|
حركة حماس إلى أين ؟
نافذ غنيم
الحوار المتمدن-العدد: 2727 - 2009 / 8 / 3 - 08:00
المحور:
القضية الفلسطينية
تمنينا أن تسلك حركة حماس طريق غير ما هي عليه الآن .. طريق يفضي بها لتقديم نموذج يعكس فكرا إسلاميا متنورا يحاكي جوهر القيم الإسلامية النبيلة القائمة على الوحدة والمحبة والتآخي والتسامح، ويفتح الأفاق لشراكة حقيقية بين قوى المجتمع، ويعزز جسور التفاهم بين التيارات المختلفة على قاعدة الحق في الاختلاف، والإيمان المطلق بحرية العمل السياسي وحرية الفرد في إطار القانون، والتداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع فقط ، والتعامل مع الإنسان كهدف وقيمة مهما كانت الظروف.. فكرا يساعدها على تطوير مواقفها السياسية بما يعين شعبنا على تحقيق أهدافه الوطنية في ضوء المعادلة الدولية القائمة، ويجنبه ويلات المواقف المغامرة التي لا يحصد مرارتها سوى غلابا ومساكين شعبنا .
كنا نتمنى ذلك وما زلنا عليه، لان المسار الذي تنتهجه حركة حماس فعليا على الأرض والذي لا يتفق أحيان والعديد من التصريحات التي يطلقها بعض قادة الحركة، ينبئ بمستقبل صعب لمجتمعنا الفلسطيني على كافة المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، حتى على مستوى القيم التي يسعى للارتداد عنها، تلك القيم والتقاليد الوطنية التي رسختها مسيرة شعبنا التاريخية المتميزة بالأصالة، والتي لا تتعارض وروح الثقافة الإسلامية، هذه القيم التي تجسد الوحدة والمحبة والتآخي والتسامح والتضحية واعتزاز الإنسان بذاته، والاحترام المتبادل والشراكة .
ولم تأتي رغبتنا لان تكون حركة حماس على غير ما هي عليه الآن بدافع التمني، وإنما لان هناك واقعا ينشا بقطاع غزة في ظل الحالة القائمة يأخذ بالجميع شيئا فشيئا نحو التهلكة بما في ذلك مستقبل حركة حماس، وان بدا لها الأمر غير ذلك، اخطر ما يعكسه ذلك الانقسام العميق الذي يتجسد في كافة التفاصيل التي يعيشها شعبنا، وما تعكسه ممارسات حماس من تكريس لذلك في محاولة للحفاظ على سيطرتها المطلقة على قطاع غزة، واستجابة لما تراه حركة الإخوان المسلمين التي أعلنت حركة حماس الولاء المطلق لها، والتي تعتبر أن قطاع غزة أصبح مرتكزا لمشروعها الإسلامي في المنطقة، هم يسعون لذلك ويتجاهلون الماسي التي سببوها لشعبنا نظرا للظروف المحيطة به وبقضيته، هم يسيرون على هذا الطريق ولا يأخذون بالاعتبار بان سياساتهم مهدت لنشوء وتقوية جماعات إسلامية متطرفة نمت على ضفاف ممارساتهم التي ينظر لها من قبل هذه الجماعات بأنها لا تتفق وتعاليم الدين الإسلامي، الأمر الذي يؤسس لصراع ذو بعد أخر في المجتمع الفلسطيني، لا نأمل بان يكون مشابها لما جرى ويجري في أفغانستان وغيرها من البلدان الإسلامية .
كنا نتمنى أن تستخدم حركة حماس تأثيرها ونفوذها الشعبي لتقديم نموذجا يساعد شعبنا على التقدم نحو تحقيق أهدافه الوطنية، وان تحافظ وتعزز ما رسخته المسيرة الديمقراطية من قيم، لا أن يشهد المجتمع حالة من الانتكاسة، فلا يعقل أن تتراجع قيم الانتماء الصادق للوطن والاستعداد الفردي والجماعي للتضحية الواسعة من اجله، لينحصر ذلك في حدود الحزب والفصيل او العشيرة وأحيانا في نطاق المصلحة الشخصية، وربما لا يجد البعض معنا لهذا الانتماء بسبب حالة الإحباط التي يعانيها، ولا يعقل أن تصبح ثقافة الأنا والانتفاع والاستكساب ما يشكل الدافع لدى الكثيرين من أفراد وجماعات للقيام بنشاط سياسي او اجتماعي معين، ولا أن يتبدل شعار " الدم الفلسطيني خط احمر " تأكيدا على حرمته في إطار الصراعات الداخلية، ليحل مكانه ثقافة إباحة سفك الدم تحقيقا لمصالح فئوية، واستنادا لفتاوى لها أول وليس لها أخر، وكذلك استبدل نهج الوحدة والحوار والمشاركة الجماعية، بنهج الانقسام والعنف والقتل والإقصاء، ولا أن تنقلب مفاهيم التآخي والمحبة والتسامح إلى مفاهيم الكراهية والبغضاء والثار والتناحر، وبدل تعزيز ثقافة الحق في الاختلاف السياسي والفكري على قاعدة الحرية والتعبير الصريح عن المواقف والاجتهادات، أصبح الاختلاف كفرا، والاجتهاد مروقا، وجراءة طرح المواقف وقاحة وانحراف، وتبدل قانونا احترام خصوصية الأفراد ليحل مكانه "الحق الطبيعي" في انتهاك خصوصية الأفراد بدعاوى وحجج مختلفة، ابتداء بممارسات جهات رسمية مرورا بأفراد يدعون الفضيلة وبأنهم أوصياء على العباد، ولا أن يتراجع الإنسان كقيمة، ليصبح مجرد شيء يأتي في أدنى مراتب الاهتمام، وقد يستخدم جسدا وروحا من اجل تحقيق رغبات وأهداف رخيصة . ولا أن يقلب الممنوع مسموح، والمحذور من الترخيص إلى مرخص، ولا أن يتحول نهج استغلال البشر إلى أسلوب يومي، كذلك ذبح جيل الشباب لثقافة .
إن الطريقة التي تدير بها حركة حماس قطاع غزة إلى جانب ما تفرضه إسرائيل من حصار ظالم، تسببت في مصاعب جمة انعكست سلبا على حياة المواطنين، وأوجدت واقعا اجتماعيا مأزوما على كافة الأصعدة، عبر عن نفسه بمئات المظاهر التي يعكسها سلوك المواطنين، ويتفوه به الآلاف تعبيرا عن السخط المتصاعد لدي غالبية أبناء شعبنا .
إن حركة حماس تدرك أكثر من غيرها بان تجربتها في قطاع غزة حتى الآن لم تقدم البديل الأفضل لشعبنا، ولا النموذج المقنع، وهذا ما وضعها وجها لوجه مع المواطن وقضاياه اليومية الذي كان يرى في حماس قبل صعودها للسلطة نموذجا للمقاومة وللطهارة السياسية، الأمر الذي انعكس سلبا على مستوى التأيد الشعبي لها .
وعليه فان حركة حماس مدعوة كما غيرها لمراجعة مواقفها وما تحدثه من تأثيرات على الأرض، للسير على طريق أخر هو طريق الوحدة والتصالح مع المجتمع، والابتعاد عن سياسة فرض الرؤى الفكرية الخاصة بها على عامة الناس، لا بأسلوب التدرج ولا بأسلوب الضغط والقمع . عليها مسايرة الإرادة الشعبية التي ترفض الانغلاق والتطرف وإقصاء الأخر، وتطمح لفضاء الحرية، هذه الإرادة التي لن تستطيع حركة حماس ولا غيرها تدجينها وحرفها عن مسار تطورها الطبيعي مهما كانت الوسائل والأساليب، وان بدا للبعض بان محاولاتهم تحقق نتائج على الأرض، ففي التاريخ الإسلامي عبر، وكذلك في التاريخ الإنساني ما يعلمنا الكثير، وفي تجارب شعبنا ما يؤكد على انه لن يقبل الخروج من ثوبه المرصع بالتقاليد الوطنية الأصيلة، وبالثقافة الإسلامية السمحة، وبالقيم الإنسانية التي لا تعرف حدود ، ولا أن يحيد عن مشروعه الوطني الواقعي، ولا كذلك عن مشروعه الديمقراطي الذي يجد فيه قيمته كمجتمع وبشر .
عضو المكتب السياسي حزب الشعب الفلسطيني
#نافذ_غنيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اطلالة على حزب الشعب الفلسطيني واجابات علي اسئلة مطروحة
المزيد.....
-
ترامب يعلق على تحطم طائرة صغيرة في فيلادلفيا
-
سوريا.. فيديو ودلالة هدية أحمد الشرع إلى أمير قطر ورد فعل ال
...
-
السعودية.. فيديو ما فعله وافد يمني ومواطن بالشارع العام يشعل
...
-
تونس تُطلق مبادرة لدعم دخول شركاتها إلى أسواق موريتانيا والس
...
-
مسؤولون أوكرانيون لـCNN: قوات كورية الشمالية انسحبت من الخطو
...
-
عاجل| نيويورك تايمز: إدارة ترامب تخطط لمراجعة دقيقة لعملاء ف
...
-
ماسك يبدأ تنفيذ تكليف ترامب.. وهذا ما فعله بموظفي الحكومة
-
ترامب يعاقب عناصر -إف بي آي- المشاركين في التحقيقات بشأنه
-
من بينهم مصريون.. محكمة تحدد مصير -المحتجزين في ألبانيا-
-
رغم الحذر السائد قبيل قرار ترامب مؤشر أسهم أوروبا يقفز لمستو
...
المزيد.....
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|