أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - أدونيس - رَهبة، رُهَاب، إرهاب















المزيد.....

رَهبة، رُهَاب، إرهاب


أدونيس

الحوار المتمدن-العدد: 2901 - 2010 / 1 / 28 - 14:40
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    



الاربعاء, 27 يناير 2010
- 1 -

لا خلافَ، مبدئياً، على محاربة الإرهاب. القضاءُ عليه أمرٌ تفرضه ضرورة القضاء على كلّ ما هو مظلمٌ ووحشيٌ في الإنسان. واستئصاله، إذاً، ضرورةٌ مُطلقة.

لكن، هناك اختلافٌ على طرق المحاربة. خصوصاً أن بعضها يُمارَس، اليوم، عشوائياً، بحيث تبدو كأنها إرهابٌ آخر. خصوصاً أنّ الإنسان يكاد أن يُعامَل، اليومَ بوصفه إرهابياً، أو نصيراً للإرهاب، أو متعاطفاً، أو شريكاً. ثمّة نزوعٌ متزايدٌ لعولمة الإرهاب: حَرْباً بهِ، وحَرْباً عليه.

الإرهابُ لا يُحارَبُ بالإرهاب.

- 2 -

يجرّدون الإرهابيَّ من ظروفه كلها. من عوامل التاريخ، ومن دوافع النفس. من العلاقات والمصائر. من الأحلام والطموحات مِمّا يشغل الفكر والعقل والقلب. من الهزائم والخيبات والانسحاقات. ينظرون إليه كما لو أنّه كتلةٌ صَمّاء. كأنّه مجرّد قنبلة، مُجرد حجَر، مُجرد فَخّ.

هكذا لا يرون منه إلا سلاحه. لا يرونَ من هذا السلاح إلا فعلَه المخرِّب. أَما تلك الطاقة الداخلية التي تحرِّكه، فلا يعبأون بها. هكذا، يطاردون السلاحَ ويُهملون «الرّوح» التي تقودُه وتوجّهه. يحاربون «الرَّهبةَ» وينسون «الرَّغبة». يقفونَ عند «الإرهابي» في الإنسان، اختزالاً، وتبسيطاً، لا يقفون عندما يخبئهُ «إرهابهُ» من «الرَّغبة»، إنسانياً، ومن «الرَّغيبة»، و «الرُّغْبَى»، دينياً. لا يُصغون الى ما يُصغي إليه: «عليكم بالجهادِ فإنَّهُ رَهْبَانيّةُ أمّتي» (حديث)، وإلى القول السائر: «سَنَامُ الإسلام الجهادُ في سبيل الله».

- 3 -

«الإرهابيّ» الذي لا يحاربون فيه إلاّ سلاحه «الظاهر»، مؤمنٌ أوّلاً، وقبل كلّ شيء، إيماناً كاملاً بمطلقه الديني. مؤمنٌ أنّ المعنى الأخير لوجوده نابعٌ من هذا المُطلَق. أنّ حياتَه، تِبْعاً لذلك، لا تجد حقيقتها إلا فيه، ولا تجد خلاصَها إلاّ به.

لماذا، إذاً، لا يستسلمُ لكل ما يعزّز هذا الإيمان؟ لماذا، إذاً، لا يعمل على هَدْم كل ما يناقضه؟ ولئن أعوزه السلاح الآليّ، فإن عنده سلاحاً آخر: جسده نفسه - ذلك السلاح الحيوي، الطبيعي، الذي لا «يَسْتَوردُه»، والذي هو وحده صانعهُ، وسيّدٌ عليه، والذي لا مَردَّ له، ولا غالبَ حتى الموت نفسه. ماذا أقول: الموتُ نفسه جزءٌ من هذا السلاح.

- 4 -

لماذا لا ينظرون، في هذا الأفُقِ «الإرهابيّ» أو «الرُّهابيّ»، الى الحياة العربية - الإسلامية في واقعيتها المرئية والملموسة؟ ألا يكاد السُّبَات الذي يُهيمن عليها أن يكون أشدَّ خطورةً من الفوضى؟ الأول دليل الجمودِ واللامبالاة والتعفّن. الثانية دليل قلقٍ وحيوية، وإن كانت دليل استهتارٍ ولا مُبالاة. ويمكن السيطرة على الفوضى، بحيث يحلّ محلها الاستقرار. غير أن التغلّب على السُّبَاتِ يحتاج الى ثورةٍ ليست الحياة العربية، الآن على الأقل، مهيّأةً لها.

لماذا لا ينظرون، في هذا الأفق، الى «براكين» الإرهاب: الفساد، الفقر، الأمية، البطالة، القمع، الطغيان، العدوان الخارجي على جميع المستويات، الكارثة الإنسانية المتواصلة منذ أكثر من نصف قرن، في فلسطين، والنزعة الجامحة في السياسة الإسرائيلية - تشريداً، وتهديماً، وعَزْلاً، وتوسّعاً، واستملاكاً، وطَرْداً، وسجناً، وقتلاً، ولا مبالاةً.

لماذا لا يخطر في بالهم أن القضاء على الإرهاب، إن كانوا يريدون ذلك حقاً، لا يبدأ من مطاردة السلاح، وإنما يبدأ بالعمل على الخلاص مِن هذا كلّه؟

لماذا لا يلاحظون أنّ هذا كلّه لا تريده ولا تعمل له - لا الأنظمة العربية أو الإسلامية، ولا الأنظمة الأجنبية، ولا إسرائيلُ، طبعاً؟

لماذا لا يرون، استناداً الى ذلك، أن كلامهم على السلام لا يُنظَر إليه إلا بوصفه غطاءً آخر للحرب المتواصلة التي لا يتمزّق فيها إلا جسمان: الجسم العربي، بخاصة، والجسم الإسلامي، بعامة؟

لماذا لا يعقلون أنَّ حربهم على الإرهاب لن تُفهَم إلا بوصفها حرباً على البشر أنفسهم، وعلى ثقافتهم، وعلى منجزاتهم، وعلى طموحاتهم، وعلى حقوقهم؟

لماذا لا يفهمون أن كل ما يعزّز إنتاج السلاح، وما يدمّر طاقات البشر ومواردهم ومصادرهم، إنما هو خميرة الإرهاب الأولى؟

لماذا لا يتأمّلون في هذه البداهة: الإرهاب الحقيقي، في هذا المنظور، كامِنٌ في هذه الحَرب الغاشمة الجاهلة على الإرهاب، الحرب التي تمارسها الولايات المتحدة، «زعيمة العالم الحر»، وحلفاؤها غرباً وشرقاً، مسلمين وعرباً؟

- 5 -

غير أن «الساحر» لا يجيب، لا يقدّم حلولاً. السّاحرُ «يوهم» و «يموّه». «يُخيِّل»، و «يشبّه»، و «يصطنع».

هكذا، سوف يتّخذ هذا «الساحر» من الإرهاب «ذريعة» و «واجهة» لحربٍ أخرى يفرض فيها سيطرته وهَيْمنتَه. يغزو، دون «غزو». يحتلّ، دون «احتلال». يدعم الأنظمة الحليفة، دون «دَعْمٍ»، ودون «تَحالُف».

ثم تقدّم «وقائعُ» الإرهاب الوسائلَ التي تكتمل بها «الحبكة»: الانغلاق الديني، الأعمال «النضالية» التي لا تميّز بين البريء والمجرم، بين الطفل والكهل، أو حتى بين «المؤمن» و «الكافر». ويَسهل عند ذاك القولُ بعبثية النضال العربي أو الإسلامي، أو بوحشيته. و «الأخطر» يسهلُ القول: الأفقُ مغلقٌ في وجه أولئك المجانين الذين يتصوّرون أنّ في الإمكان بناءَ مجتمعٍ عربيّ جديد، ومختلفٍ عمّا هو، اليوم. وليس عليهم إلاّ أن يزدادوا يقيناً بأن «العصر الذهبي» الذي يحلمون به لن يكون إلا عصراً آخر من الحجر.

- 6 -

خطأٌ، في ظنّي، تشبيهُ الأصوليات الإسلامية، بتجلياتها المتعددة والمتنوعة، بالأصوليات الأخرى: القوموية الوحدوية، والشيوعية المؤسسية، واليساروية. وبأنها، خصوصاً، حلّت محلّها، مالئةً الفراغ الذي تركته في المجتمعات العربية والإسلامية. هذا تفسيرٌ «غربيٌ» محضٌ، بالمعنى السياسي السيئ والسلبي. وهو لذلك تبسيطي، اختزالي، سطحي.

الأُصولية في هذه المجتمعات هي المادة والتربَةُ والواقع. هي الأساس. غير أنها كانت، لظروف تاريخية، «نائمة» أو «مُنوَّمة». والتاريخ لا ينام. وها هي مثله «تستيقظ». ولم يكن الدين، بحصر المعنى، مُنَبِّهها الأول، إذ ليست هناك قراءات جديدة دينية - روحية لهذه الأصول، في ضـوء الانقلابات المعرفية والعلمية الكبرى التي عرفتها العصور الحديثة، على مستوى الكون.

كانت السياسة، بصورها الأيديولوجية المغلقة، هي ذلك المنبّه. ولهذا يمكن القول إن تلك الأصوليات تمثّل اتجاهاتٍ سياسية - أيديولوجية تلبس، بطبيعتها، لبوس الدّين. وليست الكثرة بين المسلمين والعرب، هي التي تنهض بأشكالها وممارساتها العنفية، سواء في النظر أو العمل. تنهض بها، على العكس، قلّةٌ قليلة، قياساً الى الجمهور، العربيّ - الإسلامي، الضخم والذي لا يميل إجمالاً، إلى العُنْف.

وصَف إسخيلوس، المسرحي الإغريقي الكبير، بلسان بروميثيوس، المحرّر، سارقِ النار، أناسَ العالم القديم قائلاً: «كانوا يُبصرون دونَ بصيرة، ويسمعون دون أن يَعُوا، ويعملون دونَ تفكير». هذا ينطبق تماماً على أولئك «الغربيين» الذين يزعمون أنهم يحاربون الإرهابَ «الإسلاميّ»، ويقودون سياساتِ هذه الحرب التي تُلزمنا بأن نضيف الى ما يقوله إسخيلوس جملةً أخرىً تُختصُّ بهم: «ويقتلون ويهدمون، دون وازعٍ أو رادع». تلزمنا كذلك بأن نستنتج: إنّ بناة الحضارة في «العالم الأول»، إذ يزعمون أنهم يقضون على الإرهاب في «العالم الثالث»، إنما يقضون، عملياً، على البشر.

لهذا لا نعجبُ من أَنّ هؤلاء لا يُحسون بسيرورة البشَر في هذا «العالم»، ولا بصيرورتهم. لا يُحسّون بالمآسي والخيبات التي تنهش أعماقهم. لا يحسّون بالحياة التي يعيشونها كأنها هاويةٌ بلا قرار، تقذف بهم الى لا قرار. لا يُحسّون بهَوْل الخواء الذي يجوّفهم، ويحوّلهم الى كائناتٍ من الهباء. لا يُحسّون بالسجون، المادية والروحية، التي تطبق عليهم من جميع الجهات.

وكيف لا ينبتُ الإرهاب إذاً في مثل هذا العالم الذي لا يتوقف قادته عن المطالبة بالحرية والتحرر، ولا يمارسون في الواقع إلا نَشْرَ العبودية، وتمجيدَها، وإلا الطغيان؟

الإرهاب هو حيث لا مكانَ للإنسان وحقوقه.

والعالَمُ الذي لا حقوق فيه للإنسان، ليس عالماً للإنسان.

- 7 -

خاتِمة - إشارة:

سمّاني بعض الكتبة والمُسْتَكْتَبين «وَهّابياً» لأنني كتبتُ عن الحركة الوهابيّة، من أجل فهمها، وفهم موقعها في حركة الثقافة العربية - الإسلامية،

وسمّوني «كردياً» لأنني زرت إقليماً عراقياً، اسمه كردستان،

وسمّوني «خمينياً»، لأنني كتبتُ عن الثورة الإيرانية، ضد نظامٍ إمبراطوريّ،

ألن يُسَمّوني، إذاً، الآن «إرهابياً»، لأنني أكتب عن الإرهاب، من أجلِ فهمه، وفهم «موقعه»، خصوصاً، في حركة التحرر من هيمنة «الغرب»؟

ولن أُفاجأ. فالفكر العربي، في نزعته الغالبة (سياسياً وأيديولوجياً) فكرٌ «طَوطميّ».



عن الحياةاللندنية



#أدونيس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أول الشعر
- 2010، عام الجدار
- سجال المئذنة
- الشعر: استهلاك أم انتهاك
- التاريخ، هذا التاريخ
- كورتي نوفا / البندقية
- مظلّة لوردةٍ أرهقها العطش
- صحراء I
- ماذا يَعني أن تكون مختلفاً؟
- معجمٌ مصغّر لهن
- «الأصول» التي تُعطّل الحياةَ... وتأسر العقول
- ثلاث قصائد
- مرآة الزلاجة السوداء
- مرآة لفارس الرفض
- في رثاء درويش : أحب أن أبكي
- في اللّيل والسماء كمثل جسمٍ فاتن
- لم يعد غير الجنون
- المهد
- من أغاني مهيار الدمشقي
- المثقف العربي لا يقوم بدوره النقدي


المزيد.....




- الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي ...
- -من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة ...
- اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
- تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد ...
- صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية ...
- الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد ...
- هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
- الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
- إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما ...
- كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟


المزيد.....

- لمحات من تاريخ اتفاقات السلام / المنصور جعفر
- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - أدونيس - رَهبة، رُهَاب، إرهاب