عبد الرحمن كاظم زيارة
الحوار المتمدن-العدد: 2800 - 2009 / 10 / 15 - 00:31
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
تصدير ..
في دراستنا الاخيرة للمنطق والتي وضعناها في كتابنا الجديد " مبادئ المنطق الموحد" وهو محاولة نعدها للتوفيق بين المنطق التقليدي والمنطق الرياضياتي وتوحيدهما وجدنا ان الناحية اللغوية مسؤولة عن الكثير من السقطات العلمية في المنطق التقليدي . فاللغة هي الوعاء ، والتفكير يستند الى الوعي ، ولايكون الوعي صائبا مالم تكون اللغة غنية غنى كافيا لاستعياب كل فكرة ،ومفهوم ، ومصداق .. وان يكون بنائها بناءا منطقيا . ان المنطق الرياضياتي حيّد هذه الناحية اللغوية باعتماده الرمز بديلا عن المفردة اللغوية ،ولهذا التحييد خطورته بمكان اصبح المنطق منتجا في معظم نواحي الحياة ومنها التطبيقات التكنولوجية والكهربائية والهندسية ..وغيرها. ولابد من الاشارة هنا الى ان مصادر المنطق التقليدي وهو المنطق الارسطي كما هو معروف نقل الى العربية من قبل اناس ليسوا عرب ، فكانت ترجمتهم له فيها اعتلال وهونتيجة طبيعية لسطوة اللسان الاعجمي على تفكيرهم وهم يترجمون ارسطو . ومعروف ان بين اللغة العربية والمنطق مشابهة ومناسبة بحيث لايمكن لاحدهما ان ينفك عن الآخر .. وسنترك الكلام في العلاقة بين اللغة والمنطق الى مساهمة مستقلة في وقت آخر .. ولنشرع بملاحظاتنا النقدية للمنطق التقليدي وهذه هي الحلقةالاولى منه ..وسوف لن أشير الى مصادر الامثلة والمقولات في عرض الملاحظات النقدية لسبب بسيط ان الغالبية العظمى لكتب المنطق التقليدي هي نسخ متكررة لكتاب واحد ، ويصل التناص بينها الى حد جملة القاعدة والمثل ،فكلها ترد بالالفاظ ذاتها ، فلاتجد كتابين مختلفين الا في التوسع والاختصار .
(1) كم القضايا ..
يعرف "كم القضية " بأنه عدد أفراد الموضوع وينقسم الى : كم كلي ، وكم جزئي . فالكم الكلي يعبر عنه بالفاظ مثل : كل ، جميع ، ... اما الكم الجزئي فيعبر عنه بلفظة" بعض " في الاغلب لتعني الواحد . وهذا أمر مسلم به بقدر تعلق الامر بالفاظ الكم ؛ الكلي والجزئي .نحو ( كل إنسان حيوان ) قضية كلية ، و( بعض المعدن ذهب ) قضية جزئية . ويتداخل كم القضية تداخلا مشوشا مع مفهومين آخرين هما : الكلي ، والجزئي . فالمفهوم الكلي له اكثر من مصداق ، اما المفهوم الجزئي فليس له اكثر من مصداق . والمصداق هو الموجود خارج ذهن الانسان . ومصدر التشويش هو في مفهوم الجزئي الاضافي الذي يقع بين المفهوم الكلي والمفهوم الجزئي . فالمفهوم الجزئي يمثل تلفيقا لتبديد الحيرة بين اعتبار مفهوم ما جزئيا بالنسبة الى مفهوم كلي فوقه ، واعتباره مفهوما جزئيا اضافيا بالنسبة الى مفهوم جزئي ادنى منه. ولانريد هنا إيراد الدفوعات التي يقدمها مروجوا المنطق التقليدي بالتمسك بهذه المفاهيم وكأنها مقدسة ، لأنها غير نافعة وغير صائبة ايضا . فليس من التبرير العلمي القول ان " القلم " مفهوم جزئي تارة ، ومفهوم كلي تارة أخرى ، ففي التارة الاخرى هو جزئي اضافي .
وما دمنا نتكلم عن أفراد الموضوع في القضية ، فأننا ببساطةيمكن ان ننحي جانبا المفهوم الكلي والمفهوم الجزئي ونركز اهتمامنا على انتماء الموضوع للمحمول . فالقضية تكون صادقة اذا كان الموضوع ينتمي الى المحمول . بمعنى ان الموضوع عنصرا في المحمول ، وبهذا يكون المحمول المجموعة الكلية(= الشاملة ) بالنسبة للموضوع . مثلا لدينا مجموعة المعادن التالية : الذهب ، الفضة ، الحديد ، الالمنيوم .فهذه عناصر (=افراد) تنتمي الى المحمول الذي هو " المعدن" والمعدن هو المجموعة الكلية . فنقول : الذهب معدن . الحديد معدن . وهكذا .كما يمكن ان يكون الموضوع " مجموعة جزئية " من المحمول . بمعنى ان المجموعةالجزئية محتواة في المحمول ، كقولنا ( الذهب والفضة معادن ) . وبطريقة اوضح لو صنفنا المعادن الى : فلزات ولافلزات وسردنا عناصر كل صنف ، فنضع الفلزات في هيئةمجموعة بسرد عناصرها ونقول عنها انها معادن ، بمعنى انها محتواة في المعادن ،وبكلمات أخرى نقول انها مجموعة جزئية من المعادن .
ولاتتيح لنا تقنيات موقع الحوار المتمدن ادوات تسمح لنا بكتابةالرموز او الاشكال التوضيحية لكي نوضح ذلك للقارئ الكريم .
ويظهر الاعتلال المنطقي لـ "كم" القضايا في المنطق التقليدي في القضايا السالبة ... تقسم القضايا باعتبار " كيف " القضية الى موجبة وسالبة . فالموجبة ماكان محمولها يثبت لموضوعها ، وفي السالبة يرتفع هذا الثبوت . وتعرّف القضية السالبة بأنها مسلوبة الحمل وتكتب عادة مثلاعلى النحو ( الانسان ليس بنبات ) او ( كل انسان ليس بنبات ) اذا اردنا اظهار الكم .ونحن نقبل تعريف القضية السالبة على انها " سلب الحمل " كما ترد في كتب المنطق التقليدي ،لأنها تتفق مع اللسان العربي تماما ، كما تتفق مع الترميزات اذا اردنا اعتماد الرموز في تصنيف انواع القضايا ، وهوبشكل ما يتفق مع الصيغ الرياضياتية المعتمدة في المنطق الرياضياتي . ولكن التعبير عن القضايا السالبة المكممة في الامثلة على القضايا في المنطق التقليدي فيه تنكر ونكوص عن تعريف القضيةالسالبة . فالتعريف أياه تجده عند عرض حيثيات ونواحي القضية الحملية .مثلا يعبرون عن القضية الكلية السالبة بوضع اداة السلب امام " كم القضية " وليس أمام المحمول كما هو في الحملية . ويضربون مثلا شائعا عندهم وهو ( لاشئ من الانسان بنبات) حيث يعتبرون اللفظ " لاشئ" دالا على القضية السالبة الكلية ، وهذا خطأ فادح للاسباب التالية :
ـ ان شئ تشير الى المفرد وهو ليس بكلي .
ـ ان السلب لم يقع على المحمول وهذا يخالف تعريف القضية السالبة .
ان الصيغة الصحيحة للقضية الكلية السالبة يجب ان تكون ( كل انسان ليس بنبات ) فهذه كلية سالبة ، لسلب محمولها عن موضوعها : سلب النبات عن الانسان ، اي انهما متباينان لاعلاقة انتماء او احتواء ، او انتماء بعض دون بعض بينهما .
ولحل هذا المشكل نقول ان سلب القضية يتطلب بالواجب سلب الحمل ،ما يعني وجود اداة النفي أمام المحمول ، فاذا اردنا تحويل القضيةالكلية الموجبة ( كل انسان حي)الى قضية سالبة فهذا يعني وجود العبارة ( ... ليس بحي ) وهذا السلب يتطلب تغيير الكم فتكون القضية ( ليس بعض الانسان ليس حي ) بمعنى لايوجد انسان ولو واحد له هذه الصفة : لاحي . وهي قضية سالبة جزئية : سالبة لأن وضع اداة السلب " ليس" كان أمام المحمول . وجزئية لأن " بعض" لفظ يدل على الكم الجزئي .مع ملاحظة امكانية كتابةالقضية السالبة ولاسباب لغوية على النحو ( ليس بعض الانسان بلاحي ) .ولندع الان الفرق بين ( ليس حي ) التي تشير الى القضية السالبة و( لاحي) التي تشير الى القضية المعدولة المحمول الى مطالعة أخرى في حلقة اخرى من هذه الملاحظات .
لنعد الى القضية ( لاشئ من الانسان بنبات) .. التي يعدها مروجوا المنطق التقليدي بأنها وما كانت على شاكلتها كلية سالبة ونسأل عن أصل القضية ، وأصلها يجب ان يكون صائبا وهي ( كل انسان ليس بنبات ) فكيف يكون سلبها ؟ يكون ( بعض الانسان نبات ) وهي خاطئة .واذا كان الاصل هو ( كل انسان نبات ) فهي خاطئة فسلبها يعيدها الى الصواب لتكون ( بعض الانسان ليس بنبات) . ومن هذه المفراقات يظهر لنا الاعتلال المنطقي لهذا المثال وسواه من الامثلة المماثلة، والتي :
ـ تنقلب على تعريف القضية السالبة .
ـ تفتعل نسبة بين الموضوع والمحمول ليس لها وجود ، فتسلبها .
ونجد ان قواعد القياس التي ترد في كتب المنطق التقليدي تقوم في معظمها على هذا الاعتلال ، لذا لايمكن تقبلها .وسيأتي في مطالعة أخرى .
ودون الخوض في احكام مسبقة على التجربة لنكتب امثلة حسية لتمهد الى الاحكام والقواعد ذات الصلة بسلب القضايا المكممة :
ـ ( كل انسان حيوان ) كلية موجبة .
ـ ( كل انسان ليس بجماد) كلية سالبة.
_ ( بعض الغزال حيوان) جزئية موجبة .
ـ ( بعض الغزال ليس بطائر) جزئية سالبة .
لذلك ان الصياغة الصائبة للقضية ( لاشئ من الانسان بنبات ) نكتبها بالصورة ( بعض الانسان ليس بنبات ) فهي ليست إلا ّ جزئية سالبة .
ولكن القضية ( لاشئ من الانسان بنبات ) قضية صائبة فكيف يجري تصنيفها باعتبار الكيف والكم ؟
سنجيب عن هذا السؤال باختصار وكالتالي : ان القضية المذكورة منفية ، ونفي المسورات له قواعد ومبرهنات اثبتاناها في كتابنا المذكور ، فالقضيةاياها في صيغتها المذكورة هي " لحظة " صيرورة لابد ان تؤول الى صيغةمستقرة .فثمة فرق كبير بين سلب القضية المكممة ونفيها .
#عبد_الرحمن_كاظم_زيارة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟