|
من ذا الذي يريد ان يسكت صوت القرآن بحجة حرية الآخرين؟
فاطمة الزهراء طوبال
الحوار المتمدن-العدد: 2760 - 2009 / 9 / 5 - 08:57
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بعد أن قرأت مقالا للسيد تنزيه العقيلي يحمل عنوان" التلاوة العلنية للقرآن مساس صارخ بكرامة الآخرين" رأيت أن أكتب ردا على الموضوع.. ولعل هذا الرد هو نصف جواب ما ورد في هذا المقال... إن التلاوة العلنية لقرآننا الكريم في بلادنا الإسلامية عند كافة شعوبنا، تعتبر بمثابة فعل يقوم به القارئ الذي له القدرة للارتقاء إلى مرتبة الفن أو التفنن بحيث ينصنا ديننا على ترتيل القرآن ترتيلا حسنا يهدئ نفس المستمع و يرشده إلى طريق التلقي و التقبل. إذ قال رسولنا محمّد صلى الله عليه وسلم "من استمع إلى آية من كتاب الله كتبت له حسنة مضاعفة ومن تلاها كانت له نوراً يوم القيامة" رواه أحمد. كما قال عليه أفضل الصلاة و أزكى السلام: " من قرأ حرفاً من كتاب الله تعالى فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها ، لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف "رواه الترمذي. هذا، و أما عن القضية التي تساءل عنها المتسائلون و الخاصة بالحقوق العامة التي يجب أن يتمتع بها الإنسان، فإذا جئنا إلى تحديد مفهوم الحقوق العامة فإنها كل مصلحة يكون احترامها واجبا ً، ولو تساءلنا عن نوع هذه المصلحة التي يتطلع إليها هؤلاء المتسائلون سنجد أنهم يبحثون عن حرية لا حدود لها، وإن غيبّت الحدود في المجتمع الإنساني فسيكون لدينا مجرد مجمّع حيواني لاأكثر فعن أي حرية ينادون؟ و القرآن الكريم قد حررهم من جهلهم و يبحث لهم عن خلاص من أنفسهم التي تتمرد باستمرار بل إنها تمردت منذ عصور على الأنبياء و الدليل في ذلك أن الأمة الإسرائيلية هي من بين الأمم التي بعث الله إليها بأنبياء كثر وهذه حجة على كثرة تمردهم و شدة طغيانهم وإلا كيف نفسر عدم اعترافهم بنبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟ قال الله تعالى " إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ". (الإسراء:9) طبعا قد يبدو لهؤلاء على أنّ أغلب سكان البلدان الإسلامية لا يتبعون القرآن أو ليسوا أتباعه على حد تعبيرهم، وهي في حقيقة الأمر معطيات غير دقيقة لأنها لاترتكز على أرقام أو دراسة ميدانية، لكن لا ينفي قرآننا تواجد هذا الصنف من الناس و لعل تحذير النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث : ( أكثر منافقي أمتي قراؤها ) يوّعي نفوسا انخدعت بمظاهر براقة كما يبين نبينا المصطفى عليه أزكى الصلاة و التسليم مدى تخوفه على أمته الإسلامية من أمثال هؤلاء فيقول: ( أخوف ما أخاف على أمتي منافق عليم اللسان يجادل بالقرآن ) . ...و المنافق هو كل من تظاهر بدخول الإسلام بينما يخفي في قلبه الشرّ لهذا الدين وما أكثرهم في هذه الأيام بحيث لايجب أن نخلط الإسلام بهاته الفرقة الضالة التي أعطت صورة منافية لحقيقة ديننا الحنيف. مرورا إلى القول بأن القرآنيون كما شاء الملحدون تلقيبهم يفرضون دينهم على غيرهم بلغة السيف فهذا قول مغلوط لاصحة منه فكيف و قرآننا يدعوا إلى احترام عقائد الآخرين والدليل على ذلك قول الله جلّ وعلاّ:(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُواعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُواعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) كما يدعونا قرآننا إلى عدم سب الكافرين أو إيذاءهم بألفاظ نابية جارحة وعدم سب أو شتم آلهتهم فقال الله تعالى: (وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْم) فلم يكن قرآننا خرقا لحقوق الآخرين ولا مساسا لكرامتهم بل على العكس هؤلاء المتسائلون يودون أن يسكتون صوت القرآن بحجة حرية الآخرين بيد أنهم لايدعون إلا إلى مجتمع فوضوي لايحكمه دستور ولا تنظمه قوانين. هذا، وقد ذهب هؤلاء إلى القول بأن القرآن قد وزع الشتائم على الكافرين، لكنه قول في غير محله، لماذا؟ لأن الترغيب و الترهيب هما من أساليب الدعوة إلى الله الواحد الأحد حيث أنّ الناس على اختلاف طبائعهم و ملكاتهم الفطرية منهم من يستجيب بسرعة الترغيب ومنهم عكس ذلك فمن أساليب الترغيب في القرآن قوله تعالى ﴿وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة:72] ومثلما نجد أسلوب الترغيب في قرآننا نجد أيضا أسلوب الترهيب ولا يعني ذلك سبا أو شتما للكافرين حسب اعتقاد البعض ولكن بحثا عن خلاص لهؤلاء المشركين من عذاب يوم القيامة و هو اليوم الذي سنبعث فيه فيحاسبنا الله على أعمالنا وقد يغفر الله خطايانا إلا أن نشرك به فإن الشرك بالله ظلم عظيم.يقول الله تعالى في محكم كتابه الكريم: ﴿وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً ﴾ [الفتح:6] وقال الله تعالى: ﴿وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [المائدة:5], وأحيانا يجمع قرآننا بين الأسلوبين معا " الترهيبي و الترغيبي" ومثال ذلك ما تظهره الآية الكريمة ، قال الله تعالى:﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ﴾ [الحجر:49-50] والغريب أن من المتسائلين من يقول بأنه قد فسر القرآن وفهم نصوصه ثم يذهب لتلفظ به السوء على أنه يمس بكرامة العباد... فالقرآن لمن لايعرف معناه هو الجمع و التبليغ و الهدي و الإرشاد إلى طريق الحق و الشفاء من الأمراض و من غلو النفس و عصمها عن إتيان الفواحش و إتباع الباطل . ومع أن القرآن كان أول من دعا إلى تحرير الرق من ظلام العبودية و تحرير المرأة من أنياب التذليل و الاحتقار و تحرير الأمي من قضبان الجاهلية قد أثبت أن للكون إله واحد يحميه وقوة خارقة تردع له، تسجد له الشمس و القمر وتذوب الجبال بمجرد ذكره، سبحانه لاإله إلا هو الحي القيوم الذي لايموت وهو السميع العليم الذي لايخفى عنه شيء. جمع بين الأبيض و الأسود فلافرق بينهما إلا بالتقوى و العمل الصالح، وحمى المرأة من أطماع المرضى نفسيا فأمرها بالستر و الحجاب ونهى عن إهانتها و استوصى رسولنا الكريم بها خيرا قبل ساعات من وفاته فحرم وأد البنت وحرم الزنا حفاظا على العلاقات الاجتماعية بين بني البشر. آيات كثيرة تدافع عن الإنسان و تقيه من خطر العواقب الدينية و الدنيوية وما ذكرته إلا القليل. فالتلاوة العلنية للقرآن ليست مساسا بكرامة الإنسانية و إنما خلاصا لهم للنجاة بأنفسهم من عذاب الآخرة .
#فاطمة_الزهراء_طوبال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إشكالية البنوك الربوية
-
النظام الدبلوماسي و الصراع العربي العربي الإسرائيلي
-
حتى نغير ما في أنفسنا
-
تحقيق صحفي
-
عندما تسمى مخابز و مقاهي بأسماء العلماء و الفقهاء...هل يفعلو
...
-
إشكالية الدولة المعاصرة
-
إشكالية الفكر العربي المعاصر
-
هل يمكن أن نقيم نظام مثالي؟
-
إشكالية الإستثمارات الأجنبية داخل الوطن العربي
-
الدب الروسي يعود إلى الواجهة
-
الهجرة غير الشرعية
-
قضايا تنموية في الوطن العربي
-
الفن و القيمة الفنية في مجتمعاتنا العربية
-
الأدب الصوفي وتفرعاته الفنية
-
إشكالية النمو الديمغرافي في العالم العربي
-
التربية الأسرية في مجتمعاتنا العربية
-
الصحة و الوقاية الصحية في المجتمع الجزائري
-
إستراتيجية الثورة الجزائرية في القضاء على الإستعمار الفرنسي
المزيد.....
-
بابا الفاتيكان: الغارات الإسرائيلية على غزة وحشية
-
رئيس الإدارة الدينية لمسلمي روسيا يعلق على فتوى تعدد الزوجات
...
-
مـامـا جابت بيبي.. حـدث تردد قناة طيور الجنة 2025 نايل وعرب
...
-
بابا الفاتيكان يصر على إدانة الهجوم الاسرائيلي الوحشي على غز
...
-
وفد -إسرائيلي- يصل القاهرة تزامناً مع وجود قادة حماس والجها
...
-
وزيرة داخلية ألمانيا: منفذ هجوم ماغديبورغ له مواقف معادية لل
...
-
استبعاد الدوافع الإسلامية للسعودي مرتكب عملية الدهس في ألمان
...
-
حماس والجهاد الاسلامي تشيدان بالقصف الصاروخي اليمني ضد كيان
...
-
المرجعية الدينية العليا تقوم بمساعدة النازحين السوريين
-
حرس الثورة الاسلامية يفكك خلية تكفيرية بمحافظة كرمانشاه غرب
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|