أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صبحي حديدي - الوصايا الكاذبة














المزيد.....


الوصايا الكاذبة


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 790 - 2004 / 3 / 31 - 08:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في آذار (مارس) سنة 2001، وخلال المحاضرة الافتتاحية لمركز الآداب الآسيوية والأفريقية في جامعة SOAS البريطانية، تحدّث الراحل إدوارد سعيد عن ظاهرة الجهل التي تعمّ المجتمع الأمريكي، صغاره وكباره. وضرب المثل الأوّل في يافع لا يعرف أين تقع إيطاليا، والمثل الثاني في شيخ (وأيّ شيخ!) عجز عن تسمية دولة واحدة تشترك في الحدود مع العراق، وبعد تردّد قال: روسيا، ربما؟
الراحل سعيد لم يذكر اسم الأمريكي اليافع، ولكنه منحنا بهجة معرفة هويّة الأمريكي الشيخ: إنه الممثّل الشهير شارلتون هستون، دون سواه! أليس في الأمر غرابة... فظيعة؟ أليس هذا هو الممثّل الذي لعب دور موسى، في الفيلم الشهير "الوصايا العشر"؟ ألا تنطوي سيرته الذاتية، التي صدرت بعنوان "في الحلبة"، على عشرات الفقرات التي تصف انغماسه في دراسة تاريخ المنطقة، بغــــية تقمّص الدور على أكمل وجه؟ وكيف يمكن له أن يدرس أيّ تفصيل في تاريخ هذه المنطقة، دون أن يعرف جغرافية العراق؟ هل يعقل أنه لم يكن يدرك أنّ بلاد الرافدين، بلاد ما بين النهرين، هي نفسها العراق الحديث؟
وفي عام 1961 لعب هستون دوراً كبيراً ثانياً ذا صلة بالمنطقة، في الفيلم الفروسي "السيد"، حيث يؤدي شخصية الفارس الإسباني الذي يخوض معركته الفاصلة الأخيرة وهو جثة هامدة. كان هذا الدور بمثابة "مزج بين الجسد الفروسي لدون كيخوته، والروح المقاتلة لأمير أندلسي، والدراما النفسية المشدودة لهاملت شكسبيري" كما كتب هستون. هل درس تاريخ الأندلس آنذاك، بعمق واحترام كما يؤكد في مذكراته؟ وإذا كان قد فعل، كيف فاته أنّ العراق صنو الأندلس؟ أخيراً، في فيلم "الخرطوم" حيث لعب دور الجنرال البريطاني شارلز غوردون الذي يحاصر الزعيم الديني والوطني السوداني المهدي (لورانس أوليفييه)، كيف لم يصادف خريطة العراق وهو يغرق في تاريخ الحركات الصوفية الإسلامية كما يزعم؟
لقد تذكّرت محاضرة الراحل إدوارد سعيد بالأمس فقط، وأنا أقرأ مادة عن حماس شارلتون هستون للحزب الجمهوري (وهذا ليس بالأمر الجديد)، ولإعادة انتخاب جورج بوش (وهذا ليس جديداً تماماً، هنا أيضاً)، وسخريته من الذين يبحثون عن تبرير لاجتياح العراق من خلال مواصلة التنقيب عن أسلحة الدمار الشامل العراقية... وهذا هو الجديد، والطريف. ففي أطوار حشد/خداع الرأي العام حول وجود وجاهزية وخطورة تلك الأسلحة، كاد هستون يقسم بأغلظ الأيمان أنها موجودة، قاب قوسين أو أدنى من بصره. وأمّا اليوم فإنه لا يتمني على الأمريكيين نسيان تلك الأسلحة فحسب، بل يتساءل ساخراً: مَن يعبأ بها الآن؟
كلّ هذا من رجل كان يظنّ أنّ العراق جار لروسيا!
من جانب آخر، لا يخفي هستون آراءه المحافظة ـ اليمينية. إنه يترأس، منذ سنوات طوال، "رابطة البندقية الوطنية" NRA التي تدافع عن حقّ الأمريكي في حمل السلاح الثقيل وليس مجرّد المسدس الذي يكفي للدفاع عن النفس. ولقد خاض في هذا الميدان غمار عشرات المعارك ضدّ كلّ وأيّ تشريع يحدّ من هذا الحقّ، وكانت أشرس جولاته ضدّ الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون. وبسبب فلسفته المؤيدة لتشريع حمل السلاح الثقيل، كان هستون عرضة لسخرية مريرة من السينمائي والناشط اليساري مايكل مور في الشريط الشهير Bowling for Columbine.
وفي انتخابات الكونغرس لعام 1986 تبيّن للحزب الجمهوري أن الممثّل التوراتي والفارس الأندلسي والجنرال البريطاني... هو أفضل المرشحين لمنصب السناتور عن ولاية كاليفورنيا. هذه، في نهاية الأمر، هي الولاية التي عبّدت الخطوة الأولى في درب رونالد ريغان إلى البيت الأبيض، وهي اليوم فتحت ذراعيها لأشهر من جسّد أدوار الغطرسة العسكرية الأمريكية، أرنولد شوارزنيغر، ومنحته منصب الحاكم.
ملابسات غامضة، وصراعات داخلية على الأرجح، حالت دون ترشيح هستون آنذاك، فاكتفى بالتصريح الشهير الذي يحفظ ماء الوجه: "إنني أفضّل أداء دور السناتور على أن أكون السناتور بلحمه وشحمه"!
وفي المقالات العديدة التي واصل ويواصل كتابتها في أسبوعية National Review الجمهورية اليمينية، ظلّ هستون بالغ الحماس للجانب العسكري في الشخصية الأمريكية، شديد الدفاع عن المهامّ التبشيرية الملقاة على عاتق اليانكي "جوّاب الآفاق". وفي أحد المقاطع المدهشة من سيرته الذاتية، كتب يقول: "لقد رأيت في مارتن لوثر كنغ شخصية موسى، والحلم الذي راود كنغ لتحرير شعبه الأسود المعذّب هو وصايا الحقّ التي يجب أن نقف إلى جانبها. إنها وصايا عشر ضد العنصرية والإستعباد وإيقاظ أبشع ما رسخ في تراث العم سام من أمراض".
عجيب من قائل هذه الكلمات، التقيّة النقيّة الورعة، أنه طبّل وزمّر للحروب الصليبية التي خاضها جورج بوش في أفغانستان والعراق، مثلما يطبّل اليوم ويزمّر لإبقائه في البيت الأبيض أربع سنوات أخرى. ولأنّ انتخابات الرئاسة الأمريكية تنطوي على الكثير من عناصر المسرح والميلودراما (تذكّروا إعادة إحصاء صناديق فلوريدا!)، فإنّ حماس أمثال هستون لأمثال بوش/تشيني سوف يؤمّن لنا مسخرة كافية طيلة الأشهر الثمانية القادمة!



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- استشهاد الشيخ أحمد ياسين: هل تنقلب النعمة إلى نقمة؟
- صباح الخير يا كاسترو!
- أهي مصادفة أنها اندلعت في المحافظات الشرقية المنبوذة المنسية ...
- العروس ترتدي الحداد
- قد تصطبغ بلون الدماء حين يخرج جياعها إلي الشارع: روسيا التي ...
- تهذيب العولمة
- المواطن الأول
- ليس بعدُ جثة هامدة ولكن احتضاره ثابت وفي اشتداد حزب البعث بع ...
- تكريم إيهاب حسن
- الفنـّان والسـفـود
- دانييل بايبس الأحدث: يوم فالنتاين معركة حول -روح الإسلام-!
- اتفاقية سلام سورية – إسرائيلية: ما أبعد البارحة عن اليوم!
- معيار الفسيفساء
- تركيا: حوّلت الجار السوري إلى شرطي حراسة ساكت عن الحقّ
- قصور كرتون العولمة: حين ينقلب البشر إلى كلاب من قشّ
- بوش في -حال الإتحاد-: تلويحة القيصر.. ابتسامة الإمبراطورية
- راباسّا: أعظم الخونة!
- معارك إيران السياسية: لا مناص من انتصار الإصلاحيين
- حكاية مكتبة
- جمهورية ثانية- في جورجيا: ذهب المافيوزو وجاء البيدق!


المزيد.....




- نتنياهو يتعهد بـ-إنهاء المهمة- ضد إيران بدعم ترامب.. وهذا ما ...
- روبيو: إيران تقف وراء كل ما يهدد السلام في الشرق الأوسط.. ما ...
- بينهم مصريان وصيني.. توقيف تشكيل عصابي للمتاجرة بالإقامات في ...
- سياسي فرنسي يهاجم قرار ماكرون بعقد قمة طارئة لزعماء أوروبا ف ...
- السلطات النمساوية: -دافع إسلامي- وراء عملية الطعن في فيلاخ و ...
- اللاذقية: استقبال جماهيري للشرع في المحافظة التي تضم مسقط رأ ...
- حزب الله يطالب بالسماح للطائرات الايرانية بالهبوط في بيروت
- ما مدى كفاءة عمل أمعائك ـ هناك طريقة بسيطة للغاية للتحقق من ...
- ترامب يغرّد خارج السرب - غموض بشأن خططه لإنهاء الحرب في أوكر ...
- الجيش اللبناني يحث المواطنين على عدم التوجه إلى المناطق الجن ...


المزيد.....

- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صبحي حديدي - الوصايا الكاذبة