|
التاريخ بعيون أمازيغية .
الطيب آيت حمودة
الحوار المتمدن-العدد: 2700 - 2009 / 7 / 7 - 08:01
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
حضرت لأحد الزملاء درسا في التاريخ ألقاه على تلامذ ته تحت عنوان الدولة الرستمية ، عالج فيه نشأة الدولة وظروف تأسيسها ، وسياسة حكامها ، وجوانب من حضارتها . وبعد اكتمال الدرس ، حاولت أن استشف مدى تأثر التلاميذ بحقائق الموضوع ، وأعرف مدى ادراكهم للعلاقات بين الماضي والحاضر ، وتصورهم الحقيقي للموضوع في سياقه التاريخي . استأذنت زميلي ليفسح لي مجالا للمساءلة ، لفهم حقائق الأمور وتجلياتها ، وسألت التلاميذ الآتي: أريد يا أبنائي أن أعرف منكم كم عدد الرستميين الذين جاءوا الى بلادنا الجزائر ؟ الاجابات : ثلاثة ملايين ، ، مليون واحد ، خمسة ملايين …..أكثر …أقل ….. ماعلاقتنا بهؤلاء الرستميين ؟ ولماذا جاءوا الى بلادنا ؟ الاجابات : عرب ، أخوتنا في الاسلام ، لا أدري ، جاءوا للفتح ، …للتوسع ….ليستعمروا بلادنا …..الخ لم أتمالك نفسي وأجبتهم عن السؤالي الأول الجوهري ، وقلت لهم: اٍن عدد الرستميين الذين جاءوا اٍلى بلادنا لم يتجاوز شخصا واحدا هو عبد الرحمن بن رستم ؟… وقرأت على ملامح التلاميذ حيرة منقطعة النظير ، وتساؤلا عميقا في داخلهم ، لعلهم يجدون له جوابا ، عندما يصدر التاريخ حكمه و تستقيم الأمور . شعرت بضق وألم كبيرين ، وتساءلت في قرارة نفسي ، أيعقل أن ندرس أبناءنا تاريخا مغشوشا من حيث لا ندري، وهل الاخفاقات مردها الى المناهج بشموليتها وعناصرها ، هل الأستاذ طرفا في تمييع القضايا التاريخية ، عن قصد أوجهل ، لماذا هدم الذات بهذه الفضاعة ؟، لماذا تغييب العنصر المحلي الأمازيغي ؟ لماذا هذا الطمس ؟ لماذا هدم الذات ؟ هذه مجموعة من الأسئلة تواردت على ذهني وانا أتابع درس الزميل حول الرستميين ، وأحاول فك الشفرة بقدر المستطاع حسب تجربتي المتواضعة جدا . 1) فيما يتعلق بالمواضيع المدروسة لأبنائنا في المدارس الرسمية ، وما نلحظه من عناوين على رفوف المكتبات ، تتشكل لدينا قناعة أن مادة التاريخ هي مادة الحكام ، والأسر الحاكمة ، ومن سار على ركبهم ، فلا ترى ولا تسمع اٍلا أمثال : الدولة الأموية ، الدولة الفاطمية،الدولة العثمانية ، الدولة الحمادية …..الخ تسميات ودول.. ، كأن عناصر الدولة مقصورة على الأسر الحاكمة لاغير (التاريخ الرسمي ) ، لهذا ينبغي أن تتغير النظرة اٍلى التاريخ باعتباره اٍنية أمة وذاتيتها ، وهو الوسيلة الأسمى لأبراز جهدها الجماعي ، وتراثها المتميز عبر حقب التاريخ ، وما الحكام اٍلا عنصرا من الدولة ، لذا أرى أن يدون على اللوح ببند عريض : الجزائر في عهد الرستميين ، الجزائر أيام حكم الحماديين ، الجزائر تواجه الخطر الصليبي …. وشتان بين هذا وذاك ، فالعنوان الأول عام يتيه التلميذ في اللامنتمي ، لايشعر بأي انتماء ولااٍنية ، لاوجدان فيه ، بينما الثاني متميز بالذاتية ، شعور بالانتماء ٍالى أمة ،اٍحساس بقيمتها ، والمجتمع كأساس جوهري في أي تطور مهما كان نوعه . فالأدعى أن تعالج الموضوعات على أساس منطلق محلي أمازيغي ، يرى فيه التلميذ منجزات أجداده ، لا منجزات المتحكمين فيه . فالفتح الاسلامي للأندلس تم على كاهله ، وارتوت سهول اندلوسيا بدماء أجداده ، وقبلها قادهم حنبعل القرطاجي اٍلى حصار روما برا مرورا باسبانيا مخترقا لفرنسا وجبال الألب ، و بقيادة الفاطميين وصلوا إلى الشرق بتوسعاتهم منافسين الدولة العباسية ، وكان لهم الثقل في تأسيس جامعة الأزهر الشريف التي غدت فيما بعد قبلة لطلاب العلم في شتى التخصصات . 2) التصور الخاطيء لعدد الوافدين على بلادنا ، فنغدو رومانا أحيانا ، ووندالا أخرى ، ثم عربا وأتراكا ، وفرنسيين … كل من يأتي إلى بلادنا( تامازغا) يصبغنا بلونه دون حسيب ولا رقيب، والهجمة العربية أشدها ، لأنها اعتمدت على العصبية والدين في إرساء العروبة في وطننا ، والتاريخ يشهد بأن عدد الوافدين أيام الفتح كان قلة ، والنزوح الأعرابي الهلالي لم يؤثر إلا في خراب البلاد كما أشار إلى ذلك ابن خلدون في مقدمته .ولا شك بأن مثال الرستميين أعلاه يعطي أصدق تصور لما عنته بلادنا من تشويه لهويتها الحقيقية ، فأصبح كل من يتكلم العربية عربيا ، ففقدت الأمازيغية اثنيتها بالتبني المحرم شرعا ..(…. ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ ۚ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ۚ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَٰكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا .الأحزاب(5)….) ولوكان التخلي عن النسب مشروعا لما حافظ بلال على حبشيته ، ولا صهيب على روميته ، ولا سلمان على فارسيته ، ولا زيد على حارثيته( كان زيد يكنى بزيد بن محمد ، وبعد نزول الآية بسببه لقب بزيد بن حارثة ). فإذا كان انتساب فرد إلى غيره حرام ، فكيف الحا ل بالنسبة لأمة تتبنى أمة أقدم منها متميزة في تاريخها وحضارتها وهي الأمة الأمازيغية ، ويتساءل المرء بحرقة كيف أن أقواما إسلامية أخرى حافظت على عرقها كالهنود ، والبنغال ، والفرس والترك ، والأندونسيين ، وكانوا مسلمين بامتياز؟ أما نحن ففرض علينا منطق التبني قسرا . قد يقول قائل بأن بلاد الجزائر تحتضن أطيافا مختلفة من البشر ، نحن نقر ذلك ، ولكن هذه الأطياف قلة اندمجوا عرقيا في المجتمع المحلي الأمازيغي كما هو الحال في المثال عن الرستميين ، وإذا كان هذا منطقهم ، قد نكون رومانيين ، وأتراك ، وفينيقيين قبل أن نكون عربا . لأن هذه الأقوام هيمنوا على بلادنا قبل العرب، ولوكان الأمر كذلك لتحولت فرنسا إلى بلاد عربيةلأن بها أزيد من مليوني عربي ..؟ وقد يقول قائل آخر بأنكم عرب مستعربة عربكم الإسلام ، واللغة العربية لتي توظفونها في حياتكم اليومية ، في أسواقكم ، وشوارعكم ، ومنتدياتكم ، الخ ….وكان لزاما على هؤلاء الفصل بين العرق والدين واللغة ، وبين الثابت والمتغير ، وبين الأصيل والوافد .. أما الإسلام فقد جاء للناس كافة باختلاف ألوانهم وألسنتهم ، ولله وضع مقاييس الإيمان والتقوى بديلا عن العصبية فقال ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) وليس أعربكم ، ثم أن اللغة ليست ذريعة لتخلي الأمةعن عرقها ، ولو كان الأمر باللغة لترومنا وتفرنسنا، ولأصبح المكسيكيون أسبانا ، والسنغال فرنسيين ، والأمريكيين أنجليز …الخ . ان اهتمامنا كأمازيغ باللغة العربية ينبع من حبنا للإسلام ، ولأنها لغة أهل الملة ، بها ننسج أواصر الأخوة الاسلامية مع كثير من أهل ملتنا . وقد كان لأجدادنا صولة في نشرها وتطويرها (تذكروا الأجرومية لابن أجروم ، والألفية لابن معطي الزواوي ). 3) تناول التاريخ مع التلاميذ يتطلب مراسا وحنكة ، لأنه خطير في تناوله ، قد يحيد عن مبتغاه ، ويتحول إلى أداة هدم للذات المحلية اٍن أسيء استعماله ، وصدق من قال بأن التاريخ سلاح ذوحدين ، مثله مثل وسائل الاتصال في أيامنا( الفضائيات ، الانترنيت) فهي مصدر خير عميم ، و شر زخيم ، فما على المرء إلى الاختيار بينهما ، وأستاذ التاريخ يحمل هموم الوطن ومشاكله ، ولا شك أن تكوينه الديني والوطني يكفل له التمييز بين الغث والسمين من الحقائق التي توظف لتحقيق الغايات السامية التي تنشدها الأمة . هذا الأستاذ الذي يوفق أحيانا ، ويفشل أخرى لهوى في النفس أو حبا للذات ،أو استجابة لتعليمات فوقية . ومهما يكن فان مسؤولية الأبناء أمانة ، وأستاذ التاريخ هو الحصن المنيع الذي يحافظ على سلامة العقول من الخرف التاريخي الهدام . الخلاصة : إن الأمة الجزائرية أمازيغية في أصولها ، إسلامية في دينها ، تمازج بين اللغتين العربية والأمازيغية في ثقافتها ودينها ، ; وهي متفتحة على اللغات الحية الأخرى ، واهتمامها بلغة القرآن لاينسيها التزاماتها تجاه اللغة الأم .التي عزلت لحين من الدهر ، ثم بدأت تستعيد عافيتها باعتبارها لغة وطنية ، وقد تكون رسمية إذا صدقت الإرادة وحسنت النيات.
#الطيب_آيت_حمودة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوجه المظلم في تاريخ بني أمية .
-
قراءة لفعاليات المؤتمر العربي الأول(1913)
المزيد.....
-
أوكرانيا تقول إنها قبضت على صينيين يقاتلان لصالح روسيا.. وبك
...
-
ماكرون يقول إن فرنسا قد تعترف بدولة فلسطين في يونيو/ حزيران
...
-
زعيم المعارضة التركية يتحدى أردوغان ويؤكد أن النضال -سيستمر
...
-
تونس: صناعة الحصير التقليدي تواجه خطر الاندثار
-
الحوثيون وسوريا.. روبيو يعلق بعد لقاء وزير خارجية السعودية ف
...
-
خبير أمني يحذر.. هذه أهم علامات إصابة هاتفك بفيروس
-
إيكواس تُعرب عن قلقها إزاء التصعيد في أفريقيا: ماذا يحدث بين
...
-
تواصل الغارات الأمريكية في اليمن.. و-ملايين اليمنيين في خطر-
...
-
B?n c? vua h?i t?c 789club – Cu?c s?n kho b?u trên bi?n c?c
...
-
الاستخبارات الأمريكية تعلن عن عملية تبادل للسجناء مع روسيا ت
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|