أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعدون محسن ضمد - الدين والانثروبولوجيا














المزيد.....

الدين والانثروبولوجيا


سعدون محسن ضمد

الحوار المتمدن-العدد: 2635 - 2009 / 5 / 3 - 08:35
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أشعر دائماً بأن علم الانثروبولوجيا يتقاطع مع التدين. واستغرب في حال صادفني باحث انثروبولوجي متدين، سواء ممن أقرأ لهم أو التقيهم. أما لماذا؛ فلأن هذا العلم يدرس حضارة الإنسان والدين مفردة من مفردات هذه الحضارة، الأمر الذي يُمَكِّن الباحث في الانثروبولوجيا من نقطة مراقبة تكون دائماً فوق حضارة المجتمع الذي يدرسه، أو بعبارة أدق؛ من نقطة تكون منفصلة عن الضغط العاطفي الذي تمارسه الثقافة على أفراد مجتمعها. بالتالي تكون المراقبة لا عاطفية (ما أمكن)، الأمر الذي يكشف علاقة الدين ـ أو تأثره وتأثيره ـ ببقية مفردات الثقافة التي ينتمي لها. وهكذا يشاهد الانثروبولوجي كم أن الأديان تتأثَّر ببيئته الإنسان. ويشاهد بأم عينه كيف أنها تنمو وتترعرع وتزدهر وتذبل وتجف وتتكسر.. بل وتندثر. وعلى هذا الأساس ألا يعود غريباً أن يبقى الانثروبولوجي متديناً؟
كما أن الانثروبولوجيا، من جهة أهم، تستكشف، بحكم تخصصها، الدور الوظيفي الذي تؤديه فكرة المقدس بالنسبة لبنية الجماعة التي تعمل داخل إطارها. الأمر الذي يُعرّض هذه الفكرة للترهل، بالنسبة لمن يبحث في وظيفتها. ومن هنا يبدو غريباً على مختص بالانثروبولوجيا أن ينتمي عاطفياً للموروثات العقائدية المقدسة، الخاصَّة بجماعته؛ لأنه، بالتأكيد، سيفكر بالوظيفة التي تؤديها هذه المقدسات بالنسبة للجماعة، فيكتشف، مثلاً، أنها مكرسة لحماية تماسكها، أو أنها مشكَّلة بطريقة تدعم نظامها الاقتصادي أو تؤسس لشرعية نظامها السياسي.. وهكذا. إذن، وبعد كل ما يبحثه الانثروبولجي أو يقرأه بخصوص معتقدات الشعوب وأديانها، وعلى الأخص عندما يعمل بمجال المقارنة بين أديان الشعوب المختلفة. كيف يمكن له أن يبقى متديناً؟.. إلا إذا افتقد طبعاً للعقلية النقدية، ما يمنعه من الحصول على المشهد الثقافي الذي ينتمي إليه دون مؤثرات عاطفية تذكر.
عندما تتَطَّلع على تنوعات الأديان وبما تحتوي عليه من أفكار مقدسة تستتبع طقوساً، هي الأخرى مقدسة، يمكن لك أن تجد الخيط الناظم لمجموعة هائلة من الأفكار والفعّاليات البشرية الدينية، التي يبدو عليها أنها مشتتة ولا يشبه بعضها بعضاً. فمهما بدا على طقوس الهندوس أنها تختلف جذرياً عن طقوس اليهود، فإن المقارنة الدقيقة بين هذين الدينين، وبين غيرهما من الأديان، سرعان ما تكشف للباحث المُقارِن مجموعة المشتركات، التي بالوقوع عليها تبدو بقية المختلفات وكأنها هامشية وغير مهمة.
من هنا يكتشف الانثروبولجي معنى أن الدين ظاهرة اجتماعية بشرية، مكرسة لخدمة الجماعة وتحقيق الهدف من عملية تجمع أفرادها، وأيضاً حماية هذا الهدف، ما أمكن. بالتالي يكون الدين في جذور نشأته التاريخية فعلاً اجتماعياً يهدف لتحقيق غايات اجتماعية يأتي بمقدمتها الحفاظ على كيان المجتمع وضمان تماسكه وتحقيق شخصيته وحمايته من التفكك، وكل هذا يتم تحقيقه من خلال فكرة المقدس. لكن كيف؟
هناك علاقة وطيدة بين الدين والتقديس، إذ الدين يقوم على دعامات هي عبارة عن أفكار مقدسة. وما تقديس الأفكار إلا عملية (تعمية) غير مباشرة، الغرض منها صيانة هذه الأفكار من نوازع التمرد لدى الإنسان. فالدين يتقاطع مع النقد ليس ـ بالضرورة ـ لأن الدين ككيان يتناقض مع التمرد، لكن ـ بالضرورة ـ لأن الأديان، في أغلب صورها، تمثل المؤسسات المسؤولة عن ضمان تطبيق أفراد المجتمع لكل السلوكيات والأخلاقيات التي يقوم بناء المجتمع عليها. ومثل هذا الضمان لا يمكن خلقه أو تكريسه في شخصيات الأفراد إلا من خلال الإيمان التسليمي غير المبني على الفهم الدقيق. وهو الإيمان الذي يخلقه الدين، ويسوقه من خلال فكرة المقدس، التي هي فكرة متأسسة على الإيمان غير المرتبط بالفهم والرافضة لكل أنواع النقد.




#سعدون_محسن_ضمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أدونيس يبحث عن العراق.. ثلاث لقطات من مشهد كبير وواسع
- لقد ذهبت بعيدا
- من المسؤول عن عودتهم
- إحساس ومسؤولية
- ناقل كُفْر
- اسمه الوحي
- الخائفون، ممن؟
- من لي برأس هذا الفتى الصخّاب*؟
- كذبة الحرية
- خطاب الصناديق السياسي
- وداعا للخراتيت
- اعتدالنا
- حدُّ الأطفال
- ثالث الثلاثة
- عصابات المسؤولين
- قف للمعلم
- أنت الخصم
- رسالة إلى هتلر
- ريثما يموت الببَّغاء
- الإنسان الناقص


المزيد.....




- وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق ...
- جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
- فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم ...
- رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
- وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل ...
- برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية ...
- الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في ...
- الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر ...
- سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعدون محسن ضمد - الدين والانثروبولوجيا