|
رواية ذاكرة الجسد ( أحلام مستغانمي)
بابلو سعيدة
الحوار المتمدن-العدد: 2797 - 2009 / 10 / 12 - 23:18
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
تقول أحلام: " البكاء على الأديب نوع من المهزلة التاريخية ، وتكريم الكاتب ، هو في السماح لروايته أن تجتاز الحدود " . هل ذاكرة الجسد رواية ؟ أم مقالة ؟ أم خواطر وذكريات وانفعالات ؟ أم خطاب سياسي ؟ أم قراءة نقدية ورؤية فلسفية ؟ . إنها هذه المواد كلها في لحظة تاريخية واحدة . بداية الرواية : ملك استملك الجزائر وأمم المال والبشر. ونهايتها : كاتب امتلك ذاكرة ، ورؤوس أقلام ، ورؤوس أحلام . بين البداية والنهاية قامت أحلام مستغانمي بصناعة أبطالها من الذاكرة الشعبوية ، والمتخيلة التاريخية ، والواقع المعاش وتجربتها الذاتية . وشكلتهم من طقسها ، الممثل لذاتها ولروحها ولنفسيتها ولمزاجيتها . نقرأ في الرواية ، وطناَ يطلب من مواطنيه تأدية واجباتهم . ويهمل حقوق المواطنة . ويركّز على الإعلان والاستهلاك والمنفعة . وطناً معطوباً ، ترك في المعارك ذراعيه ، وفي المدن المعلّبة قلبه . وطناً من الورق ، ينتج مبررات الموت . وطناً يطلب تأشيرة خروج سفر جماعية . وطناً يتماهى في امرأة ، وامرأة تتماهى في وطن ، فهل الوطن هو امرأة؟ أم هل المرأة هي الوطن ؟ في الوطنين ، وطـن الطفـولة ووطـن المنفى ، تعيش الأنوات الاغتراب والاســتلاب . الرجل المحارب القديم المعطوب في المعارك، لاقى احتراماً خلال ســنوات الاستقلال الأولى ، ولكنه لم يعد محترماً في السنوات اللاحقة . في رواية " ذاكرة الجسد " سيطرت المواقف الانفعالية، انفعالية المؤلف والقارئ وشخوص الرواية . تكلمت أحلام بصوت الذكر ونيابة عنـه ، وفهمته أكثر مما فهم ذاتـه وواقعه . نرى أبطال ذاكرة الجسد ، راكدين وديناميين ، أحراراً ومقعدين ، شريرين وخيرين ، متســامحين ومتشــددين ، جسورين وجبناء ، ملتزمين ومنفلشين ، عســكريين ومدنيين ، متفائلين ومتشائمين ، وصوليين وعلمانيين ، ملائكة وشياطين . وهم أبطال كالشعوب (( نهبتهم الأوهام والأحلام المعلّبة من السعادة المؤجّلة )) . أبطال الرواية ، لهم ذاكرة حب وكراهية وانتقام . يمارسون نشـاطاً اقتصادياً مركباً . ويـأخذون الناتج الفائض ، وفائض القيمة ، ولا رادع يردعهم عن تخمتهم السلطوية والمالية . الوطن في الرواية يدخل سن اليأس الجماعي ، ويعيش مواطنوه الملل والضياع والرتابة . أبطال رواية ذاكرة الجسد هم واقعيّون ، يصعدون ويهبطون ، ويعشقون الوطن على شكل صبية ، وصفقة ، ومزرعة خاصّة بهم . وهم متهورون وعقلاء ، ساديون ومعافون ، بسطاء ومركبون . ويمثلون حماقة الشباب والثورات . وهم أبطال ملهاة ومأساة ، ولهم ذاكرة وبعضهم بلا ذاكرة . ويتكلمون العربية والفرنسية . ويصنعون أفكارهم وأحلامهم من الذاكرة والمتخيلة التاريخية . وخلقوا للحياة وللشهادة . وهم جبابرة وأقزام ، أخلاقيون ومكافيلليون ، طيور حرّة ومدجّنة . في ذاكرة الجسد ، تحترم المرأة كوعاء للجسد لا كوعاء للفكر . تقول أحلام : (( هات امرأة، وخذ ما تشاء ، إنهن مناضلات ، ولكن بأي عضو على التحديد ناضلن ؟ هذا زمن حقير ، وإذا لم ننحاز إلى القيم سنجد أنفسنا في خانة القاذورات ومزابل التاريخ )) . أبطال الرواية سعداء بالوهم وبالحقيقة . ويموتون مخيرين أو مكرهين. وبعد سنوات الاستقلال بقليل ، بدأ وطن الاستقلال يقرّب المعطوبين في وطنيتهم لاستلام مناصب قيادية ، ويبعد المعافين في وطنيتهم عن مراكز السلطة والاحترام . تقول أحلام : (( المرأة التي هي على شاكلة الوطن ، أحبّها السّرّاق والقراصنة ، وقاطعوا الطريق ، ولم تقطع أيديهم ، ولهم كل شيء ، وحدهم الذين أحبوك دون مقابل ، أصبحوا ذوي عاهات )) . وفي الرواية يمتزج التخييل بالواقع ، ويصعب الفصل بينهما . وتشكلت البورجوازية المحلية السلطوية (( من العمولات والصفقات . وتناوب على السلطة السّرّاق كباراً وصغاراً ، على مرأى من الشهداء الذين شاء لهم سوء حظهم أن يكون مقامهم مقابلاً لتلك الخيانة )) . ومدينة قسنطينة في ذاكرة الجسد ، هي رمز للوطن وللسلطة ، وتتعامل مع أبنائها بالوعود والوعيد ، وتتصرف بحرية مطلقة . تقول أحلام على لسان بطلتها حياة : (( لا نجــد فرقــاً بين لعنتها ورحمتها ، ولا حاجــزاً بين حبهــا وكراهيتها ، ولا مقاييس معروفة لمنطقها ، تمنح الخلود لمن تشاء ، وتنزل العقاب بمن تشاء . فمن عساه يحاسبها على جنونها ؟ ومن عســـاه يحسم موقعه منها حباً أو كراهية ، إجراماً أو براءة ؟ )) . ومدينة قسنطينة تعيش وحيدة ، ومنغلقة على ذاتها ، وســط ثالوثها المقدس " السياسة - الجنس - الدين" الذي يبعد المساءلة . وأصبح البؤس الثقافي والمادي ظاهـرة عامة ومألوفة في وطن يزحف مبكراً نحو شيخوخته . في الرواية (( نجد انتصارات فردية وهمية . نحن متعبون . ولقد تحولنا إلى أمة من النمل ، تبحث عن قوْتِها . وماذا يفعل الناس ؟ لا شيء ، والبعض ينتظر ، والبعض يسرق ، والبعض الآخر ينتحر . هذه المدينة قسنطينة ، تقدم لك الاختبارات الثلاثة ، المبررات نفسها والحجة نفسها )) . وفي رواية ذاكرة الجسد ، نجد وطناً ضائعاً ، وهدفاً غائباً ومغيّباً ، في زمن تفضّل فيه البطاقات على الكفاءات والخبرات وأخلاقيات العمل . تقول أحلام: (( نحن شـعب نصفه مختلّ ، لا أحـد فينا يدري ما يريد بالضبط ، ولا ماذا ينتظر بالتحديد ؟ وهذا الإحباط العام يفقدك شهية المبادرة والحلم والتخطيط لأي مشروع ، فلا المثقفون سعداء ولا البسطاء ولا الأغنياء . وماذا يمكن أن تفعل بعملك إذا كنت ستنتهي موظفاً يعمل تحت إشراف مدير جاهل ؟ )) . إن أمّة لا تحترم مواطنيها ومبدعيها ، هي أمة تعيش العطالة ، وسـائرة نحو شيخوختها المبكرة . في الرواية ، نجد شــخصيات غريبة وبعيدة عن الواقع والمعقول والتصديق ، وفي نفس اللحظة تبدو واقعية وموجودة . ومن الصعب أن نجد بشراً يسلكون مسلكهم في ارتقائهم أو في دونينتهم ، ومع ذلك ينتابك شعوراً بأنك ستجدهم الآن أو غداً . ونجحت الرواية لأنها مثلت الحلم العربي ، واعتبرت الإنسان غاية الغايات . وهي حب حقيقي للوطن الحر، وللأم المتحررة الواثقة من ذاتها ، ورفض للسلطة الفردية الاستبدادية ولمخزون التضامن السلبي في الذاكرة الشعبوية . وتظهر الرواية وجـع الجـزائر وفرحهــا . ويتعانق فيهــا الموت بالحياة ، والإحباط بالتفاؤل ، والخيال بالتصديق ، والرصانة بالتهور، والنمط القديم المتحجّر بالنمط الحديث المتفتح . والرواية متماسـكة في بنائها المعماري والدلالي . وتنامى السرد الروائي على حساب الحوار الدرامي . لأن أبطال الرواية ، عاشوا في أماكن جغرافية متباعدة ، وأزمنة متباينة . وظفت أحلام العلوم الإنسانية لإنجاح منتوجها الروائي الذي صنع على مزاجه أبطالاً أكثر جرأة واقتحاماً من أبطال أحلام في الحياة الواقعية المعاشة. واستطاعت أحلام مستغانمي من خلال أبطالها ، أن تولّف الأنا الفردي بالأنا الجمعي ، والشخصيات الثانوية بالأساسية ، والهم الفردي بالهم الوطني والقومي ، والنثر الروائي بالشعر . ورواية ذاكرة الجسد مكتوبة على كل أنواع البحور في أدبيات نزار قباني . استطاع أبطال الرواية ، خالد الرساّم ، وحياة الكاتبة الروائية ، وزياد أن يعتمدوا حوارات ثقافية / سياسية/ وطنية/ اجتماعية رفيعة المستوى ، مما جعل القارئ يحمــل في جعبته الفكرية شــحنات من العواطف والانفعالات والتوترات ، وكأنه يعيش سيكولوجية الحدث والهدف معاً . ولا ترى البطلة حياة فارقاً بين السلطة القاتلة : الفرنسّيون قتلوا حسان . الجزائريون قتلوا سي طاهر . الإسرائيليون قتلوا زياد . في الخاتمة ، تعتمد حياة ، بطلة الرواية المركزية ، زوارق الغربة ، والصمت . وتهجر الوطن ، حاملة معها ذاكرتها وأحلامها .
#بابلو_سعيدة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جورج ساند نجمة فرنسا القرن /19/
-
كوليت خوري ودمشق العاشقان
-
فيروزالواقع والحلم
-
الجمهوريّة النسائية
-
الإنسان يصنع تاريخه
-
ليلى العثمان - مأساة الواقع والحلم
-
سيمون دي بوفوار صوت الحرية
-
بثينة شعبان التي ولّفت بين الأدب والسياسة
-
سعاد الصباح / تباشير المطر
-
/نوال السعداوي /صوت الإحتجاج
-
المرأة بين التهميش و التفعيل
-
الحرب و السلم
-
الجذر اللغوي والقصيدة الأولى
المزيد.....
-
-لا تفقدوني-.. لحظة إنقاذ امرأة تبلغ 100 عام من حرائق الغابا
...
-
في مصر: الحكم على الفنانة منى فاروق بالسجن 3 سنوات
-
الداخلية: الأدلة أثبتت براءة الضابط المتهم باغتصاب فتاة قاصر
...
-
-لا تحرروني، سأتولى الأمر بنفسي-، عرض غنائي مسرحي يروي معانا
...
-
بمناسبة شهر رمضان 2025.. حقيقة زيادة منحة المرأة الماكثة في
...
-
دراسة تزعم.. الانفصال العاطفي يضر بالرجال أكثر من النساء
-
بيان مشترك: مخاوف من غياب “عدالة الإبلاغ” في جرائم العنف ضد
...
-
الداخلية: الأدلة أثبتت براءة الضابط المتهم باغتصاب فتاة قاصر
...
-
على أنقاض البيئة.. إسرائيل توسع مستوطناتها على حساب الغطاء ا
...
-
الذكاء الاصطناعي يحدد النساء المعرضات لسرطان الثدي قبل سنوات
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|