|
وزراء ثقافة الطلقاء 2
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 2780 - 2009 / 9 / 25 - 13:33
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
بداية، لا بد من الاعتذار عن خطأ وقع في فاتحة مقال الأمس وهو سقوط كلمة أتحسس من الجملة الأولى في المقال، رغم أنها موجودة في المسودة، بحث تصبح الجملة بعد التصويب على الشكل التالي: " عندما اسمع بعبارة ثقافة عربية أصيلة أتحسس رقبتي".
وكما أشرنا سابقاً، فالثقافة السائدة على بسيطة هذه المنظومة البدوية هي ثقافة الطلقاء التي أسسوها ورسخوها عبر 1400 عام من الفرض الممنهج بشتى أساليب الترعيب والإرهاب. وانبنت ثقافة الطلقاء، أساساً، على ثالوث التحريم الرهيب، الذي ما زال معمولاً به في الأصقاع البدوية المترامية الأطراف، والتي يطلق عليها القوميون العرب، حماة وورثة تلك الثقافة، اسم الوطن العربي. وهذا الثالوث، الذي سنتناوله بإيجاز شديد، قائم على تحريم التطرق إلى الجنس، والسياسة، والدين.
وتحريم الجنس ليس نابعاً من الشرف أو حفاظاً عليه، أو التزاماً بمعايير خلقية معينة، بقدر ما هو تطبيق لتلك الرؤية الضيقة، وترسيخ للنظرة الجاهلية الألى للمرأة، التي كانت والتي لا زال ينظر إليها، من منظور دوني، وموضوع جنسي محض، واعتبارها كائناً نجساً دنساً ناقصاً، يفسد الصلاة والكلب والحمار، وباعتبارها مجلبة للعار إذ كانت توأد في المهد، ومن كان يبشر بها كان يتوارى عن الناس ووجه مسوداً وهو كظيم، ولذلك تخفى حتى اليوم، وتحجب وتنقب، وتبعد عن الأنظار كي لا تذكر أحداً بعاره، وعورته، وحتى اليوم توأد باسم جرائم الشرف على مرأى ومسمع من وزراء ثقافة الطلقاء الذين لا يتجرأ "أعرض شنب فيهم"، على التطرق لهذه القضية، ومناقشتها، من خلال ما يسمى بمجالس الشعب والشورى العربية المعيـّنة تعييناً، ( التعيين والبيعة في صلب ثقافة الطلقاء، أيضاً، ومن لم يكن يبايع كبير السيافين، كان لا يـُعيـّن، وكان يقطع رأسه أيضاً، والبيعة تعني التسليم بالطاعة السياسية وتأييد موقف كبير السيافين سياسياً، والخضوع غير المشروط وتسليم الرقبة والمصير لكبير السياف وكلما اشتدت دموية السياف كانت حظوظه أوفر في الفوز بمنصب كبير السيافيين الذي كان يطلق عليه تجميلاً لقب الخليفة)، وطلب إيقاع أقصى العقوبات بمرتكبي جرائم الشرف واعتبار تعديل مواد الحط من المرأة في الدساتير البدوية، حتى اليوم، إساءة وتخل عن الدين، هكذا. ولو كان الأمر قضية شرف والتزام خلقي بعدم الخلاعة والفسوق والانحلال، لماذا كان خلفاء ما يسمى بالدولة العربية والإسلامية غارقين "لشوشتهم"، بالمصري، في الجنس والملذات، واقتناء الجواري والتمتع والسرح بهن. ويورد الأصفهاني بأنه كان في قصر "مولاي ومولاكم"، أربعة عشر ألفاُ من الجواري والغلمان، يقال بأنه وطأهن جميعاً، هذا والعلم عند الله، وهذا السياف موجود في النشيد الوطني لبعض الدول القومية ويتغنى الأطفال العرب بمنجزاته الجنسية والسيفية في الصباح الباكر وقبل أن يفعلوا أي شيء آخر، والتغني بالقتلة، وكبار السفاحين والسيافين البدو، وتمجيدهم، هي واحدة من أهم السنن في ثقافة الطلقاء وتمارس على نطاق واسع، ويشفعونهم بهالة من القداسة، ويحرس كل ذلك ويحافظ على قيمه وتقاليده من يسمون بوزراء الثقافة العرب الذين يتطلعون لغزو اليونيسكو والمنظمات الدولية والإنسانية الثقافية الأخرى لفرض ثقافة الطلقاء وقيمها ورؤاها العصبوية الضيقة هناك والاعتراض ومنع وحجب والاجتجاج على ما يسيء لمشاعر تلك الثقافة، كما يفعلون في وزاراتهم البدوية.
أمـّا تحريم السياسة، في ثقافة الطلقاء، فهو نابع من رغبة قمعية متأصلة لدى الطلقاء في منع التطرق لأحداث الفتنة الكبرى وتشريحها، تلك الفتنة الدموية التي أتت بالطلقاء إلى سدة الحكم ووراثة العرش الديني الأسطوري المقدس. والطلقاء هم الذين دخلوا الإسلام، عنوة، ومرغمين وبعد أن "أطلقهم" الرسول إثر فتح مكة. إذ شكلت تلك الأحداث الدموية المؤسفة حساسية سياسية عالية لدى الجماهير، كما هو الأمر لدى الطلقاء، حين كان يتم ذكرها أو التطرق إليها، والتي لا يـُتخيل فيها، حتى للعقل البسيط، كيف أن سبط رسول الإسلام، وحبيبه الذي كان يداعبه على كتفيه المباركتين، يذبح وتقطع رقبته ومن ثم يؤتى به إلى قصر يزيد، وتسبى حرائره ونساءه، وكما قال مظفر النواب في رائعته الشعرية دندنات ليلية مشيراً لذلك: "هذا رأس الثورة يحمل في طبق في قصر يزيد". وكيف تتم معاداة وتجريم بيت النبوة ورموزه الكبيرة كعلي وغيره، ولذا كان أي تحليل ومقاربة علمية ومحايدة وموضوعية لأحداث الفتنة الكبرى التي غيرت وجه وتاريخ المنطقة، إلى الأبد، ووضعته في سياقه الإشكالي السرمدي الحالي المعروف، وما تولد عنه من مخاضات انشقاقية حادة ومريرة لا تندمل شرذمت سكان المنطقة إلى قبائل وعشائر وطوائف ومذاهب وناجين من النار وزنادقة وهراطقة ومرتدين ورافضة وضلالية وكفار، كان يجابه بقمع وردة فعل عنيفة، مع محاولة حثيثة ودائمة لفرض وجهة نظر الطلقاء ورؤيتهم لما جرى، ولذا لم يتورعوا عن الإساءة علناً، وسب خليفة راشدي يحظى بقداسة لدى البعض، على منابرهم لمدة مئة عام، وإلى اليوم تتداول عبارة "بابا حسن"، والتي تعني الرجل السيء عديم الخلق، والرائجة في بعض الأصقاع التي حكمها الطلقاء، للإشارة إلى شخص أحد الخلفاء الراشدين اختصاراً لكلمة "أبي الحسن"، إلى أن أتى الخليفة العادل، كما يلقب، عمر بن عبد العزيز وألغى تلك البدعة الطلقائية. وتحريم السياسة، أيضاً، يتأتى، من رغبة في منع الطبقات الشعبية، من غير سلالات الطلقاء المؤلهة والمنزهة، من التفكير بالوصول إلى مراكز القرار، واعتبار أن وجود تلك السلالات هو بأمر ووحي إلهى ومشيئة ربانية، وقال في ذلك أحد خلفاء الطلقاء موجهاً كلامه لأخيه لن أهبك أمراً منحني إياه الله أي أن ذاك الطليق ابن الطليق، موجود بأمر من الله.
أما تحريم أي نقاش في الدين، والتطرق إليه، فهو لمنع نسف وتقويض تلك البنية العقائدية والإيديولوجية المبهمة التي قامت وتقوم عليها الأساطير والسرديات الدينية الرومانسية الزاهية الكبرىالقائمة وتقديمها بصورة قدسية جامدة غير قابلة للكسر. تلك التوليفات الأسطورية الفكرية الهشة التي تعتريها الكثير من الإبهامات والأسئلة في عناوينها الكبرى، والشكوك في مفاصلها ومضامينها، وتوضع علامات الاستفهام الكبرى حول الكثير من أقانيمها، ويلزمها الكثير من المنطق كي تصبح مقنعة وقابلة للحياة، وهي قائمة بالمجمل على التسليم المطلق وإلغاء العقل وتغييبه أمامها، ومقاربتها والتعامل معها وفق منهجية لا حول ولا قوة إلا بالله وإني فوضت أمري لله، وعدم مناقشتها. لأنها ستنهزم، فوراً، وتندحر أمام أية أطروحات عقلانية وأسئلة منطقية وتدقيقات بحثية. ومن هنا كانت تلك الفوبيا المتأصلة في ثقافة الطلقاء، لمنع التطرق والاقتراب من البنية الإيديولوجية العامة لما يسمى بالحضارة البدوية واعتبارها أمراً مسلماً به لا تجوز مناقشته أو التساؤل حوله وعمموا مقولة من تمنطق فقد تزندق ولذا غرقت المنطقة في أتون جهل مطبق مدة 1400 عاماً فقط لا غير والجماعات السياسية الدينية تطلب المزيد من ذلك، ويبدو أنها لم تشبع من تلك القرون الثقيلة، وذلك عبر دعوتها للعودة إلى مناخات وبيئات الطلقاء. هذا هو، وباختزال شديد، دون الإيغال في تفاصيل رافدة أخرى واستحضارها، وهو ملخص عام لما قامت عليه الثقافة التي أسس لها الطلقاء باعتبارهم ورثة الخلافة الراشدة بعد الأحداث الدامية.
وكل من كان يحاول خرق تلك التابوهات والاقتراب منها، وحتى اللحظة، كانت تجز رقبته، ولذلك قلنا في بداية الكلام، أننا حين نسمع بكلمة ثقافة عربية أصيلة، نعرفها جيداً مراميها ومعانيها، ونتحسس رقابنا جميعاً، وهذا ما حصل للكثير من المفكرين والفلاسفة والرواد والشعراء الذين حاولوا خرق تابوهات ثقافة الطلقاء وتعريتها وفصفصتها. وهذه هي عين الثقافة التي يـُعيـّن لها وزراء للثقافة في المنظومة البدوية، بمراسيم رئاسية وسلطانية وملكية وأميرية سامية، للحفاظ عليها ورعايتها، والعمل على ترسيخها وضمان ديمومتها في الألفية الثالثة، والقائمة على الحجب والستر والإخفاء وقلب الحقائق وتعميم الباطل الذي كان من نتيجته عقل مشوه غير قابل للفهم والإدراك ومواكبة متطلبات العصر والحياة وتقبل المفاهيم الجديدة والأفكار ما ولد ذاك الصدام الدموي العريض الهائل والفظيع مع بقية سكان المعمورة. لا بل تراهم اليوم، وبعد إنجازاتهم تلك، يتنطعون، غطرسة وبطراً، لفرضها على الشعوب الأخرى من خلال اليونيسكو. إنه العار والسقوط بعينه، أن يفكر، أحد من حراس وأوصياء ثقافة الطلقاء، الذين لا زالوا يحرقون الكتب ويصادرون الرأي ويضيقون على أصحاب الرأي ويتغزلون علناً بسيافي بني عثمان ولا زالوا يفرخون لنا المزيد من الإرهابيين والقتلة ومشوهي العقول ومغسولي الأدمغة من خلال نشر ثقافتهم ووصايتهم عليها، بالاقتراب من منظمات سمتها الأولى أنها قائمة على تعدديات ثقافية إنسانية وفكرية تقدس أولاً العقل وتحترم الإنسان، أي إنسان، وكائن من كان، من أي عرق ولون كان، وليس فقط من والى الطلقاء في ثقافة "أصحابنا"، وكان من أعظم إنجازات تلك الثقافات الإنسانية التعددية أن أنجبت، وأنتجت لنا أعظم الحضارات البشرية حتى الآن.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وزراء ثقافة الطلقاء
-
حمار عربي أصيل!!!
-
لماذا لا يستشهدون؟
-
اسم على غير مسمى
-
لماذا يُفرض الحجاب في الدول الدينية؟
-
البكيني مقابل الحجاب والأكفان السوداء
-
وإذا أنت أكرمت اللئيم تمرّدا
-
الحكام أم المحكومون العرب؟
-
باب الحارة: الإسلام هو الحل
-
ما هي معايير الوطنية؟
-
العَربُ وتهديد القيَمِ والحَضارةِ الغربية
-
عبد الباسط المقراحي طليقاً
-
لماذا العتب على جنبلاط؟
-
هل السعودية بحاجة لمهرجان ثقافي؟
-
زوال الدولة الوطنية العربية
-
المملكة السعودية: اعتقالات بالآلاف من دون محاكمة
-
أبناء حكام العرب: شيء يرفع الرأس!!!
-
غزة-ستان: بين حصار وحجاب
-
خرافة البحبوحات النفطية
-
لا لولاية السفيه
المزيد.....
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
-
-استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله-
...
-
-التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن
...
-
مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|