|
الديكتاتور 29 ( الاستفتاء )
ثائر الناشف
كاتب وروائي
(Thaer Alsalmou Alnashef)
الحوار المتمدن-العدد: 2879 - 2010 / 1 / 5 - 21:11
المحور:
الادب والفن
المشهد التاسع والعشرون ( الاستفتاء ) ( يجلس هارون وشامل وسط الشارع بالقرب من مقهى المدينة ، وأمامهما طاولة وصندوق انتخاب ، حيث يشرف الأول على الصندوق والثاني على تسجيل المقترعين في السجل المدني ) هارون ( بنزقٍ شديد ) : ليتني أصبت بوعكة صحية أقعدتني في البيت على ألا احضر هذا اليوم الذي ما زال طويلاً في حياتنا . شامل : وما عسانا أن نفعل ؟. هارون : لو أنهم نقلونا إلى الاستفتاء في المدارس أوالمشافي ، لكان ذلك أفضل مما نحن فيه الآن في الشارع . شامل : وأين المشكلة في ذلك ؟. هارون ( محتداً) : أنسيت أننا في وسط الشارع وأمام أعين المارة ، ماذا سيقول الناس عنا ، نتسول أصواتهم ؟. شامل : نحن لا نتسول اصواتاً من أحد ، بل نقوم بواجبنا في هذا اليوم الوطني ، الذي يتمناه كل مخلوق في هذا البلد . هارون ( متأففاً ) : لكنني أرى الناس تلتزم بيوتها في يومك الوطني ، أليس حرياً بنا أن نلتزم بيوتنا أيضاً أسوةً بهم ؟. شامل : لو أردت الذهاب إلى بيتك ، فلا مانع لدي ، هيا اذهب ، لكني أوصيك ألا تخرج منه ، لأن في كلامك هذا ما يدعو إلى التقاعس والتخاذل ، أكثر مما يدعو إلى الأمل بالزعيم الجديد . هارون ( ممتعضاً ) : إني أحسدك على تفاؤلك المفرط أيها المواطن النجيب . شامل : أتريدني أن أجلد نفسي بالتشاؤم كما تفعل أنت وغيرك ؟. هارون : كلا ، تفاءل كما تشاء ، لكن على ماذا تريدني أن أتفاءل ، على أجورنا المتدنية ، أم على فقرنا المدقع ؟. شامل : علينا أن نتفاءل بالمستقبل ، سيما وأن الزعيم الجديد ، بشرنا خيراً ، أنسيت ذلك ؟. هارون ( هازئاً ) : أبداً ، لم أنسَ أن المستقبل له ولمن حوله ، وليس لنا سوى عض الأصابع . شامل ( محتداً ) : أتعي ما تقول ؟ إن كلامك هذا ، تفوح منه رائحة التآمر النتنة. هارون : لم أقل سوى ما بضميري ، وأحمد الله ، أنه لم يبقَ لي غيره ، ولا أدري ما إذا بقيت ضمائر الآخرين حية ، أم تراهم رهنوها أو باعوها لأوهام المستقبل . شامل : لولا سعادتي الغامرة بهذا اليوم المجيد .. هارون ( مقاطعاً ) : لأوشيت بي إلى من يهمه الأمر ، وأودعتني السجن ومن ثم أرحت ضميرك . شامل ( محتداً ) : هذا البلد العظيم لا يليق بأناس أمثالك . هارون ( هازئاً ) : أجل ، إنه لمن يوظف شعبه في المدارس والشوارع ليجمعوا له أعلى نسبة من الأصوات ، فقط ليتباهى أمام العالم ، أنه الزعيم الأكثر شعبية ، هل من الأخلاق بشيء أن نتصيد الناس في الشارع لنرغمهم على الإدلاء بأصواتهم ؟. شامل : أجل .. أجل ، منذ متى كنت تستطيع التفوه بما في داخلك كما تفعل الآن أيها الجاحد . هارون : سنرى في قادم الأيام ، ما إذا استطاع أحدنا أن يفتح فمه وقتما يشاء ، أم أنه وكالعادة لن يفتحه إلا عند طبيب الأسنان . ( يمر رجلاً ومعه طفلاً في سن العاشرة ) الرجل : السلام عليكم . هارون : أهلاً بك . شامل ( باسماً ) : كل عام وأنت بخير. الرجل ( باستغراب ) : وما المناسبة ؟. هارون ( عابساً ) : إنها مناسبة اليوم الوطني العظيم . شامل ( متزلفاً ) : أجل ، إنه يوم انتخاب الزعيم . الرجل ( مندهشاً ) : كل ما أعرفه أن هذا اليوم هو للاستفتاء على شخص الزعيم ، ولم يخطر ببالي أن يصبح يوماً وطنياً ؟. هارون ( ساخراً) : ما أكثر أيامنا الوطنية ! . الطفل ( مشيراً لأبيه ) : ماذا يعني يوماً وطنياً ؟. شامل ( مقاطعاً ) : إنه اليوم الذي يحمل في طياته ذكرى عظيمة للناس كهذا اليوم المجيد . الرجل ( يحدق بطفله ) : كفاك ثرثرة أيها الغلام . شامل : مهلاً ، من حق ولدك أن يسأل كي يعرف معنى هذا اليوم ، أما إذا سأل ولم يعرف ، فإنها مصيبة كبرى . الرجل ( يقدم لهما بطاقته الشخصية ) : تفضلا ، أود التصويت . هارون ( يقدم له قسيمة اقتراع ) : أدلوا بصوتك في هذه القسيمة . الرجل ( يمضي على القسيمة ) : تفضل . شامل : مهلاً .. مهلاً ( يحدق بالقسيمة ) بماذا صَوْتَّّ ؟. هارون (حانقاً ) : وما دخلك بصوته ، اطمئن لقد صوتَّ بنعم كما تحب وترضى ، وهل يوجد غير هذه النعم ؟ ( يضع القسيمة في الصندوق ) . الرجل ( يلتقط بطاقته من شامل ) : حقاً لا يوجد غير هذه النعم ( يسير وطفله ). شامل : مهلاً يا هذا ، ألا تريد الاقتراع لولدك ؟. هارون ( هازئاً ) : اقترع بالنيابة عنه . ( يمر رجلاً من أمامهما ) هارون ( متفرساً ملامح الرجل ) : أيعقل أن يكون أبوناطق ( ينهض من مجلسه ويسير بجانب الرجل ) أبو ناطق . ابوناطق ( يتلفت إلى الوراء ) : أهلاً ، أتعرفني ؟ ( يتفرس ملامح هارون ) .. هارون . هارون ( يضمه إلى صدره ) : لا أصدق ما أرى وأسمع . ابوناطق ( متحسراً ) : وأنا لم أصدق أن أراك بعد هذا الغياب الطويل . هارون ( يمسك بيده ) : هيا بنا إلى المقهى ( يمشيان ثلاث خطوات باتجاه المقهى ، يجلسان على إحدى طاولاته ) . هارون : أين كنت غائباً طوال هذه الفترة ؟. أبو ناطق ( بمرارة ) : ألم تعلم ما حل بي ورفاقي ؟. هارون ( مستغرباً ) : أبداً .. أبداً . أبو ناطق ( مطرقاً بأسى ) : قبل عشرة أعوام جرى اعتقالنا ( يشير بيده نحو اليمين ) من المبنى المجاور لهذا المقهى ، وظللنا نقبع في السجن حتى يوم أمس . هارون ( محتداً ) : ومَن الذي اعتقلكم ؟ . أبو ناطق : ومَن تراه يكون . هارون ( ساخطاً ) : إنه المأفون في قبره ، سحقاً له ولعناصر أمنه ، ولكن ما السبب ؟. أبو ناطق : عزيزي هارون ، رغم اعتقالي لعشرة أعوام ، لم أكن أعرف التهمة الموجهة إلي ، ربما كان السبب فيما كنا نقوله في لقاءاتنا الأدبية في منتدى العدالة . هارون ( بعصبية ) : يا إلهي ، عشرة أعوام فقط لمجرد الكلام . أبوناطق : يا عزيزي ، إن محكوميتنا كانت الأخف قياسا للذين أعدموا أمام أعيننا في باحة السجن . هارون (مندهشاً ) : ويعدمونكم أيضاً . أبو ناطق (حانقاً ) : وما نحن في هذا البلد سوى قطعاناً من الماشية ، إذا ما فكر أحدنا بالخروج عن القطيع ، فإن سكينة الراعي ، لن تتردد في جز رقبته دون شفقة ولا رحمة . هارون ( بأسفٍ شديد ) : حقاً لسنا سوى قطعاناً ، بل دجاجاً يبيض ذهباً للزعيم وملته . أبو ناطق (حانقاً ) : نستحق أن نكون كذلك وأكثر، لأننا ارتضينا هذه الحالة بمحض إرادتنا . هارون ( بتحدٍ ) : ولا بد من تغييرها بمحض إرادتنا أيضاً . أبو ناطق : وكيف السبيل إلى ذلك ؟ وشبح الزعيم لا زال ماثلاً في شخص نجله الوارث لعرشه . هارون : مَن يُريد الحياة ، يجب عليه ألا يفكر بما فيها من مخاطر . ( يحضر النادل ) النادل ( متفرساً أبو ناطق ) : عفوك سيدي، ألست الأستاذ أبو ناطق ؟. أبوناطق (يهز برأسه ) : أجل ، أبو ناطق . النادل ( يبسط ذراعيه مبتهجاً ) : أهلاً بالأستاذ أبوناطق ، هلت الأنوار وحلت البركة . أبوناطق : أهلاً بك . النادل ( يهمس ) : ظننا أنك اختفيت ، حمداً على سلامتك . أبوناطق : شكراً لك . النادل : وبمناسبة عودتك سالماً ، دعني أقدم لك ضيافة المقهى . ابوناطق ( باسماً ) : حسناً ، ولا تنسى ضيافة صديقي هارون . ( يخرج النادل ) هارون ( يحدق بأبو ناطق ) : قد تتغير الدنيا بين ليلة وضحاها ، لكن يستحيل أن تتغير معتقداتك ، هكذا عرفتك ، وهكذا أجدك دائماً . أبو ناطق ( يومئ برأسه ) : حقاً أن الدنيا تتغير في كل مكان ، إلا في هذا المكان ، هيهات أن تتغير . هارون : لأننا قوم مغفلون ، كيف سمحنا لأنفسنا أن نسلم زمام أمورنا لنجل الزعيم ، هل نفق الرجال في هذا البلد ؟. أبو ناطق ( باسماً ) : ليس في اليد حيلة ، لقد جرى ترتيب الأمور وإخراجها بدقة متناهية حتى لا يستطيع الشعب أن يقول كلمته . هارون : إذن على مَن تقع المسؤولية ؟. أبو ناطق : على مَن رتب وأنجز حافظاً على مقامه الرفيع . هارون : أتقصد بطانة الزعيم ومَن لف لفها ؟. أبو ناطق ( يومئ برأسه ) : أجل هؤلاء هم مَن تقع عليهم مسؤولية جر البلاد إلى المجهول ، ما الفرق بين كاسر وأبيه ، أو بينه وبين عمه رعد ؟. هارون ( حانقاً ) : كلهم في القمع والمنع سواء . أبو ناطق : وعلى هذا الحال ، أي مستقبل ينتظرنا في هذا البلد ؟. هارون : لا تقل هذا يا عزيزي ، إن الناس يدلون بأصواتهم اليوم لنجل الزعيم أملاً بمستقبل أفضل . ابوناطق (بعدم اكتراث) : وعوده للشعب كوعود أبيه . ( يحضر النادل حاملاً القهوة ) النادل ( يضعها على الطاولة ) : أهلاً بك وبصديقك . أبو ناطق : شكراً جزيلاً . النادل : العفو ( يخرج ) . هارون : الآن وبعدما خرجت من السجن بعفو من الزعيم ، ماذا أنت فاعل ؟. أبو ناطق ( يهمس ) : سأترك هذا البلد في أقرب فرصة . هارون : لكن إلى أين ستذهب ؟. أبو ناطق ( يرتشف القهوة ) : لم أحدد وجهتي بعد ، لكن لن أتردد في اللجوء إلى أي بلد أخر غير هذا البلد . هارون ( يشعل سيجاراً ) : ليتني أستطيع أن أفر معك ، فلولا أطفالي الخمسة ، لهجرت هذا البلد ، وما رضيت لنفسي العمل على تزوير إرادة الشعب . أبو ناطق ( يعضد ذراع هارون ) : أنت عبد مأمور لا تملك من أمرك شيئاً. هارون ( حانقاً ) : ومَن مِنا حر الإرادة ، كلنا عباد مأمورين بتقديم فروض الطاعة والولاء ، يريدون أن يخدعوا الشعب بعفوهم عن المعتقلين ، ويوهمونه بحرية القول والعمل ، لكن وللأسف ، بلهاؤنا يصدقون خداعهم ، والأنكى من هذا الخداع ، أنهم يكذبون على الشعب ، فيصدق هذا الأخير كذبهم ، كحال زميلي شامل ، الذي صدق زيفهم فيما يسمونه باليوم الوطني . أبو ناطق ( محتداً ) : مثلما زيفوا التاريخ بأوهامهم ، زيفوا عقل الشعب بمكرهم وخداعهم . هارون ( يحدق بالساعة ) : حتى هذه اللحظة والشعب لا يعرف كيف قضى الزعيم ، ولا كيف تولى نجله العرش من بعده ؟. أبو ناطق : لأن الحقيقة تهز عروشهم وتقوض أركان حكمهم ، لذا يشنون عليها وعلى أصحابها حرباً لا رحمة فيها ولا هوادة ، ومع ذلك سأواصل سعي إليها ، فلم يبق من العمر ما أخسره بعدما قضي على مستقبلي ومستقبل أبناء هذا البلد . ( يدخل أبو منتصر في زي مدني ، يجلس قبالتهم ) أبو ناطق ( يلتفت يمنة ويسرة ) ألم أقل لك إنهم يخدعون الشعب بعفوهم وصفحهم عنه . هارون (مستفهماً ) : ما الأمر ؟. أبو ناطق ( يشير برأسه إلى أبو منتصر ) : أترى ذلك الفأر ؟. هارون ( يحدق ) : أجل ما به ؟. أبو ناطق : هو مَن ألقى القبض عليّ أنا ورفاقي . هارون ( محتداً ): وهذا دليل على أن فئرانهم لا تتغير ، فكيف يمكن أن يتغيروا ؟. أبو ناطق : لأنهم أنفسهم لا يؤمنون بالتغيير . هارون: ويقولون لك إنهم سمحوا بحرية الرأي والتعبير ، وفئرانهم تملأ البلاد ، هيا بنا قبل أن يعلموا بأمري ، حينها سيعتبرونني متآمراً معك في مثل هذا اليوم الوطني العظيم . أبو ناطق : خصوصاً إذا ما دروا أنك المسؤول عن الاستفتاء في هذا الشارع ( يقف ) تفضل . هارون ( يقف ): هيا بنا ( يخرجان ) . * * *
#ثائر_الناشف (هاشتاغ)
Thaer_Alsalmou_Alnashef#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإسلام دين أم حضارة ؟
-
الديكتاتور 28 ( الوريث زعيماً )
-
فساد الإسلام أم فساد السلطة ؟
-
نادين البدير : وجاهلية البداوة
-
الديكتاتور 27 ( اغتيال الزعيم )
-
الديكتاتور 26 ( السم )
-
ساعات عصيبة في لبنان
-
الديكتاتور 25 (انتقام الزعيم)
-
قوننة الإسلام عن الهوى
-
الديكتاتور 24 (الغرور)
-
إصلاح العقل في الإسلام
-
الديكتاتور 23 (مغامرات الوريث)
-
هل الإرهاب ديدن الإسلام ؟
-
الديكتاتور 22 ( مومس الوريث )
-
الإصلاح وإشكالية الإسلام
-
الديكتاتور 21 ( التوريث )
-
الحوار المتمدن .. ورحلة البحث عن الحوار
-
الديكتاتور 20 ( النجل )
-
الإسلام والغرب : الترهيب المتبادل
-
الديكتاتور 19 ( الإعدام )
المزيد.....
-
هآرتس: مدينة -تل أبيب- التوراتية لم توجد قط
-
تمتلك أسرار ثروة ضخمة.. الممثلة السعودية ريم الحبيب بمسلسل -
...
-
طهران.. مهرجان فجر السينمائي منصة فنية مهمة في المنطقة
-
سقوط -شمس الأغنية- على المسرح وحملها علم الثورة السوري يثير
...
-
أزياء وفنون شعبية وثقافة في درب الساعي
-
رحيل أسامة منزلجي.. رحلة حياة في ترجمة الأدب العالمي
-
مصر.. مفاجأة في قضية طلاق الفنان الراحل محمود عبد العزيز وبو
...
-
السودان : تدمير مباني الاذاعة والتلفزيون والمسرح من قبل الدع
...
-
بعد سرقة تصاميمها... فنانة وشم بلجيكية تربح دعوى قانونية في
...
-
من باريس إلى نيويورك.. أهم متاحف العالم تُطلق خططا تجديدية
المزيد.....
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
المزيد.....
|