|
كريم 10 - القرية 29-34
عبدالله الداخل
الحوار المتمدن-العدد: 2693 - 2009 / 6 / 30 - 10:24
المحور:
الادب والفن
29 في أيِّ يوم ٍحزين لي سوّلـَتْ نفسي الغناءْ على حدود قريتي؟ فلقد غنيتُ مرة ً خارجَها فهل كان حقاً غناءاً أم رغبة ًفي البكاءْ ؟ لأن الغناءَ أو البكاءَ في القرى وخارجَها عاداتٌ قديمة ٌ نـَمُتّ ُ لها بما نملكُ من فراقٍ أو مما يخامِرُ الفقراءَ من ظنون الفرح المبرقع بالعيدْ أو حين يعزّ على الصدور هواءٌ مُثـٌْقـَلٌ بالحديد ومن حُبّ ٍ تسرّبَ من أصابع ِ أقدامِنا لتربتها فتوزَّعَ أوّلُ العمرِ في عدل ِ أزقتِها لأن الغناءَ في أيّما قريةٍ لابُدّ مُفـْض ٍ إلى رَقص ٍ والرقصُ دوماً في القرى يأتي والحَصادُ يغني عند كل نافذةٍ مغلقة (أو حين تفتقدُ الحببية ُالحبيب) قبل أن يزنَ الحكماءُ والمسنـّونَ الحبوب أو يجلسوا مع الأطفال حولي ليشهدوا أن هذا هو الكيلُ الصحيح والصراط ُالمستقيم ولن يُقالَ في الميزان "عينٌ" لأنهم صنعوه فمن غش نفسَه ليس من الجميع ولا من نفسه فليس بيننا من يرزقُ من يشاءْ وليسَ من كيل ٍ أو حصةٍ للملوك ولا تجّار البهار لأنّ الأغنياءَ قد وضعوا عيونـَهم في كلّ ميزان ٍ سرقوا كلَّ نبيّ ٍ وصاروا مثلـَه يكذِبونَ مثلَ باعة المفرد؛ فكم شكتْ قريتي من الأكيال (وكثيرٌ من قرى العالمين كذلك) وكم كلّ ُ فردٍ بنا قد تعلقتْ عيناه بالمكيال قبل أن نقطفَ الرطبة َالأولى من أوّل بستان حتى من قبل ِأن ينضجَ القمحُ على التلال حين السنابُلُ ترسم خضرة ً شفـّافة ً في السماءِ بأهدابها الشاحبة فتغار الشمسُ على أشعتها؛ وكنا نشك بالميزان! وهذا الشكّ ُهو الأبُ الشرعيُّ للكلمات بكل أغنيةٍ بكل القرى في كلِّ حدٍّ وملهِمُ الألحانْ. 30 كان الميزانُ وما زال مائلا فكل موازين ِ الله رغم عيونها عمياءْ بل انَّ محورَه قد تقصّف في مَيْلهِ مذ كان الرز العنبرُ منحنياً مفكراً بعمق ٍفي جذوره القريبة وهو يراها تلوحُ تحت سطوح قشرة الفضة الممتدة من خصره ِ حتى أفـُق ِالفرات ناقشاً صورة ً لهُ بأقلام الرماد وعمق ِ الأديمْ ، فالعدلُ يمضي ولا يأتي وإنْ يَعُدْ فكبرق ٍ في أفق ِ باديةٍ يمرّ ُ بليل ٍ عميق ٍ بلا قـَطـْر ٍولا رعـْدٍ أو نسيم.
31 قريتي بجمال نخيلها الذي يخشى صواعقَ الأنواء (تغارُ من جـِنان ٍ ومن عسلٍ فكما فيها الجنة أيضا وحقائق الله وجمر الأغنياء) لا تلوح ككل القرى فهي تميلُ حانية ً لتضميد الحروق ِعلى كل يدٍ ففيها النارُ كعادتِها تختبر الأصابع لكن هذا الاختبارَ غريبٌ فالابهامُ والسبّابة ُتـُعنيان برطبةٍ أو فراشة مثلما تـُعنيان بجمرةٍ؛ وقريتي هي الأرطابُ من كل نخلةٍ رطبتان تجئ بينهما حَشَـفة شيصة ٌ بُـنـّيـّة ٌ يابسة ٌ صغيرة ٌ دبـِقة كريّة ٌخفيفة ٌ، جُوَيزَة ٌ فارغة محيية ً باحترام الصغار مخازنَ السكـّر الذهبي في أرض مجاورةٍ على العنقود فكوفئتْ بإغراقها عسلا ًمن كلّ صوبٍ فظلت أمينة ً لصيقة ً للعهد في حُسْن الجوارْ، وحين سبابتي وابهامي يلتقطانها يحسان بها خاوية ً كاوية ً كلزوجة ِ النارْ
32 كوتـْني وليس من جحيم بها لأصابعي سوى "استكان ِ" حليبٍ فائرٍ ومنه أبخرة ٌورائحة ُالحياة حين يُحرقُ سبابتي وإبهامي حزامُه الذهبيّ ُ في كل رشفةٍ تـُسْكِرُني وتظل نكهتـُهُ بأنفي بكل مكان ففيه الريفُ حِرّيفٌ في العشب والبرسيم كما تمرّ خفيّة ً طرية ً نـُفـَيْحة ٌٌمن دخان ِ خوص ٍ وجَريد يودّع جمْرا ً سجين علا من فم ٍ ملمّىً لتنـّور ٍ بعيد إذ ذاك تلوحُ مُرضعٌ حوراءْ عند كِتـْفِ تنورِها تدوفُ برفق ٍدائريٍّ وتدْحو في اللـّواثِ "لـُواجاتِ" العجين ويكوي الرغيفُ أصابعي ببخار سمسمهِ أو بفقاعةٍ بُنـّيةٍ أو حافـّةٍ بيضاء
33 بليل ِقريتي مبكرة ً تبدأ ُالآلامْ تداريني لتجهضَ الأمل فتزورُ منامي وتجسّ ُبؤسي ولا يأكل الناسُ فيها ما يشتهون بل ما يجدون من كِسَر الطعام أو فـُتاتِ الماءْ فكم بتُّ جائعاً مثلَ ليلٍ أو غـَصَصْتُ بنهر الحَصى فهل من سبيل ٍ بين نومي وصَحْوي سوى ثورةٍ تـُعنى بيأسي تواسيني عند سقوط السماء 34 قدِمْنا بها ونرحلُ أشباحاً تـُجسّدُنا سُمْكاً بعضُ أبعادِها في الضياء ضياءِ أحلامِـنا ويختفي كلُّ بُعدٍ لها في الظلام ولن يظل هنا رفيفٌ لأجنحة الصدى ولا ظلالٌ للكلام لأنـّا وإنْ كنا نمرُّ آثاراً تـُرى على زُرْق ِ السواحل ِ ليس من عظة ٍ هنا في صخور العظام فكل ما ترَكـْنا خيالٌ لما يمرّ منـّا على رمال ِالوهم وكل هذا المكان ِ ظلالٌ لما تسارعَ من غِـيام.
#عبدالله_الداخل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كريم 10 القرية 1-28
-
كريم 10 - القرية : 1-13
-
رفقاً بالرعية!
-
كريم 10 - القرية (14-28)
-
دخيلٌ على جُزُر الوحوش ِالصغار
-
في الذين ماتوا من أجل شئ ٍمن العدل، في العصر السابق للتوزيع
...
-
أكاذيب من عصر الشمبانزي السادس عشر
-
-أمينُ لا تغضبْ- قصيدة محمد مهدي الجواهري بعد انقلاب شباط 19
...
-
في ثقافة الاحتلال العراقية - محاولة في تشخيص بعض صفاتها الأس
...
-
كريم - 9 -
-
أوباما
-
إبتسامة ٌ آثمة
-
ألسْتَ القائل...؟
-
دفاعاً عن لامية الأدب العربي للجواهري
-
الخُطى -2-
-
الخُطى - 1 -
-
بعضُ أراءٍ في تموز (بمناسبة مرور نصف قرن على تموز1958 في الع
...
-
- محاولة ٌٌبدائيّة ٌٌفي البحث عن كُلِّيِّ الحكمة -
-
نسيج
-
روما 3
المزيد.....
-
أسلوب الحكيم.. دراسة في بلاغة القدماء والمحدثين
-
الممثل السعودي إبراهيم الحجاج بمسلسل -يوميات رجل عانس- في رم
...
-
التشدد في ليبيا.. قمع موسيقى الراب والمهرجانات والرقص!
-
التلاعب بالرأي العام - مسرحية ترامبية كلاسيكية
-
بيت المدى يؤبن شيخ المخرجين السينمائيين العراقيين محمد شكري
...
-
مصر.. الحكم بحبس مخرج شهير شهرين
-
مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي بتهم -الاعتداء والسب-
-
مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي شهرين لهذا السبب
-
الكويت توزع جوائز الدولة وتحتفي باختيارها عاصمة للثقافة العر
...
-
حتى المواطنون يفشلون فيها.. اختبارات اللغة الفرنسية تهدد 60
...
المزيد.....
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
المزيد.....
|