم هذه الكلمات مخزون كجرة السمن في ذلك الجراب المختوم بعقدة الشاعر / العقدة التي لا تفكها إلا قوافيه الشاردة ، او قصائده العصماء / تلك التي تجسد انعكاسا للزمن المزدحم ، الذي طالما يتجدد بطواف الشاعر ووقوفه على أبعاد الأحداث والتجارب / إن هذا الإرث يؤلف لنا ركاما من ديمومة اجتهد بها الشاعر وعطفها ضمن رؤى متفاوتة كانت تشب مرة وتشيب مرة أخرى / ولكن أفضل ما نلمسه في تلك الأشعار هو مدى تصدير أنواع الدهشة والتي لا يتعدى زمنها بضع أعشار من الثانية الواحدة / ولكنها تعني لنا عين الإبداع إذا صورت بطريقة الشعر اللحظوي ، او ما عمد إليه الشاعر من كسر للحجب والماورائيات التي تتلبس نفس الإنسان / إن ذلك يذكرنا بعظمة بعض الأحلام التي نتصورها وقد أخذت منا مساحة من الزمن ، إلا أنها تحددت ببضع ثوان / قد يستعير الشاعر هنا احاسيسا هي غير أحاسيسه التي نبتت في إرهاصاته ، او عاشت ضمن ذلك المحمول الخصب الذي يتمتع به / إن نظرة عجلى إلى تاريخ ذلك الشاعر لا سيما إذا حددت بدائرة الطفولة والعقد التي تكونه ، كفيلة بمعرفة تلك اللحظات المخلوقة حينا ، والطاغية على مشاعره حينا آخر / قد لا يختلف اثنان من أن الشاعر هو أفضل المختلسين الراصدين لغيره ، هذا يقودنا إلى أدواته التي ستنتهي وتكسد لا محالة ، ما يضطره لتقمص مجموعة من الشخوص الذين يوزعهم على أدواره الشعرية / ويبقى هو ينذر نفسه ليسمع شتات من أصوات ، يستذوق بعضها ويستهجن أخرى / من خلال برجه العاجي او مربعه الذهبي الذي لا يجرؤ أحدا على اختراقه ، او الوصول إلى أوليات أعتابه ، او حتى مقترباته / قد يصيب الشاعر شيء من الاشمئزاز او النفور من قصيدة قالها مرة ، او أسف على قولها ، ولكن أصوات تلك القصيدة سرعان ما تغزو عالمه الشعري من جديد ، متلبسة بحلة لا يعيها ، او بقافية يقال أنها قادمة من مدن عبقر البعيدة / قد تجره بعض لحظاته لآن يستحضر حدثا صنعه مرة او غاب عن ذائقته مرة أخرى ، وهو يحاول بل يجهد لأن يقلب أوراقه الصفر البالية في إحدى زواياه الرطبة النائية ، ليستحضرها ولكن زحام أحداثه تحيله إلى مربعه القديم ، او دائرته التي كانت ، من دون أن يحدد مكانه ، او بدايات انطلاق عباراته/ قد يمر الشاعر مرة بسلسلة طويلة من عقد النقص ، او مشاعر الإلغاء التي يلمسها لدى المترفين من البلداء الذين يشعر بتخمة جيوبهم وتورم بطونهم / إن عبارات الحرب تأخذ شكلا في الاستنفار والتعبئة والترقب ، يختلف عن عبارات الحب والشغف والتي دائما ما يغلب فيها الشاعر إحساسه على جميع معتملاته الأخرى / إن الشاعر هو المخلوق الوحيد الذي يحرق الكلمات من دون أن تنتهي او تتلاشى / إن ذلك الحطب الذي يضعه في موقد الإبداع لطالما يتجلى اتقادا ، ليحقق النور او الدفء ، الاندثار او الخلود / وهذا ما نسخ مقولات أزمة البلاغة واللغة / إن الشعر هو شروع في المواجهة ، وتحديا للواقع بشتى أشكاله / لذا نستطيع أن نقول وبقوة : إن شجاعة الشاعر هي أسمى الشجاعات / إن عالم الشعر لا يعترف بالنكوص والتقهقر / انه تجدد في مشاهد المواجهة وتجسيد لادوار التحدي وبصفاته المتقلبة / قد يشعر الشاعر بخجل من بعض قصائده ، ولكن يجب أن نعي جميعا بأنه قال تلك القصائد في زمن أنحجب عنه القول ، او انحسر فيه البيان / إن صولة الكلام تلك كانت عندما حقق الشاعر مبتغى في الوصول إلى نشيد الإحساس في زمن قياسي مشهود / قد يرجح بعض المعنيين أن جل حياة الشاعر تتحدد في صناعة حلم طويل ، لكن الإيغال بهذا الحلم يجتاز مقتربات الحقائق وذروتها أحيانا / قد نسلم القول إن الشاعر لم يعرف الترف يوما ولقد أطلق إنذار (ج) على كل أوقاته ، حتى ظل مستنفرا متأهبا للحظة الهجوم / على الباب الخارجي لضريح كيكاوس الأول في سيواس عبارة تقول : ( هنا يرقد الحكام الذين بلغوا الثريا ببأس سهامهم ، وكلأوا التوأمين بسن رماحهم . فانظر الآن مصيرهم مثل بنات نعش وكيف حطمت أيادي الموت رماحهم وكسرت سهامهم) . / إذن فهي نتيجة حتمية مسلمة للمواقف ، كما أن تلك الكلمات المشاعر هي بمثابة الدين الكبير لتلك المواقف / والحسم كل الحسم هو لمن يترك الإشراق في الزوايا المعتمة ، ويضيء دروب الآخرين بمشعل ينذره لهم قبل أن يطرد شتات الظلام أمام خطواته / قد نتفاخر بالدم أحيانا ، قد نعلق في بيوتنا رأس كبش او خنجر مسموم ملمع ، او فرو ثعلب او بقايا أعضاء خلفها أعداؤنا / قد نتفاخر ونتغالى بمعلقات الموت التي مجدت أيامنا الحمراء ، وهي تترك في سوح الوغى سيلا من دماء ، وتلالا من جماجم وأكداسا من أشلاء / قد نقيم لهذه وتلك متاحف طبيعية وأخرى من الشمع / ونعزز تلك المحفوظات بمسلات ومعلقات ومخطوطات مرسومة ومكتوبة بماء الذهب / ولكننا لا نجرؤ على اقتحام تلك الأروقة ، لأن الكلمات والأشعار والملاحم التي كتبناها ، تشير إلينا ، وتفصح عن كبر الإثم والجرم فينا / ما فتيء الشاعر هاربا من أمكنته ، مغادرا لها ، متعام عن المعالم التي تؤلف حياته ، على الرغم من مكوثه أحيانا أمام تلك الشواخص والأمكنة / إن السفر هو ديدن الشاعر ، ولكن السفر داخل النفس هو من أهم وأسمى مراحل السفر / ولنسلم جميعا أن الشاعر يموت ولم يقف على مجمل مدنه الخاصة وعوالمه المتشظية / فهناك في تلك المثابات القصية التي تزاحم فكر الشاعر ، دولا ولدت مدنا ، وقرى وقصبات لطالما استشهد بها الشاعر من دون أن يشير إليها / العجيب أن اغلب وجوه الشعراء هي وجوه هائمة طائفة شاردة / وكأن بلادة من الجدية قد تصاحب هجرتهم الآنية / إن الإعياء والتعب وتهدل الجفون والنظرات المحلقة المهاجرة ، إلى زوايا لم نبصرها تؤكد لنا أنهم أوغلوا بالصمت حتى استعمرهم / كما أن اعتزازهم ببعض العادات والتقاليد البالية التي تشعرهم بانتمائهم إلى طقوس خاصة ، وولوجهم عوالم بعيدة عن دوائر الآفاق ، واجتيازهم مضامير بعيدة عن مدارك الآخرين ، واعتمارهم قبعة الإخفاء التي تشير لوجودهم أينما حلوا ، تزيد من انتكاساتهم الجميلة ، وهم يصيرونها كضرب من التألق والتفعيل / السكون الحركي لدى الشاعر يجعله خير من يصنع الحياة بلا ضجيج او مغالاة / قد يستعرض السياسيون إنجازاتهم / ويفخمون عسيل القول باشرا قات قد يحسبونها إشراقا / او بمبادرات تجعلهم ممن يحاول أن ينوش النجوم / فيصدرون الخطب الشيشرونية ، والشعارات النارية ، والعبارات البركانية / ويخوضون مصطلحات مأساوية قوامها الأرامل واليتامى والمحرومين من أبناء الشعب الصابر / ولكن الشعراء يحسبون كل تلك الضروب وقفا لتوجهاتهم ، وإلزاما لرسالتهم ، وحتما لمهامهم / السياسيون يتأنقون حد التصابي ، ويجملون ويزوقون ويقلمون حتى الأظافر في صالونات خاصة / يصبغون الشعور ويلتمسون صناع الموديلات لاختيار ألوانهم وأذواقهم وحتى شكل ملابسهم الــ ... / ينتقون عطورهم من سلافة حمر الورود التي تحجب حمرة الدم / لكن الشعراء يحسبون ذلك الهم الجزافي ضربا من الإسفاف وبعثرة للزمن الراهن / قد تعادل رجاحة نفس الشاعر ألف مرة رجاحة فكر السياسي / ولكننا نسلم أن السياسي يمتلك ناصية الحسم قبل الشاعر / لأنه يعي أبعاد المستقبل وما يحمل من مفاجآت / إن السياسي ينام بعين واحدة / وتبقى أحلامه ترصد دبيب الحياة بكل حراكها وتحوم حول مكان الدماء التي تركها / فالشاعر يدرك ما بعد الحسم لأنه أدرى بمسببات القرار / ذلك أن نجاح الشاعر هو بمعرفته أغوار النفس الإنسانية / فهو يرصد الإعجاب والتأثر والانصهار / قد يغيب ذلك على السياسي وهو يبصر جدر القلاع دون أن يحصر القوة التي تختبيء خلف تلك الجدران / الحزم والقرار ديدن السياسي ، ولكن ذلك الحسم لم يكتمل إلا بمفاتيح الرأي التي جسدها الشاعر وهو ينحي دائرة المشاورة المشتركة الأحادية والتي التمست استقلاليتها من دونه /إن نبوءة الشاعر لا ترقى لتكهنات السياسي ، لأن دائرة فكر الشاعر هي دائرة عاطفية قلبية / أما دائرة السياسي فهي دائرة جدية عقلية / إن مساحة ابتسامة السياسي لا تتعدى شفتيه ولكنها تسابق الآفاق لدى الشاعر / إن صمت السياسي يقترن بالتخطيط والغائية وانتهاك معالم النفس وحرمة القلب، ولكن صمت الشاعر عبادة لتهذيب الوجدان وتربية المشاعر / / قد يبتسم السياسيون للشعراء ابتسامة تحمل بطيها حسابات خاصة / قد يتفقون يوما لا بأس بتشييد قصيدة سنمارية عصماء تكون عيدا لأولهم وأخرهم / إنهم يعون جيدا أن الشعراء هم خير من يخبر أبعاد طوافا تهم وحقيقة نياتهم / لذا أطلقوا شعار عاش الشعر عاش الملك .
#عادل_علي_عبيد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟