|
المرتبة التي أبتلت بدم الشهيد محمد عبد السلام... المرتِبة الخامسة الحمراء
وائل طه محي الدين
الحوار المتمدن-العدد: 2741 - 2009 / 8 / 17 - 08:03
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
بعد مُرور عشرة سنوات، نحاول أن نخط ّما يُفيد البحث والتوثيق حول ظاهرة العنف السياسي ووليدها الإغتيال السياسي التي إستشرت في ظل هذا النظام الدموي، نعود بالذاكرة إلى بعض التفاصيل المهمة في السياق الإجتماعي- السياسي التي تمَّت خلال الأربعين يوماً التي شهدت أهمَّ ملامح معركة السكن، فضلاَ عن تسليط الضوء على تسلسل الأحداث منذ نهاية يوليو 1998م والى مطلع سبتمبر 1998م، وبالضرورة يتطلب ذلك وقفه متأنية في مجريات ليلة 4/8/ 1998م، تلك الليلة السوداء التي اغتيل فيها زميلنا الطالب بجامعة الخرطوم – كلية القانون - السنة الثالثة، محمد عبد السلام بابكر، في سبيل سعيه بجانب آخرين لتوفير (مَرْتَبَة) لكل طالب مستحق بفعل حوجته. فبعد إغتيال( بشير، سليم، التاية، طارق) يكون مُحَمَّداَ قد شغر (المَرْتِبة) الخامسة في السجل المتوالي لشهداء طلاب جامعة الخرطوم في عهد - الإنقاذ- الجبهة الاسلامية. وعلى الرغم من وضعنا السابق كجزء من معركة السكن أسوة بآلاف الطلاب، إلا أننا هنا نُعبِّر عن رأي يخصنا، وبالتالي ما سنورده لا يمثل بالضرورة رؤية تنظيم سياسي معين، أو أيّ هيئة من هيئاته، وإن تلاقت وتقاطعت نقاط الاختلاف والتوافق. وليجد لنا العذر من وردنا أسمائهم، ومن المحنا اليهم دون إستئذانهم.
منذ مطلع تسعينيات القرن المنصرم، وبعد إنقلاب الجبهة الاسلامية على السلطة في 30يونيو1989م تم استهداف مُباشر لحركة الطلبة عبر شتى الوسائل، فقد اغتيل من طلاب جامعة الخرطوم الشهيد الأول بشير الطيب في 4 ديسمبر 1989 م، وبعد مرور يومين فقط قدمت الجامعة شهيديها الثاني والثالث على التوالي، في يوم واحد "سليم أبوبكر 4/ آداب والتاية أبو عاقلة 2/ تربية في 4 ديسمبر 1989 م. وفي أحداث مناهضة تصفية السكن والاعاشة تم إغتيال شهيدنا الرابع الطالب طارق الزهري 1/ اعدادي علوم في 1991م، وكان المناخ السياسي آنذاك مشحوناً بتفشي ظواهر المطاردة والملاحقة، ولم يخلو من تعذيب وحشي، الناجون من التعذيب، أي من القتل أثناء وما بعد التعذيب أدلوا بإفاداتهم عبر عدة نوافذ، ففي حقبة التسعينات كانت حصيلة التعامل اللا إنساني عالية جداً، وبالجامعة مجموعة الشواهد والمحطات التي تنبئ عن ذلك، حادثة اعتقال ثلاثة من طلاب الجامعة أعضاء في الجبهة الديمقراطية لعدة أشهر أكثرها وضوحاً وتأريخاً، عُرفت بـ (ضربة بيت الثورة )، الطالب مرتضى عبد الرازق 4 / هندسة معمار ،الطالب مهيد صديق 3 / هندسة مساحة، الطالبة ماجدولين حاج الطاهر 4 / غابات، تعرضوا لتعذيب دامي، بين بيوت الأشباح وزنازين سجن كوبر، ولم تُستثنى الطالبة (ماجدولين) من التمييز الايجابي في التنكيل والبطش، بجانب آخرين من جامعات مختلفة (الأهلية – النيلين – السودان – جوبا - ...) ممن دفعوا ضريبة النضال ضد الطغاة . في كلية العلوم ومن بين طلابها نشير الى أحدهم ميزه من غيره الاستهداف الأمني الذي ظل يتعرض له والذي لا تخطئه العين، (عاصم زين العبدين ) عضو الجبهة الديمقراطية الشهير بـ (شرذم) إذ كثيراً ما تعرَّض للملاحقة والتعذيب من قِبل الأجهزة الأمنية سيئة الصيت، الزميل (شريف محمد آدم) من كلية الاقتصاد تم تعذيبه ووُشم بالنار عظة وعِبرة لزملائه، وتبدو عليه حتى الآن علامات التعذيب، قرَّر بعدها الالتحاق بطريق الكفاح المُسلح أسوة بكثيرين غيره ممن اختاروا ذات الدرب. بعد تصفية السكن والإعاشة في 1990م، ومنذ العام 1995م درج طلاب الجامعة لإيجاد حلول واقعية لأزمة السكن، ففي ذلك العام الدراسي تم استبدال المجمعات السكنية الطلابية بصورة عكسية بين مجمعي الطالبات والطلاب، تحت دعاوى كشفت الغرض الأمني والمنهج العشوائي الذي اتبع، إذ أصبح مجمع البركس خاصاً بالطالبات بدلاً عن مجمع الوسط الحالي، شيئاً فشيئاً تراجعت معدلات البيئة السكنية التي يفترض من الناحيتين النظرية والعملية أن تلائم متطلبات الطلاب الجامعيين كماً وكيفاً على كافة المستويات " صحية، خدمية، أثاثات ..." بل برزت السلطة الأمنية للصندوق كطرف ثالث في معادلة الصراع، إذ آلت كافة الصلاحيات والسلطات الأمنية الى موظفي الصندوق، بالتالي أصبحت مهامهم الرئيسية تتركز في العمل على تصفية النشاط السياسي ورواده من الطلاب، لتبدأ بعدها سلسلة الرصد والملاحقة للناشطين في العمل العام ومعارضي النظام. ففي ذات العام الذي أنصف العقد الأخير من القرن الماضي إقتلع الطلاب حقوقهم المُكدَّسة في مخازن الصندوق، أشياء تبدو رخيصة في قيمتها المادية لكنها ثمينة في جانبها المعنوي، مئات المراتب، وعشرات المراوح بجانب أعداد قليلة من "لمبات النايلون" لإضاءة الغرف، كل ذلك العمل تم على مسمع ومرأى من الصندوق وبصورة جماعية تلت العديد من أركان النقاش وبيانات التوضيح، مخاطبات التعبئة، حلقات الحوار العشوائية والمنظمة بين الطلاب الذين أستقر بهم المقام خارج الداخليات بصفة عامة، وساكني الداخليات بصورة خاصة. حلقات النقاش العشوائية والمنظمة التي سبقت موعد اقتحام مخازن المراتب" كانت تصب في مجرى حتمية ذلك الحدث، وتبحث عن الآليات الكفيلة لتحقيقه، وبعد أن تُحقق أغراضها تحتفي تلك الحلقات الطلابية ذات التنظيم العالي بما حققته وتسعى عبر طُرق أخرى لإيجاد حلول مستقبلية وجذرية. عموم المناقشات كانت لا تُبارح المحور الرئيسي المستند على شعاري "داخليات جامعة الخرطوم لطلاب جامعة الخرطوم، نحو إعادة إشراف إدارة الجامعة على داخليات الجامعة" ولا تخرج تلك المطالب عن إطار المطالبة بحقوق طبيعية، بل زهيدة. بدأ ذلك النمط من التفكير في 1996م ثم 1997م، وأيضاً في أغسطس المشئوم من العام 1998م، ففي خريف تلك السنة بدأ العام الدراسي الجديد بين كارثة الرسوم الدراسية التي ازدادت قيمتها فجأة، وبين محنة السكن، وكالمعتاد دبَّت النقاشات والثرثرة بين جدران الغرف، حوارات جادة في كافيتيريا القانون، وأخرى لا تقل عنها أهمية في الاقتصاد، ثم تشكَّلت وبصورة تلقائية لجان السكن على نمط أكثر تنظيماً وسرية، وهذه جدلية يدركها طلبة التسعينات أكثر من غيرهم. الجبهة الديمقراطية كعادتها ولكونها تنظيم طليعي، قدَّمت مبادرة لخوض معركة ذات أمد قصير الذي لم يتجاوز أسبوعين، خلال هذه الفترة جرت مياه التعبئة والتنسيق في ظل وضع يتطلب سرية مُحكمة، وقيادة جماهيرية مشهود لها بالصلابة والجرأه، بالمقدرة على تحمُّل العواقب مهما كلَّف ذلك من ثمن باهظ، حتى وإن كان الحياة. صعدت إلى السطح العلني قيادة جماهيرية قوية، تكفَّلت طوعاً بخوض زمام المعركة، بنكران ذات أبت إلا وأن تتحمَّل مشاقها المحتملة، من بين صفوف هذه القيادة ظهر طالب بكلية القانون يُدعى "محمد عبد السلام بابكر" متوسط القامة وصاحب نظارة ذات إطار كلاسيكي، ذو سبعة وعشرون خريفاً في ذاك الخريف الممطر، من ذلك العام البائس، ابن حي الدباغة بمدينة ود مدني، وعضو مركزية الجبهة الديمقراطية بجامعة الخرطوم. في صباح 22 يوليو عام 1998م، أصدرت الجبهة الديمقراطية بياناً جماهيرياً تناول أوضاع الداخليات وطالب بضرورة التصدي للقضية، تلى ذلك بيان بلسان التجمع الوطني الديمقراطي الذي لم يخرج عن ذلك الاتجاه، وتلقائياً تشكَّلت لجان السكن الفرعية والمركزية، وخلال عشرة أيام غُطت جدران الجامعة بآلآلف الملصَّقات من ورق "الفلس كاب"، وعشرات الصحف الحائطية التي تصدر عن "الجبهة الديمقراطية" من بينها الصحيفة المركزية "مساء الخير"، وصحف الكليات "الراصد، الطريق، المتاريس، المد، الهبباي، أعاصير، إسكارا،..."
في العاشرة من صباح الأربعاء التاسع والعشرين من يوليو في ذات العام أقام التجمع الوطني مخاطبة بكافيتيريا العلوم - النشاط آنذاك- عقب مخاطبة "الجبهة الديمقراطية"، وتم إعلان قرار المواجهة الجماهيرية، وعُبئت الحناجر بالهتاف، في اليوم التالي الخميس 30 يوليو لم يجف النشاط السياسي من تداعيات ومستجدات أزمة السكن، وهكذا توالت الساعات. في نهار السبت 1/8/1998 وفي حوالي الساعة الثانية ظهراً سيًّر التجمع الديمقراطي موكباً هادراً لمباني الصندوق، قدَّم فيه الطلاب مذكرة طالبت بتوزيع المراتب المُكدَّسة بالمخازن على زملائهم الذين لا يملكون فرش الأرض، بجانب مطالب أخرى حول رسوم السكن والخدمات،... وطالبت المذكرة بالرد على مطالبها خلال 48 ساعة، وفي الثالث من أغسطس عرَّجت مسيرة أخرى لإستلام الرد، لكن لم يكن هناك رداً يُشفي الغليل، ويُعالج الأزمة تعمَّدت إدارة الصندوق تجاهل الرد، كجزء من حربها النفسية، وتخلياً عن مسئوليتها الإدارية، ضاربة بالمطالب العادلة عرض البحر. أي جامعة محترمة تلك التي يطالب فيها طلابها بمرتبة ولمبة إضاءه، وترف بورجوازي بالتطلع "لربط" مروحة في كل غرفة تسع ثمانية طلاب !!! وفي الحادية عشر من صباح الاثنين 3/8، أي في نفس اليوم، وبعد مرور ساعات قليلة، قررت لجنة السكن الإقتحام، وحسم الطلاب أمرهم ثورياً بإقتحام مخازن الصندوق، وأشرفت لجنة السكن على توزيع المراتب بعد نفاذ المهلة المقررة بـ "48 ساعة" في مشهد بسيط وعادي للغاية
لجنة الإشراف على المخازن :- لجنة السكن التي تم تكوينها من طلاب الجامعة، أشرفت على توزيع "المراتب" للطلاب، وما الضير في ذلك فالممتلكات تخص الطلاب وهم من يستحقها وليس جدران المخازن الضخمة، والجامعة جامعة الطلاب، وبأموالهم تم إنشاء داخلياتهم التي يسترزق منها أرباب ومأجوري النظام، ولجنة السكن تمثلهم كطلاب وسبق تشكيلها والإعلان الشجاع عن قادتها بصورة جماهيرية أمام مسمع ومرأى الكافة، ولاغرابة في نضال الكل من أجل حقوق الكل، حيث تم توزيع الآتي :- - المراتب للغرف حسب السكان "بين 4 – 8 – 12" وكانت حوالي 1600 مرتبة. - لمبات الإضاءة "النايلون" لمبة لكل غرفة وكانت حوالي 82 لمبة. - بعض المراوح المستعملة لا مكان للملكية الفردية فيما سبق، فما تمَّ توزيعه بين الطلاب لغرض الإستفادة الشخصية في حدود الزهد، وجميع الممتكات مُسجلة بإسم جامعة الخرطوم، كل ذلك تمَّ تدوينه وتوثيقة بواسطة لجنة السكن، وتحولت تلك اللجنة الطلابية الى لجنة للمخازن والمهمات، فيها مسئول عن فتح المخزن، مسئول الإحصاء، المدخلات، المخرجات، التوزيع،..وهكذا كيَّف الطلاب وضعهم، وأداروا شأنهم بمسئولية وأمانة بالغتين.
نهب ماكينة الطباعة :- على الرغم من صفتي الجدية والصرامة التي تُعدُّ من سمات العمل العام، وهما من مميزات تلك الأيام، الا أنها لم تخلو من قفشات، ومن الطرائف التي تحوَّلت لدرس قاسٍ، أنه وفي ذلك اليوم كان الكل منغمس في أمر الحصول على مرتبة للاستمتاع بنوم ليلة هانئة بلا قطن بالٍ، وأشياء مزعجة تسبب الإصابة بالجيوب الأنفية، غبار وأتربة، وفوجئنا بأن حصيلة المراتب كانت جديدة الصنع، وفي المشهد الذي يصور طالب ما ممسكاً بيمناه لمبة نايلون، يظهر آخر من البعد معتلياً مرتبته بيديه، مع وجود قِلة من الذين حصلوا على (رزَّة طبلة) لـتأمين الغرفة من لصوص النظام، وهكذا كان ذلك المشهد. إهتمت لجنة السكن بتوزيع المُستحقات، و‘نبثقت عنها لجنة فرعية قامت بأمر الإحصاء، البعض يحمل، والبعض يعاون بعضهم البعض، ومن بعيد شوهد أحد (الزملاء) يحمل في ظهره شيئاً ما أسود اللون، شيئاً لم يبدو طبيعياً، ولما كُنَّا على بعد مسافة لم تُمكِّننا من تحديد المشهد بدقة، اقتربنا نحوه، وإذ باشيء المحمول(ماكينة آله كاتبة)!!! فسأله الشهيد محمد عبد السلام بصرامة وهدوء عن المبرر الذي دعاه لأخذ الآلة الكاتبة، فقال الزميل بثورية : "يازول نحنا لحدي أسي بنكتب بياناتنا بي خط اليد، حتساعدنا الآلة الكاتبة في تجويد العمل الدعائي "، وبالفعل كانت البيانات حتى مطلع القرن الجديد تُكتب بخط اليد. الشهيد بإعتباره أحد قيادات السكن طلب من الرفيق إرجاع الآلة مُبرراً قوله :- "كان ولا يزال هدفنا توفير الاحتياجات الأساسية للطلاب، إحتياجات رئيسية تتعلق بالبيئة السكنية فقط، أما ما أقدمت عليه فلا يتوافق مع طبيعة المعركة والمطالب المُلحَّة للجنة السكن. فلا الآلة الكاتبة وغيرها يصح الحصول عليها بتلك الكيفية". عليه إستوعب الزميل (البرلوم) ذلك الدرس الأخلاقي وما زال يُذكِّرنا به كلما تجددت ذكريات (ليلة الاقتحام ).
ليلة الاقتحام :- بعد ان أنهى الطلاب أمر استلام وتسليم إحتياجاتهم وحقوقهم الطبيعية انصرفوا الى الجامعة، ومثَّل ذلك الحدث الجلل القاسم المُشترك في تبادلهم أطراف الحديث ومحور نقاشهم، فكيف لا يكون والجامعة قد شهدت حركة واسعة ونشطة، وتمَّ تعبئتها خلال الأسبوعين السابقين!!! نذكر أننا وبعض قُدامى الأصدقاء قمنا بطواف في مجمع الوسط بدءاً بالعلوم ثم الإدارية، الاقتصاد، القانون .... وإتكئنا نستريح في كافتريا القانون في (المصطبة). للأمانة والتاريخ وبينما نحن جلوس نرشُف الشاي، أعدنا التفكير في قراءة التوقُّعات، ثُمَّ إنتابتنا موجة من التفكير ثم الشعور القلِق، حدس جماعي مُشترك المَّ فينا، وبيننا، ) أماني حدو، هبه، حافظ حسين، هاجر، محمد محي الدين، المرحوم حسام الحاج، عبد المنعم سالمين، حمدي، والكادر السري الوفي ) أخذنا نرنو يميناً ونُرِّكز صوب اليسار، عن تفسير علمي لمستجدات الأحداث، أملاً في الاكتشاف، وعلى الرغم من السكون الذي حلَّ فجأة في نفوس العامة، ومجموعة الزملاء الذين كانوا في (تله) القانون خاصة، إلا أننا قررنا مُغادرة الجامعة، وانصرفنا إلى الداخلية وكأننا على علم بحتمية حدوث ذلك الشيء الذي سيحِل في تلك الليلة القاتمة، هدوء أمني وسواد ليل ربما حملا نذير شؤوم.
الغداء الأخير:- بادر أحدنا بنصب مكيدة على صاحب الكافيتيريا التي تتبع للسلطة بذلك ولم يعطه قيمة ذلك الطعام البائس الذي تناولناه، فقد كان شائعاً في وسط الطلاب في تلك الفترة (الإستهبال) على المحلات التي تؤول ملكيتها للسلطة، وكنا مجموعة أفراد نعتقد أن ذلك (عملاً نضالياً)، ولم نأبه بإنتقادات زملائنا الآخرين، الذين دوماً ما يوجهون نحونا أسهم النقد والتوجيه، إذ درج البعض منا على إحتيال ومنح تذاكر الطعام على المحتاجين، وكثيراً ماترى (موارك الفاصوليا) تُوزَّع مجاناً على الفقراء من الطلاب، حسبنا أننا نُطبِّق الإشتراكية، فكيف لا نُعطي مبرراً لأنفسنا وأرباح الكافيتيريا يُموِّل بها النظام أجهزته الأمنية، ويجوع الطلاب بسبب سياسات الإفقار المُتعمَّده !!! على كلٍ، تناولنا قليلاً من الطعام وغادرنا إلى داخلية المناهل (55، 60 ، 23،.....) وهذه كانت أرقام غُرفنا التي خُصصت للراحة نهاراً والعمل التنظيمي السري ليلا ً....... ما أن حلَّت التاسعة ليلاً حتى استقر بنا المقام في سطح الداخلية، بين حوالي التسعين طالباً كان محمد عبد السلام وأبو السيد وعبد الله الضاوي بالإضافة إلى "م" متكئين باطمئنان. توقعنا بأن أحداث عُنفٍ ستنشُب بعد منتصف الليل وأعددنا العدة حسب ما هو مُتاح. وفي الحادية عشر ليلاً اُغلقت جميع الطرق المؤدية من وإلى الداخليات وظللنا نُراقب المشهد عن بعد، رجال الشرطة انتشروا على إمتداد شارعي الجامعة والجمهورية، بالإضافة إلى تمركُز قوات أمنية في التقاطع المؤدي إلى كبري النيل الأزرق بالجوار من "النفق المُظلم"، أيضاً الكثير من العسكر تجمَّعوا في تقاطع شارعي الجمهورية مع القيادة العامة، فضلاً عن إغلاق شارع "عبيد حاج الأمين" المؤدي إلى كلية الدراسات العليا والإنمائية وهي المنطقة التي تُعرف الآن بـ "داون تاون". حسبنا أن العراك طرفه طلاب السلطة فقط من الجانب الآخر، ولما كانوا طلاباً تُبَّع لايستطيعون الصمود في مواجهات مباشرة مع الطلاب، بمعزل عن "الإمداد الخارجي" من أمن وشرطة، توقَّعنا حسم المعركة لصالح الطلاب، وظللنا مستيقظين طوال الليل ولم نُخطر بقية الطلاب بما توقعنا، غير الأصدقاء، وبعض الناشطين في العمل العام. لأسباب عِدة لم نخطر الآخرين، من بينها الحرص على حصر المعلومة في أضيق نطاق ممكن، زيادة عن منع تضخيم التوقُّع، والخوف من تسرب وتفشي حالتي الشد والجذب الذهني بين الطلاب، فضلاً عن تقليل إحتمالات الخسائر، وهذه حسابات يدركها مختصين بمثل تلك الشئون.
محمد عبد السلام لا يكترث :- وجدناه على علم بالأمر بحكم موقعه التنظيمي كعضو في مركزية الجبهة الديمقراطية، وكقيادة جماهيرية في معركة السكن، فقال لنا بكل ببرود وطمأنينة : - "ياشباب ما تكبِّرو الموضوع... لو في عُنف نخوضه بكل ثبات .... ولو حملة اعتقالات مامُشكلة ...أنحنا ما أوَّل ناس..ولا آخر ناس، نحنا ما بنسوي في حاجة عيب ولا حاجة غلط نتدسى منها" لم نُراجع عبارته التي باتت شهيرة، ولم نعي مدلولها، إلا بعد مرور ستة ساعات، رجعنا إلى موقعنا في الجزء الشمالي الشرقي من سطح داخلية المناهل، وكان صديقنا محمد في سطح السِلِّم الغربي وتارة بالقرب منه، حتى حلَّت لحظة الصفر، ونادى أولئك السفلة مُنادي (الجهاد).
الزحف الأسود:- بعد حوالي الساعة الثانية والنصف من فجر الثلاثاء 4/ أغسطس تمَّ إقتحام حرم الداخليات من ناحية البوابة الغربية، وجرى إعتقال عنيف طال كل الطلاب بدءاً بداخلية الرهد والى الأمام، الشئ الذي أضطر البعض لمغادرة الأسطح والغرف العُليا إحتماءاً بالأرض، وبقي الجميع جلوساً عليها، رافعين أيديهم الى أعلى، مطأطئين رؤوسهم أسفل أرجلهم، في مشهد مهين ومُذل، وما حسبوا أن من بينهم من نظرت السلطات في أمره، وقرَّرت أن يُدفن في الأرض، لا أن يجلس عليها مؤقَّتاً أسوة بزملائه وإستمرت القوات الكبيرة تقتحم وتعتقل، ولمَّا كنا في سطح مبنى داخلية "المناهل" بان لنا ذلك المشهد البعيد، كأنما أشياء سوداء تتحرك بقوة مُحدثةً ضجيجاً مُخيفاً، في حقيقة الأمر أن ذلك كان ناتجاً عن إهتزاز الأسلحة النارية والعصي الغلاظ التي كان يحملها أولئك العسكر وبعض المدنيين، شيئاً فشيئاً وجدنا أنفسنا نُقاوم من أجل البقاء، النيران اشتعلت على الأرض عندما قام الطلاب بقذف "الغزاه الجدد" بزجاجات "المولتوف" الحارقة، في مواجهة بنادق إيرانية الصنع، وبمبان عراقي ظل حبيس الفوهات، إشتمَّت أسرة الجامعة رائحته فيما بعد أساتذة وعمال، موظفين وطلاب. فجأة أحاط مُلثمين أرجاء الداخلية من الأسفل، وصعد الغزاه إلى الطابق الأول خائفين من ردود الأفعال، فمنهم من جاء أجيراً، والبعض منهم صُعق بالإنبهار بالجامعة، مرد ذلك أن غالبيتهم وَفَدَ من جامعتي أمدرمان الاسلامية والقرءان الكريم، جامعة الخرطوم كانت - ولا وزالت - عصيَّة المنال، فاسدة المزاج العام كما يحسبون، أتوا من جامعات الشريعة الإسلامية ليجاهدوا في أرض جامعة الخرطوم العلمانية. وبدأ أولئك الغزاة يستهدفون غرفاً بعينها بكسر بواباتها، وفي معيتهم خرائط وقصاصات ورق، ومرشدين، بحثاً عن نشطاء العمل العام، وبالأخص أعضاء تنظيم الجبهة الديمقراطية، الغرف "55،60 ،23، وصالون الطابق الثالث، ..." من داخلية المناهل، وبعد لحظات تكدَّس مدخل السُلَّمين بعشرات الأشخاص، وأخيراً "تمكَّنوا" من احتلال كل أرجاء الداخلية بعد مقاومة لا بأس بها، ومُرضِية لحدٍ ما للضمير، طالما كانت الإمكانيات معقولة، ولا يُمكن مطلقاً مُقارنتها بمقدرات الدولة البوليسية الأشباح المكشوفة :- حدث إرتباك كبير ولم يستطع البعض منَّا التمكُّن من قراءة ماسيحدث لاحقاً، فبعد الاشتباك تمَّ إقتيادنا الى الأرض بالقوة، ومن ثم تمَّ جمعنا في الشارع الرئيس الذي يفصل بين داخليتي الرهد والأصيل، بالقرب من مطعم "عبد الباقي" ذلك الشخص الذي أرشد الغزاه على الضحايا وقدَّم لهم معلومات ضافية. دُهشنا لوجود عشرات الأشباح المُلثمة، أشخاص مرتدين أزياء مدنية، وملثمين بطريقة مُحكمة، كانوا يُرشِدون العسكر على أبرز المُعارضين للنظام، كما أسلفنا القول، وكانوا يقولون :- - إسمك منو يازول هيي ؟ بتقرأ في ياتو جامعة يابليد ؟ - أنت شيوعي صاح ولا لا يا"..." ؟ - أطلع بره الصف ده يطلع "..." وأركب في العربيه دي يركبك فيك"...". - تعالوا ياصعايك التجمًّع، أمش أوضتك وقفِّل خشمك ده زي أختك. - إتحركوا يا"..."، إنت يا"..." عامل فيها بتاع قانون وله دكتور؟ - جيبوا هنا ندخِّل فيه "..."، ياطلبة يا "..." وبناتكم الـ "..." تلك الأشباح، وبمساعدة المُرشدين تمكَّنت من التعرُّف على ثلاثة طلاب وجرى إعتقالهم فوراً، الأول محمد عبد السلام بابكر 3/قانون بجانب الثاني أبو السيد والثالث عبد الله. ومن المؤكد أن الأشباح كانت على علم وثيق بالمعتقلين، وبنشاطهم أيضاً، فالثالث برز كعضو في حزب الأمة قبل أن يفارقه، والثاني كان في حزب البعث في تلك الأيام، قبل أن ينتقل الى الحزب الاتحادي، ثم يتركه لاحقاً، أما محمد عبد السلام فإنتمى إلى تنظيم الجبهة الديمقراطية ونشط في رابطة مدني بحكم موقعه التنفيذي كسكرتير عام لها، وكانت الروابط الإقليمية في تلك الفترة تؤدي مهام وطنية سياسية هامة، سيما رابطة طلاب مدني التي كان يقودها الطالب عبد المنعم "بوكاندي" الذي سيأتي تناول حادثته الشهيرة لاحقاً .
الشبح الأعرج :- معظم الأشباح كانت تنتمي كلية القانون الشئ الذي جعل في معيتهم معلومات أوليه عن طلاب القانون، وإلا لما كانت تتأتى عملية الإنتقاء من دون طلاب الكليات الأخرى، ومع المدخل الشمالي لداخلية الأصيل تحرَّك شبح صوب المُحتجزين، وقد لاحظ الجميع الحركة العرجاء في خطواته، بل تأكدوا من هويته أيضاً، فـ "عرجته" لا تُخفى عن عين المتابعين للنشاط السياسي، الواقع يشير الى أنه الطالب "..." 3/ قانون كادر السلطة، الذي يشغل الآن منصباً مرموقاً، وهذا أمر بسيط.
سُلَّم داخلية المناهل :- في ظل الضوضاء والصخب، وإبان حالة الذعر والصراع السائدة أفاد شهود عيان أنهم شاهدوا محمداً دامي الجسد، فقد أكدوا بأن مجموعة من أفراد الأمن قامت بضربه بوحشيه في السلم، وهو معصوب اليدين من ثم جروه من أرجله من الطابق الثالث الى الأرض، بعد ذلك تم إعتقاله الى مكان ما بواسطة عربة.
صدور صحيفة مساء الخير بعد ربع ساعة فقط:- ما أن إنسحبت القوات الأمنية وأشباح الليل من حرم الداخليات في مطلع الفجر، حتى تفاجأ الطلاب بصدور صحيفة مساء الخير لسان الجبهة الديمقراطية بعد مرور ربع ساعة فقط، فقد الصقت على الجدران ونُشرت في الجامعة، بالتالي أصبح الحدث مُخيِّماً على الأجواء أكثر فأكثر...عمَّ الصخب أرجاء الجامعة، بدأ الكل يسأل عن زملائه ومعارفه، ففي تلك الفترة كانت أجهزة الإتصالات المحمولة محدودة جداً، لدرجة أن حملتها كانوا فقط إما من البرجوازية أو من منسوبي الأجهزة الأمنية. وفي تمام العاشرة من صباح الثلاثاء 4/ أغسطس 2008م أقام التجمع الوطني الديمقراطي مخاطبة بالنشاط "ساحة علوم الشرقية جوار الكافتريا آنذاك" وسير موكباً إلى مكتب مدير الجامعة، حمل مذكرة تطالب بإطلاق سراح الطالب المعتقل محمد عبد السلام بابكر 3/ قانون، أما المعتقلين فلم يمكثا سوى ساعات معدودة، إذ تم إطلاق سراحهما صباح اليوم أي بعد ساعات من إعتقالهما
الموكب الهادر :- خاطب الموكب متحدث الجبهة الديمقراطية "خالد محمد عوض الكريم – البرلوم - 4/ طب"، بجانب أيمن خالد 4 / آداب من رابطة الطلبة الإتحاديين، وشول دينق طون 2/ هندسة من ANF - الحركة الشعبية -، وأشرف محمد عوض الكريم 4 /هندسة من حزب البعث السوداني آنذاك، بالإضافة الى محمد فاروق متحدث مؤتمر الطلاب المستقلين، وأدارت المخاطبة كادر الجبهة الديمقراطية شيراز محمد عبد الحي 5 / طب إن لم تخذلنا الذاكرة" وإتجه الموكب صوب مبنى مدير الجامعة. كانت الهتافات عالية جداً لدرجة توقف الدراسة في بعض فصول الكليات :- "المعتقلين....... يا وسخين، الداخلية........يا حرامية، حرية ... حرية، الجامعة جامعة حُره ... والكوز يطلع برَّة، عوزلك بيت وعربية ... ياعميل الجبهة الفاشية في إشارة واضحة الى مدير الجامعة البروفيسور عبد الملك" وغيرها من الهتافات الحماسية وقصائد الشعر التعبوية، ثم ظل الطلاب معتصمون بمكتب المدير حتى وقت متأخر. الملاحظة الهامة أن مجموعة من أفراد الأمن شوهدوا بمكتب المدير في ذلك اليوم، تم التعرف على كادري الأمن الشهيرين "فيصل عدلان وعبد الغفار الشريف". وما لبث أن غُطت جدران الجامعة بالملصقات "أطلقوا سراح الطالب محمد عبد السلام، لا للإعتقال السياسي، نعم لحرية التعبير، نحو سكن إنساني مُعافى،..." وعادت رياح الأسى مجدداً تُحيط بالزملاء ( حافظ حسين، ود الحاج، رشا مأمون، حسام الحاج، ماهر الوحش وغيرهم من الأوفياء ........
الخبر المفجع :- أتى الخبر الأسود من مدينة ود مدني، "وصول جثمان الطالب محمد عبد السلام بسيارة إسعاف الجامعة محمولاً بواسطة الآتية أسمائهم" :- - البروفسور الزبير بشير طه (المدير الجامعة). - البروفسور عبد الملك محمد عبد الرحمن (نائب المدير). - د.عبد الله جمعة فروة (عميد كلية العلوم) - د.إبراهيم عبد السلام (عميد الطلاب) وإدَّعوا بُهتاناً بأن محمداً عُثر عليه مقتولاً في ضاحية كافوري بمنطقة الخرطوم بحري، ونتجت الوفاة إثر خلاف نشب بينه وصديقه! عَكَس ذلك الموقف عدم إحترام بعض الأساتاذة الجامعيين لمؤهلهم العلمي، وتقاطع الأمانة العلمية مع الأخلاق، بل كان فعلهم مُحِط لكل قيم الإنسانية. لقد كذب مدير الجامعة على أهل الشهيد، وبذلك يكون قد كشف المسافة الشائعة التي تبعده وأمثاله عن دورهم التربوي والمهني المطلوب في أداء الرسالة الجامعية السامية، فالبروفسور الزبير بشير طه أصبح فيما بعد مسئولاً في وزارة التعليم العالي ثم وزيراً للداخلية والزراعة، و د.عبد الله فروة تولَّى مُهمة عمادة كلية الدراسات التقنية والتنموية "الدبلومات"، د. إبراهيم عبد السلام عمل في العديد من لجان الجامعة الرئيسية التي تؤدي الأدوار الحساسة، وأخيراً رُقي كعميد لكلية الإنتاج الحيواني، بجانب إحتفاظه الدائم بمنصب رئيس لجنة مسجد الجامعة، أما أستاذنا البروفيسور عبد الملك محمد عبد الرحمن فقد تولَّى مسئولية ادارة الجامعة، وإنتقل أخيراً كأستاذ بكلية الهندسة بدلاً عن العلوم. أساتذة الجامعة الذين أوصلوا الجثمان صمتوا جميعاً محاولين خداع العم عبد السلام بابكر والد الشهيد، ولمَّا ساوره الشك الذي ينبئ عن يقين معرفي، وبحضور عدد من الشهود، تمَّ فتح جثمانه الطاهر الذي بدت عليه علامات الضرب والتعذيب بائنة بينونة كبرى لا تُخفيها محاولات الكذب، إلى أن قال الطبيب الشرعي بود مدني قولته المشهودة :- " وفاة جراء الضرب وتهشُّم في الجُمجُمَّة... وآثار جروح مُتفرِّقة... كسر في الترقوة ،..." ثم غادر المدينة وفد مداراة الجريمة يجرجرون أذيال الخيبة، غير مأسوف عليهم ولا على تاريخهم الأسود. بذلك يكون محمد عبد السلام قد إحتل المرتبة الخامسة في سجل شهداء طلاب جامعة الخرطوم في عهد الإنقاذ، "1 بشير، 2 سليم، 3 التاية، 4 طارق، 5 محمد عبد السلام".
عم الخبر :- في أقل من نصف ساعة علمت جامعة الخرطوم عن بكرة أبيها بأن السلطات اغتالت زميلهم (محمد) في بيوت الأشباح، وبدأت سلسلة من ردود الأفعال. إنسحب تنظيم السلطة من الجامعة فوراً، وسبق أن إختفت كوادره الجماهيرية منذ 3/8/1998 وقام عضو الجبهة الديمقراطية "طارق تمبول" بصياغة البيان، ثم كُلِّف أحدهمممن يجيدون فنون الخط بشأن الكتابة "الخط اليدوي، ففي تلك الفترة كما أسلفنا، كان إستعمال الكمبيوتر به مشقه تأمينية، وتم توزيع البيان على مختلف الكليات والمجمعات، زيادة عن إعلانات الإغتيال "محمد عبد السلام شهيد للحركة الطلابية... روح محمد فداء لمجانية السكن... مقتل طالب مقتل أمة... مليون شهيد لعهد جديد ...الخ" زميلات الشهيد بكلية القانون ظللن ينتحبن بأسى، وشاركن في ذلك مئآت الطالبات من مختلف الكليات، وباتت واجهة الكلية الشرقية أشبه ببيت العزاء، فكان النحيب ممزوجاً بمرارة الإحساس بالغبن والظلم والأسى والحب الكبير. ظل الجو مشحوناً ومتوتراً لدرجة فشلت على إثرها التنظيمات المعارضة من السيطرة على غضب الطلاب وذلك بغرض كسب وقت من أجل تنظيم التكتيكات القادمة، فإنفجرت جموع الطلاب وخرجت جامعة الخرطوم في مظاهرة كبيرة إلى الشارع توغلت حتى منطقة السوق العربي حيث تم محاصرتها وقمعها هناك بعنف شديد.
حدث تحويل النشاط من العلوم الى شارع المين MAIN ROAD :- اقيمت مخاطبة طلابية ضخمة العدد وعظيمة الشأن، تم توضيح الملابسات للطلاب، وفاقت درجات التعبئة مايُمكن تخيُله، الشئ الذي دفع الطلاب للإشتباك مع كلاب الأمن، وبدأت سلسلة مطاردة الجناة... ومن شارع المين MAIN ROAD الذي أختير مكاناً للمخاطبة نسبة لقربه من بوابة الجامعة، إنطلقت المظاهرة إلى السوق العربي، وأعلن متحدث مؤتمر الطلاب المستقلين حينها - التحالف السوداني فيما بعد - محمد فاروق قائلاً:- "الجامعة حُرِّمت على كلاب الأمن" وكانت تلك لحظة تحُّول تاريخي هام في النشاط السياسي حتى الآن. إشتبك طلاب الجامعة مع طلاب السلطة الذين بادروا بهاجمة المظاهرة، فقد إنطلقوا مُسلَّحين من مسجد الجامعة الشهير الى حرم الجامعة، فهُزموا شرَّ هزيمة، ثم فرُّوا الى المسجد محتمين به، بعد ذلك بلغت المظاهرة مُبتغاها، وكالمعتاد قُمعت بوابل من "البمبان العراقي" وضربٌ بالعصي في منتصف النهار، وفي مساء ذات اليوم الأربعاء 5/8 تجمَّع مئات الطلاب في أماكن شتى وبدأت سلسلة التظاهرات التي عرفت بـ "مظاهرات الأحياء"
إعتقال الطالبة شهيرة : في صباح الخميس 6 أغسطس أقيمت مخاطبة أخرى، كانت في شارع المين بالقرب من كلية القانون، وصبَّ الطلاب جام غضبهم على منسوبي النظام، سيما الطلاب، وشُوهدت دماء مسكوبة إنتقاماً للطالب ( محمد)، وعندما خرجت التظاهرة إلى الشارع، إعتقلت القوات الأمنية عضو الجبهة الديمقراطية بكلية العلوم الرياضية الطالبة (شهيره)، وأُشبعت ضرباً وتعذيباً، لكنها خرجت من قبضة الإعتقال أكثر ثباتاً وإيماناً بعدالة قضيتها
ود مدني المدينة التي لم تُخيِّب ظن إبنها محمد :- في مدينة ود مدني إستمرت الهبَّات لعدة أيام، ثبَّت طلاب جامعة الجزيرة حينها مواقف يُعتز بها، وضربوا أعلى المُثل في التضحية، فجامعة الجزيرة - في ذلك الوقت - خرجت عن بكرة أبيها في مواكب هادرة، فكيف لا يكون و"محمداً" ذلك الشاب الهادئ الذي عُرف بُحسن أخلاقه، الشيء الذي أكسبه إحترام الجميع، حتى الأعداء. توالت التظاهرات في الخامس والسادس من أغسطس، وشهد يوم الخميس 6/أغسطس موجة إحتجاجات كبيرة. إثر وصول وفد من طلاب جامعة الخرطوم إلى مسقط رأس الشهيد بحي الدباغة بودمدني يوم الجمعة 7 أغسطس ، وبعد أداء الصلاة وزعت المنشورات وهتف جميع المصلين بمسجد الدباغة منددين بذلك العمل الوحشي. جاء محافظ محافظة الجزيرة الي أهل الشهيد في مساء الثلاثاء 4/8/1998 الساعة 12 بعد منتصف الليل واخبرهم بان ابنهم توفى في احداث عنف بين الطلاب في الجامعة وكُتب في التقرير الشرعي أن الوفاة جاءت نتيجة لنزيف دماغي . لم يصدق اهل الشهيد تلك الفبركة وحاولو البحث عن طبيب لكن الامطار كانت غزيرة حيث رفض الطبيب في المستشفى فحص الجثة ولكن اهل الشهيد"أولياء الدم" بحضور شهود قاموا بفتح الجثة فوجدوا فيها آثار ضرب في الرأس وتشوهات في الجسد ودماء. أحد المسئولين الرسميين في الإقليم الأوسط جاء إلى منزل الشهيد وأقدم على فعل العادة الدميمة، حاملاً في عربة "جوالات السكر وباغات زيت الفول" في مشهد مستفز للغاية لم يسعف الموجودين بالفراش من تمالك أنفسهم، فما كان منهم إلا وأن سكبوا الزيت والسكر على الأرض، وأغدقوا عربته "اللاند كروزر" بعشرات القذائف من حجارة الأرض التي يرقد عليها محمد، فهبَّ ذلك المسئول الكبير بمغادرة الحى، قاطعاً زيارته، مجرجراً أذيال الخيبة، والهتاف يعلو "مدني مدينة حُرَّه والكوز يطلع برَّه ... الموت بالدم لكلاب الأمن ... القصاص بالرصاص ،..."
اولى محطَّات الهزيمة:- بعد خمد مظاهرتي جامعة الخرطوم في يومي الأربعاء والخميس الخامس والسادس من أغسطس تمَّ إحتلال الجامعة منذ صباح السبت 8 أغسطس وحتى ليلة الاثنين 10 أغسطس، وكان يوم الإثنين العاشر من أغسطس قد شهد أحداثاً دامية، إذ اُعلن عن إقامة مخاطبة بشارع المين،main road في تحدٍ واضح للسلطة وأذيالها من الطلاب الذين ظلوا محتلين الجامعة وكالمعتاد اُبتدرت المخاطبة بأشعار الحماسة فحدث إرتباك وبذلك تكون السلطة قد كسبت جوله كانت في أشدَّ الحاجة اليها، كانت ولا زالت تُمثِّل لنا أولى محطات الهزيمة. بعدها صاح المُلثمين بالتكبير، فأشهر الإسلاميين أسلحتهم في وجه الطُلاب العُزَّل، وكان لا بُدَّ من فِعل شئ، أيّ شئ لإنقاذ الموقف، بعدها بمرور ست ثوانٍ فقط، وعقب إشارة أطلقها "خالد" عضو تنظيم السلطة والطالب حينها بكلية الهندسة قسم العمارة، بدأ الملثمين بمهاجمة الحشد الطلابي، فقد كانوا مسلحين بالسيخ وزجاجات حمض الكبريتيك الحارق، بالإضافة الى خط تأميني من الخلف من حَمَلة المسدسات... وبدأ الإشتباك الدامي في الجهة الجنوبية للمكتبة الرئيسية الـ MAIN، تم أطلاق لقنابل "المولتوف" الحارقة، وظهرت الخناجر والأطواق، بجانب السيخ "3 لينيا مُشرشر"، وأخيراً صحَّت قراءة الموقف، بقرار قيادة الجبهة الديمقراطية بالخروج الفوري في مظاهرة ثالثة، غضباً من عنف السلطة، درءاً للحرج، تعبيراً بالشكل الجماهيري الجماعي، وحُرقةً من إغتيال محمد عبد السلام، كامعتاد تصدَّت للمظاهرة القوات المُسلَّطة، ببسالة غاز البُمبان، وجسارة "القرنيت"، وصمود العصي وخراطيم المياه السوداء المؤلمة، نصف البوصة، ووصفت مظاهرة الإثنين 10 / أغسطس بـ (المظاهرة اليتيمة). ذهبنا إلى أحياء مُتفرِّقة لتنظيم الاحتجاجات ( بحري المؤسسة، الشهداء أمدرمان، الكلاكلة اللفة- القبة - صنقعت، المزاد بحري، الثورات، السوق الشعبي ....) وأمرُّها ما حدث بمنطقة أبو حمامة بالخرطوم.
الزميلة منال الشوية تُنقذ الموقف :- في سياق التظاهرات الشعبية التي عُرفت بتظاهرات الأحياء، قرر الجميع تنفيذ مظاهرة في منطقة الرومي بأم درمان التي تقع في تقاطع شارعي الشنقيطي وشيكان، وتم توزيع المهام على الكافة، الشاب (ب) أُوكلت إليه بصورة رسمية مهمة توصيل زجاجات المولتوف الى مكان التظاهرة، وفي توقيت مُحدد. لاحظ النُبهاء تردده المفاجئ، ثم تعذُّره غير المُبرر، وأخيراً تراجع ذلك الشاب عن تنفيذ التكليف التنظيمي بصورة مخزية، فبات أمر المظاهرة شبه مستحيل وفي مهب الريح، لعدة أسباب منها ضيق الوقت، وصعوبة الإتصالات، أما إمكانية تحويل المهمة الى شخص آخر فكانت شبه غير ممكنة، لأن الجميع كانوا مرتبطين بمهام مُعيَّنة ومحددة، لا تقبل معالجات التداخل، ولا الإضافه أو الحذف. فجأة انبرت الشابة (منال الشوية)عضو الجبهة الديمقراطية بكلية الآداب، مُعلنة توليها ذلك التكليف، وطلبت أن تقود بنفسها زمام تلك المسئولية الخطرة، وبكل شجاعة حملت كل زجاجات المولتوف من والى منزل أقاربها لفترة مؤقته، وبالقرب من المكان المحدد، حتى حلَّت لحظة الصفر ....ووجد الرفاق كل الزجاجات جاهزة في الزمان والمكان المُحددين. كان ذلك الحدث بمثابة الدرس الشاق للجميع، وجزء من عملية التربية الثورية التي ما إنقطعت تستمر يوماً بعد يوم، ونِعم السلوك الثوري الحق.
الصراع الفكري حول إتجاه المعركة :- مثَّل حدث الإغتيال إنتقال كمي وكيفي في آلية حسم الموقف، فباتت هناك ثلاثة إتجاهات فكرية رئيسة حول الطريقة التي يجب أن تقاد بها المعركة. فقد قال البعض بأن الرؤية الصحيحة تكمن في السير على خطى النهج الثوري والأخذ بثأر الشهيد "الدم بالدم"، بإعتبار أن ما جرى اذا لم يواجه برد فعل مضاد، وقوي سيلقي بظلاله السالبة على مسيرة حركة الطلبة، فمحمد أستشهد لأجل قضايا الحركة الطلابية وليس لأجل الجبهة الديمقراطية فقط على الرغم من نيله شرفي العضوية والقيادة معاً، وقد تزامن ذلك النمط من التفكير مع إتجاه الكفاح المسلح في شرق وجنوب البلاد، في ذلك السياق التاريخي. الاتجاه الثاني كان يسعى لتصعيد العمل الجماهيري الشعبي كالتظاهرات والحركات الإحتجاجية الجماعية دونما توقف، فالشارع كان مُهيئاً والجماهير على أهبة الاستعداد، والطلاب شرارة مُتقدة دوماً، إنطلق هذا الإتجاه من زاوية نظرية تُبعد الطلاب من مهام حمل السلاح، وخوض المواجات الدامية، فحركة الطلاب معنية بصورة رئيسية بإشاعة الأفكار، وتغذية الصراع الفكري، بجانب النضال المدني الجماعي . الجانب الثالث رأى ضرورة الإلتزام الصارم بالقانون من خلال رفع دعوى جنائية، أما القصاص فيتأتى عن طريق القانون فقط. حُسم الأمر لصالح الاتجاهين الثاني والأخير، التصعيد الجماهيري والسير خلف العدالة الغائبة، وعلى الرغم من المحاولات الجادة التي تمت لترتيب الخروج في تظاهرات، الا أنها أجهضت وتعطلت نسبة للحصار الامني الحديدي، ولا يستثنى من ذلك تخاذل بعض التنظيمات السياسية الرئيسية مع قلتها في ذلك الوقت، وبالمقابل كان لطلاب الجامعات الاخرى مواقف قوية من بينها أمدرمان الأهلية والجزيرة على سبيل الذكر لا التحديد والإستثناء. الإتجاه القانوني أيضاً تم تعطيله، فقد تم فتح بلاغ بقسم الخرطوم شمال، ذلك البلاغ الذي لم يرى طريقه الى النور بعد، في ظل نظام لا يحترم القانون، بل يُعدُّ أول من خرقه في ليلة 30 يونيو 1989 المشئومة
الهروب الكبير: كانت فترة التسعينات من أخطر الفترات في العمل السري، على الأقل من منظورنا كجيل حديث، وإتفق غالبية النشطاء على أنها كانت فترة عصيبة لحدٍ بعيد، فقد القت بظلالها السالبة فيما بعد، وعرف جيلها بـ (جيل التسعينات المُشوَّه) فالنظام كان مُكشراً عن أنيابه المسمومة، وعلى مسمع ومرأى يُعتقل الطلاب من الأماكن العامة، ويُزجُ بهم في بيوت الأشباح، لتجري بعدها إجراءت التعذيب الوحشية، وكثير ممن زامنوا تلك الفترة وثَّقوا لها بالصورة التي تستحق أكثر مما تم. لكن الشرفاء لم يكترثوا بالأمر، إعتقال أحدهم وإطلاق سراحه، وبغض النظر عن الفترة الزمنية التي يكون قد قضاها هناك، يواصل ذلك المعتقل السابق، وبكل ثبات وصلابة، أداء واجباته النضالية، كأن شيئاً لم يكن. بإستثناء بعض من زملاء الشهيد، إختفى كل من (م) و(ع) لمدة شهر كامل، طوال زمن المعركة حتى إنمحت آثارهما... ولما كانا محط الأنظار في كلية القانون وعُرفا بحضورهما الدائم في العمل العام، إستهجن الطلاب تصرفهما المُخزي، لكنهما حاولا التبرير بحجة أن اختفاءهما لشهر كامل جاء بسبب إستهداف النظام لهما ! يمكن تشبيه تلك الحاله بالطرفة المتداوله في الوسط اليساري سخرية من سوء التقدير والفهم والمبرر معاً فيما يخص ضوابط التأمين والعمل السري، تقول الطرفة أن أحد نشطاء العمل العام إختفى منذ بواكير إنقلاب عبود في 1958م ولم يُعرف عنه مطلقاً أي أثر إجتماعي أوسياسي، وإنقطع حبل التواصل بينه والناس ومن نشاطه العام طوال فترة حكم عبود. ثم ظهر ذلك الكادر ظهر مرة أخرى عقب إنتصار ثورة أكتوبر 1964م، محدثاً مفاجأة غير متوقعة لزملائه، وعندما سألوه عن سبب إختفائه لمدة ستة سنوات، قال لهم بأنه تلقَّى توجيهاً حول ضرورة أن يحتاط أي عضو ويؤمِّن نفسه ويوفق أوضاعه، وما أن سمع ذلك التوجيه حتى عقد العزم على الإبتعاد عن الأنظار، وقد فعل !!! وما أشبه الليلة بالبارحة. يُصنَّف الخوف على أنه سلوك إجتماعي نتيجة أسباب محددة، وعندما ننظر اليه اليوم، وبعد عقد من الزمان لا يمكننا فصل ذلك السلوك عن سياق تلك الأيام بأحداثها السوداء، لا نود هنا البحث عن مبرر كامل ومباشر لكلٍ من (م، ع، ق)، لتخاذلهم، لكن ما صدر عنهم من سلوك بأي حال، يُعدُّ سلوكاً مََرَضياً يمكن أن يصيب الكافة، حتى الذين لم يتخاذلوا وفُهم تلقائياً من السياق بأنهم شجعان، أي أن خوفهم كان معزولاً ولم يتسق مع الأوضاع الإجتماعية وقتها، أي مخالفة للإتجاهين الطلابي الجماهيري و التنظيمي الداخلي. فالثوار - إن صحَّ أن نطلق علينا هذا الوصف الاجتماعي – السياسي كانوا أشدَّ الناقدين للإتجاه اليميني في قيادة المعركة، وأكثرهم غلاة في تطبيق شعار الدم بالدم. نحاول هنا، وبمشقة عالية، وبعد مرور هذا الزمن قياس مدى تأثير ذلك الخوف على مجمل الاداء العام، خاصة وأنه صدر عن بعض الطليعيين، وفي الحسبان كذلك مقدار تأثير ذلك الجو والسياق الاجتماعي العام على سلوك الشخص المعني، بالإضافة الى حالات الضعف الإنساني التي تصيب الكل، لنتمكن بعد ذلك من إطلاق الأحكام المعيارية دون ظلم. أما وقد فعلنا ذلك، فإننا لم نجد من المسوغات قط ما يُبرراً لأولئك الطلاب ما خرج عنهم غير الخوف السلبي، والموضع والمكانة التي لم يستحقوها، فكانتا أسمى بكثير منهم، فضلاً عن المحاسبة غير العادلة التي تمت لهما في أطر أخرى.
الإقدام والتحايل من أجل التظاهر : عُرف الزميل (تربيعة ) من جامعة أمدرمان الأهلية بثوريته (المُتدفِّقة ) كما كان يحلو للبعض وصف سلوكه، ودوماً ما يُشعل أجواء الطلاب بالحماسة والتعبئة، مختاراً أجمل ما كتب شاعر الشعب محجوب شريف من قصائد :-
ديل أنحنا القالوا مُتنا وقالوا فُتنا... وقالوا للناس إنتهينا... نحنا جينا... ............................. يا رزاز الدم حبابك... من دمائنا الأرض شربت موية عذبة... كل ذرة رمل شربت حبَّة حبة... موية أحمر... لونها قاني... فتَّحت ورد الأغاني... تهدي بإسمك للوطن كنز المحبة
كما برز الطيب شريف من السودان، هيثم أبو جاكومة، حمدي المُعلم، نون أسنان، سميروف، محجوب الجاك، حسن ،ماهر وِحش من الخرطوم على سبيل المثال لا الحصر. ولما كان (تربيعة) نشطاً وحيوياً صار معروفاً لدى الأجهزة الأمنية وبالتالي سهُلت طرق رصده ومتابعته، فعالج زملائه الأمر وقرروا حظره ومنعه من الحضور والمشاركه في التظاهرة التي تقرر إنطلاقها في الثامنة والنصف ليلاً من تقاطع المؤسسة ببحري، أي كان مُبرر الزملاء من منعه حتى لا تتمكن الأجهزة الأمنية من رصده، وبالتالي كي لا ينكشف أمر التظاهرة،تأسيساً على ذلك رفضوا له مجرد السماح بالحضور في المكان تحت مبررات تأمينيه موضوعيه. الى هنا تبدو تلك المعالجات منطقية ومعقولة جداً، كانت المفاجأة في حضور الزميل ( تربيعة) متنكراً، ومرتدياً زياً غريباً، عبارة عن بنطال قصير جداً ولحية صناعية، مخفياً وجهه بطاقية، التنكُّر لم يكن من الأجهزة الأمنية بقدر ما كان من زملائه حتى لا يُكشف أمر إصراره على المشاركة في التظاهرة، وفاءاً لدم الشهيد. شتان مابين الهروب من التظاهرات والجبن في المواقف، وبين الإصرار على خوضها بشتى سُبل التحايل...
الرعب والتفتيش الشخصي : تعرَّض مئآت الزملاء للاستهداف الشخصي، إذ تلقوا العشرات من إشارات التهديد والوعيد، ولما كانت تربيتهم التنظيمية صارمة النشأة، لم يكترثوا للأمر، فـ (اليوسفين كمون والرب، أمير العقيد) كانوا من بين أبرز الكوادر الجماهيرية للجبهة الديمقراطية، وظلوا مراراً يصارعون التهديد والوعيد. وعلى سبيل الذكر فقط لا التحديد، نشير الى أن كل طالبات الجبهة الديمقراطية من بينهن (آمال عباس، داليا أبو الحسن، أريج الحاج، سوسن علوم، سناء وراق، نفيسه إبراهيم، رشا الخطيب، منال الشوية، الشقيقتان إكرام وأحلام الكوَّة، نشوى علي، رشا مأمون، أماني حدو، شيراز محمد عبد الحي، هاجر الهلالية، هبة قانون، هيام المجمر...) قد تعرَّضن لمضايقات بأشكال مختلفة، ولضغوط نفسية رهيبة، هنَّ وغيرهُنَّ من الزميلات، بل والطالبات من فاتنا ذكر أسمائهن بسبب النسيان لا غير، وعلى الرغم من كل تلك البربرية التي إنكبَّت في مواجهتن، خيبوا آمال الجلاد، وصمدوا الصمود الذي يستحق أن يكون أمام ذلك الحدث، أسوة بمئات الزملاء وطالبات الجامعة دونما إستثناء. بعد عصر الخميس 6 / أغسطس وبعد أن إحتلت القوات الأمنية ساحات الجامعة بدأت سلسلة الإعتقالات، ومنذ صباح السبت 8 / أغسطس اُجريت حملات تفتيش شخصية في بوابات الجامعة، تحت إشراف مسئولي الحرس الجامعي "أبو عاقلة وشيبون"، بحثاً عن أسماء طلاب دُوِّنت في قوائم الأجهزة الأمنية، وبالإشتباه، والحسابات الخاصة. كانت ولا زالت باقية في الخاطر تلك اللحظات السيئة، والتي كم أفسدت أجواء الإستقرار النفسي والبدني معاً.
فصل الطالب عبد المنعم الجاك "بوكاندي" 5/ كلية الإقتصاد :- كان الشهيد محمد عبد السلام السكرتير العام المنتخب لرابطة طلاب مدني بالجامعة، وهو الموقع الذي كان يشغله من قبل الطالب الخلوق عبد المنعم الجاك "بوكاندي" الطالب بالسنة الخامسة، كلية الإقتصاد- قسم الاجتماع، ومن خلال الاحتكاك في تجربة العمل، لاحظ وأعجب بوكاندي بمقدار كفاءة الشهيد، وإكتشف نشاطه الفاعل، عليه فقد أوصى ونصح بأن يتولى من بعده الشهيد قيادة عمل الرابطة، ثم أصبح بالإنتخاب فيما بعد السكرتير العام للرابطة، بذلك نشطا معاً في العمل النقابي. بعد حادثة الإغتيال ومحاولات التزييف التي قامت بها إدارة الجامعة، ذهب بوكاندي الى عميد الطلاب "د. ابراهيم عبد السلام" في مكتبه مباشرة في اليوم الثاني للإغتيال في 5 أغسطس 2008م" ودار بينهما حوار حاد حول قضية الإغتيال، فقد أخفى الدكتور الحقائق عن أهل الشهيد، بل ذهب أبعد من ذلك وإدعى زيفاً بأن الشهيد لم يمت جرَّاء التعذيب، وعلى حد رواية بوكاندي فقد أدلى بحديث نتعفف عن ذكره. الأمر الذي إستفز عامة الطلاب وبوكاندي على وجه الخصوص. ولما إحتدَّ النقاش بينهما تدخَّل وتحرَّش سكرتير العميد ببوكاندي، ثم قامت مجموعة أشخاص باقتياد بوكاندي بالقوة خارج المكتب، وإنهالوا عليه ضرباً وسباً، وبعد فترة قصيرة تم تشكيل لجنة محاسبة للطالب - عُقدت مرة واحدة فقط - في مخالفة صريحة للائحة محاسبة الطلاب للعام 1983م، وقد مثَّل في تلك اللجنة الصورية كل من البروفيسور أبوالجوخ وأثنان من أفراد الأمن تعرَّف عليهما بوكاندي في إحدى المعتقلات إبان إعتقاله وأثناء تعذيبه، ثمًّ أصدر مدير الجامعة قراراً قضى بـ : فصل الطالب عبد المنعم الجاك "بوكاندي" فصلاً نهائياً من الجامعة وهو في السنة النهائية "الخامسة درجة الشرف". الغريب في الأمر أن أحد أعضاء اللجنة الذي مثَّل كلية القانون وهو الدكتور القدير د.الطيب مُركز دُهش لإجراءات لجنة المحاسبة ولزم الصمت، مما دفع البروفيسور أبو الجوخ للتعليق المُستفز قائلاً له:- " إنت أستاذ قانون؟ ما قلت أي حاجه... حاجة غريبة ! ما تتكلم يا أخينا !"تلك الحادثه تُمثِّل محطة أخرى في مجال تصفية السلطة لحساباتها مع الطلاب البارزين في العمل العام، والذين سيأتي الكشف عن قضاياهم بالتفصيل، عبر مساحة أخرى. سافر بوكاندي خارج البلاد مفصولاً من الجامعة بإعتباره شخصية غير مرغوب فيها في نظر السلطة، وتم تصفية الحساب معه بالطرد من صف الدراسة الذي برز فيه تفوقاً أكاديمياً على رصفائه، بنيله أعلى الدرجات العلمية. الشيء الذي دفعه لإكمال دراستة االبكارليوس والعليا في مصر بعد أن حاز على البكارليوس والماجستير، ثم عاد لجامعة الخرطوم الى صفوف الدراسة بقوة الجماهير، في 2004م ونال حقه في الحصول على بكارليوس الشرف من "جامعة الشهيد كما أراد التربي تسميتها". وحالياً يعمل ناشطاً مدنياً في مجال حقوق الإنسان ومدافعاً عن المظلومين من أبناء شعبنا في تحدٍ واضح لصلف أستاذي البروفسيور عوض السيد الكرسني ذلك الناشط في شئون فصل الطلاب الناشطين سياسياً، وصاحب أكبر سجل حافل بالظلم في حق أبنائه الطلاب لمجرد سعيه لتحقيق طموح واهن، عميداً للطلاب فكان، ومديراً للجامعة، أو عضو في المفوضية القومية للانتخابات، وهذا مالم ولن يكن.
غاز ي سليمان ومجموعة المحامين تم قيد إجراءت رقم 1939/98 بواسطة عدد من المحامين الذين تطوعوا في القضية بصفة شخصية، من بينهم الأساتذة "مصطفى عبد القادر، علي محمود حسنين، وكمال الجزولي، أمير محمد سليمان، المرحومة نازك محجوب، نصر الدين يوسف، محمد زين، أمير محمد سليمان، عز الدين عثمان "كونكا"، محمد الحافظ، جلال الدين السيد، حيدر سيد أحمد،...الخ" وكان الأستاذ غازي سليمان وكيلاً عن أولياء الدم. لكن ثمة أشياءٍ ما تشوبها ضبابية، وبعضها معلومة ومتوقعة، حالت دون سير القضية في مجراه الطبيعي، الوقائع تؤكد على أن أجهزة الدولة الرسمية قد تعمُّدت طمس معالم القضية، وحرفها عن مسارها القانوني، وتبقى النقطة الأساسية محل البحث والتوثيق أن كل ذلك لن يُعف أستاذنا القدير غازي من مسئوليته الأساسية كونه وكيلاً عن أولياء الدم. وبعد مرور عشرة سنوات وبقاء القضية حبيسة في أضابير الخزانات، فإن موقعه الحالي كعضو في برلمان النظام، وكونه ينضوي تحت لواء شريك رئيسي في السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، يجعلان من أمر إستنطاقه كفرد، وتوثيق تجربته، بجانب كشفه للمزيد مما هو مدسوس وخفي، أمر ممكن ومطلوب.لا نود الذهاب أبعد من ذلك، وفي حسبانا تناول المسألة في إطارها العام، فحتماً سيأتي حين تفصيلها بجرأة وتوضيح شديدين. الإجراءات مازالت في مواجهة عدد من أساتذة، وطلاب وإداريين في الجامعة، وأفراد من الحرس الجامعي وصندوق دعم الطلاب، من بينهم طالب اُعلن نبأ وفاته بعد مرور25 يوماً من حادثة الإغتيال، ونظل الى الآن في انتظار سيادة حكم القانون روحاً ونصاً، وتحت وطأة نظام لايحترمه.
فوضى الإنقسام في نظام الحزب الحاكم :- في الرابع من رمضان/ ديسمبر من 2000م ذلك العام إنقسم الحزب الحاكم الى جناحين، مؤتمر شعبي وآخر وطني، عليه تجلى صراعهما السياسي منذ العام 2001م بعد إنقسام حزب السلطة، تم فرز عضوية التنظيم التي إصطفت بين مجموعتي الترابي والبشير، أو الترابي وعلي عثمان، أسفر الأمر عن مصادمات دامية بين الطرفين تحولت الى أحداث مشهودة في ساحة الآداب كواحدة من الساحات والجبهات التي شهدت المعارك، وسط سخرية و"شماته" من الطلاب. كانت مجموعة كبيرة من قيادات طلاب النظام آنذاك تحتل مواقع سلطوية مرموقة، البعض منهم ذهبت بهم الرياح لملازمة العقل المدبِّر لبيوت الأشباح حسن الترابي، وسمعنا أن من بينهم من شرب من ذات الكأس التي سُقينا بها، ولو أن التشفِّي في مثل هذه الحالة حق، والسخرية إحساس طبيعي، الا أن إعترافم بتثبيت أخطاء إرتكبوها، أو ساهموا فيها، أومصتوا عليها مسألة لا تقبل النكوص، على أن يُنظر فيما بعد في أمر إشراكهم والإشتراك معهم في أي شأن عام، لكن سوى ذلك لا يعتبر الأمر غير خيانة للأخلاق. من بين الأفراد الذين شاركوا في حدث الاغتيالات، وشهدوها، وتكتموا عليها، من أعلن مؤخراً معارضته "للنظام الدموي" وما زالوا صامتين ولم ييتفوَّهوا بقول أو يصدر عنهم فعل حول هذه القضية، ماهو مؤسف أن منهم من يحمل قلمه في الصحافة مُدعياً تمسكه بأخلاق المهنة، أي أخلاق تتوافق والموقف الأخرس.
خاتمة ليست الأخيرة:- بيننا وبين مقولة " سيأخذ القانون مجراه الطبيعي والعادل" مسافة شاسعة، على الأقل في الوقت الراهن بالمعطيات الموجودة، وفي خِضمِّ معركة الإغتيال، هناك بعض الملاحظات الأساسية جاء التعرُّض اليها بشكل عام، لأن تفصيلها يحتاج الى إفراد مقالات أوسع، فقد تناولنا أشياء قد يراها البعض داخلية، ومع إحتفاظنا الكامل بالخصوصيات الا أننا حاولنا كشف الإطار العام والتجرد في ذكر بعض الأحداث، لجهة التوثيق وتقريب الصورة، وما كنا لنكتب مثل الذي كتبناه قبل سنوات خلت، وربما نكتب لاحقاً بصورة أكثر تفصيلاً في مبحث مختص، لكن من المهم جداًَ الإشارة الى نقاط لازالت عالقة في الخاطر.
خلاصة ونتائج المعركة "نذكر منها الآتي" :- - على الرغم من تقدير البعض لكمية الضغوط التي وقعت على كاهل أسرة الشهيد، الا أن ما أعلن عنه لم يكن دقيقاً، بل منقوص مقارنة بالحجم الهائل من الضغوط المكثفة والمتواصلة – حتى الآن - التي تعرَّضت وتتعرَّض لها أسرة الشهيد، هناك كمٌ هائل من محاولات الإبتزاز المُهينة لم توثق بعد قد تعرَّضت لها تلك الأسرة المكلومة، وأذى نفسي متصل، وعلى الرغم من كل ذلك مازالت تلك الأسرة المفجوعة صامدة، فكيف لايتأتى ذلك وعميدها الأب عبد السلام، وخليفتها بابكر ذلك الشاب المحترم، ومحمود وأنهار ابناء الحاجة الرسالة والدة الشهيد، وعلى الرغم من كل شئ نجد أننا لانملك من خيار غير التعاطف مع الأسرة، وأياً كانت نتائج تقييمنا، فهي الخاسر الأكبر. - كان ولا زال بالإمكان توجيه المسار القانوني بصورة أفضل من الذي تم، وثبتت الحقيقة التي قرأها عدد من الأشخاص في 1998م حول ضرورة عدم الثقة في الأستاذ غازي سليمان المحامي، إلى أن أضحت القضية بفعل مُتعمَّد مجرد قضية ساكنة لا أكثر ولا أقل. - إتضح بما لا يدع مجالاً للشك بأن شبهة التلكؤ في تصعيد العمل الجماهيري من أكبر القرارات الخاطئة، فمع تقدير تام لظروف تلك الفترة، إلا أن الواقعة كانت ولازالت تتطلب رد فعل أقوى بكثير مما تم، مما يدعم رؤية "الدم بالدم". - سادت في الجامعة بصورة عامة، وبين الرفاق بصورة خاصة موجه قاسية من الإحباط بدأت منذ نهاية المعركة وإستمرت حتى مطلع الألفية الجديدة، ومع الإحتفاظ ببعض الأشياء والإمتناع عن ذكرها، إلا أنه يمكن القول بأن الهجرة الجماعية لدواليب العمل التنظيمي كانت بمثابة إفراز طبيعي للقراءة الخاطئة حول كيفية تسيير المعركة. - بعض التنظيمات - مع قلتها في ذلك الوقت- تخاذلت بصورة مخزية عن الإضطلاع بدورها، ومما لايُنسى التخريب البائن الذي تولاه كادر مؤتمر الطلاب المستقلين بكلية القانون المدعو "ياسر يوسف 2 قانون"، ولما عمل البعض على فضحه كونه عميل لأجهزة الأمن، ظهرت دعاوى أن ذلك مجرد تشكيك في ولاء الغير لمجرد الإختلاف، وضرورة عدم الخوض في ذلك للحفاظ على تماسك المعارضة، لكن فيما بعد أثبتت الأيام زيف تلك الدعاوى بعد أن تم حصار وموجهة ذلك المدعو، الى أن إضطر لكشف حقيقته وأعلان موقفه المدسوس، حالياً ينشط في تنظيم النظام كمتحدث رسمي ومقدم لأحد البرامج التليفيزيونية بصورة علنيه. - لاحظنا أن نفر من زملاء الشهيد في الدراسة حاولوا الإصطياد في الماء العكر، إشعالاً لنار الفتنة بين أسرته وأصدقائه، وتحقيقاً لكسب رخيص، مداراة لخيبة تمثلت في مواقف سالبة وقفوها في تلك الأيام، ونتيجة لتواضع إمكاناتهم المعرفية بالحياة، فما كان لتخريبهم أن يستمر طويلاً، لكن نجد لهم العذر فيما فعلت أيديهم، كونه حديثي عهد بالعمل العام، ولم يستفيدوا من عِبر الماضي، يمكننا وصف أولئك بالإنتهازيين، البرجوازية الصغيرة. على كلٍ نجد للبروفيسور عبد الملك العذر فيما ذهب اليه، ونعتبر أن الجناه الحقيقيين وأشباههم عملوا على توريطه وإلباسه (التهمه الجماهيرية)، ونوثق إقراره بأن يده بعيده عن التلطخ بالدم، لكن المطلوب من سيادته الإدلاء بإفادته، وتوثيقه للحدث.
يطيب لنا أن نطلب من أستاذنا البروفيسور عبد الملك محمد عبد الرحمن الإدلاء بإفادته ، ندفع مقدماً بالثقة فيما سيكتب إن وافق على ذلك، بجانب طلب مماثل لزملاء وأصدقاء الشهيد، وكل شاهد على التاريخ. • الذاكرة الجماعية والفردية لم تُمحى حتى الآن، وحبلى بالكثير جداً بما لم تخطه الأيدي بعد، أو خطَّت بعضه، أو خط ولم يرى طريقه للنشر بعد. • لقد اغتيل محمد، خسرنا الجوله، لكنه ربح الحياة.
المجد والخلود للشهيد محمد عبد السلام، ولأسرته، لآله وذويه، رفاق دربه وزملائه من الطلاب، وإنا لعلى النهج سائرون.
وائل طه محي الدين طه عضواتحاد سابق في طلاب جامعة الخرطوم(2003 – 2008 م) طالب بجامعة الخرطوم - كلية الإقتصاد تاريخ الدخول للجامعة 1997م
#وائل_طه_محي_الدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|