عرفة خليفة الجبلاوي
الحوار المتمدن-العدد: 2901 - 2010 / 1 / 28 - 10:30
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
هل كان الوحي القرآني باللفظ أم بالمعنى ؟
ذكر السيوطي عن الأصفهاني في الإتقان (1: 44): اتفق أهل السنة والجماعة على أن كلام الله منزل واختلفوا في معنى الإنزال، فمنهم من قال هو إظهار القراءة ومنهم من قال إن الله ألهم كلامه جبريل.
وقال الطيبي لعل نزول القرآن على النبي(ص) أن يتلقفه الملك من الله تعالى تلّقفًا روحانيًّا أو يحفظه من اللوح المحفوظ فينزل به إلى الرسول فيلقيه عليه. وقال القطب الرازي: المراد بإِنزال الكتب على الرسل أن يتلقفها الملك من الله تلقفًا روحانيًّا أو يحفظها من اللوح المحفوظ وينزل بها يلقيها عليهم؛
إذا المنزل على الرسول هو أحد الاحتمالات الثلاثة التالية:
إما اللفظ والمعنى؛
وإما إن جبريل نزل بالمعاني فقط، والرسول عبر عنها بلغة العرب؛ ودليل من قال ذلك قول القرآن: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (الشعراء 193-195)
والثالث أن المعنى أُلقي إلي جبريل، وإن جبريل عبر بهذه الألفاظ بلغة العرب.
وقال الجوّيني: كلام الله المنزل قسمان قسم قال الله لجبريل: قل للنبي الذي أنت مُرسَل إليه، الله يقول؛ ففهم جبريل ما قاله ربه ثم نزل على ذلك النبي وقال له ما قاله ربه، ولم تكن العبارة تلك العبارة. وقسم آخر قال الله لجبريل: اقرأ على النبي هذا الكتاب فنزل جبريل بكلمة من الله من غير تغيير.
إذن، فالخلاف قائم بين المسلمين أنفسهم عما إذا كان القرآن قد نزل بالمعاني وحدها، أو نزل بالمعاني والألفاظ معًا.
إن القول بنزول القرآن بالمعاني دون الألفاظ ينتج عنه إشكال ضخم: إذا كان جبريل، كما نقل السيوطي إنما نزل بالمعاني خاصة وأن محمدًا عَلِم تلك المعاني وعبر عنها بلغة العرب؛ أو أن جبريل ألقي إليه المعنى، وأن جبريل عبر بالألفاظ عن المعنى بلغة العرب فألفاظ القرآن ليست من الله، بل هي من محمد أو من جبريل. وبما أن إعجاز القرآن في ألفاظه ونظم هذه الألفاظ وأساليب بيانها، وعلى ذلك يكون إعجاز القرآن ليس منزلا، يؤيده الحديث المأثور: عن الرسول أعطيت جوامع الكلم .لذلك فإعجاز نظمه مع التعبد بلفظه قائم على الرسول العربي وليس على الله القدير.
كما إن القول بنزول القرآن بالمعاني والألفاظ معا ينتج عنه إشكال أضخم من الإشكال الأول: إذا كان جبريل قد نزل بالمعنى واللفظ، فمن أين جاءت القراءات العشر ـ وهي ليست الأحرف السبعة ـ التي تعطي عدة قراءات للكلمة الواحدة والتي تختلف عما تم تدوينه في المصحف العثماني، وسأعطي أمثلة لهذه القراءات، وهي من معجم القراءات للدكتور عبد اللطيف الخطيب، ليتبين للقاريء الكريم أية الألفاظ التي جاءت وجيا وأيتها التي حرفت النص القرآني:
مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (الفاتحة 4)
مالك: هي قراءة الجماعة
قرأ ابن كثير: ملك بفتح الميم وخفض (كسر) اللام وخفض الكاف
وقرأ أبو هريرة: ملك بفتح الميم وسكون اللام
وقرأ أبو عثمان النهدي: ملك بخفض الميم وسكون اللام على وزن عجل
وقرأ أنس بن مالك: ملك بنصب الكاف
وقرأ سعد بن ابي وقاص: ملك برفع الكاف على تفدير (هو ملك)
وقرأ على بن أبي طالب: ملك يوم الدين، فعلا ماضياوبنصب يوم
وقرأ الأعمش: مالك بنصب الكاف
وقرأ ابن أبي عاصم: ملكا بالنصب والتوين
وقرأ عاصم الجحدري: مالك يوم برفع الكاف والتنوين ونصب يوم
وقرأ أبو هريرة: مالك يوم بالرفع والإضافة إلى يوم
وقرأ أبو هريرة: مليك على وزن فعيل
وقرأ على بن أبي طالب: ملاك بالألف والتشديد للام وكسر الكاف
وقرأ عمرو بن العاص: مليك على فعيل وبضم الكاف
وقرأ عن ورش: ملكي بإشباع كسرة الكاف
وعند ابن ملك: مالكي بالألف وإشباع الكاف (عن ورش ونافع)
وغير ذلك
إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (يوسف 4)
(يا أبت): قرأ عاصم عن ابن كثير (يا أبت) بكسر التاء.
وقرئ (يا أبتا) بالألف بدل من الياء.
وقرئ (ياأبتاه) بالهاء على لفظ الندبة.
وذهب فطرب إلى أن أصله (يا أبة) بالتنوين
قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا (البقرة 259)
فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ: هي قراءة الجماعة
قرأ ابن مسعود: وَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ.
وقرأ ابن مسعود: وهذا طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ
وقرأ طلحة بن مصرف: فَانْظُرْ لطَعَامِكَ. باللام بدلا من (إلى)
وقرأ ابن مسعود: وهذا َشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ
يتسنه: هي قراءة الجماعة
قرأ أبي بن كعب: لم يسنه بإضغام التاء في السين
وقرأ ابن مسعود: لم يتسنن بالتاء وينونين
وقرأ طلحة بن مصرف: لم يسن بإضغام التاء في السين وحذف الهاء
وقرأ طلحة بن مصرف أيضا: فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لمئة سنة. بدلا من يتسنه
ننشزها: بالزاي وضم النون هي قراءة الجماعة
وقرأ ابن عباس: ننشزها بفتح النون وضم الشين وزاي بعدها.
وقرأ نافع: ننشرها بضم النون والراء المهملة.
وقرأ ابو جعفر: ننشرها لتشديد الشين
وقرأ ابن عباس: ننشرها بفتح النون والراء المهملة.
وقرأ أبي بن كعب: ننشبها بالياء أي نخلقها
وقرأ السمين: ننشئها بالهمز من النشأة
آية واحدة تقرا بالتباديل الرياضية مائة وعشرين قراءة مختلفة!!
إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (مريم 26)
صوما: قراءة الجماعة أي صمتا
وقرأ أبي بن كعب: إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا صمتا
وروي عن أنس: صَوْمًا وصمتا بواو
قال القرطبي: واختلاف اللفظين يدل على أن الحرف ذكر تفسيرا لا قرآنا
وقرأ أبي وأنس: صمتا وجاء كذلك في مصحف عبد الله وهو تفسير الصوم
وقرأ ابن عباس: صياما، والصيام والصوم سواء
إن عدم ثبات النص القرآني امر واقع، ومن لا يصدق عليه قراءة معجم القراءات الذي أشرنا إليه وهو متاح على الشبكة العالمية(الإنترنت) ويتكون من خمس مجلدات ضخمة كل مجلد منها يتعدى الألف صفحة، وغيره من كتب القراءات الكثير.
فالمشكلة هي أنه لو أنزل القرآن بالمعنى دون اللفظ، لا ينسب إعجاز القرآن لله، ولكن ينسب للبشر، وما يقوم به بشر يستطيع أن يقوم به بشر آخر والتاريخ والمنطق والواقع يؤيد ويؤكد ذلك.
أما إذا كان القرآن قد أنزل بالمعنى واللفظ معا، تأتي القراءات القرآنية كعقبة كأداء لإقناع المسلم بإعجاز القرآن فأية قراءة بل أية لفظة نعتبرها هي الأصل المنزل، وكيف دخلت الألفاظ الأخرى الكثيرة وحلت محل اللفظة الأصلية؟ وكيف تم اختراق الذكر المحفوظ؟ أسئلة يطرحها الواقع القرآني ولا إجابة لها، أللهم إلا صراخ المتعصبين الذين لا يملكون رد.
انتهت
#عرفة_خليفة_الجبلاوي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟