فدوى أحمد التكموتي
شاعرة و كاتبة
الحوار المتمدن-العدد: 2653 - 2009 / 5 / 21 - 09:26
المحور:
الادب والفن
التحدي الثاني :
**********
في غابات ذكرياتي , وفي ساحات الآمال الدفينة , وفي بوثقة كرة قلبيالموجعة لمحت حفار القبور هناك , يحفر هاوية كبيرة , كأنها مقبرة جماعية , ويرويها بماء
طاهر آتيا به من زمزم , والآخر من نهر الأردن , وآخر من دجلة والفرات , يسقييها كوردة بين أنامله , خوفا منه عليها أن تنكسر أو تتشوه , يلفها بريشة أصابعه ,
ويأخذها كطفلة نائمة على أريكة جناح القدر القاسي , ويطرب لها أغنية لحن الوفاء ,استغربت أهو إنسان أيضا مثلنا , يشعر , يبكي , ينوح , يصرخ , يفرح ...
وقفت أمامه مذهولة الفكر , شاردة ومشلولة القلب , لم أنطق بكلمة , لك نسرعان ما قال لي لا تسأليني يا صاحبة الحرف النقي , يا من تبحثين عن النقاء في سلة
مهملات بني الإنسان , أنا أكثر إنسانا بإنسانيتي ... لا ترين أني أتلذذ بحفر قبر للكل روح علت في سماء بارئها , أنا أبكي عليها لأنها انغمست في تلوث بيئي دني
من الذل والغدر والخداع , واستصغار الذات أمام من لا يفهمون ولا يراعون الذات المقدسة عند الله , ويتكبرون ويغدرون ويخادعون من تكون أرواحهم طاهرة , لكنهم
لا يعرفون أن تلك الأرواح التي امتزجت بنقاء ذات الله وصافئه , ستكون لعنة أبدية عليهم , وسيرمي بهم قسم النجوم , إلى دوران في دائرة مغلقة كلها مذلة , كلها
مهانة , كلها استصغار لقيمتهم البشرية , ولن يترفعوا عن هذا الوحل العكر الممزوج دائما بحب الأنا , وبالمكر والخديعة , والغدر الذين صاروا لحمة واحدة في جسدهم
وفي خلايا أرواحهم الملوثة .... كأني هنا في مقبرة جماعية , لمن يا ترى هذه الهاوية ؟؟؟؟ إنها لأصحاب هذه الأرواح الملوثة , العكرة , التي أياديها مصبوغة بحبر
أسود , وبدماء متعطشة للتذذ بعذاب الآخرين ...وما هذه المياه الطاهرة , زمزم , الأردن , دجلة والفرات ... الغالية ؟؟؟ يا صاحبة إمرأة لها كبرياء , وثورة أنثى ,
ورسم على شفاه , ودعوة مفتوحة , إنه الوفاء يا ماليكة الحرف الطاهر, بالرغم من أن أرواحهم نتنة , إلا أني وَفِيٌّ معها عن دفن أجسادهم المعفنة , فلا هم في الحياة
سعداء , ولا هم في الحياة الثانية سعداء , إني أروي تربتهم بمياه عطرة , عساها تكون لهم الشفاعة في هذا المحشر, حيث لايوجد لا سيد ولا عبد , حيث يوجد هناك
عمل المرئ في حياته ...وهل يشعروا يا حفار القبورأن مياه الطهارة تلف جسدهم الحقيربعدما صاوا قطع خشب مسوسة , أم أن أرواحهم النتنة , القذرة , صاحبة الغدر
والخيانة في أوردة شرايين دمائها التي تعطشت للتذذ بعذاب وتعذيب الآخرين ؟؟؟ يا من قلتِ في ذكرى جيفارا أنه لم يمت لكن بقت ثورته جامحة , إن كان للروح رغم
تلوثها , ونتانتها , وقذارتها , في الغدر والخداع والمكر ,والخيانة , فإنها لم ولن تشعر مطقا بهذه المياه العطرة الطاهرة , التي أسكبها الآن وأنا أطرب لحن الوفاء ,
تتسائلين لماذا أطرب هذه الأغنية بالذات لأني وَفِيٌّ يا سيدة الحرف مع الأموات , ولأني أشعر أن هناك سيأتي يوما وأكون هنا في هذه الحفرة , أرمي زرعا اليوم لكي
أحصد زرعا غدا ....وماذا عن أصحاب الأرواح النقية , التي تبحث لها عن النقاء, والصفاء , والطهارة , في زمن أصبحت فيه الطهارة مذلة , والغدر والخديعة
والمكر معزة سيدة بلاط ذكرياتك الأليمة , رفقا بحالك , وكفى من جلد ذاتك ...
وما الجلد لذاتي إلا لكون صاعقة أحلت بي , لم أتوقعها ولم تخطر على بنات أفكاري
إن كان للجلد درب يا سيدة الحرف , يا من تكتبتين بثورة قوية جارحة , وبصرخات مدفونة , وبدموع جامدة , فليكن لكِ الترفع عن تلك الأرواح النتة , القذرة , التي لا
تملك إلا الغدر بابها , والخداع دربها , والتلذذ بتعذيب الآخرين سعادتها , فأنتِ راقية بكل كلمة تكتبينها , وأنتِ قوية كالفلاذ في مواجهة الذات , ذاتكِ يا سيدة الحرف
النقي , وما أخطر من شيء في الوجود إلا مواجهة الذات بالذات , وتمزيق وعري كل لحظات توهم أنكِ كنتِ فيها وبها سعيدة , إنها أكبر وأخطر مواجهة , مواجهة
الذات بالذات , إنكِ الآن لا تجلدي نفسكِ فقط , وإنما أنتِ تضعين النقاط على حروف الوجود , فأنتِ صاحبة الكلمة , وصاحبة الحرف, الذي تتلاعبين به بخيوط جد
محبكة , وجد مسيطرة على أنامل أفكاركِ التي ترفضين فيها البتة المطلق , الخضوع والخنوع , والركوع لأي إرادة في الوجود سوى إرادتكِ يا سيدة الموقف , ويا
سيدة الحرف .....
**************************
يا مأساتي , ويا جراحي , أناشدكِ بكل لحظة عذاب وألم , أن تمهليني برقة رقصة استراحة كاسرة , أتنشق فيها لهيب نار قلبي , ومشاعره الدفاقة الهائجة , وألملم نثرات خلايا المرارة المقدرة من لحظة ولادتي إلى حشري مع آلامي وجراحي في قبر الحياة الأخرى المرتقبة .....
أناشدكِ أيتها المأساة اللعينة على وجودي , وقدري المرهون بقهر مرير عبر الأزل , واقتهار أمر في دنيا المادة اللعينة الفانية ......
أناشدكِ الرحمة ولو للحظات , أعزف فيها لحن شجوني , وعلى أوتار أوردة دمي المتجمد المسفوح , يتسلل انبهارا كشلال متدفق من سلسبيل العذاب المثلج من نهر الانكسار ......
أناشدكِ يا أيامي اللعينة , أُصَحِّي فيك لحظة دموع جافة , من عيوني الساهرة , التي صارت والليل رفيقها , وقطارها ليس له بداية , وليست فيه محطات للوصول إلا شرب كأس المرارة , في فنجان عاصفة هوجاء مدمرة , ورياح ملؤها أيام حياتي الحزينة , تميل شمالا بهدوء سابق للعاصفة , وتارة أخرى تتأرجح يمينا فتسقط ثمار الآلام الدفينة , في أعماق جراحي المريرة .....
أناشدكِ ساعة الزمن المتواصل , في لحظات عمر سريعة , تساقط فيها أشجار ربيعي الذابلة , وتذهب بي إلى خريف يملأ خلايا ذاتي المقهورة , من عتبات قهر مرير , واقتهار أمر , في لحظات سكوني الثائرة ....
بربيع يملأ لحمة جسدي , وخلايا أوردة دمي و وخريف ممتلئ في كأس فكر يسمو على نقطة ثمالة نبيذ طاهر من الخمرة المقدسة في روحي التي تسعى للوصول للسرمدي , تبقى رهينة بكتابة رسالة الغفران , لقديس القدر اللعين , الذي لازم وجودي حتى في اللاوجودي , طالبة منه شفاعة المجني لدى محكمة النقض , الزمن , الذي تجري أيامه بماء زمزم بلا بداية ولا نهاية , مُـقَـبِّـلَـةً أيدي الأساقفة و والمطارنة وكاهن ذاتي ... عقلي ... فكري ... أهو لعنة لي .... أم لعنة علي ... أم نعمة الله في ظلال نفسي ........ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
**************************
رقصة حزن
********
قاعة محكمة النقض الزمن , في جلسة سرية , تم إعلانها على جدار أرصفة الذات المقهورة , بعدما كانت لحظات ركود جافة , تتجول في أزقة خلايا الفكر , رافعة تارة راية السكون الهادئ , كموت سريري في شرايين أوردة قلب دافق بأسمى المشاعر , والتحليق بها في فضاء سرمدي لحب طاهر , وقاهر , وتارة أخرى بهيجان بحر ثائر , في سفينة ذات متمردة , ربانها فكر صار بكثرة عقلنته مجنونا في مشفى كهنوت الذات , ساد الصمت قاعة المحكمة , والقلب مرة يبدو أنه يخفق بسرعة برق العيون الساهرة , ومرة يتوقف في ثلاجة الانكسار وكثرة الجراح والآلام الدفينة .....
دخل القاضي , وهو يبلس غصن زيتون أخضر, حاملا في يده اليمنى أوراق مجلدات الزمن المفقود , الحياة الهنية , وفي يده اليسرى مطرقة سيلان من الأحزان العميقة , المتجذرة في انكسار ذات متمردة ثائرة ... وابتدأت الجلسة ...
في ذاك الركن دفاع عام يبلس ثوب شجر الزيزفون . وفي الركن الآخر يبلس ألوان الطبيعة تتموج بين البياض والأسود , وبين الأصفر والأخضر , إنه مدون الزمن , تاريخ كتابة شهادة ميلادي , في الوسط توجد ذاتي هي الدفاع و تلبس ثوب غصن الخيزران , وفي قفص الاتهام , يوجد قلبي الذي يترجمه عقلي ... بصفاء روحي الطاهرة , وبلورة شفافة رقيقة من المشاعر المتوهجة , وصدق ونقاء في قول كلمة يقدسها فكري قبل قلبي ...
كلمة .... أحبك
وللحديث بقية
/
/
/
فدوى
#فدوى_أحمد_التكموتي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟