أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله خليفة - (القوقعة) أو كيف يتمُ سحل الإنسان؟














المزيد.....

(القوقعة) أو كيف يتمُ سحل الإنسان؟


عبدالله خليفة

الحوار المتمدن-العدد: 2921 - 2010 / 2 / 18 - 07:38
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


رواية السينمائي السوري (مصطفى خليفة) هي من الأعمال الإبداعية العارية، هي من دون تزويق ورتوش، من دون إعادة إنتاج، فهو يقطع الواقع بلحمه ودمه ويضعه على الورق الأبيض ولايزال القلب يتقلب ويتفجرُ (ويطرطشُ) بأعضائهِ فوق وجهك ولايزال الدم نافورة تضربكَ بقوة على جلدك، لتسأل أين كنت؟ كيف كنت تعيش في هذا العالم؟ كيف امتدت يدك إليه؟!
بلا شك إن اثنتي عشرة سنة في سجن رهيب لا علاقة له بالبشرية والمشاعر وكل هذه الحضارة التي زعمنا وجودها. المؤلف يضعُ قطعَ اللحمِ الساخنةِ المتفجرةِ بالصيحاتِ أمامكَ ويمضي لموقفٍ آخر ولا الدهس يتوقف، ولا الجثث تنسحب وتتوارى، بل عليك أن تلتقطها بيدك وتشم روائحها وتذعر في يقظتك قبل أحلامك وأنت تمسكها في مقعدك وفراشك وسوف تطاردك ما حييت!
إن سرده عادي بلا جمال خارجي، يرسمُ كلّ يومٍ بحدثهِ المميز، ويقتطعُ من ذلك الزمن الاثني عشري لمحاتٍ تطولُ أو تقصرُ حسب موقعها من حفلاتِ الزار الوحشية المُخصّصة لسحلِ الأجساد، إنه يجعل الواقع المصور بحد ذاته فناً، لأن تصوير الواقع بعد أن تنزعَ قشرتَهُ الخارجيةَ وتصورُ لحمَهُ الداخلي، يغدو بحد ذاته ذروة الإبداع الحقيقي.
القادم من الخارج، المثقف النظيف، ابن الأوادم المهم، المرفه، صادقَ معارضاً في الخارج، تنادما كثيراً في باريس بلد النور والحرية، قذفَ بعضَ الكلمات عن زعيم الدولة، كلمات ساخرة من تلك التي تـُقال كثيراً خاصةً حين تتفككُ نوابضُ العقل الأعلى الحكومي، فاصطادتهُ العيونُ والآذانُ التي لا تغفل عن شاردةٍ وواردة بين الأرض والسماء، فكتبت تقريراً ألقاه أسفل الجحيم، تسلمه الأمن، دخل في قنواته الداخلية فضاع. فقد كانت هناك حملةٌ لاعتقالِ الإخوان المسلمين، ولكن هذا الفنانَ المخرجَ مسيحي، وجاءَ في أثناء فيضانِ اعتقالِ الاخوان، فُحشر معهم وحشرٌ مع الناس عيد، ودخلَ في المواسير الحديديةِ الناريةِ للسجنِ مثل أي خنفساء، ضاعتْ بين الجداول والكلمات، فمضى معهم في شاحناتٍ للصحراء، يتبولون أثناء السير على حديد الشاحنة، وأيديهم مقيدة وراء ظهورهم، ثم راحوا يُقذفون في ممراتِ سجنٍ صحراوي، تنهشهم العصي تأتي من أي مكان، وهذا أثرٌ حضاري جاء من دولة الوحدة، ويكدسون في غرفٍ كل منهم يلاصق الآخر. وكل ما تحدث الراوي به إنه مسيحي لا علاقة له بالمسلمين كما أنه ملحد كذلك لا يؤمنُ بالأديان قالها أثناء الضرب على قدميه متذاكياً بأن الحملةَ ليست ضد أصحاب الأديان والاعتقادات الأخرى، فتعاورهُ الضربُ من كل جهة بشكل أقوى لأنه من المسيحيين ثم لأنه ملحد كذلك، وعاشَ في حصار مع زملائهِ السجناء المتدينين الذين قدموا لأسبابٍ مثل وضع قنبلة في مطعم وهلم جرا، إلا من بعضٍ من إنسانيين بينهم، يغدقون عليه الحب ويساعدونه ويتعرضون بسببِ ذلك لضرب الحراس وغضب زملائهم، وهم في الغالب أطباء لم يشاركوا في عمليات قتل المواطنين.
هذا السجنُ هو عمليةُ سلخٍ لجلد البشرية، هو عمل الاهانة والاذلال والتحطيم في كلِ وقت حتى الدهس الأخير، ولأي ردِ فعلٍ: حاجب يرتفع، أو صوت يعلو، أو مشي غير مستقيم، أو مرض جلدي يُصاب به المعتقل، أو مطالبة بخبز يابس، أو عدم النوم. وكل شيء يعرضُ المعتقل للجلد والعقاب الذي يدورُ في الساحة، كأن يشربَ من البالوعة، مثل العقيد المعارض الذي طُلب منه أن يشربَ من البول حتى يَبلَ ظمأَهُ، وأجبرهُ عدةُ حراسٍ ولكنه قاومهم حتى قُتل. عمليات القتل تجرى ببساطة شديدة، قد تُوضعُ كلمةٌ على سيارة ضابط كبير مثل(سوف ننتقم من أعمالك)، فيتوجه للسجن ويقتل مجموعة بعدةِ طلقاتٍ، ورؤوسهم متوجهة للجدران!
يجمعون كل حثالةٍ من أجل تعذيب المعتقلين، فهناك(البلديات)، وهي ثلة من سمادة المجتمع تقوم بالمهمات القذرة:( هم الجنود السجناء الفارون من الخدمة العسكرية، والجنود الذين يرتكبون جرائم القتل، الاغتصاب، السرقة، ومدمنو المخدرات... كل الجنود المجرمين، حثالة الجيش، يقضون فترة عقوبتهم في السجون العسكرية، في مثل هذا السجن، مهمتهم التنظيف وتوزيع الطعام وغيره من الأعمال... من هنا جاء اسم البلديات، هؤلاء في السجن الصحراوي لهم مهمات أخرى) وهذه المهمات الأخرى مثل قلع العيون أو شي الأجساد حسب طابع الحفلات المقامة أو الضرب حتى الموت.
الرواية مليئة بمثل هذه التفاصيل الوحشية، ومحاولة سحل الإنسان كلياً، لكن الشخصية تحاول البقاء، والتلصص عما يجرى من ثقب في السجن، وتستمر لا تعترف ولا تدون شهادةَ استسلام، بحسب ما يقول الراوي، ولا ندري تماماً كيف يستطيع أن يصمدَ في كلِ أشكالِ التعذيب حتى بعد اثنتي عشرة سنة حين يتم التوسط له لكي يخرج فخاله (شيوعي) وتابع للنظام وصار وزيراً؟!



#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تمهيد الثورة الخضراء الإيرانية ( 2 - 3)
- التحولات السياسية في تركيا (1-2)
- التحليل والتغيير
- خطاب للعامل الذكي
- انتهاء زمن الدولة الأبوية
- الخلاص هو في التحالف مع اليسار الديمقراطي
- غياب الجدل من تاريخ اليمن
- الولادة العسيرة لليسار الديمقراطي الشرقي (1)
- الرأسمالية الخاصة في البحرين (2)
- صراع الغرب والإسلام الآن
- الرأسمالية والبداوة
- الطبقة العاملة الهندية في البحرين (2)
- الثورات والاقتصاديات المشوهة
- الحرس: عقدة المشكلة
- حوار مع العفيف الأخضر (3 - 3)
- حوار مع العفيف الأخضر (2 - 3)
- حوار مع العفيف الأخضر ( 1 3)
- جذور الرأسمالية في الخليج
- العمال بين الرأسماليتين
- مخاطرُ الصراعات العسكرية في الخليج والجزيرة


المزيد.....




- خوف وبكاء.. شاهد لحظات رعب عاشها طلاب يحتمون أثناء وقوع إطلا ...
- مكتب نتنياهو يعلق على تقرير -إدارة ترامب منعت إسرائيل من الا ...
- مراسلنا: مقتل 34 فلسطينيا بغارات إسرائيلية منذ فجر اليوم بغز ...
- -قيل لي إنه لا ينبغي أن أكون أماً لأنني كفيفة-
- حرب أوكرانيا- واشنطن -ستتخلى- عن -دور الوساطة- في حال عدم إح ...
- لافروف: روسيا مستعدة للمساعدة في المفاوضات بين الولايات المت ...
- الكرملين: مدة اتفاق حظر الهجمات على منشآت الطاقة انتهت ولا ت ...
- زيلينسكي يوقع قانون تمديد الأحكام العرفية والتعبئة العامة
- بكين وواشنطن.. حرب تجارية عالمية
- أحزاب جزائرية تؤيد موقف السلطات من باريس


المزيد.....

- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله خليفة - (القوقعة) أو كيف يتمُ سحل الإنسان؟