|
سلوك المُتًنورِين العرب ** بين العقلية المتنورة وبقايا نرجسية النفسية العربوإسلامية
نبيل طاهر
الحوار المتمدن-العدد: 2876 - 2010 / 1 / 2 - 23:41
المحور:
كتابات ساخرة
إنها الساعة الثانية بعد منتصف الليل ولم يتبقى الا ساعات معدودة وتشرق علينا شمس أول أيام سنة 2010 الجديدة. أسأل المولى رب هُبل ان يعيدها علينا وعليكم اكثر تنويراً وأقوى تصميماً على مواجهة السرطان الصلعمي الخبيث المتفشي في جسد الأمة. وهآنا في مكتبي أحاول الكتابة عن مُحصِّلة عام 2009 من الناحية التنويرية وماذا حققه اهل الفكر الحر في سبيل إيجاد مقومات الصحوة والتغيير ليُنقذوا مايمكن إنقاذه من العقلية العربوإسلامية المجمدة في تعاليم النبي المزيف وهرطقات شيوخ الإسلام. هآنا أتمشى في شوارع ذاكرة العام 2009 لعلي أصادف حدثاً تنويرياً كبيراً يثير نشوتي ويطرد صقيع المحيط الهاديئ المتسرب إلى عروقي في هذة الساعة المتأخرة. ولا أُخفِيكم شعوري بخيبة الأمل, فقد اظطررت الى الإستعانة بكأسِ من زجاجة السيد جوني واكر (Johnny Walker) -- عليه صلوات الله وسلامه -- حتى أبعث الدفئ في دورتي الدموية والحماس في تطلعاتي التنويرية وآمالي الثورية. وذلك لإنني اكتشفت من خلال رحلتي في ذاكرة السنة الماضية ان الحركة التنويرية العربية لم تتقدم إلا "شوية سانطيات". فقليلة هي الحجارة التي رُميت في بئر الإسلام المتعفنة خلال السنة الماضية. حيث لم أجد في ذاكرتي أي حدثاً كبيراً إلا خروج الملحد السعودي البطل حميد بن سلاف العنزي المعروف بالراوندي من قمقم الإسلام الوهابي والإفصاح عن إسمه الحقيقي بعد ان احدث شرخاً كبيراً في وثن الإسلام من خلال كتابته ومشاركاته في الشبكة المباركة.
ومع إدراكي ان إستمرار الرِّده الإسلامية والمد الصلعمي تحول دون حدوث ثورة حقيقية تقلب الطاولة على رؤوس شيوخ الإسلام وتعاليمه وصنمه الأعظم, فإن هناك للإسف تقصير كبير من جانب اصحاب الفكر الحر الذين حملوا على عاتقهم مسؤلية تنوير الأمة والخروج بها من الظلمات إلى النور. فهناك المئات من المنتديات والبلوجات والأصوات المُبعثرة والإجتهادات المُشتتة في كل انحاء الشبكة المباركة وجميعها عملياً يقوم بعلمية تكرار وإعادة تصنيع ( recycling) لنفس المحتوى بصوتٍ خافت لايكاد يسمعه إلا اصحابه أو قلة قليلة من زوارهم. طبعاً انا هنا لا أنكر وجود منابر متميزة وجديرة بالإحترام مثل الحوار المتمدن ومنتدى الإلحاد ومنتدى العلمانيين وربما منابر أخرى. ولكني اتحدث عن إمكانية توحيد الجهود تحت مسمى مقاومة الإسلام ونشر الحريات, حيث ان كل المسميات والتوجهات الإيديولجية تصبح ذات معنى عندما يكون الإسلام السياسي هو الخصم والحكم والمُسيطر على وزارة الداخلية وعلى بيت المال وعلى وزارة الحرب وعلى عقول السواد الأعظم من الشعوب المنبطحة. فالعدو المشترك يُحتم العمل المشترك والعمل المشترك يستدعي التنسيق والتكامل وليس التنافس والتقاسم.
إن من نِعم آلهة الميكروسوفت والجوجل على العباد أنه اصبح بإمكاننا تنظيم جهودنا وتوحيد رسالتنا ورفع صوتنا دون الحاجة إلى السفر وعقد المؤتمرات او المخاطرة والوقوع فريسة كلاب الإسلام البوليسي. فلماذا لايكون لنا منتدى كبير يضم جميع الأراء والتوجهات؟ صحيح اننا متنوعون فمن بيننا الملحد والعلماني واللاديني والنصف ديني والأجنوستيكي والقريشي ومن بيننا المُتعقل والمُتهور وفينا الذكر والأنثى والمثلي والبكر والثيب ومن بيننا المُبتلى بالعيش في بلاد صلعمستان والمحظوظ بالغربة في بلاد بني الإصفر. ولكن هناك شيئ واحد يوحدنا وهو أن جميعنا يطمح إلى إفاقة العرب والمسلمين وتنويرهم وتخليصهم من قيود التخلف ومن العقلية التوكلية الإنبطاحية المنقادة وراء الشيوخ الخباث والسيرة النتنة والكتاب المُزري والحجر الأسود والصنم الأشرم. وتنوعنا هذا هو قوتنا الحقيقية التي لم نستخدمها بعد. فمنا الخبير في التكنولوجيا ومنا الشاطر في الكاريكاتير وفينا الإداري الجيد والمثقف الكبير والكاتب الرائع وفينا من يستطع تقديم الدعم المالي وفينا من هو مختبر في جمع الدعم المالي...الخ
فلماذا لا نُوحِّد الجهود تحت راية واحدة فتكون ضربتنا أكثر فعالية وأشد تأثيرأ وذلك طبقاً لقانون ال (synergism) والذي يقول بأن واحد زائد واحد لايساوي إثنان, بل اكثر. لماذا يظطر القارئ إلى تصفح عشرات وعشرات المواقع ليقرأ نفس الموضوع؟ لماذا لا نصنع من مجهودتنا الفردية كياناً معترفاً به يقصده القارئ وتقصده الوسائل الإعلامية والمؤسسات والباحثين وغيرهم. ويدعمه أولئك الذين يريدون خيراً لهذة الأمة المتعوسة؟؟ لماذا نُفضِّل الزعيق في مخابئ مدوناتنا الصغيرة فنسمع بعضنا فقط بينما في إستطاعتنا ان يكون لنا صوت واحد يسمعه الجميع وخصوصاً المتدينون ؟ اننا لسنا بحاجة الى ان نهمس الى بعضنا البعض ولا أعتقد ان ذاك هو هدفنا...بل نحن بحاجة للصراخ في براري المسلمين وفي وسائلهم الإعلامية لكي يفيقوا من غيبوبة الوعي التي يعانون منها.
و كما ذكرنا سابقاً فإنه بفضل آلهة التكنولوجيا أصبح توحيد الصف وتنسيق الجهود امراً محسوماً من الناحية التقنية. فما المشكل ياترى وما الذي يمنعنا من ذلك؟ أعتقد ان السبب يرجع إلى العقلية الإنفرادية والنفسية النرجسية عند كثيرأ منا. إن تركيبتنا النفسية ليست مبنية على الرؤية من زاوية الجماعة وعقليتنا ليست مدربة على تقبل دوراً بسيطاً في الفريق, فكلنا نطمح لمنصب كابتن الفريق او قائد الفرقة الموسيقية. إن التخلص من قيود الإيمان واالخروج من قمقم الشبح الإسلامي لايعني بالضرورة اننا قد تخلصنا من كل الآفات المختبئة في دهاليز التركيبة النفسية التي نشأنا عليها. فالتخلص من كل تلك الآفات يستدعي سنيناً من الصقل والتعليم والمثابرة ونقدان الذات وممارسة التمدن. إن الإلحاد او العلمانية او اي حالة أخرى من حالة الفكر المتحرر لاتعني فقط التخلص من الدين او نقد الدين بل إنها ايضاً حالة أخلاقية نبيلة وسلوك متمدن يفكر بالمنفعة العامة (the greater good) قبل ان يفكر بالذات.
وفي أعتقادي ان معظم اصحاب الفكر الحر لايزالوا يعانون من بقايا التركيبة النفسية النرجسية والعقلية الإنفرادية التي نشأنا عليها. إن في قصة اخينا في الإلحاد حميد العنزي والأسلوب الذي تعامل به معظمنا مع أحداثها خير دليل على ما اقول. ولمن لايعلم نبأ حميد العنزي, عليه قراءة موضوعاً نُشر في منبر الحوار المتمدن على الربطة التالية:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=178580
إنها باختصار قصة شاب سعودي في مقتبل الأربعينات اكتشف زيف الإسلام وخزعبلات تعاليمه وهرطقات شيوخه ولم يستطع مواصلة العيش في المجتمع السعودي الذي تجاوز كل الأرقام القياسية في تكبيل حرية الفرد. فشد رحاله في يوليو 2009 وتوجه إلا بلد آخر وكشف عن هويته فأصبحت حياته في خطر. وقد كان عمله هذا أعظم عمل تنويري حدث خلال السنة الماضية.
ومع نُدرة الحدث وعظمتة فقد بقى معظمنا مختبئاً خلف اكوام رمال مدوناتنا وخرج على استحياء للتطرق لموضوع البطل الراوندي وكأننا خشينا ان يسترق الراوندي منا الأضواء ويصبح اسمه علماً من أعلام التنوير. هناك من علق ان الراوندي كان مُتهوراً !! ومن قال ان الثورة لاتحتاج إلى التهور؟ إن المعنى الحقيقي للثورة هو الخروج عن المألوف, إنها مواجهة الإحتمالات الصعبة وليست خطة مبرمجة بخطوات محسوبة. لو فكر الأباء المؤسسين لإمريكا بالإحتمالات الصعبة لما واجهوا الإمبراطورية البريطانية ولما كان هناك أمريكا.
طبعاً هناك بعض الأخوة والأخوات من الذين وقفوا مع الراوندي وقفة وفاء تستحق كل الإحترام والتقدير والفخر. أولئك القِلة العظيمة-- وأنا للأسف لم اكن منهم -- صدقوا ماعهدوا الراوندي عليه, فآزروه في محنته وتتبعوا أخباره واطمئنوا على أحواله وبعثوا برسائلهم الى الأمم المتحدة والى وزارة الخارجية الأمريكية وإلى البيت الأبيض وكل المنطمات المهتمة بحقوق الإنسان. ليس هذا فحسب, بل أنشأوا منتدى رائع فعلاً بإسم الراوندي عرفاناً لبطولته وتكريماً لإسمه. وفي إعتقادي, فإن أولئك الذين قاموا بهذا العمل العظيم لم يتحرروا من شبح الإسلام فحسب, بل أيضاً تجاوزوا التركيبة النفسية والعقلية التي تحدثنا عنها. لقد صَقل الفكر الحر أخلاقهم ونفسيتهم فتجاوزوا الذات ووصلوا إلى شاطئ الجماعة والمنفعة العامة.
وعندما قمت مؤخراً بزيارة منتدى الراوندي (http://www.rawndy.net/vb) فوجئت ان عدد الأعضاء لايتجاوز المئتان والناشطين منهم لايتجاوز المئة. إن ذلك حقيقة وضع غير قابل للتفسير وغير مقبول ايضاً. إن لم نقم بالزيارة والتسجيل في منتدى زميلنا الذي كسر حاجز الخوف والحكمة والحذر ووقف امام الشبح الوهابي وجهاً لوجه فأي منتدى آخر يستحق التسجيل والمتابعة. إن لم نقم بمؤازرة زميلنا البطل الراوندي فمن الذي يستحق ذلك؟ إذا لم نقف معه على طول الخط فهل نستطيع بحق ان نقول عن انفسنا اننا تجاوزنا العقلية الإنفرادية الذاتية المبنية على الآيات القرآنية القائلة: (("يوم يفر المرء من أخيه * وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه)).
المؤسف ايضاً انني أعتقد ان عقليتنا تميل إلى تتبع أحداث الأشخاص المشهورين. فلو قام وزير سعودي او شيخ سعودي بما قام به حميد العنزي لتداولنا اخباره ولقدمنا له كل العون. وهذا حقيقة امر مؤسف لأن العمل البطولي يبقى عملاً بطولياً بغض النظر عن المستوى الإجتماعي او الرتبة العسكرية للشخص الذي قام بذلك العمل. فإذا قام احد الأشخاص البسيطين بعملاً بطولياً في الغرب دقوا له نواقيس الفرح وقرعوا له طبول المجد. أما في مجتمعاتنا فإن عليك ان تكون قائدأ للجيش أو شيخ قبيلة أو صاحب رأس مال حتى تحصل على تذكرة ركوب موجة إهتمام الناس ودعمهم. فهل هذة سِمة نفسية أخرى علينا نحن اصحاب الفكر الحر ان نتخلص منها. ربما علينا ان نختبر انفسنا بزيارة منتدى الراوندي والتسجيل والمشاركة.
تحياتي ومودتي.
نبيــــــل طــــــــــاهر
#نبيل_طاهر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نداء عاجل جداً إلى جميع الأحرار .... تضامنوا مع حميد العنزي
-
هل يمكن إنقاذ الإسلام ؟ آخر فتوى للإمام الجليل النبيل الطاهر
-
هوليود وحياة محمد: نفاق أم مبدأ إحترام ام إستراتيجية مُتعمدة
...
-
إنحطاط المُسلمة وطهارة المُلحدة
-
القرضاوي يرد على شبهة الإفك
-
ماذا لو استنسخنا صلعم او صلعمين؟
-
إعادة محاكمة عائشة
المزيد.....
-
مسيرة حافلة بالعطاء الفكري والثقافي.. رحيل المفكر البحريني م
...
-
رحيل المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري
-
وفاة الممثل الأميركي هدسون جوزيف ميك عن عمر 16 عاما إثر حادث
...
-
وفاة ريتشارد بيري منتج العديد من الأغاني الناجحة عن عمر يناه
...
-
تعليقات جارحة وقبلة حميمة تجاوزت النص.. لهذه الأسباب رفعت بل
...
-
تنبؤات بابا فانغا: صراع مدمر وكوارث تهدد البشرية.. فهل يكون
...
-
محكمة الرباط تقضي بعدم الاختصاص في دعوى إيقاف مؤتمر -كُتاب ا
...
-
الفيلم الفلسطيني -خطوات-.. عن دور الفن في العلاج النفسي لضحا
...
-
روى النضال الفلسطيني في -أزواد-.. أحمد أبو سليم: أدب المقاوم
...
-
كازاخستان.. الحكومة تأمر بإجراء تحقيق وتشدد الرقابة على الحا
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|